Search from the Journals, Articles, and Headings
Advanced Search (Beta)
Home > Al-Basirah > Volume 7 Issue 1 of Al-Basirah

معاملة المخطئين والجاهلين في ضوء السيرة النبوية العطرة |
Al-Basirah
Al-Basirah

Article Info
Asian Research Index Whatsapp Chanel
Asian Research Index Whatsapp Chanel

Join our Whatsapp Channel to get regular updates.

خلق الإنسان مزوّدا بقدرة الاختيار بين البديلات، ولم يجعله الله تعالى معصوما عن الوقوع في الخطأ، واقتراف الآثام، بل بيّن له طريق الحقّ وأرشده إليه ورغّبه فيه، ووعده بجزيل الثواب إن لزمه وسار عليه، وأوضح له طريق الضّلال وحذّره منه، وتوعّده بأشدّ العقاب إن آثر الغي على الرّشد، والضّلالة على الهداية، ومع كلّ ذلك فقد تكرّم عليه خالقه بفضله الكبير، فترك له باب التوبة مفتوحا أمامه، يرجع إليه متى شاء، قبل أن يطرق الموت بابه، ولا يعني هذا أنّ الإنسان إذا اختار طريق الحق والهدى، فقد عصم من الوقوع في الأخطاء، وارتكاب الذنوب، واقتراف المعاصي، ولكن المؤمن إن صدر منه شيء من ذلك في غفلة منه، أو غلبته أهواؤه، أو ظلم نفسه، فإنّه لايصرّ على المعاصي، بل سرعان ما يذكّره إيمانه بما اقترفت يداه من إثم، فيتألم ويتوجّع، ويستغفر ربّه، ويتوب إليه، الأخطاء التي يقع فيها الإنسان ليست على درجة واحدة، بل هي متفاوتة تفاوتا كبيرا، فمنها الخطايا الصّغيرة، ومنها الخطايا الكبيرة، ومن النّاس من يقترف الصّغائر ومنهم من يقع في الكبائر، وحين أكل أبوانا عليهما السّلام من الشّجرة المحرّمة عليهما، كانا مخطئين، وسرعان ما أحسّا بوجع خطيئتهما، وندما على فعلهما، وأقلعا عن المعصية، وأعلنا توبتهما، وبدا ضعفهما واحتياجهما الشّديد إلى من يأخذ بيديهما، ويجبر كسر نفوسهما، ويمدّهما بالعفو والرّحمة، فتضرّعا إلى الله عزّ وجلّ، وطرقا باب مغفرته ورحمته، قال تعالى على لسانهما:﴿قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾([1]).

 

ففتح الله تعالى لهما الباب، وقبل توبتهما، وشملهما بعفوه، وأذاقهما رحمته، إِنَّهُ تعالى توّاب رحيم، جواد كريم، فقال جلّ من قائل:﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾([2]).

 

وقد كان النّبي ﷺ المثل الأعلى في كيفية معاملة المخطئين والجاهلين، فلم يصدّ وجهه عنهم، ولا أعلن عن هجرهم للأبد، أو طردهم من المجتمع، أو اعتبارهم قذارة ينبغي الابتعاد عنها، أو نظر إليهم نظرة دونية، بل عاملهم بصدر رحب، وبمنتهى الرفق، والشفقة والتسامح، وأخذ بأيديهم إلى طريق الصواب والهداية، وكان رفقه حاضرا في المواقف كلّها، فهو شمس لاتغيب، وعفوه يسع العالمين، وقد تجلّى رفقه بالمخطئين والجاهلين في صور عديدة، فنراه ﷺ يقابل فظاظة بعض النّاس وغلظتهم وسوء أدبهم، بالرفق والرّحمة واللّين، وأحيانا بالعفو والتسامح، وأخرى بالابتسامة والعطاء، وغير ذلك من المواقف النّبيلة التي تسمو عن الانتقام والثّأر، والانتصار للنفس، واحتقار الآخرين، وهذه الفضائل لا تصدر إلاّ من نفس سامية، تجرّدت من المطامع، وأخلصت نيتها لله وحده، وعلت في سماء التزكية علوا كبيرا، فقد كانت سيرته ﷺ نبراس هداية للعلماء والدعاة والمربين والنّاس أجمعين، وهذا ما سيبرزه هذا البحث، ويكشف عن تفاصيله خلال المباحث التالية:

 

المبحث الأوّل: رفقه بالمخطئين

قام النّبيّ ﷺ بتبليغ النّاس رسالة الإسلام التي كانت شغله الشّاغل، ولم ينس لحظة أنّه بعث معلّما ومربيّا، فكان يترفّق بالنّاس في تعليمهم، فيعذر جاهلهم، ويأمر أصحابه بالتلطّف في تعليم النّاس دينهم، وينهاهم عن التشدّد وخشونة المعاملة، فامتلأت قلوب النّاس بمحبّته، وحفظوا عنه كلّ تصرّف يقوم به، صغيرا كان أو كبيرا، وحتّى مع الذي يسيء في أقدس اللّحظات التي يقف فيها العبد بين يدي ربّه مناجيّا، كان ﷺ يحتضنه برحمته ورفقه، ويعلّمه بكلّ لطف، وقد ذكر معاوية بن الحكم السّلمي رضي الله عنه أنّه كان يصلّي مع رسول الله ﷺ فعطس رجل من المصلّين، فشمته، فرمقه المصلّون بأبصارهم، فسألهم مستنكرا نظرهم إليه، فضربوا أفخاذهم بأيديهم، فسكت، وحين انتهى الرّسول ﷺ من الصّلاة، ما زجره، ولا كهره([3])، ولا عاتبه، ولا نهره، بل أقبل عليه بكلّ رفق، ورحمة، يعلّمه أنّ الصلاة عبادة، ولاينبغي للمصلّي أن يتكلّم فيها بشيء من كلام النّاس، غير قراءة القرآن والتسبيح والتكبير([4])، ومظاهر رفقه بالمخطئين كثيرة، منها:

 

إرشاد بلا تعنيف

يغضب الإنسان إذا أصابته قذارة غيره، ويستشيط غضبا إذا كان الفاعل متعمّدا، فإذا امتدّ الأذى إلى مكانه المقدّس الذي يتعبّد فيه، فإنّ أقلّ مايفعله به أن يوجعه ضربا، هذه طبيعة النّفوس، أمّا الحبيب المصطفى معلّم النّاس الخير، فإنّ رفقه لانظير له، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه بينما كانوا في المسجد مع رسول الله ﷺ دخل أعرابي للمسجد، وبال فيه، فقام الصّحابة ينادونه ليتوقّف عن فعله، فأمرهم النّبي ﷺ أن يتركوه، فلمّا أكمل بوله، دعاه الرّسول ﷺ وبيّن له أن المساجد ليست للبول والقذر، وإنّما هي للصلاة وقراءة القرآن، وذكر الله تعالى، ثمّ أمر رجلا أن يأتي بدلو من الماء، ويريقه عليه([5])، ثمّ أقبل على أصحابه، يرشدهم إلى التزام منهج التيسير في حياتهم، والابتعاد عن التعسير([6]).

