Search from the Journals, Articles, and Headings
Advanced Search (Beta)
Home > Al-Idah > Volume 30 Issue 1 of Al-Idah

الزمخشري وموقفه من الاستشهاد بشعر المؤلدين في ضوء تفسيره الكشاف |
Al-Idah
Al-Idah

Article Info
Authors

Volume

30

Issue

1

Year

2015

ARI Id

1682060034497_459

Pages

277-290

PDF URL

http://www.al-idah.pk/index.php/al-idah/article/download/210/200

Chapter URL

http://al-idah.szic.pk/index.php/al-idah/article/view/210

Asian Research Index Whatsapp Chanel
Asian Research Index Whatsapp Chanel

Join our Whatsapp Channel to get regular updates.

أهمية الشعر عند العرب:

الشعر ترجمان الأحاسيس والعواطف، ويعنى بإظهار الجمال، وتصويره في صور تسحر القلوب، و كذلك يعني بتاثير الوجدان، وتبعث في النفس الإعجاب والارتياح، ولذلك عد من الآداب الرفيعة، واعتبر فنًّا من الفنون الجميلة([1]).

والشعر ديوان العرب وخزانة حكمتهم، ومستنبط آدابهم، ومستودع علومهم، ويمكن القول:

"إنه سجلهم النفيس الذي حفظ تراثهم، وتاريخهم، وأدبهم، وأخلاقهم، وإنه متحفهم المتأصل الذي دوّنوا فيه أخبارهم، ووقائع بطولاتهم، وما تفردت به قرائح حكمائهم من حكم بليغة وأمثال بديعة وآيات في تجارب الحياة"([2]).

يقول أبو هلال العسكري :

"ومن أفضل فضائل الشّعر أنّ ألفاظ اللغة إنما يؤخذ جزلها وفصيحها، وفحلها وغريبها من الشعر؛ ومن لم يكن له راوية لأشعار العرب تبيّن النقص فى صناعته. ومن ذلك أيضا أنّ الشواهد تنزع من الشّعر، ولولاه لم يكن على ما يلتبس من ألفاظ القرآن وأخبار الرسول - صلّى الله عليه وسلّم - شاهد. وكذلك لا نعرف أنساب العرب وتواريخها، وأيّامها ووقائعها إلّا من جملة أشعارها.([3])

وللشعر منزلة عظيمة عند العرب حيث أشار إليه ابن رشيق بقوله:

"كانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنأتها، وصنعت الأطعمة، واجتمع النساء يلعبن بالمزاهر، كما يصنعون في الأعراس ويتباشر الرجال والولدان؛ لأنه حماية لأعراضهم، وذب عن أحسابهم، وتخليد لمآثرهم، وإشادة بذكرهم، وكانوا لا يهنئون إلا بغلام يولد، أو شاعر ينبغ، أو فرس تنتج."([4])

وفي الإسلام يأذن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لحسان بن ثابت – رضي الله عنه، وقد أخذ في هجاء القرشيين حيث قال: "لشعرك أشد عليهم من وقع النَّبْل"([5])

وفي السيرة النبوية أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - طلب إلى شعراء المدينة أن يعينوه بأهاجيهم في قريش([6]).

وروي أيضا أنه قال: "لا تدع العرب الشعر حتى تدع الإبل الجنين "([7])

وروي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه في الإسلام"([8])

وكتب عمر إلى إبي موسى الأشعري - رضي الله عنه-:

"مر من قبلك بتعلّم الشعر؛ فإنه يدل على معالي الأخلاق، وصواب الرأي، ومعرفة الأنساب".

وقال على بن أبي طالب رضي الله عنه: "الشعر ميزان القول"([9])

وقال معاوية - رضي الله عنه -: "يجب على الرجل تأديب ولده، والشعر أعلى مراتب الأدب، وقال أيضا: اجعلوا الشعر أكبر همكم، وأكثر دأبكم، فلقد رأيتني ليلة الهرير بصفين وقد أتيت بفرس أغر محجل بعيد البطن من الأرض، وأنا أريد الهرب لشدة البلوى فما حملني على الإقامة إلا أبيات عمرو بن الإطنابة:

أبت لي همتي وأبى بلائي ... وأخذي الحمد بالثمن الربيح

وإقحامي على المكروه نفسي ... وضربي هامة البطل المشيح

وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي

لأدفع عن مآثر صالحات ... وأحمي بعد عن عرض صحيح([10])

فهذه النصوص، وهذه الأراء تبين لنا أهمية الشعر، وتوضح مكانة الشاعر عند العرب.

