Search from the Journals, Articles, and Headings
Advanced Search (Beta)
Home > Al-Idah > Volume 36 Issue 1 of Al-Idah

المقاصد عند الإمام الشاطبي |
Al-Idah
Al-Idah

Article Info
Authors

Volume

36

Issue

1

Year

2018

ARI Id

1682060034497_474

Pages

186-204

PDF URL

http://www.al-idah.pk/index.php/al-idah/article/download/32/26

Chapter URL

http://al-idah.szic.pk/index.php/al-idah/article/view/32

Asian Research Index Whatsapp Chanel
Asian Research Index Whatsapp Chanel

Join our Whatsapp Channel to get regular updates.


ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

لقد خلق الله تعالى الإنسان لغرض عظيم وغاية أسمى وهي عبادته سبحانه وتعالى وحده لا شريك له حيث قال عز من قائل:﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾1

فخلقُهم ليس عبثا يسمح لهم بالتصرف في شؤون حياتهم كيفما تملي عليهم أهوائهم وتُسوّل لهم نفوسهم، فقال الله تعالى: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ﴾ فبعث الله تعالى نبيه ﷺ بأتم الشرائع وأفضلها لكي يمهد لهم الطريق إلى الهداية ويخرجهم من الظلمت إلى النور وجعله قدة حسنة للبشرية جمعاء للفوز بخير الدنيا وسعادة الآخرة.

فهذه الآيات خير دليل على أن الله تعالى سن هذه الشريعة لأهداف عظيمة ومقاصد شريفة والغرض من وراء ذلك كله هو تحقيق مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم حتى يتمكنوا من السلوك في طريق الهداية والرشاد كما يشاء ويرضى ربهم الذي خلقهم وهو خبير بما يصلح لهم في الدارين فيقول عز من قائل: ﴿ أَلَايَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾2. فمن ثم جاءت هذه الشريعة كاملة وشاملة حيث أرشدت إلى كل ما ينفع ونهت عن كل ما يضر فاستنار الطريق أمام الناس وأصبحوا على بصيرة من أمرهم ولم يهلك من بعده إلا من ضل بنفسه واختار سواء السبيل. ومن هنا تبرز أهمية هذه المقاصد والغايات حيث لا بد من معرفتها للعثور على مشيئة الله تعالى واستنباط الأحكام الشرعية للأمور والقضايا المستجدة عن طريق القياس الذي من أركانه العلة فلا بد للمجتهد من معرفة العلل ومقاصد النصوص الشرعية حتى يقيس عليها أمورا أخرى لمعرفة حكم الشرع فيها.

فأهمية هذا الموضوع هي التي دفعتنى إلى كتابة هذا المقال المتواضع وأرجو من الله تعالى أن ينفع به ويجعله في ميزان حسناتي.

لقد بدأت مسيرة فقه القاصد بعد وفاة رسول الله، بعمليتي: القياس والإستحسان، ثم تطور عند الماليكية إلى (المصالح المرسلة) ثم ابتدع الإمام الشاطبي ( فقه القاصد).

عند الشاطبي المقاصد على قسمين: قصد الشارع وقصد المكلف

الأول: قصد الشارع

قسم الإمام الشاطبي قصد الشارع إلى أربعة أنواع فرعية وهي:

النوع الأول: قصد الشارع في وضع الشريعة.

النوع الثاني: قصد الشارع في وضع الشريعة للإفهام.

النوع الثالث: قصد الشارع في وضع الشريعة للتكليف بمقتضاها.

النوع الرابع: قصد الشارع في دخول المكلف تحت أحكام الشريعة.

الثاني:قصد المكلف

لم يقم الإمام بتنويع القسم الثاني الذى يتعلق بمقاصد المكلف بل اقتصر في بحثه على مسائل فقط.

وفيما يأتي سوف أتناول المقاصد عند الإمام الشاطبى بشئ من الإسهاب

النوع الأول: قصد الشارع في وضع الشريعة

في صدد حديثه عن القصد الأول من أحكام الشريعة يقول: تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق وهذه المقاصد بدورها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

المقاصد الضرورية

و المراد منها هي المقاصد التي لا مندوحة منها للقيام بمصالح الدين والدنيا وفقدانها يؤدي إلى فساد عريض في الدارين ويكون هذا الفساد والتعطل في أنظمة الحياة بقدر فقدانها. وهي خمسة مقاصد: حفظ الدين، حفظ النفس، حفظ النسال، حفظ المال، وحفظ العقل3 وقد تمت معرفتها عن طريق الاستقراء وحثت كل ملة على حفظها.

المقاصد الحاجية

و هي التي ترفع الضيق والحرج عن حياة المكلفين وتسبب لهم التوسعة فيها.