 

فهو ﷺ ليس فقط عفا عن الرّجل، بل إنّه لم يعنّفه، وأكثر من ذلك أمر من ثارت ثائرتهم عليه أن لايقاطعوه حتّى ينتهي من قضاء حاجته، كي لايتضرّر أو يزداد الضّرر، ثمّ يطهّروا المكان بالماء، وأقبل على الرّجل يعلّمه برفق ولين وصار هذا الأعرابي بعد أن فقه، يردّد أنّ النبيّ ﷺ لم يضربه، ولم يسبّه، ولم يؤنّبه([7]).

 

عفو وعطاء

تؤثّر البيئة التي يعيش فيها الإنسان في طبائعه وسلوكياته، فيأخذ منها وتأخذ منه، ولقد كان الأعراب يقطنون البوادي والمفاوز، فأخذوا منها شدّتها وعنفها في أي مكان نزلوا فيه، وحتى أنّ الواحد منهم، كان يوجّه كلامه للنّبي ﷺ بعنف شديد، ويخاطبه باسمه، ويمسكه من ثيابه بقوّة، وكان ﷺ يقابل معاملتهم القاسية، وسوء أدبهم، بالرّحمة واللّين، والعفو والتسامح، والابتسامة والعطاء، فتحقّق فيه قوله تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾([8]).

 

وبهذه الرّحمة تمكّن من تهذيب الجفاة وتأديبهم وتربيتهم وتعليمهم، فأضحوا أساتذة الدّنيا في الأدب والرّحمة بكلّ ماخلق الله، وقد ذكر أنس بن مالك رضي الله عنه أنّه كان يمشي مع رسول الله ﷺ فجاء أعرابي وشدّ النّبي بكلّ قسوة من برده النّجراني الغليظ الحاشية، فلما نظر أنس بن مالك إلى عاتق النّبي ﷺ رأى أثر الشدّة فيه، ثم طلب الأعرابي من النّبيّ ﷺ أن يأمر له من مال الله الذي عنده، فالتفت إليه النّبيّ ﷺ ضاحكا، وأمر له بعطاء([9]).

 

يعذر من لم يعرفه، ولايؤاخذه بجهله

كان ﷺ متسامحا، يعذر من لم يعرفه، ولايؤاخذه بجهله، ويترفّق به، ولاتمنعه مصائب النّاس وأحزانهم من نصحهم وإرشادهم، وذات يوم مرَّ النّبيّ ﷺ بامرأة تبكي عند قبر، فأمرها بتقوى الله تعالى والصّبر، فزجرته وهي لم تعرفه، زاعمة أنّه لم يصب بمثل مصيبتها، فلمّا قيل لها إنّه الرّسول ﷺ، فهرعت إليه تعتذر، فبيّن لها أنّ الصّبر إنّما يحمد عند الصدمة الأولى»([10]).

 

محاسبته لعماله

لم يكن النّبي ﷺ يطلق أيدي عمّاله يتصرّفون في أمور الرّعية كما يشاؤون، بل كان يمنعهم من أن يتّخذوا مناصبهم مطية لتحقيق مطامعهم، وأن يسعوا وراء مغريات ومغويات الدّنيا، وينهاهم عن الاقتراب من الشّبهات، ويبيّن لهم خطورة ركوب الأهواء والغفلة عن كيد الشّيطان، ويسألهم عن أعمالهم ويتابعها بنفسه، ومن كان منهم مقصرا حاسبه على تقصيره، ومن قبل منهم عطايا النّاس وهداياهم سحبها منه، وأعادها إلى بيت مال المسلمين، وقد استعمل نبيّ الرّحمة على الصّدقة رجلا من قبيلة الأزد يدعى ابن اللتبية، فلمّا جاءه بالمال دفع جزءا منه إليه وأخذ جزءا منه باسم الهدية، فحاسبه النّبي ﷺ وأخذه منه وطلب ممن يلي له عملا أن يجلس في بيته ثمّ ينظر، هل سيهدي النّاس إليه أم لا، ثمّ أقسم ﷺ أنّه لايأخذ أحد من المال شيئا إلاّ بعث يوم القيامة وهو يحمل ذلك المال على رقبته، سواء أكان ذلك من الإبل أو البقر، أو الغنم، ثمّ رفع يده بالدّعاء حتّى ظهر إبطاه، وهو يشهد الله تعالى ثلاثا على تبليغه لرسالته([11]).

 

كما حذّر النّبي ﷺ ولاته من استغلال نفوذهم، للتعسير على النّاس وإرهاقهم، وقد دعا الرّسول ﷺ على كلّ من ولي أمرا من أمّته واتخذه وسيلة ليشقّ على عباد الله تعالى أن يشقق الله عليه، ومن ترفّق بهم وعاملهم بلطف من غير تعسير أن يرفق الله تعالى به([12]).

 

رفقه بالمخلّفين

خرج النّبي ﷺ لقتال الرّوم في غزوة تبوك، وكانت في عزّ الصيف، فتخلّف ثلاثة من الصّحابة من غير عذر، ثمّ ندموا على فعلهم، وضاقت بهم الأرض بما رحبت، وعندما تاب الله عليهم أراد أحدهم وهو كعب بن مالك رضي الله عنه أن يتصدّق بجميع ماله لشدّة فرحه بتوبة الله عليه، فمنعه النّبي ﷺ رحمة به وأمره بأن يمسك بعض ماله فهو خير له، فأخبره أنّه يمسك سهمه الذي بخيبر لأنّ الله نجّاه بصدقه وأنّ من توبته ألاّ يحدّث إلاّ صدقا ما دام حيّا، وأنّه لا يعلم أحدا من المسلمين ابتلي في صدق الكلام منذ أن ذكر ذلك لرسول الله ﷺ كما ابتلاه الله تعالى، وما تعمّد الكذب أبدا وأنّه يسأل الله تعالى أن يحفظه فيما بقي من حياته([13]).

 

رفقه بأصحاب الحديبية

بعد أن تمّ الصلح بين المسلمين والمشركين في الحديبية وفرغ من الكتاب أمر النّبي المسلمين أن ينحروا ثمّ يحلقوا، فلم يطيعوا لشدّة ما أصابهم من الحزن، وقد ذكر عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّه لما فرغ الرّسول ﷺ من المعاهدة مع المشركين أمر أصحابه أن يقوموا للنّحر والحلق فلم يقم منهم أحد، فكرّر لهم ذلك ثلاثا، فلما رأى أنّهم لم يمتثلوا لأمره دخل على أمّ سلمة رضي الله عنها وذكر لها ذلك، فأشارت عليه أن يخرج إلى النّاس، ولا يكلّم منهم أحدا حتى ينحر ويحلق، ففعل ما أشارت به عليه، فلمّا رأى الصّحابة ما فعل رسول الله ﷺ تدافعوا إلى الاقتداء به حتى كاد يقتل بعضهم بعضا([14]).

 

وقد علم النّبي ﷺ الكرب الذي شعر به المسلمون فلم يؤاخذهم على عصيانهم ووسعهم برحمته، ومرّت هذه الحادثة كأنّ شيئا لم يكن، وأما الذين يريدون أن يلفّقوا للصّحابة رضي الله عنه تهمة المعصية لأمر رسول الله ﷺ فبعيونهم قذى، وفي عقولهم خبل، وفي قلوبهم دخن، وهيهات هيهات أن يستقيم لهم الدّليل، وقد كاد الصّحابة أن يفقدوا أرواحهم حرصا على تنفيذ أوامره ﷺ .