الشاهد الشعري والاحتجاج به:

الشاهد لغة واصطلاحا:

الشاهد لغة:

عند ما نطلق كلمة "الشاهد" نعني بها البيان والظهور، ولو رجعنا إلى المعاجم فنرى أن هذه الكلمة تحمل معان عديدة ، وهي كما يلي:

يقول ابن سيده: الشاهد، العالم الذي يبين ما علّمه..........([11])

وقال أبو عبيدة: معنى {شهد الله} أي قضى الله أنه لا إله إلا هو، وحقيقته علم الله وبيّن الله، لأن الشاهد هو العالم الذي يبيّن ما علمه.

والمشاهدة المعاينة، وشهدت الملائكة لما عاينت من عظيم قدرته، وشهد أولو العلم بما ثبت عندهم وتبين من خلقه الذي لا يقدر عليه غيره.

وشهد الشاهد عند الحاكم أي بين ما يعلمه وأظهره.

وجمع الشاهد شهود وأشهاد، والشهيد الشاهد، والجمع الشهداء، وأشهدته على كذا فشهد عليه أي صار شاهدا عليه، وأشهدت الرجل على إقرار الغريم([12]).

الشاهد اصطلاحا:

ذكر الزبيدي في معجمه المعنى الاصطلاحي للشاهد حيث قال:

"والشواهد هي الجزئيات التي يؤتى بها لإثبات القواعد النحوية، والألفاظ اللغوية، والأوزان العروضية من كلام الله تعالى، وحديث رسول الله، أو من كلام العرب الموثوق بعربيتهم"([13])

وهذه الشواهد لاتساق بالضرورة للاستشهاد، أو الاحتجاج فقط، بل يؤتى بها لطرافة معناها أو جمال مبناها، على الرغم من شذوذه ومخالفتها للمألوف اللغوي، كما أنهم يأتون بالشاهد ليشرحوا كلمة غريبة، أو يبرز صيغة شاذة في الاشتقاق ، أو يستنبطوا حكما شرعيا من القرآن والسنة النبوية.

الاحتجاج بالشاهد الشعري:

للشواهد العربية على اختلاف أنواعها وتعدد مشاربها ، أهمية خاصة للمستشهد، وعندما تذكر الشواهد قد يتبادر إلى الذهن اقتصارها على الشواهد اللغوية، أو اقتصار هذه الشواهد على الشعر، حين ارتبطت كلمة شاهد عند العلماء بالشعر.

وقد اهتمّ الباحثون قديمًا وحديًثا بالشواهد، شرحا، وتحقيقا، واستدلالا، فاحتلت الشواهد الشعرية اهتمام العلماء منذ القديم، وكانت بدايتها الأولى زمن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، ثم تزايدت منذ عصر سيبويه في كتابه (الكتاب)، الذي ضم بين سطوره ما يزيد على ألف شاهد شعري لأفذاذ الشعراء، ثم اعتنى العلماء بعده بشروح الشاهد وتصنيفه وتحليله([14]).

ولم يكن الاستشهاد بالشعر همّ علماء العربية وحدهم، بل شاركهم فيه المفسرون، والمحدّثون، والأصوليون، والفقهاء.

وكان المفسرون يعتمدون على الشعر وكلام العرب في تفسير ألفاظ القرآن الكريم وفهم معانيه، فقد رُوي عن عمر بن الخطاب أنه قال على المنبر: ما تقولون فيها؟ "يقصد في قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّف}([15])

فسكتوا. فقام شيخ من هذيل، فقال: هذه لغتنا، التخوف: التنقص.

فقال: هل تعرف العرب ذلك في أشعارها؟ قال: نعم، قال شاعرنا أبو كبير يصف ناقته: تخوف الرحل منها تامكًا قردًا ... كما تخوف عود النبعة السفن([16])

فقال عمر: عليكم بديوانكم لا تضلوا. قالوا: وما ديواننا؟ قال: شعر الجاهلية، فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم.