المقاصد التحسينية

و هي أقل شأنا من مقاصد القسم الأول والثاني وإنما تكمن أهميتها في أنها تتمم وتحسِّن ما سبق ذكرها من المقاصد مثل التحلي بمحاسن العادات ومكارم الأخلاق والآداب.4

النوع الثاني: قصد الشارع في وضع الشريعة للإفهام

يوضح الشاطبى النوع االثاني أي قصد الشارع في وضع الشريعة للإفهام من خلال المسئلتين وهما:

أن هذه الشريعة المباركة عربية

و المقصود من المسألة هو التأكيد على أنه لا يمكن فهم القرآن إلا عن طريق اللغة العربية لأنه نزل بلسان العرب فمن يريد أن يفهم القرآن فلا يسعه إلا يتخذها أداة له"5.

ب: هذه الشريعة المباركة والأمة كلاهما أمية

الشريعة أمية أي منسوبة إلى الأميين لأن الذين نزلت لهم كانوا أميين وهذا الأمر يتطلب أن تكون حسبما تقتضيه حال من نزلت عليهم لأنه أكثر مراعاة للمصالح التي هي مقصود الشارع الحكيم.6

النوع الثالث: قصد الشارع في وضع الشريعة للتكليف بمقتضاها

و يمكن حصر مباحث هذا النوع في الموضوعين التاليين:

أ: التكليف بما لا يطاق

يوجد الإجماع بأن التكليف بما لا يطاق منفي عن الشريعة أي لا يكلف النفس بما ليس في وسعها فلم يسهب الإمام في هذا البحث كثيرا بل ركز على بعض حالات التكليف نفسه التي قد يشتبه الأمر فيها بحيث أ تدخل في مقدور المكلفين أو لا؟ فإذا جاء هناك تكليف من قبل الشرع بما لا يقع داخل نطاق قدرة العبد يفهم منه أن المطلوب هو تحقيق سوابق هذا الأمر أو لواحقه أو قرائنه. فعلى سبيل المثال، عندما أمر الشارع بالتحابب فاالمقصود منه هو اختيار الأسباب التي تولّد الحب ويحبّب الناس بعضهم إلى بعض وليس الحب ذاته ويصح هذا في كل ما يكون من هذا القبيل.7 وأما مشتبهات الأفعال مثل الصفات الباطنة أي الحسد والحقد والكبر والحلم والشجاعة وغيرها من الصفات فيحال التكليف فيها إلى سوابقها ولواحقها.

ب :التكليف بما فيه مشقة

و في بحث أحكام المشقة ومقاصد الشارع فيها يقول الإمام الشاطبي:

"إن الشارع لم يقصد إلى التكليف بالمشقة والإعنات فيه" والنصوص التي تنفي الحرج وتصرّح بيسر الشريعة الإسلامية وسماحتها خير دليل على هذا، إضافة إلى ما وردت من الرخص في أمور الشرع حيث لو كان الشارع يهدف إلى المشقة في الأحكام لما شرع الترخيص. ويؤكد الشيخ عبد الله على هذه الحقيقة قائلا بأن الشارع يطلب من العبد الدخول تحت هذا النظام والانقياد له، لا لهواه.9

فكل عمل مبناه اتباع الهوى دون التفات إلى خطاب الشرع فهو باطل البتة لأنه لا بد لكل عمل من حامل يحمل عليه وداع يدعو إليه فعندما لا يكون منشأه طلب الشارع بل يكون انطلاقا من هوى النفس وشهوته فهو باطل وعلى العكس من ذلك، كل فعل يكون المتبع فيه خطاب الشارع فهو صحيح وحق.

يقسم الإمام الشاطبي المقاصد الشرعية إلى مقاصد أصلية ومقاصد تبعية:

المقاصد الأصلية

هي التي لا حظ فيها للمكلف، وهي الضروريات المعتبرة في كل ملة.

و الضروريات المعتبرة في كل ملة هي حفظ الأشياء الخمسة والذود عنها أي الدين والنفس والعقل والنسل والمال كما تقدم بيانه فيما قبل. ولا يعتبر فيها أي حظ للمكلف لأنه ملزم بحفظها والذب عنها طوعا أو كرها وفي حالة أي تفريط أو إهمال من جانبه يحجر عليه ويجبر على القيام بحفظها والدفاع عنها ويستحق العقاب في الدنيا والآخرة لعدم القيام به. فاتضح أنه ليس العمدة في هذا النوع من التكليف هو رغبة المكلف أو اختياره أو ميوله بل هو الشارع فقط وهو الذي يراد من العبارة لا حظ فيها للمكلف.