 

المبحث الثاني:رفقه بأصحاب المعاصي

شرّع الله تعالى العقوبات لحفظ الحقوق وردع العصاة والظّالمين، ولم يكن الرّسول ﷺ متلهّفا لمعاقبة المذنبين والمخطئين بل كان يبذل قصارى جهده لتفادي عقابهم، بإرشادهم إلى طاعة الله واجتناب المعاصي، والتستّر على أنفسهم إن وقعوا فيها، وقد روى عبادة بن الصّامت رضي الله عنه أنّهم كانوا في مجلس رسول الله ﷺ، فطلب منهم أن يبايعوه على أن لا يشركوا بالله شيئا، ونهاهم عن الزنا والسرقة، وقتل النّفس التي حرّم الله إلاّ بالحقّ، وأنّ من وفّى منهم بذلك فإنّ الله تعالى يأجره، وأمّا من وقع في شيء من ذلك وعوقب به فهو تكفير لخطاياه، ومن اقترف شيئا من ذلك وستره الله تعالى فإنّ أمره إلى الله تعالى، إن شاء غفر له وصفح عنه، وإن شاء عاقبه وعذّبه([15]).

 

وكان ﷺ يأمر النّاس أن يتصالحوا ويتسامحوا فيما بينهم، وأن يتعافوا الحدود، قبل أن يرفع أمرهم إليه، لأنّ من جاءه في حدّ وجب عليه([16]).

 

ولايعني هذا أنّه ﷺ برفقه ورحمته يشجّع النّاس على الأخطاء والذّنوب، فهو لايخشى في الله لومة لائم، له صرامة شديدة في الحفاظ على الأخلاق والقيم وتطبيق شرع الله تعالى على أيّ إنسان ولو كانت الزّهراء رضي الله عنها، ومن مظاهر صرامته:

 

تنفيذ الحدود

 

ألمّ ماعز بن مالك بذنب كبير، فقدم إلى النّبي ﷺ مقرّا بالفاحشة، طالبا إقامة الحدّ عليه، فردّه النّبي ﷺ مرارا رحمة به، لكنّه أصرّ على موقفه، فشعوره بالذنب يؤنّبه، وخوفه من عقاب الله تعالى يوم القيامة يؤرّقه، وندمه على ما فعل يقطّع قلبه تقطيعا، ولا راحة له من هذا العذاب الذي يعيشه إلاّ بأن يسلّم نفسه للنّبيّ ﷺ ليقيم عليه الحدّ، فيتطهّر من ذنبه، لكنّ المصطفى ﷺ كان يصرفه ويأمره بالاستغفار والتوبة إلى الله تعالى، فيذهب قليلا ثم يرجع مرّة أخرى طالبا التطهير، وهكذا في كلّ مرّة يردّه النّبيّ ﷺ ويرشده إلى الاستغفار والتوبة، وفي المرّة الرّابعة طلب منه النّبيّ ﷺ أن يفصح عن الأمر الذي يريد أن يطهّره منه، فذكر له أنّه قد وقع في كبيرة الزّنا، فسأل النّبيّ ﷺ من حوله عن عقله لعلّه مجنون، فأخبر بالنّفي ثمّ ربّما كان مخمورا فقام رجل فشمّ فمه فلم يجد رائحة الخمر فيه، فحينها سأله النّبيّ ﷺ عن ارتكابه فاحشة الزّنا فأقرّ بذنبه([17])، فأمر الرّسول بتنفيذ حكم الله فيه، ثمّ قام في النّاس خطيبا من العشي، فذكر أنّه كلّما خرج مع أصحابه يغزو في سبيل الله تعالى يعمد رجل إلى بيت من البيوت، فيخلفهم فيه بمعصية، وتوعّد كل من يفعل ذلك بعقاب شديد ليكون عبرة لغيره([18]).

 

وهذه المعصية التي قام بها ماعز جريمة خطيرة، وخيانة عظيمة، وقد أوضح النّبي في خطبته مدى شناعتها، فذكر أنّه كلّما خرج مع المسلمين غازيا في سبيل الله، تخلّف أناس عن الخروج، وبدل أن يحفظوا الغائبين في عيالهم ويصونوا أعراضهم، إذا بهم يخونونهم، فهدّد وتوعّد من يفعل ذلك بالعقاب الشديد، وأظهر مدى الصّرامة التي يتّصف بها، والتي تجعل نوازع الشرّ في النّفوس تتقهقر، ومن حدّثته نفسه بالمعاصي أن يكبح جماحها ويحذر سوء العاقبة، وتزداد شدّة العقوبة إذا خان القاعد المجاهد في أهله، وقد ذكر ﷺ «أنّ نساء المجاهدين في سبيل الله تعالى حرام حرمة الأمّهات على القاعدين، وإذا خان قاعد مجاهدا في أهله فإنّه يقف أمامه يوم القيامة ويأخذ من أعماله كما يشاء»([19]).

 

رفقه بمن استأذن لمعصية

 

حياة الشّباب ذروة قوّة الإنسان، وهي مرحلة بين ضعفين، وأيّامها مزيج من الحزن والفرح والضّحك والبكاء والخطأ والصّواب والذّنوب والتوبة، وقد تزلّ قدم الإنسان ثمّ ترجع إلى جادّة الحقّ، ولكنّه إذا أراد أن يستحلّ الجريمة وتقدّم بطلب إلى الحاكم ليأذن له في المعصية اتّهم في عقله، فإن سلم عقله لم يسلم من العقاب، وهذا ما قام به شابّ حين ضعف أمام هيجان نفسه، فاستأذن الرّسول ﷺ في الزّنا ولم يفكّر في العواقب الوخيمة لفعله والمتاعب التي سوف يسبّبها للمجتمع حين تنشأ فيه أوكار الشّرور، هذا الشّاب لم تدعه نفسه الثّائرة أن يفكّر في شيء من ذلك، وجرأته الغريبة أغضبت الحاضرين فزجروه، ولكنّ المربيّ الرّحيم عامل الشّاب بلطف ورقّة ولم يغضب عليه ولم يعنّفه ولم يغلظ له الكلام، ولم يطرده من مجلسه، ولم يحذّر النّاس منه، بل أدناه منه وحرّك الخير الذي في داخله فهدأت نفسه وسكتت نوازعه، وخمدت نار شهوته، وتوارى لهيبها، وهذا أبو أمامة رضي الله عنه يذكر أنّ شابّا جاء إلى النّبيّﷺ وطلب منه أن يأذن له بالزّنا، فزجره القوم وأمروه بالسكوت، لكنّ الرّسول ﷺ أدناه منه ثمّ سأله إن كان يرضى بالزّنا لأمّه، فأجاب بالنّفي، فبيّن له الرّسول ﷺ أنّ النّاس أيضا لا يحبّون ذلك لأمّهاتهم، ثمّ سأله إن كان يقبل به لابنته فلم يرض لها به فأخبره النّبيّ ﷺ أنّ النّاس أيضا لا يرضونه لبناتهم، ثمّ سأله إن كان يرضاه لأخته فلم يرض لها به، فسأله إن كان يحبّه لعمّته فلم يحبّه لها، فأخبره النّبيّ ﷺ أنّ النّاس أيضا لا يرضونه لعمّاتهم، ثمّ سأله إن كان يحبّه لخالته، فأجابه بالرّفض، فبيّن له الرّسول ﷺ أنّ النّاس أيضا لا يقبلون به لخالاتهم، ثمّ وضع الرّسول ﷺ يده الشريفة على الفتى ودعا له الله أن يغفر له ذنبه ويطهّر قلبه ويحصّن فرجه، فاستجاب الله دعاءه ولم يعد الفتى يلتفت لذلك أبدا([20]).