ويُروى قريب من هذا عن ابن عباس – رضي الله عنه -، فقد ذكر أبو بكر الأنباري قال: أتى أعرابي إلى ابن عباس فقال: تخوفني مالي أخ لي ظالم ... فلا تخذلني اليوم يا خير من بقي([17])

فقال ابن عباس: تخوفك أي تنقصك؟ قال: نعم. قال: الله أكبر

{أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّف} أي تنقص من خيارهم.

وقد كان ابن عباس حريصًا على الشعر الجاهلي يحث الناس على تعلمه، وطلبه لتفسير القرآن، فمما قاله في ذلك:

"وإذا سألتم عن شيء من غريب القرآن فالتمسوه في الشعر؛ فإن الشعر ديوان العرب".([18])

فخلاصة القول أن الشواهد الشعرية أهم مصدر من مصادر الأدلة، لذلك امتلأ المفسرون تفاسيرهم من شواهد الشعر متمسكين بها في كثير من الأماكن.

عصور الاحتجاج بالشعر:

تردد في المجاميع الأدبية العبارة الماثورة: "الشعر ديوان العرب" لأنه مرآة نرى من خلالها كل ما نريد معرفته عن حياة العرب، ففيه حفظوا أنسابهم وأمجادهم ، ومواقفهم وأيامهم، وقد اهتم العلماء بهذا المصدر بل جعلوه أهم مصدر من مصادر أدلتهم وشواهدهم، ولكن مع ذلك لم يستشهدوا، بل شعر وقعت عليه عيونهم، أو استحسنه قرائحهم، بل وضعوا لذلك ضوابط وقيودا للرواية والسماع، كما حددوا عصورا للاستشهاد لا ينبغي تجاوزا عنها.

طبقات الشعراء:

وقد قسم العلماء الشعراء على أربع طبقات ما ذكره البغدادي كما يلي: "أقول الكلام الذي يستشهد به نوعان شعر وغيره فقائل الأول قد قسمه العلماء على أربع طبقات:

الطبقة الأولى:

الشعراء الجاهليون وهم قبل الإسلام كامرئ القيس والأعشى.

الطبعة الثانية:

المخضرمون وهم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام كلبيد وحسان.

الطبقة الثالثة:

المتقدمون ويقال لهم الإسلاميون وهم الذين كانوا في صدر الإسلام كجرير والفرزدق.

الطبقة الرابعة:

المولدون ويقال لهم المحدثون وهم من بعدهم إلى زماننا كبشار ابن برد وأبي نواس.

فالطبقتان الأوليان يستشهد بشعرهما إجماعا، وأما الثالثة فالصحيح صحة الاستشهاد بكلامها، وقد كان أبو عمرو بن العلاء، وعبد الله بن أبي إسحاق، والحسن البصري، وعبد الله بن شبرمة يلحنون الفرزدق والكميت وذا الرمة وأضرابهم"([19])

قال ابن رشيق في العمدة:

"كل قديم من الشعراء فهو محدث في زمانه بالإضافة إلى من كان قبله، وكان أبو عمرو يقول: لقد أحسن هذا المولد حتى لقد هممت أن آمر صبياننا برواية شعره يعني بذلك شعر جرير والفرزدق، فجعله مولدا بالإضافة إلى شعر الجاهلية والمخضرمين. وكان لا يعد الشعر إلا ما كان للمتقدمين. قال الأصمعي: جلست إليه عشر حجج فما سمعته يحتج ببيت إسلامي".

وقال ايضا: "فأما ابن قتيبة فقال: لم يقصر الله الشعر والعلم والبلاغة على زمن دون زمن، ولا خص قوماً دون قوم، بل جعل الله ذلك مشتركاً مقسوماً بين عباده في كل دهر، وجعل كل قديم حديثاً في عصره"[20].

وأما الرابعة فالصحيح أنه لا يستشهد بكلامها مطلقا، وقيل: يستشهد بكلام من يوثق به منهم واختاره الزمخشري وتبعه الشارح المحقق.