المقاصد التابعة

فهي التي فيها حظ للمكلف حيث يحصل له من خلالها مقتضى ما جبل عليه من نيل الشهوات والتمتع بالمباحت وسد الحاجات، مثل ما نرى في أوجه الاستمتاع المباحة والتوسع في الاستمتاع والتنعم ولكن في إطار ما حدده الشروع من حدود وما وضعه من قيود وهذه المقاصد التابعة بطبيتها تكمل تخدم المقاصد الأصلية وتكملها. على سبيل المثال عندما يقوم المكلف بحفظ نفسه يحصل له في نفس الوقت كثير من المتع والحظوظ النفسية11 والتي تعد من مقاصد الشريعة التبعية وحتى العبادات التي تكاد تخلو من مراعاة الحظوظ هي أيضا تجلب بعض الفوائد التبعية من قبيل الحظوظ مثل كسب ثقة الناس ومحبتهم. ولكن على الرغم من ذلك كله، من الأفضل أن يكون العمل بمقتضى المقاصد الأصلية بغض النظر عن المقاصد التبعية12 وذلك لأسباب آتية:

  1. لأنه أكثر توافقا مع ما تقدم ذكره من أن قصد الشارع من وراء التشريع هو تخليص المكلف من هواه.
  2. لأن مراعاة المقاصد الأصلية تجعل العمل أقرب إلى الإخلاص والعبادة وتبعده عن الحظوظ النفسية التي قد تشوب الإخلاصَ في العبودية وتدنسه.
  3. بناء العمل على أساس المقاصد الأصلية يجعل كل تصرفات المكلف عبادة سواء أكانت عبادات أو عادات من ناحية الأصل.
  4. عندما يراعي المكلف المقصد الأصلي تتحقق المقاصد التابعة لذلك المقصد تلقائيا ولا يحتاج إلى مراعاتها بصفة مستلقة.
  5. الطاعة تصير أعظم عندما يعمل على المقاصد الأصلية ومعصتيها أيضا تكون أعظم عندما تخالف. فمن هنا تحصل لنا قاعدة أخرى وهي: تتبع أصول الطاعات وجوامعها تفيد أنها ترجع كلها إلى مراعاة المقاصد الأصلية وكبائر الذنوب إذا اعتبرت وجدت في مخالفتها.13
  6. بناء الأعمال على المقاصد الأصلية ينقلها إلى أحكام الوجوب من حيث تكون حفظا للأمور الضرورية في الدين والقيام بالعمل في إطار الواجبات أفضل من العمل في غيرها من الإطارات.

و الجدير بالذكر هنا أن مباحث هذا النوع الذي هو الأخير من أنواع مقاصد الشارع تشابه مباحث القسم الثاني أي مقاصد المكلف وسيتضح هذا الأمر جليا عند استعراضها فيما يلي:

القسم الثاني: قصد المكلف

بعد التحدث عن مقاصد الشريعة تطرق الإمام الشاطبي في القسم الثاني إلى مقاصد المكلف وهذا الأمر يدل على تضلعه من موضوع المقاصد لأن الأولى أي مقاصد الشارع تظل حبرا على ورق أو مجرد فكرة في الأذهان ما لم تتم العناية بمقاصد المكلف فلا بد من ذكر مقاصد المكلف مع بيان علاقتها بمقاصد الشارع إيجابا وسلبا.

القضايا الأساسية للنظرية

أ:التعليل

يعتبر الإمام الشاطبي تعليل الشريعة برعاية المصالح وهو عنده مسألة قطعية ومسلمة لا يقبل استثاء حيث يصدق على جملتها وجزئياتها على حد سواء. وقد ذهب ابن القيم في هذا المضمار بعيدا حيث علل جميع الأحكام العبادية والتعبدية. فعلل التيمم والاكتفاء فيه على عضوين وعلل كون الحجامة مفطرة للصائم وكون المني موجبا للغسل خلافا للبول الذي يوجب الغسل فقط وكثير من الأحكام الأخرى بما فيها أحكام مجالات المعاملات. 14 والتعليل عند ابن القيم هو أصل وعدم التعليل استثناء على خلاف ما يرى الشاطبي فمن ثم تصدى لتعليل كل شيئ وبالتالي وقع في كثير من تعليلات ضعيفة كما حدث في تعليله للفرق بين بول الصبي وبول الصبية15 وبيان علة سرية صلاة النهار وجهرية صلاة الليل16 ولكن على الرغم من ذلك كله يعترف بعدم اهتداء العقل إلى أسرار بعض أحكام العبادات على وجه التفصيل دون الجملة. 17 وهذا ما يوافق الأصل العام في الشريعة في أن الشريعة معللة برعاية المصالح بدون أي تفريق بين العبادات وغيرها وقد سبق أن قلنا بأن الشاطبي يعتبره مسألة مسلمة قطعية ويتبنى المقري نفس الرأي حيث يقول: الأصل في الأحكام المعقولية لا التعبد لأنه أقرب إلى القبول وأبعد عن الحرج.... 18 ويقول الجويني بأن الأحكام الشرعية التي تخلو من معنى معقول يندر تصويرها جداً.19 هذا موافق تمام للنصوص القرآنية التي تنص على تعليل الدين كله والشريعة بأكملها بدون أي استثناء. ومن هذه النصوص قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ 20 يقول العضد الإيجي في تفسير هذه الآية: "وظاهر الآية التعميم، أي يفهم منه مراعاة مصالحهم فيما شرع لهم من الأحكام كلها، إذ لو أرسل بحكم لا مصلحة لهم فيه لكان إرسالاً لغير الرحمة، لأنه تكليف بلا فائدة، فخالف ظاهر العموم..."21 على أن الأحكام الشرعية بقسميها وردت فيها بعض التحديدات وبيان الهيئات والمقادير. على سبيل المثال، عدد الصلوات وعدد الركعات في كل صلاة وكيفية القراءة فيها أي الجهر أو السر وفرض الصيام في شهر معين وابتدائه من طلوع الفجر الثاني ونهايته بالغروب وهكذا بعض تفاصيل الحج وأحكام الكفارات ومقاديرها وأيضا العقوبات التي تسمى بالحدود حيث قد حدد نوعها ومقاديرها.