 

وهذا درس بليغ للمربّين، فعليهم أن يعاملوا النّاس بلطف ورفق، وأن يستقبلوا المخطئين منهم برحابة صدر ويعيروهم أسماعهم، ويساعدوهم بالبحث عن حلول مناسبة لمشكلاتهم.

 

يقول فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي معلّقا على هذه الواقعة الغريبة: فهذا شابّ عارم الشّهوة، ثائر الغريزة صريح في التعبير عن نوازعه إلى حدّ الإغراب والإثارة، ورغم غرابة طلبه الذي أثار الجالسين عليه لم يكن منه ﷺ إلاّ أن لقيه بهذا الرّفق العجيب والحوار الهادئ الذي يحمل المنطق المقنع والرّوح المحبّب، ثمّ أنهى هذا الحوار بلمسة حنان على صدر الفتى المتوقّد، ومع اللّمسة دعوات خالصة لله تعالى أن يغفر للفتى ويطهّره ويحصّنه، فإذا هو يخرج من مجلس الرّسول الكريم، كأنّما كان هذا اللّقاء لنار شهوته بردا وسلاما"([21]).

 

المبحث الثالث: رفقه بالمنافقين والمشركين

إنّ رفقه ﷺ امتدّت ظلاله حتّى وسعت الصّنف المخادع المتذبذب الذي يكاد قلبه يتميّز من الغيظ، ويكيد للمسلمين في أي موقع من مواقعه، ويتحيّن الفرص للانتقام، وهو عليه الصّلاة والسّلام لم يستثن المنافقين من عفوه وإحسانه فكان بهم رحيما، يستغفر لهم ويصلّي على من مات منهم حتّى نهاه ربّه، ومع ذلك بقي يعاملهم برفق ولين حسب ظواهرهم، ومن مظاهر رفقه بهم:

 

عفوه عن ابن سلول

 

كان عبد الله بن أبي بن سلول رأسا في النّفاق، لم يتوقّف عن الكيد للإسلام والمسلمين إلى أن مات، ومكائده أكثر من أن تحصى، فقد قذف أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وكان من الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وحين زعم أنّه أعزّ من الرّسول ﷺ ثارت ثائرة ابنه المؤمن عبد الله، واستشاط غضبا وذهب إلى الرّسول يستأذنه في قتل أبيه، فأبى المصطفى وأمره بأن يحسن صحبته([22])، وطلب منه أحد أصحابه أن يقتله، فأمره النّبيّ ﷺ أن يتركه، حتى لا ينتشر بين النّاس أنّ الرّسول ﷺ يقتل أصحابه([23])، ورغم كلّ جرائمه التي كان يعملها متستّرا بالإيمان، فقد صلّى عليه الرّسول الرّحيم واستغفر له حتّى نهاه ربّه، وقد ذكر عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّه لـمّا مات عبد الله بن أبي بن سلول، دعي النّبيّ ﷺ للصّلاة عليه، ولمّا تقدّم الرّسول ﷺ للصّلاة وثب عمر عليه وسأله كيف يصلّي عليه وهو القائل في يوم كذا وكذا وذكر له أشياء كثيرة عنه آذى فيها النّبيّ ﷺ، فتبسّم الرّسول ﷺ آمرا عمر رضي الله عنه أن يتراجع عنه، ولما أكثر عليه بيّن له النّبيّ ﷺ أنّ الله تعالى خيّره في ذلك فاختار الصلاة عليهم، ولو كان يعلم أنّه الاستغفار له فوق السّبعين يغفر له لزاد على ذلك، ثمّ صلّى عليه وذهب([24]).

 

واعتبر الأستاذ محمّد علي تسامح النّبيّ مع المنافقين فاق كلّ حدّ فقال: "وهذا تسامحه مع المنافقين يتجاوز كلّ حدّ، فيا له من كرم لا مثيل له، إنّه الشّخصية الوحيدة في تاريخ البشرية جمعاء التي تعتبر رحمة للعالمين بحكم الحوادث والبراهين، إنّ قلبه مفعم بالرّحمة والعطف، وقد وسعت رحمته الأصدقاء والأعداء الألدّاء على السّواء، وصدق الله العظيم فيما يقول:﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾([25])، بل إنّه أمر المسلمين أن يلتزموا في تعاملهم مع المنافقين بما ظهر لهم منهم، وقد حدث أنّ مسلما قتل رجلا نطق بالشّهادة متعلّلا بأنّه نطقها خوفا، فقال له هلاّ شققت عن قلبه؟ واستأذنه الصّحابي خالد بن الوليد رضي الله عنه في قتل الرّجل الذي اعترض عليه في القسمة، فأخبره النّبيّ ﷺ أنّه ربّما كان من المصلّين، فذكر له خالد أنّ كثيرا من المصلّين، يقولون بألسنتهم، ولكنّ قلوبهم ليس فيها شيء من ذلك، فردّ عليه النّبيّ ﷺ أنّ الله تعالى لم يأمره بالبحث في قلوب النّاس، ولا أن يمزّق بطونهم، ليعرف ما عندهم من إيمان([26]).

 

عفوه عن مربع بن قيظي

 

عندما خرج المسلمون بقيادة الرّسول ﷺ إلى غزوة أحد مرّوا في طريقهم بحائط لمربع ابن قيظي، وكان من أهل النّفاق ذهب بصره، فلمّا سمع وقع أقدام الرّسول ﷺ ومن كان معه من المسلمين فعمد إلى التراب فأخذ منه حفنة في يده ثمّ أخبر النّبيّ ﷺ أنّه لو كان يعلم أنّه حين يرميه بالتراب لا يصيب بها أحدا معه لما تردّد في ضرب وجه النّبيّ ﷺ بها، فأراد فرسان النّبيّ ﷺ أن يقتلوه لكنّه ﷺ منعهم رحمة به وشفقه عليه، وبيّن لهم أنّ هذا المنافق قد جمع بين عمى البصر وعمى القلب([27]).

 

عفوه عن جلاس بن سويد

 

كان جلاس رجلا من المنافقين تخلّف في غزوة تبوك وطعن في نبوّة الرّسول ﷺ واتّهمه بالكذب، وذكر أنّه لو كان الرّسول صادقا فهم أسوأ من الحمير، وكان ابن زوجته عمير بن سعد، يتربّى في حجره، فسمع ما قاله زوج أمّه في رسول الله ﷺ، فواجهه بما قال، وأظهر ما في قلبه لجلاس، وأنّه لأحبّ النّاس إليه، وأحسنهم عنده يدا، وعدّد شمائله، ثمّ بيّن له أنّ كلّ ذلك لايشفع له عنده إذ تكلّم في رسول الله ﷺ، ثمّ ذهب إلى رسول الله وأخبره بمقالة جلاس فطلبه النّبيّ ﷺ، فحلف جلاس بالله أنّه ما قال، وقد كذب عليه عمير، فأنزل الله تعالى فيه:﴿يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إلاّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلّوْا يُعَذّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدّنْيَا والآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيّ وَلا نَصِيرٍ﴾([28])، وقد قيل إنّه تاب وحسنت توبته، وظهر منه بعد ذلك الخير، وعرف منه حتّى عرف الإسلام([29]).