وقال السيوطي: "أجمعوا على أنه لا يحتج بكلام المولدين والمحدثين في اللغة والعربية، وفي الكشاف ما يقتضي تخصيص ذلك بغير أئمة اللغة ورواتها فإنه استشهد على مسألة بقول أبي تمام الطائي. وأول الشعراء المحدثين بشار بن برد، - وقد احتج سيبويه ببعض شعره تقربا إليه لأنه كان هجاه لتركه الاحتجاج بشعره ذكره المرزباني وغيره- ونقل ثعلب عن الأصمعي أنه قال: ختم الشعر بإبراهيم بن هرمة وهو آخر الحجج".([21])

ولكنَّ فريقا من العلماء يرى صحّة الاستشهاد بشعر من يوثق به من شعراء هذه الطبقة، وممن يرى ذلك الواحدي، والبطليوسي، والزمخشري، وابن الشجري، وابن يعيش، وابن هشام وغيرهم، واستشهد هؤلاء بأبيات من شعر أبي تمام، والبحتري، والمتنبي، وأبي نواس، وبشار، وأبي فراس، وغيرهم.([22])

والأمر الذي يهمنا هنا في هذه المقالة هو أن الزمخشري مع أنه كان لغويا، وأديبا، استشهد في تفسيره الشهير "الكشاف" بشعر المولّدين كما سنستعرض بعض الأماكن التي استشهد له بأشعارهم، ولكن قبل ذلك نذكر قيمة الكشاف العلمية والأدبية لدى العلماء لكي يتضح الأمر ولايبقى الغبار.

قيمة تفسير الكشاف العلمية والأدبية لدى العلماء:

قد صنف الإمام جارالله محمود الزمخشري المتوفى سنة 538هـ إمام المفسرين، واللغويين، والنحاة، تصانيفا بديعة، وتاليفات كثيرة، ومن هذه تفسيره "حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل"، وقد اشتهر هذا التفسير بين أهل العلم بـ "الكشاف" وهو من أشهر تفاسير المعتزلة. وإذا نظرنا إلى هذا التفسير بعيدا عما فيه من الاعتزال حكمنا أنه لم يسبق إليه غير الزمخشري. أبان المفسر في تفسيره هذا من الوجوه البلاغية في كل آية من آيات القرآن الكريم، وكما أظهر فيه من جمال النظم القرآني وبلاغته، لبراعته في كثير من العلوم، لا سيّما إلمامه بلغة العرب، ومعرفته بأشعارهم، وما امتاز به من الإحاطة بعلوم البلاغة، والبيان، والإعراب، والأدب، ولقد أضفى هذا النبوغ العلمي والأدبي على تفسير الكشاف ثوبا جميلا لفتَ إليه أنظار العلماء وعلّق به قلوب المفسرين.

ويحلل ابن خلدون هذا التفسير في قوله عند الحديث عما يرجع اليه التفسير من معرفة اللغة والإعراب والبلاغة فيقول:

"ومن أحسن ما اشتمل عليه هذا الفنّ من التّفاسير كتاب الكشّاف للزّمخشريّ من أهل خوارزم العراق إلّا أنّ مؤلّفه من أهل الاعتزال في العقائد فيأتي بالحجاج على مذاهبهم الفاسدة حيث تعرض له في آي القرآن من طرق البلاغة. فصار ذلك للمحقّقين من أهل السّنّة انحراف عنه وتحذير للجمهور من مكامنه مع إقرارهم برسوخ قدمه فيما يتعلّق باللّسان والبلاغة.([23])

لم يؤلف الزمخشري مؤلّفا خاصّا بالإعجاز، إلا أنه سلك في تفسيره مسلكا دقيقا أبرز فيه وجوه إعجاز القرآن من خلال الأساليب البلاغية التي نبّه عليها وهو يفسر الآيات القرآنية. وعلى الرغم من أنه لم يقف عند كل كلمة، إلا أنه يطيل الوقوف عند الآيات التي تكشف له وجوها من روائع البيان، وعجيب النظم في تقديم كلمة على كلمة أو اختيار كلمة بدل كلمة أو حرف مكان حرف، ويتحدث عن كل ذلك بأسلوب الأديب الضليع والبلاغي الذوّاقة الذي يتذوّق جمال الكلام وأفانين القول.

استعراض بعض الأماكن التي استشهد له الزمخشري بشعر المولدين:

ذكر المظهر موضع المضمر:'

مدح أبو نواس خلفا الأحمر فقال: فكلما نشاء منه نغترف ... راوية لا يجتني من الصحف([24])

استشهد به الزمخشري عند قوله تعالى: {وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ}([25]) والمناسب أن يقال: لخزنتها([26]).