المصالح والمفاسد

البحث في مسألة التعليل يتعلق بأساس مقاصد الشريعة بينما البحث في المصالح والمفاسد هو من صميم المقاصد وهذا البحث في غاية الأهمية والخطورة لأن مقاصد الشريعة تجلب المصالح وتدرأ المفاسد. فأحاول فيما يلي إبراز آراء الشاطبي في هذا الموضوع مع ما يطلب ذلك من مقارنة أو مناقشة أو تتميم.

مفهوم المصلحة والمفسدة

عندما يطلق مسمى المصلحة والمفسدة فهو يشمل مصالح الدنيا والآخرة كما قال الشاطبي: إن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معا. 22

وينبغي أن لا تغيب هذه الأمور البديهية عن بالنا في الحديث عما يُعرِّف به الأصوليون المصلحة والمفسدة. مثلا بعضهم يقول: "المصلحة هي جلب المنفعة أو دفع المضرة"23 والبعض الآخر يقول: "المنفعة عبارة عن اللذة أو ما يكون طريقاً إليها والمضرة عبارة عن الألم أو ما يكون طريقاً إليه"24 يعني المنفعة تمثل اللذة أو ما يسببها والمفسدة عبارة عن الألم أو ما يؤدي إلى ذلك.25 ومن الجدير بالملاحظة أيضا أن هذه التعريفات تشمل اللذات والآلام بقسميهما الحسية والمعنوية. ولهذا وضح ابن السلام تعريفه بمزيد من التفسير قائلا: المصالح أربعة أنواع: اللذات وأسبابها، والأفراح وأسبابها. والمفاسد أربعة أنواع: الآلام وأسبابها، والغموم وأسبابها. وهي منقسمة إلى دنيوية وأخروية.26 والتفريق في المصالح بين اللذات والأفراح وفي المفاسد بين الآلام والغموم يلمح إلى الحسيات منها والمعنويات التي هي داخلة في التعريفات السابقة.

وللتنبيه على الجانب المعنوي في تعريف المصالح الدنيوية يقول الشاطبي: "وأعنى بالمصالح: ما يرجع إلى قيام حياة الإنسان، وتمام عيشه، ونيله ما تقتضيه أوصافه الشهوانية والعقلية على الإطلاق، حتى يكون منعماً على الإطلاق".27

ومما سبق نخلص إلى أن مفهوم المصلحة والمفسدة يشمل:* المصالح الأخروية ووسائلها وأسبابها

  • والمفاسد الأخروية ووسائلها وأسبابها
  • والمصالح الدنيوية ووسائلها وأسبابها
  • والمفاسد الدنيوية ووسائلها وأسبابها.
  • و المصلحة هي كل لذة ومتعة سواء أ كانت جسمية أو نفسية أو عقلية أو روحية
  • المفسدة هي كل ألم وعذاب، سواء أ كان جسميا أو نفسيا أو عقليا أو روحيا.

فالقول بأن المصلحة هي لذة ومتعة لا يعني أنها ليست إلا تلبية الشهوات وإشباع الغرائز الجسمية بل هي لذات ومتع ومنافع ذات الأبعاد العديدة وهكذا المفاسد.

فالنيجة هي: أن المصالح المعتبرة شرعاً، هي خالصة، غير مشوبة بشيء من المفاسد، لا قليلاً ولا كثيرا.28

ولكن الشريعه تتضمن حفظ النوع الواحد فقط من أنواع المصالح الثلاثة أي المصالح المعتبرة والمصالح الملغاة والمصالح المرسلة. فالشريعة تحفظ النوع الأول من هذه المصالح دون غيرها.