 

ومن المنافقين رافع بن وديعة وزيد بن عمرو، وعمرو بن قيس، وقيس بن عمرو بن سهل والجدّ بن قيس والحارث بن سويد([30])وغيرهم، وقد كان هؤلاء جميعا يكيدون للمسلمين ليلا ونهارا سرّا وجهارا ومع ذلك لم يعاقب النّبي منهم أحدا بل عاملهم بكلّ رحمة وشفقة، وهو يرجو أن يأتي اليوم الذي تتنوّر فيه قلوبهم بالحقّ وتلين لذكر الله.

 

عفوه عن المشركين

 

كان اليهود يقفون مع المشركين في تدبير المؤامرات، وإشعال نار الفتنة ضدّ رسول الله ﷺ فعن عروة بن الزّبير أنّ أسامة بن زيد رضي الله عنه أخبره: أنّ رسول الله ﷺ كان على حمار، وكان أسامة بن زيد رديفه عليه، ذاهبا لعيادة سعد بن عبادة رضي الله عنه قبل غزوة بدر، وحين مرّ على مجلس عبد الله بن أبي بن سلول قبل أن يسلم عبد الله بن أبي، وكان في المجلس المسلمون والمشركون واليهود، فلما مرّ بهم النّبيّ ﷺ وضع عبد الله بن أبي ثوبه على أنفه، وطلب من النّبي أن لا يغبر عليهم مجلسهم، فسلّم عليهم النّبيّ ونزل ودعاهم إلى الإسلام، وأسمعهم القرآن، فأخبره عبد الله بن أبي أنّه لا أفضل مما قاله لهم النّبيّ ﷺ، وأنّه لإذا كان حقّا فلا ينبغي له أن يؤذيهم به في مجلسهم، وأمره أن يرجع إلى مركبه ومن جاءه فليحدّثه به، وكان في المجلس الصّحابي الجليل عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، فطلب من الرّسول ﷺ أن يغشيهم بقوله في مجلسهم وأنّهم يحبّون ذلك، فتسابّ أهل المجلس وثار بعضهم على بعض، والرّسولﷺ يطلب منهم أن يخفضوا أصواتهم، فلم يزل بهم حتى سكتوا، ثمّ امتطى دابّته وذهب إلى سعد بن عبادة وأخبره بما حدث، فطلب منه سعد أن يصفح عنه ويعفو، وذكر له أنّ القوم قد اجتمعوا على أن يجعلوه سيّدا عليهم، فلما رأى النّاس انصرفوا إلى النّبيّ ﷺ لم يطق ذلك فعفا عنه الرّسول ﷺ ([31]).

 

استغفاره للمشركين

 

بلغ اضطهاد المشركين للرّسول ﷺ مبلغا عظيما، وفاقت رحمة النّبي بهم كلّ وصف، فكان حريصا على هدايتهم حتّى كاد قلبه يتفطّر حزنا عليهم، فنَزل القرآن الكريم يأمره بالتخفيف على نفسه حتّى لا يموت فقال تعالى: ﴿فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَات﴾([32])، فهو ﷺ كان إذا قابل النّاس دعوته بالرّفض حزن حزنا شديدا، فخاطبه الله تعالى بقوله:﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾([33]).

 

وها هو العمّ الكفيل أبو طالب الدّرع الواقي للرّسول ﷺ يسقط طريح الفراش بعد صحبة دامت أكثر من أربعين سنة، وفي لحظاته الأخيرة التي كان يجود فيها بنفسه، كان الدّاعية الرّحيم إلى جنبه يدعوه للنّطق بالشّهادتين راجيا أن يستجيب له، فيعتق نفسه من النّار، فقال له: ياعمّ قل لا إله إلاّ الله كلمة أشهد لك بها عند الله، فقال له رؤوس الكفر يا أبا طالب أترغب عن ملّة عبد المطّلب؟ فأبى أن يسلم، ومات على الشّرك فتألمّ الحبيب المصطفى، وحنّ له قلبه، وبقي يستغفر له قائلا أنّه سيبقى يستغفر له مالم ينه عنه([34])، فأنزل الله عليه:﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾([35]).

 

الدّعاء للمشركين

 

رغم حقد المشركين وعداوتهم لرسول الله ﷺ ومكرهم باللّيل والنّهار للنّيل منه، وسعيهم الحثيث لإطفاء النّور الذي جاءهم به، فإنّه أبى أن يدعو عليهم بالهلاك، وكان يرجو لهم الهداية والرّشاد، فقد قدم عليه الطّفيل بن عمرو الدّوسي وأصحابه وأخبروا النّبيّ أنّ قبيلة دوس قد عصت، وطلبوا منه أن يدعو الله عليهم، فقيل ستهلك دوس، لكنّه دعا لهم بالهداية وأن يأتي الله بهم مسلمين([36]).

 

صلة المشركين

 

كان النّبي ﷺ يصل أرحامه وهم يقاطعوه، ويسالمهم وهم يحاربوه، ويحرص على حياتهم وهم يحرصون على موته، وكان يربّي أتباعه على هذه الرّحمة، فيفتح لهم باب التواصل مع المشركين بالزّيارة والهدايا وغيرها ممّا يوثّق الصّلة بينهم، ولقد جانب الصّواب أولئك الذين جعلوا علاقة المسلمين مع غيرهم قائمة على الكره والبغض والقتال، وساووا بين المسالمين والمحاربين، وجعلوا النّهي عن مودّة الذين حادّوا الله ورسوله عامّا لكلّ المخالفين في الدّين، ممّا دفعهم إلى نشر ثقافة الكراهية، ودعوة من أسلم إلى مقاطعة أهله وأقاربه، وبغضهم إن بقوا على حالهم، وقد أدّى ذلك بالكثير ممّن أسلم حديثا إلى حرج شديد، وفهم خاطىء لتعاليم الإسلام الذي يدعو إلى التسامح والمحبّة والرّحمة، وحبّ الخير للنّاس أجمعين.

 

والدّعوة إلى كره غير المسلمين ومقاطعتهم دعوة باطلة، وليست من الإسلام في شيء، لأنّ تعاليم الشّرع الحنيف ترفضه بشدّة، وهو لا يتوافق مع نصوص الشّريعة، التي تفرّق جيّدا بين الحبّ الذي فطرت عليه النّفوس، مثل حبّ الأب لأبنائه، والأمّ لأولادها، والقريب لأقربائه، والزوج لأهله، وبين الحبّ الدّيني الذي يعني الرّضا بحال المشرك وكفره.

 

وقد ذكر القرآن محبّة الرّسول ﷺ لعمّه أبي طالب الذي مات على الشّرك، فقال:﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾([37])، وأباح الإسلام الزّواج بالكتابية فقال تعالى:﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾([38]).

 

فلايعقل أن يأمر الإسلام المسلم بكره وبغض زوجته الكتابية، وقد جعل الله تعالى بينهما مودّة ورحمة، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾([39]).