يجوز إرجاع الضمير المؤنث إلى "شيء" :

كقول أبى العتاهية: نفسي بشيء من الدنيا معلّقة ... الله والقائم المهدي يكفيها([27])

استشهد به الزمخشري عند قوله تعالى: {وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا}([28])

الضميرُ المؤنث في "اتخذها" فيه وجهان، أحدهما: أنه عائد على "آياتِنا". والثاني: أنه يعودُ على "شيئاً" وإن كان مذكرا لأنه بمعنى الآية([29]).

تخييل بغير تعليل:

قال أبو تمام: ويُصْعِدُ حتَّي يَظُنَّ الجَهُولُ ... بأَنَّ لهُ حاجَةً في السَّمَاء([30])

استشهد به الزمخشري عند قوله تعالى([31]): {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ}([32])

تحت عنوان تخييل بغير تعليل، لأنهم ربما بالغوا فى الاستعارة حتى ينزلوها منزلة الحقيقة، وبيان ذلك أنهم قد يستعيرون الوصف للشىء المعقول ويجعلون تأتيه لذلك الشىء على جهة التحقيق وكأن خلافها محال، وكأن الاستعارة غير موجودة، وينكرون خلاف ذلك ويتعجبون منه كما في شعر أبي تمام المذكور، قرر صعوده فى الخصال العالية، والمراتب الشريفة، على وجه لا يمكن جحده ولا يسوغ إنكاره.([33])

المشاكلة:

وهوذكر الشيء بلفظ غيره, لوقوعه في صحبته تحقيقا أو تقديرا[34] كقول أبى تمام:

مَنْ مُبْلِغٌ أَفْناءَ يَعْرُبَ كُلَّها ... أَنِّى بَنَيْتُ الجَارَ قبْلَ المَنْزِلِ؟([35])

استشهد به الزمخشري([36]) عند قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}([37]) فقد عبر عن اختيار الجار بالبناء مشاكلة لبناء الدار.([38])

تناسب القسم والمقسم عليه:'

قول أبى تمام: وثناياك إنها إغريض ... ولآل نوار أرض وميض([39])

استشهد به الزمحشري في بداية سورة الزخرف عند قوله تعالى: {حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا}([40]) وقال: وهو من الأيمان الحسنة البديعة، لتناسب القسم(الكتاب المبين) والمقسم عليه(قرآنا عربيا)، وكونهما من واد واحد ([41]).

أظلم فعل متعد كما يستعمل لازم:

قول حبيب بن أوس:

هُمَا أَظْلَمَا حالَىَّ ثُمَّتَ أَجْلَيَا ... ظَلَامَيْهُما عنْ وَجْهِ أَمْرَدَ أَشْيَبِ([42])

استشهد به الزمخشري عند قوله تعالى: { كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا }([43])

وقال: إن (أظلم) يحتمل أن يكون غير متعد وهو الظاهر، وأن يكون متعديا منقولا من ظلم الليل. ([44])

وقال بعد إيراد هذا الشعر في تفسيره: "وهو وإن كان محدثا لا يستشهد بشعره في اللغة، فهو من علماء العربية، فاجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه. ألا ترى إلى قول العلماء: الدليل عليه بيت الحماسة، فيقتنعون بذلك لوثوقهم بروايته وإتقانه"([45]).

تعدية الفعل بـ"على" للاستعلاء:

قال أبو الطيب:

فلشد ما جاوزت قدرك صاعدا ... ولشد ما قربت عليك الأنجم([46])

استشهد به الزمخشري عند قوله تعالى ([47]). {حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ}([48])

بضدها تتبين الأشياء:

قول أبي طيب:ويذمهم وبهم عرفنا فضله وبضدّها تتبين الأشياء([49])

استشهد به الزمخشري في ضد الأشياء عند قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى* وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي }([50])

إنهم قالوا: ذلك، وقال موسى - عليه السلام- : هذا، ليوازن الناظر بين القول والمقول، ويتبصر فساد أحدهما وصحة الآخر([51]).