مسالك المقاصد

مسالك الکشف عن المقاصد عند الإمام الشاطبي

انتقد الإمام الشاطبي منهج الظاهرية في اقتصارهم علی ظواهر النصوص في معرفة مقاصد الشارع وعدم التفاتهم إلی المعني، وکذا منهج الظاهرية في عدم استعانتهم بالظواهر واستغنائهم عن دلائلها واختار ان المنهج الصحيح هو الذي يقوم علی المزاوجة (بين الامرين بحيث لا يخل أي من المعنى والنص بالآخر حتى تكون الشرعية على نظام واحد بدون اختلاف أو تناقض فيها وهذا المنهج هو عمدة معظم العلماء) 29، وعلی ضوء هذا الظابط ذکر الإمام الشاطبي المسالك التي تعرف بها مقاصد الشرع وهي في نظره علی هذا النحو:

اولاً: مسلك ظواهر الأوامر والنواهي المجردة

فالامر يدل بذاته علی ان المقصد وقوع المامور به، والنهي يدل بمجرد ذاته علی ان المقصد الانتهاء عن مباشرة المنهي عنه، وقد وضح الإمام الشاطبي دلالة هذا المسلک في الکشف عن مقاصد الشارع بقيدين:

الاول: ان يکون الامر او النهي البتدائياً احترازاً من التداخل الذي يمکن ان يقع بين المقصد الاصلي والمقصد التبعي، کما في النهي عن البيع في قوله ان يقع بين المقصد الاصلي والمقصد التبعي، کما في النهي عن البيع في قوله تعإلی: ﴿فَاسْعَوْااِلٰيذِکْرِاللهوَذَرُوالْبَيعَ﴾30 فدلالة الامر بترك البيع علی ان ترك البيع مقصود شرعي، فيه نظر لان هذا الامر لا يعتبر امرا ابتدائياً بل هو تابع للأمر بالسعيجمعة۔

الثاني: ان يکون الامر او النهي الذي يعرف بمجرده قصد الشارع تصريحياً تحرزاً من الأوامر او النواهي غير الصريحة يي الضمنية، کما في الامر الذي لا يتم الامر الاصلي الا به فيکون موکدا ومعضداً للأمر الاصلي، وكل ما يكون مطلوبا بناء على الأصل: ما لا يتم الواجب به، فهو مقصود لكونه موصلا إلى القصد الاول. على سبيل المثال، الأمر بأداء الحج هو أمر صريح بينما الأمر بإعداد كل ما يلزم لتأدية هذه الفريضة فهو أمر ضمني.31

والأصوليون القدماء لم يبحثوا في مدى دلالة صيغة الامر والنهي المجرد علی مقصود الشارع کما سبق ان اشرت، ان مبحث المقاصد قد قلت العناية به في ذلك الزمن کما يعود ايضا الى التلازم المنطقي الذي تفرضه طبيعة اللغة بين صيغة الامر وإرادة وقوع المامور به من الامر، او صيغة النهي وعدم ارادة وقوع المنهي عنه من النهي، فالامر يقصد وقوع المامور به والنهي يقصد ترك المنهي عنه، ولقد اشار الإمام الشاطبي إلی ان هذا التلازم (وجه ظاهر)32 وفصل هذا التلازم في موضع اخر فنص علی ان (الأمر والنهي يستلزم طلباً وإرادة من الأمر فالامر يتضمن طلب المامور به وإرادة إيقاعه، والنهي يتضمن طلباً لترك المنهي عنه وإرادة لعدم إيقاعه مع هذا ففعل المامور به وترك المنهي عنه يتضمنان او يستلزمان ارادة بهما يقع الفعل او الترك او لا يقع).

هذا هو الاصل العام الذي يحکم المسألة لان (کل معنى يتبادر إلی العقل من اللفظ لغة يمثل مبدئياً ارادة المشرع، فيجب العمل به، فهو حجة لذلك، ولا يجوز صرف هذا المعنى إلی معنىآخر، لان هذا الغاء لإرادة الشارع واستبدال ارادة المجتهد بها، وهو لا يجوز مطلقاً)33، لکننا مع ذلك نجد افراداً من تطبيقات الأوامر تكون مناقضة لمقصود الشارع علی اختلاف درجات المناقضة، او علی الاقل غير محققة لها بالصفة التي تحقق لو تم التطبيق في الظروف العادية، ومثال ذلك ما لو طبق مقتضي الامر بقطع يد السارق حال المجاعة لذلك نتساءل، هل وقوع الفعل الذي يقتضيه الامر او عدم وقوع الفعل الذي يقتضيه النهي مقصد شرعي في ذاته؟ ام ان المقصد الشرعي هو ما يحققه وقوع المامور به، وما يحققه عدم وقوع المنهي عنه فيلزم عن ذلك ان لا يكون وقوع المامور به هو المقصد التشريعي إذا لم يود إلی ثمرته وکذلک الحال في المنهي عنه34

والحقيقة ان الإمام الشاطبي في النص علی هذا المسلك لم يقل بان هذا المسلك يغطي کل المقاصد، والا فلا معني لبقية المسالك الخري، فأداء الرخص في الکشف عن المقاصد هو اداء مستقل سنقف علیه من خلال النظرة العامة لمسالک الإمام الشاطبي.