 

إنّ هناك فرقا كبيرا بين بغض الكفر، وبين بغض من يحمله، والمزج بينهما من المفاهيم الخاطئة التي شوّهت صورة الإسلام، وجلبت أضرارا كثيرة للمسلمين، وحياة النّبي ﷺ هي الصّورة الصّحيحة للإسلام، والتي ينبغي للمسلمين التأسّي بها، والرّجوع إليها لفهم التعاليم القرآنية فهما صحيحا، وقد كان يأمر بصلة المشركين لا بمقاطعتهم، روى البخاري بسنده عن أسماء أنّ أمّها قدمت عليها مع ابنها، وهي لا زالت على الشرك، في عهد قريش حين عاهدوا النّبي ﷺ، فذهبت إلى النّبيّ ﷺ تستفتيه في أمرها، هل تصلها أم لا، فأمرها الرّسول ﷺ أن تصلها([40]).

 

قال ابن عيينه:فأنزل الله تعالى فيها:﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ([41])([42])، وحتّى لوكان الوالدان كافرين، ومن الدّاعين للشّرك فقد أمر الله تعالى الأولاد بالإحسان إليهما وأن يصاحبوهم بالمعروف، وقد عامل سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه أمّه بشدّة حين حاولت منعه عن الإسلام، فأضربت عن الطّعام حتّى يرجع إلى الكفر بالله، ومع ذلك نزل القرآن الكريم آمرا ابنها المتمسّك بالإسلام، أن يكون لطيفا في معاملة والديه، ويخفض لهما جناح الذّل من الرّحمة، روى مسلم بسنده عن مصعب بن سعد عن أبيه أنّ أمّ سعد قد أقسمت أن لا تكلم ابنها أبدا، حتى يرتد عن دينه، وأن تمتنع عن الطعام والشّراب، وطلبت من ابنها أن يمتثل أمرها، إذا كان يزعم أنّ الله أوصاه ببرّ والديه، وبقيت على حاله ثلاثة أيام حتّى أغمي عليها من شدّة الجهد، فقام إليها ابنها عمارة يسقيها، فجعلت تدعو على ابنها سعد، فأنزل الله عزّ وجلّ في القرآن هذه الآية ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾([43]) ([44]).

 

وقد أوصى ﷺ أصحابه بأن يحسنوا إلى أهل مصر، ويبرّوهم ويصلوهم للرّحم التي تمتدّ إلى إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام، حين ذكر لهم أنّهم سيفتحون مصر، وعليهم حين فتحها أن يحسنوا إلى أهلها، لما لهم من ذمّة ورحم([45])، وفي معنى هذا الحديث قال النّووي: "وأمّا الذمّة فهي الحرمة والحقّ، وهي هنا بمعنى الذّمام، وأمّا الرّحم فلكون هاجر أمّ إسماعيل منهم"([46]).

 

فهذه النّصوص تنفي الحكم بالعداوة الخالصة لغير المسلمين، وتميز بين من كان ظالما معتديا ومن كان مسالما، فهم في ميزان الشّرع ليسوا سواء، فالمعتدي يستحقّ العداوة، والمسالم يعامل بالحسنى.

 

الهدية للمشرك

 

أشاع المشركون أنّ الرّسول ﷺ يفرّق بين الأب وبنيه، والمرء وعشيرته، وينشر الكراهية بين قومه فيختلفون ويتدابرون، وقد كان ﷺ يدعوهم إلى نبذ الوثنية، وعدم الإشراك بالله تعالى ومقت الأصنام ومقاطعتها إلى الأبد، وأن يسلموا لله ربّ العالمين، ويأمر أصحابه بصلة أقاربهم المشركين وعدم قطع أرحامهم، ومعاملتهم معاملة حسنة والإهداء إليهم، روى البخاري بسنده عن ابن عمر رضي اللّه عنهما يقول رأى عمر حُلَّةَ سِيَرَاءَ عند باب المسجد، فقال يارسول اللّه لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك ؟ فقال رسول الله: »إنّما يلبس هذه من لاخلاق له في الآخرة« ثمّ جاءت رسول الله ﷺ منها حُلَل فأعطى منها عمر بن الخطّاب رضي الله عنه حلّة فقال عمر: يا رسول الله ﷺ كسوتنيها وقد قلت في حلّة عطارد ما قلت؟ قال رسول الله: »إنيّ لم أكسكها لتلبسها«، فكساها عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أخا له بمكّة مشركا«([47]).

 

قال الإمام النّوويّ: وفي هذا دليل لجواز صلة الأقارب الكفّار والإحسان إليهم، وجواز الهدية إلى الكفّار([48]).

 

المبحث الرابع :أساليب النّبيّ ﷺ في تقويم أخطاء المخطئين والجاهلين

تعريضه بالخطأ

 

كان من عادته ﷺ مع أصحابه مراعاة شعور المخطئ، وقبول عذر المسيء، ولا يجابه أحدا بما يكره، وإذا بلغه عن أحد شيء يكرهه نبّه على خطئه بذكر خطأ مشابه، أو أشخاص مشابهين للمخطئين، فيقول: «ما بال أقوام يتنَزّهون عن الشّيء أصنعه»([49])، «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا»([50])، «مابال رجال يواصلون»([51]«ما بال أناس يشترطون شروطا ليس في كتاب الله»([52])، دون أن يذكر اسم المخطئ الذي قد ينكسر خاطره ويتأذّى شعوره الإنساني الذي كان النّبي ﷺ يراعيه، لأنّ النّصيحة على الملأ فضيحة، قالت عائشة رضي الله عنها: كان النّبيّ ﷺ إذا بلغه عن الرّجل الشّيء لم يقل ما بال فلان يقول، ولكن يقول:«ما بال أقوام يقولون كذا وكذا»([53]).

 

ومن ذلك ما حدّث به أنس بن مالك قال: قال النّبي ﷺ : «ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السّماء في صلاتهم فاشتدّ قوله في ذلك حتّى قال: «لَيُنْتَهَيَنَّ عن ذلك أو لَتُخْطَفَنَّ أبصارُهم»([54]).

 

وكان ﷺ دقيق الملاحظة، يتابع تصرّفات أصحابه وسلوكياتهم، فيصحّح أخطاءهم بلطف ويرشدهم إلى صالح الأعمال وأفضلها، ولا يحقر شيئا في تعليمهم، فعن أبي هريرة أنّ رسول الله ﷺ رأى نخامة في قبلة المسجد فأقبل على النّاس، فقال: «ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربّه فيتنخع أمامه؟ أيحبّ أحدكم أن يُستقبل فيتنخّع في وجهه؟ فإذا تنخّع أحدكم فليتنخّع عن يساره تحت قدمه، فإن لم يجد فليقل هكذا"، ووصف القاسم فتفل في ثوبه، ثمّ مسح بعضه على بعض»([55]).

 

الحزم في تطبيق شرع الله

 

وكان يأمر النّاس أن يتصالحوا ويتسامحوا فيما بينهم، فيقول: «تعافّوا الحدود قبل أن تأتوني به، فما أتاني من حدّ فقد وجب»([56]). ولا يعني هذا أنّه ﷺ برفقه ورحمته يشجّع النّاس على الأخطاء والذّنوب، فهو لايخشى في الله لومة لائم، له صرامة شديدة في الحفاظ على الأخلاق والقيم، وتطبيق شرع الله تعالى على أيّ إنسان ولو كانت الزّهراء رضي الله عنها.