التخييل من غير مشاهدة الحال وهذا مرتبة من مراتب حصول المعاني عند أهل البلاغة:

كقول ابن الرومي: لِمَا تُؤْذِنُ الدُّنْيَا بِهِ مِنْ صُرُوفِهَا ... يَكُونُ بُكَاءُ الطِّفْلِ سَاعَةَ يُولَدُ([52])

استشهد به الزمخشري عند قوله تعالى: {إِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}([53])

واستهلال الصبي صارخاً من مس الشيطن تخييل وتصوير لطمعه فيه، كأنه يمسه ويضرب بيده عليه([54])

ملخص البحث:

الشعر العربي هو أهم مصادر دراسة اللغة العربية، فقد استخدمه علماء الدين في تصانيفهم وخاصة علماء التفسير كما نراه في تفسير الكشاف للزمخشري.

يختلف منهج تأليف الزمخشري عمن سبقوه، وعلى سبيل المثال عنى المؤلفون السابقون بالشاهد الشعري القديم، وحرصوا على أن يكون قائله ممن عاشوا في العصر الجاهلي، والمخضرمين، ثم العصر الإسلامي، وحاذوا الاعتماد على الشعر المتأخرين الذي أطلق عليه اسم "المولد"، وقصدوا به شعر شعراء أواخر العصر الأموي، ومطلع العصر العباسي، إلا أن الزمخشري أورد نماذج من أشعار شعر المولدين والمتأخرين في تفسيره كالشاهد، أوالتمثيل، كما يورد الأشعار التي نظمها بنفسه.

فالزمخشري من هؤلاء الذين قالوا باستشهاد المولدين وهو لايرى بأسا بذلك، كما أنه استشهد في تفسير أوائل البقرة من الكشاف ببيت من شعر حبيب بن أوس وقال:

"وهو وإن كان محدثا لا يستشهد بشعره في اللغة، فهو من علماء العربية، فاجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه. ألا ترى إلى قول العلماء: الدليل عليه بيت الحماسة، فيقتنعون بذلك لوثوقهم بروايته وإتقانه"

 

حوالہ جات

  1. . تاريخ الأدب الجاهلي ص: 274
  2. . مقدمة المعلقات السبع للواحدي
  3. . الكتابة والشعر، المكتبة العنصرية ص: 138
  4. . تاريخ الأدب الجاهلي نفس المرجع
  5. . أحاديث الشعر 1/ 100
  6. . تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي ص: 200
  7. . العمدة في محاسن الشعر وآدابه 1/ 30
  8. . خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب 4/ 424
  9. . العمدة في محاسن الشعر وآدابه 1/ 28
  10. . العمدة في محاسن الشعر وآدابه نقس المرجع
  11. . المحكم والمحيط الأعظم 4/ 181
  12. . لسان العرب 3/ 240
  13. . تاج العروس 1/ 71
  14. . الشواهد الشعرية النحوية في لسان العرب ص: 21
  15. . سورة النحل الآية: 47
  16. . لسان العرب 9/ 101
  17. . أمالي القالي 2/ 112
  18. . مصادر الشعر الجاهلي ص: 153
  19. . خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي 1/ 5
  20. . العمدة في محاسن الشعر وآدابه 1/ 91
  21. . الاقتراح في أصول النحو ص: 121-122-123
  22. . ينظر: الهروي، اسفار الفصيح، 1/241
  23. . تاريخ ابن خلدون 1/ 556
  24. . مصادر الشعر الجاهلي ص: 181
  25. . سورة غافر الآية: 49
  26. . تفسير الكشاف 4/ 171
  27. . الكامل في اللغة والأدب 2/ 223
  28. . سورة الجاثية الآية : 9
  29. . تفسير الكشاف 4/ 287
  30. . أسرار البلاغة ص: 302
  31. . تفسير الكشاف 1/ 77
  32. . سورة البقرة الآية : 18
  33. . الطراز لأسرار البلاغة 1/ 132
  34. . خزانة الأدب وغاية الأرب 2/ 252
  35. . فصل المقال في شرح كتاب الأمثال ص: 392
  36. . تفسير الكشاف 1/ 113
  37. . سورة البقرة الآية : 26
  38. . زهر الأكم في الأمثال والحكم 1/ 194
  39. . خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب 5/ 78
  40. . سورة الزخرف الآية: 1-3
  41. . تفسير الكشاف 4/ 236
  42. . لحبيب بن أوس ينظر ديوانه 1/ 157
  43. . سورة البقرة الآية: 20
  44. . تفسير الكشاف 1/ 86
  45. . تفسير الكشاف 1/ 87
  46. . شرح ديوان المتنبي للواحدي ص: 174،
  47. . تفسير الكشاف 3/ 355
  48. . سورة النمل الآية : 18
  49. . زهر الأكم في الأمثال والحكم 1/ 217
  50. . سورة القصص الآية: 37-38
  51. . تفسير الكشاف 3/ 412
  52. . الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز 1/ 101
  53. . سورة آل عمران الآية: 36
  54. . تفسير الكشاف 1/ 357