ثانيا: مسلك علل الأوامر والنواهي

واداء هذا المسلك في الکشف عن مقاصد الشارع لا يقتصر فيه علی مجرد الامر والنهي بل يتعدي ذلك إلی اعتبار علل الأوامر والنواهي، فيقع البحث عن هذه العلل بمسلک العلة المبحوثة في علم اصول الفقه، فإذا ما علمت هذه العلل علمت المقاصد الشرعية فيعمل بمقتضاها أينما وفدت، أما إذا تعذر ادراك العلل المقاصد الشرعية فيعمل بمقتضاها اينما وجدت، اما إذا تعذر ادراك العلل الشرعية فان المقصد الشرعي يبقي غير معدوم تبعا للجهل بالعلة (الا انه مما يلفت لإنتباه أن الشاطبي لم يجعل في هذا الصدد علل الأحکام المبحوث عنها مقاصد في ذاتها، والحال انها في الحقيقة مقاصد وان تکن مقاصد قريبة، بل جعلها کالعلامة علی المقاصد، اما المقاصد في ذاتها فهي مقتضي العلل من ايقاع الفعل او عدم إيقاعه، وهذا ما يوافق ما جاء في المسلك الأول من اعتبار المقاصد في ايقاع الافعال او عدم إيقاعها وجعل مجرد الامر والنهي طريقاً لمعرفتها)35

ثالثاً: مسلك الأصالة والتبعية في المقاصد

مقاصد الشريعة منها ما هو أصلي، ومنها ما هو تابع للأصلي۔ کما في النکاح فان مقصده الاصلي هو حفظ النفس، اما ما يترتب علی النکاح من مقاصد اخري کالسکينة والتعاون بين الزوجين فهي مقاصد تابعة موکدة وخادمة للمقصد الاصلي، ولقد حدد الشاطبي مواقع المقاصد التابعة من المقاصد الأصلية في ثلاثة مراتب.

الاولى: يقتضي تأكيد المقاصد الأصلية، فالتسبب إلی هذه المقاصد يضاهي التسبب إلی المقاصد الأصلية۔

الثانية: ما يقتضي زوال المقاصد الأصلية، فالتسبب إلی هذه المقاصد منهي عنه بإطلاق۔

الثالثة: ما لا يقتضي تأكيد المقاصد الأصلية ولا يقتضي ايضا رفعها او نقضها، فلا يصح في العبادات ويصح في المعاملات36

وبهذا المسلك علم مثلاً ان الأنکحة المؤقتة کما في المتعة والتحليل لا يتحقق فيهما اي قصد شرعي لمناقضتهما للمقصد الأصلي للنکاح الذي لا يتحقق الا بالاستقرار والدوام37

ويجب ان نشير ان حقيقة هذا المسلك هي (ما بحثه الاصوليون في قضية المناسب، إذا المناسب کما مر ذکره ليس الا وصفا في الأفعال يکون مناسبا ومتسقاً ومحققاً لتصرفات الشارع فکانما هو مقصد مرعي بإزاء المقاصد العامة)38

رابعاً: مسلك سکوت الشارع

ان سکوت الشارع الحکيم عن شرعية العمل مع قيام المعنى المقتضي لإمکانية وجود الفعل يکشف ويعرف بان مقصد الشارع فيه ان لا يزاد فيه علی ما شرع، فتکون دلالة السکوت فيه کالنص علی ان قصد الشارع ان لا يزاد فيه ولا ينقص)3، وتستند وجهة النظر هذه إلی أنه (لما کان هذا المعنى الموجب لشرع الحکم العملي موجودا ثم لم يشرع الحکم دلالة علیه کان ذلك صريحا في أن الزائد علی ما کان هنا لك بدعة زائدة)40، ومثال ذلك ايضا سکوت الرسول عن الزکاة في الخضر والبقول مع قيام المعني الداعي لذلك باعتبار مشابهتها لسائر المنتوجات الزراعية، فيعلم من هذا السکوت ان عدم الزکاة فيها مقصد شرعي، (ولقد ارتقي الشاطبي بهذا المبحث الذي تعرض له الأصوليين کمسالة جزئية إلی ان جعله مسلکا قائما لمعرفة مقاصد الشريعة ليجعله اساسا لمقاومة البدع)41.