 

العدالة في تنفيذ العقوبات

 

كان الرّسول ﷺ سمحا متسامحا، رؤوفا رحيما، يقضي بين النّاس بالحقّ، ويعدل بينهم، وهو في تطبيق العدالة لا يميّز بين الشّريف والوضيع، ولا يخشى في الله لومة لائم، ولا يحابي أحدا ولو كان أقرب المقرّبين إليه، روى البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها أنّ قريشا أهمّهم شأن المرأة التي سرقت في عهد النّبي ﷺ في غزوة الفتح، فقالوا من يكلّم فيها رسول الله ﷺ، فقالوا ومن يجترئ عليه إلاّ أسامة بن زيد حبّ رسول الله ﷺ، فأتي بها رسول الله ﷺ فكلّمه فيها أسامة بن زيد، فتلوّن وجه رسول الله ﷺ، فقال: «أتشفع في حدّ من حدود الله؟ فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول الله. فلمّا كان العشي قام رسول الله ﷺ فاختطب فأثنى على الله بما هو أهله، ثمّ قال: «أمّا بعد! فإنمّا أهلك الذين من قبلكم أنهّم كانوا إذا سرق فيهم الشّريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضّعيف أقاموا عليه الحدّ، وإنّي والذي نفسي بيده لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعت يدها»([57]).

 

القصاص العادل

 

كان ﷺ يطبّق العدالة على جميع النّاس، غنيّهم وفقيرهم، قويّهم وضعيفهم، سيّدهم وعبدهم فالجميع بين يدي عدالته سواء، يأخذ الحقّ من أيّ كان، وينصف المظلوم كيفما كان، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ يهوديا رضّ رأس جارية بين حجرين فقيل لها: من فعل بك هذا؟ أفلان أو فلان؟ حتّى سمّي اليهودي، فأتي به إلى النّبيّ ﷺ فلم يزل به حتّى أقرّ به، فرُضّ رأسه بالحجارة»([58]).

 

فهذه بعض مظاهر رفق النّبيّ ﷺ التي دلّت على نجاحه في تربية وتعليم أمّة لا تعرف القراءة والكتابة، حيث كانت قبائل ممزّقة متناحرة، تروّع النّاس بالنّهب والسّلب، وتشعل نار الحروب الجائرة التي لا تترك وراءها إلاّ الخراب والدّمار، فأصبحت ترفع للعلم لواء، وأينما حلّت يسود الأمن والسّلام، لقد ساسها النّبي ﷺ برفقه وتسامحه فكانت خير أمّة أخرجت للنّاس.

 

يقول المستشرق غوستاف لوبون: «إنّ حضارة العرب المسلمين قد أدخلت الأمم الأوروبيّة الوحشية في عالم الإنسانية، فلقد كان العرب أساتذتنا... وإنّ جامعات الغرب لم تعرف لها موردا علميا سوى مؤلّفات العرب، فهم الذين مدّنوا أوروبّا مادة وعقلا وأخلاقا، والتاريخ لايعرف أمة أنتجت ما أنتجوه ،إنّ أوروبّا مدينة للعرب بحضارتها......ولقد كانت أخلاق المسلمين في أدوار الإسلام الأولى أرقى كثيرا من أخلاق أمم الأرض قاطبة»([59]).

 

أهم نتائج البحث

بناء على ما تقدم في هذا البحث فإن العودة إلى سيرة النّبيّ ﷺ هي الصّورة الصّحيحة للإسلام، والتي ينبغي للمسلمين التأسّي بها، والرّجوع إليها لفهم التعاليم القرآنية فهما صحيحا من شأنه أن يحقق سعادة البشرية جمعاء، وإنّ من النتائج المهمّة التي ظهرت خلال هذا البحث، مايلي:

 

1-رفق النّبي ﷺ في تعامله مع المخطئين والجاهلين لا مثيل له.

 

2- مراعاته ﷺ لشعور المخطئ، وقبوله معذرة المسيء، ليست مقتصرة على المسلمين فقط، بل شملت حتى المنافق والمشرك.

 

3- ضرورة الصّرامة والحزم في إقامة الحدود لحفظ الأمن والسّلام في المجتمع .

 

4- العدل في القصاص يحقّق العدالة الاجتماعية.

 

5- رعاية الإسلام للتعايش السّلمي بين النّاس.

 

وصلّى الله على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما.