    المصادر والمراجع:

    1. القران الكريم
    2. ابن حجة الحموي: خزانة الأدب وغاية الأرب، دار ومكتبة الهلال-بيروت، دار البحار-بيروت، الطبعة الأخيرة 2004م
    3. ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، 1408 هـ - 1988 م
    4. ابن سيدة: المحكم والمحيط الأعظم، ت: عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة الأولى، 1421 هـ - 2000 م
    5. ابن منظور: لسان العرب، دار صادر – بيروت، الطبعة الثالثة - 1414 ه
    6. أبوعلى القالي: أمالي القالي، دار الكتب المصرية، الطبعة الثانية، 1344 هـ - 1926م
    7. أحمد شوقي: تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي، مكتبة دار المعارف، لاط، لات
    8. الأزدي: العمدة في محاسن الشعر وآدابه، ت:محمد محيي الدين عبد الحميد،الناشر: دار الجيل، الطبعة الخامسة 1401 هـ - 1981 م
    9. البغدادي: خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، ت: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة الرابعة، 1418 هـ - 1997 م
    10. تقي الدين الحنبلي: أحاديث الشعر، ت: إحسان عبد المنان الجبالي، المكتبة الإسلامية - عمان – الأردن، الطبعة: الأولى، 1410هـ
    11. ديوان حبيب بن أوس
    12. الزبيدي: تاج العروس، دار الهداية، لاط، لات
    13. الزمخشري: أسرار البلاغة، ت: محمود شاكر، مطبعة المدني بالقاهرة، دار المدني بجدة، لاط، لات
    14. الزمخشري: تفسير الكشاف، دار الكتاب العربي – بيروت، الطبعة الثالثة - 1407 هـ
    15. الزوزني: المعلقات السبع، دار احياء التراث العربي، الطبعة الأولى 1423هـ - 2002 م
    16. سوزان محمد فواد: الشواهد الشعرية النحوية في لسان العرب، دراسة وتحليل،
    17. السيوطي: الاقتراح في أصول النحو، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 1409 - 1989 م
    18. العسكري: الصناعتين: الكتابة والشعر، المكتبة العنصرية – بيروت، لاط، 1419 ه
    19. العلوي يحي: الطراز لأسرار البلاغة ، لمكتبة العنصرية – بيروت، الطبعة الأولى، 1423 ه
    20. علي الجندي: في تاريخ الأدب الجاهلي، مكتبة دار التراث، الطبعة الأولى، 1412هـ - 1991م
    21. المبرد: الكامل في اللغة والأدب، دار الفكر العربي – القاهرة، الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م
    22. محمد البكري الأندلسي: فصل المقال في شرح كتاب الأمثال، ت: إحسان عباس، مؤسسة الرسالة، بيروت –لبنان، الطبعة الأولى، 1971 م
    23. المؤيد باللَّه: الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، المكتبة العنصرية – بيروت، الطبعة الأولى، 1423 هـ
    24. ناصر الدين الأسد: مصادر الشعر الجاهلي، دار المعارف بمصر، الطبعة السابعة 1988م
    25. نور الدين اليوسي: زهر الأكم في الأمثال والحكم ، ت: د محمد حجي، د محمد الأخضر، الدار البيضاء – المغرب، الطبعة الأولى، 1401 هـ - 1981 م
    26. الواحدي: شرح ديوان المتنبي،
Loading...
Issue Details
Id Article Title Authors Vol Info Year
Id Article Title Authors Vol Info Year
Similar Articles
Loading...
Similar Article Headings
Loading...
Similar Books
Loading...
Similar Chapters
Loading...
Similar Thesis
Loading...

Similar News

Loading...