أهم القواعد المقاصدية عند الشاطبي

من قواعد المقاصد عندالشاطبي مايلي

أولاً: مقاصد الشارع

  1. وضعت الشرائع لمصالح العباد في الدنيا والآخرة معا٠42
  2. قد تبين عن طريق استقراء أدلة الشرع الكلية والجزئية أن الشارع يقصد إلى حفظ جميع المصالح أي الضرورية والحاجية والتحسينية.43
  3. الضروريات: وهي التي لا مندوحة عنها في قيام مصالح الدنيا والدين ويترتب على فقدانها فوت النجاة والنعيم في الدار الآخرة والخسارة وأما في الدنيا فلا تستقيم مصالح الدنيا بغيرها وعدم وجودها يؤدي إلى فساد وتهارج.44
  4. الحاجيات: هي التي تسبب التوسعة في الحياة وترفع الضيق والحرج ولكن لا يترتب على فقدانها الفساد العريض أو الخسارة الفادحة.
  5. التحسينيات: وهي تشمل مكارم الأخلاق أي التحلي بمحاسن العادات وتجنب الأحوال التي تأباها العقول السليمة.46
  6. لكل مرتبة من المراتب الثلاث مكملات، بحيث لو فقدت لم يخل فقدانها بحكمتها الأصلية47.
  7. و يُشترَطُ في كل تكملة أن لا يؤديَ اعتبارُها إلى إبطال الأصل.48
  8. و يصح أن يعتبر كل من مجموع الحاجيات ومجموع التحسينيات فردا من أفراد الضروريات 49.
  9. التشديد على سد ذريعة المفسدة يكون حسب عظمها. 50
  10. لا تعد مشقة مخالفة الهوى من المشاق المعتبرة ولا رخصة فيها أصلا.51
  11. لا خلاف في أن تكليفات الشارع تتضمن مشقفة وكلفة ما ولكن هذه المشقة لا تكون مقصودة بذاتها بل المقصود هو تلك المصالح التي تعود على المكلف.52
  12. لا يقصد الشارع إلى رفع المشقة المعتادة.53
  13. إذا ظهر من قبل الشارع التكليف بما لا يطاق فليعرف بأن المطلوب فيه هو تحقيق سوابق هذا الأمر أو لواحقه أو قرائنه.54
  14. يقصد الشارع في الأعمال أن يداوم المكلف عليها.55

ثانياً: مقاصد المكلف

  1. الأعمال مبنية على النيات وتراعى المقاصد في جميع التصرفات سواء أكانت من العبادات أو العادات.56
  2. المقاصد هي بمثابة أرواح للأعمال.57.
  3. يبطل عمل من يبتغي في التكاليف ما لم تشرع له.58
  4. من يطلب مصلحة عن طريق غير مشروع لها فهو في الحقيقة يسعى ضد تلك المصلحة.59
  5. تعمُّد ُالمشقة باطل لأن تعذيب النفوس ليس ذريعة للقرب إلى الله تعالى ووسيلة لنيل رضاه. 60
  6. على المكلف أن يقصد العمل من حيث هو عمل لا من حيث عظم مشقته.61
  7. التكاليف العادية أي تكاليف العادات والمعاملات تصح عندما لا يناقض القصد فيها قصد الشارع، ولا يشترط فيها ظهور الموافقة62.
  8. القصد وعدم القصد سيان في الأمور المالية والخطأ فيها يساوي العمد ويترتب الغرم فيها على الإتلاف.63
  9. المطلوب من المكلف هو مراعاة الأسباب فقط والجريان تحت الأحكام الموضوعة ولا يلزمه القصد إلى المسببات لأنها خارجة عن نطاق مقدوره.64
  10. إيقاع السبب، بمنزلة إيقاع المسبب، قصد ذلك المسبب أم لا65.

ثالثاً: كيف تعرف مقاصد الشارع

  1. لا تحدد مقاصد الشارع من خلال ظنون وتخمينات غير مطردة.66
  2. يلزم عن الأمر بالفعل قصد الشارع إلى وقوع ذلك الفعل ويلزم عن النهي قصد الشارع إلى منع وقوع ذلك الفعل المنهي عنه.67
  3. ورود مدح الفعل يدل على أن الشارع يقصد إلى إيقاعه وورود الذم يدل على قصد الشارع إلى عدم إيقاعه.68
  4. يشير الامتنان بالنعم، بقصد الشارع إلى التمتع بها مع الشكر عليها.69.
  5. يلزم عن وضع الأسباب قصدُ الواضع أي الله تعالى إلى المسببات.70

نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي بين التقليد والتجديد

التجديد الذي جاء به الإمام الشاطبي جعله موضع إعجاب العلماء ولكنه لم يبتكر نظريته وأوجده من العدم بحيث لم يسبق إليها أحد من العلماء بل بناها على ما استفاد منهم. فنستطيع القول بأن الإمام الشاطبي أبدع بعدما اتبع وجدد بعدما قلد ويكمن عبقريته في مقدار ما جدد وقيمته.

جوانب التقليد

اتبع الإمام الشاطبي في نظريته وقلد ما قررته الآيات والأخبار وما وصل إليه آراء السلف في هذا المجال وما اهتدي إليه العلماء من قبل فكل ما جاء به من إبداع وتجديد فهو ينبني على هذا الاتباع والتقليد حيث يقول: إنه أمر قررته الآيات والأخبار، وشد معاقله السلف الاخيار، ورسم معالمه العلماء الأحبار، وشيد أركانه أنظار النظار.71 وأصحاب رسول الله ﷺ هم في مقدمة هؤلاء الذين عرفوا مقاصد الشريعة وأرسوا قواعدها وأصولها وتأملوا في الآيات واجتهدوا في تحقيق مباديها وغاياتها فبالتالي صاروا موضع الهداية للآخرين.72 فاتضح من هذا أنه يعترف بما جاءت به الآيات والأحايث ويسترشد في هذا الصدد بمنهج الصحابة ويتصدي لتفصيل المعالم التي رسمها أئمة العلماء ويؤسس على أركان أقامها الأصوليون من قبل.