حوالہ جات

  1. () سورة الأعراف، الآية: 23
  2. () سورة البقرة، الآية: 37
  3. () أي ما قهرني ولا نهرني. و"الكهر الانتهار"، القاسم بن سلاّم، غريب الحديث، تحقيق: د. محمد عبد المعيد خان، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، الدكن، الطبعة الأولى: 1964م
  4. () مسلم بن الحجاج، المسند الصحيح، كتاب المساجد، باب تحريم الكلام في الصّلاة، رقم الحديث: 1199ه، دار السلام، الطبعة الثانية: 1999م، ص: 218
  5. () صحيح مسلم، كتاب الطّهارة، باب وجوب غسل البول وغيره من النّجاسات، رقم الحديث: 661، ص: 133
  6. () البخاري، محمد بن إسماعيل، الجامع الصّحيح، كتاب الوضوء، باب صبّ الماء على البول في المسجد، رقم الحديث: 220، دار السلام، الرياض، الطبعة الثانية، ص: 41
  7. ()أحمد بن حنبل، المسند، مسند أبي هريرة رضي الله عنه الأحاديث مذيّلة بأحكام شعيب الأرنؤوط عليها، رقم الحديث: 10540، مؤسسة قرطبة، القاهرة، 20/134، قال شعيب الأرنؤوط: "صحيح وهذا إسناد حسن"، ورواه القزويني، محمد بن يزيد، السّنن ابن ماجه، كتاب الطّهارة، باب الأرض يصيبها البول كيف تغسل، رقم الحديث: 529، دار الفكر، بيروت، ص: 75، وقال الألباني: "حسن صحيح"، ابن ماجة، السّنن، تحقيق: محمّد فؤاد عبد الباقي، الأحاديث مذيّلة بأحكام الألباني عليها، رقم الحديث: 529، 1/176
  8. () سورة آل عمران، الآية: 159
  9. ()صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب التبسّم والضّحك، رقم الحديث: 6088، ص: 1063
  10. ()صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب زيارة القبور، رقم الحديث: 1283، ص: 205
  11. () صحيح البخاري، كتاب الهبة، باب من لـمْ يقبل الهدية لعلّة، رقم الحديث: 2597، ص: 420
  12. ()صحيح مسلم، كتاب الجهاد، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحثّ على الرفق بالرّعية والنّهي عن إدخال المشقّة عليهم، رقم الحديث: 1828، 3/1458
  13. ()صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب حديث كعب بن مالك، رقم الحديث: 4418، ص: 752
  14. ()صحيح البخاري، كتاب الشّروط، باب الشّروط في الجهاد والمصالحة، رقم الحديث: 2731، ص: 449
  15. ()صحيح مسلم، كتاب الحدود، باب الحدود كفّارة، رقم الحديث: 4461، ص: 757، 758
  16. ()النّسائي، أحمد بن شعيب، السّنن الصّغرى، كتاب قطع السّارق، باب مايكون حرزا وما لايكون، رقم الحديث: 4889، دار السّلام، الرّياض، الطبعة الأولى: 1999م، ص: 673، وقال الشيخ الألباني: "صحيح "، انظر: النّسائي، أحمد بن شعيب، المجتبى من السّنن، رقم الحديث: 4885، تحقيق: عبد الفتّاح أبو غدّة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، الطبعة الأولى: 1986م، 8/70
  17. ()صحيح مسلم، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزّنى، رقم الحديث: 4431، ص: 752
  18. ()صحيح مسلم، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزّنى، رقم الحديث: 4428، ص: 751
  19. ()صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب حرمة نساء المجاهدين وإثم من خانهم فيهنّ، رقم الحديث: 4908، ص: 849
  20. ()أحمد بن حنبل، المسند، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، 5/256، 257، وقال الهيثمي: "رواه أحمد والطّبراني في الكبير ورجاله رجال الصّحيح"، انظر: الهيثمي، علي بن أبي بكر، مجمع الزّوائد، كتاب العلم، باب في آداب العالم، رقم الحديث: 543، تحقيق: حسام الدين القدسي، مكتبة القدسي، القاهرة، 1994م، 1/341، وقال الألباني: "سنده صحيح"، انظر: الألباني، السّلسلة الصّحيحة، رقم الحديث: 370، 1/712
  21. ()القرضاوي، الشيخ يوسف، الرّسول والعلم، مكتبة وهبة، مصر، 1999م، ص: 127، 128
  22. ()ابن حبّان، محمد بن حبان، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، كتاب البرّ والإحسان، رقم الحديث: 428، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية: 1993م، 2/170، ورواه الطّبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الأوسط، رقم الحديث: 229، تحقيق: طارق بن عوض وعبدالمحسن بن إبراهيم، دارالحرمين، القاهرة، 1/80، قال الألباني: "صحيح"، انظر الألباني، السّلسلة الصّحيحة، رقم الحديث: 3223، 9/3، وقال الهيثمي: "رواه البزار ورجاله ثقات"، انظر: مجمع الزّوائد، كتاب المناقب، باب في عبد الله بن عبد الله بن أبي، رقم الحديث: 15761، 9/528
  23. ()صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم، رقم الحديث: 4907، ص: 871
  24. ()صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب مايكره من الصّلاة على المنافقين والاستغفار للمشركين، رقم الحديث: 1366، ص: 219
  25. ()سورة الأنبياء، الآية: 107
  26. ()صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن، رقم الحديث: 4351، ص: 737
  27. ()ابن هشام، عبد الملك بن هشام، السّيرة النّبوية، تحقق: طه عبد الرءوف سعد، شركة الطباعة الفنية المتحدة، 2/64، وانظر: الواقدي، محمّد بن عمر، المغازي، تحقيق: مارسدن جونس، عالم الكتب، بيروت، 1/218
  28. ()سورة التوبة، الآية: 74، وانظر: ابن عبدالبر، يوسف بن عبد البرّ، الدّرر في اختصار المغازي والسّير، دار المعارف، كورنيش النّيل، القاهرة، ص: 146
  29. ()السّيرة النّبوية، 3/53، والرّواية أخرجها الصّنعاني، عبد الرزّاق بن همّام، مصنّف عبد الرزّاق، كتاب العقول، باب قسامة الخطأ، رقم الحديث: 18303، تحقيق: حبيب الرّحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية: 1403ه، 10/46
  30. () السّيرة النّبوية، 1/525
  31. ()صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب(ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا)، رقم الحديث: 4566،، ص: 778
  32. ()سورة فاطر، الآية: 8
  33. ()سورة الشّعراء، الآية: 3
  34. ()صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب إذا قال المشرك عند الموت لاإله إلا الله، رقم الحديث: 1360، ص: 217
  35. ()سورة التوبة، الآية: 113
  36. ()صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسّير، باب الدّعاء للمشركين بالهدى، رقم الحديث: 2937، ص: 485
  37. ()سورة القصص، الآية: 56
  38. ()سورة المائدة، الآية: 5
  39. ()سورة الرّوم، الآية: 21
  40. ()صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب صلة المرأة أمّها ولها زوج، رقم الحديث: 5979، ص: 1047
  41. ()سورة الممتحنة، الآية: 8
  42. ()صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب صلة الوالد المشرك، رقم الحديث: 5978، ص: 1047
  43. ()سورة العنكبوت، الآية: 8
  44. ()صحيح مسلم، كتاب فضائل الصّحابة، باب في فضل سعد بن أبي وقاص، رقم الحديث: 6238، ص: 1063
  45. ()صحيح مسلم، كتاب فضائل الصّحابة، باب وصية النّبي بأهل مصر، رقم الحديث: 6493، ص: 1115
  46. ()النّووي، يحيى بن شرف، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية: 1393ه، 16/97
  47. ()صحيح البخاري، كتاب الجمعة، باب يلبس أحسن مايـجد، رقم الحديث: 886، ص: 143
  48. ()المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، 14/39
  49. ()صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب من لم يواجه النّاس بالعتاب، رقم الحديث: 6101، 1064
  50. ()صحيح مسلم، كتاب النّكاح، باب استحباب النّكاح، رقم الحديث: 3403، ص: 586
  51. ()صحيح مسلم، كتاب الصّيام، باب النّهي عن الوصال، رقم الحديث: 2570، ص: 449
  52. ()صحيح البخاري، كتاب البيع، باب الشّراء والبيع مع النّساء، رقم الحديث: 2155، ص: 345
  53. ()أبو داود، سليمان بن أشعث، السّنن، كتاب الأدب، باب في حسن العشرة، رقم الحديث: 4788، تحقيق: محمد محي الدين عبدالحميد، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، ص: 678، وقال الشيخ الألباني: "صحيح"، انظر: الألباني، السّلسلة الصّحيحة، رقم الحديث: 2064، 5/97
  54. ()صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب رفع البصر إلى السّماء في الصّلاة، رقم الحديث: 750، ص: 122
  55. ()صحيح مسلم، كتاب المسجد ومواضع الصّلاة، باب النّهي عن البصاق في المسجد، رقم الحديث: 1228، ص: 223، 224
  56. ()النّسائي، أحمد بن شعيب، السّنن الصّغرى، كتاب قطع السّارق، باب مايكون حرزا وما لايكون، رقم الحديث: 4889، دار السّلام، الرّياض، الطبعة الأولى: 1999م، ص: 673، وقال الشيخ الألباني: "صحيح "، انظر: النّسائي، المجتبى من السّنن، رقم الحديث: 4885، 8/70
  57. ()صحيح البخاري، كتاب الحدود، باب الحدود كفّارة، رقم الحديث: 4411، ص: 748
  58. ()صحيح البخاري، كتاب الدّيات، باب سؤال القاتل حتّى يقر، رقم الحديث: 6876، ص: 1184، 1185
  59. ()غوستاف لوبون، حضارة العرب، ترجمة: عادل زعيتر، مؤسسة هنداوي للتعليم، القاهرة، 2012م، ص: 26، 276، 430، 566
Loading...
Issue Details
Id Article Title Authors Vol Info Year
Id Article Title Authors Vol Info Year
Similar Articles
Loading...
Similar Article Headings
Loading...
Similar Books
Loading...
Similar Chapters
Loading...
Similar Thesis
Loading...

Similar News

Loading...