من جوانب التجديد في نظرية الشاطبي

لا خلاف فيما قام به الإمام الشاطبي من تجديد في أصول الفقه ومقاصد الشريعة والعلماء كلهم يشهدون به يقرون بفضله في هذا المجال وأشار الإمام نفسه إلى ما وفق إليه من وجوه التجديد والإبداع في الموافقات حيث قال: و لما بدا من مكنون السر ما بدا، وفق الله لما شاء منه وهدى.73 وطمئن قارئه لما كان يخشى من تلقي هذا التجديد بالنفور والإنكار من قبل العلماء قائلا: فإن عارضك دون هذا الكتاب عارض الإنكار، وعمي عنك وجه الاختراع والابتكار، وغر الظان أنه شيئ ما سمع بمثله ولا ألف في العلوم الشرعية الأصلية على منواله، أو شكل بشكله، وحسبك من شر سماعه، ومن كل بدع في الشريعة ابتداعه، فلا تلتفت إلى الإشكال دون اختبار، ولا ترم بمظنة الفائدة على غير اعتبار، فإنه، بحمد الله، أمر قررته الآيات والأخبار و....74

و فيما يلي نوجز أهم جوانب التجديد للشاطبي في تناوله موضوع مقاصد الشريعة وفي بناء نظريته وعرضها:

التوسع الكبير

قبل تأليف الإمام الشاطبي في هذا الموضوع كان العلماء يكتفون بتناوله في صورة إشارات وكلمات لا تكاد تربو على بضع صفحات لو جمعت كل ما كتبه واحد منهم ولكن الإمام وسع في هذا الموضوع وخصص له جزءا كبيرا من الموافقات أي كتاب المقاصد وفمن هنا أصبحت شيئا ظاهرا بعد ما كانت تذكر في سياق مباحث أخرى وما كان يلتفت إليها أحد سوى العلماء الكبار الذين لم يقدموها إلى الناس إلا عن طريق الإيجاز وفي صورة تنبيهات متفرقة مثل عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام الشافعي في قواعده وشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي المالكي في كتاب الفروق والشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن موسى المالكي فتميز الإمام الشاطبي بتوسعه في هذا الموضوع عن سابقيه الذين لم يتجاوزوا الإشارة إلى المقاصد الشريعة ولم يتكلموا فيها بصفة مستقلة. 75

مقاصد المكلف

تكلم الإمام الشاطبي في مقاصد المكلفين إلى جانب الكلام في مقاصد الشريعة وقام بإيجاد ربط بينهما وبيان ما بينهما من تلازم وتكامل وتنبه إلى أن مقاصد الشارع لا تتم ولا تتحق إلا بتصحيح مقاصد المكلف وقد تكلم العلماء الذين سبقوه في هذا الموضوع تحت باب النية واعتنوا به عناية واستفاد الشاطبي مما كتبوه وبنى عليه كلامه ولاسيما علماء المذهب المالكي الذين أولوا عناية خاصة بمقاصد المكلفين في جميع تصرفاتهم الدينية والدنيوية أي في عباداتهم، وأقوالهم وأفعالهم وعقودهم. فتبين مما تقدم أن الإمام الشاطبي كان مجددا متفردا في هذا المجال حيث تناول مقاصد المكلف من خلال النظر إلى مقاصد الشارع وقام ببيان الربط بينهما ودمج بعضها مع بعض.

بماذا تعرف مقاصد الشارع

أفرد الشاطبي لموضوع كيف تعرف مقاصد الشارع مبحثا خاص ضمن مباحث المقاصد وهذا هو إبداع وتجديد لا يقل أهمية عن تناوله موضوع المقاصد في كتاب خاص حيث فتح من خلاله بابا جديدا للعلماء للولوج في عالم المقاصد والعثور على كنوزه ومكنوناته. ويكمن أهمية هذا المبحث في أن كل كلام في المقاصد يتوقف على إيجاد وضبط منهج صحيح لمعرفة مقاصد الشارع.

تقديم ثروة من القواعد

حرر الإمام الشاطبي القواعد الجامعة وأولع بصياغتها صياغة في غاية الدقة ومعلوم أن القواعد هي أسس يقوم عليها أي علم من العلوم وفي إطارها تنشأ نظرياته وتنظم جزئياته وهذا هو دليل آخر على إبداع الإمام وعمله التجديدي حيث استخرج لنا كما كبيرا من القواعد التي هي بمثابة معالم الطريق لمن يريد السير في طريق معرفة مقاصد الشريعة.

الخاتمة

قد وصلت فى هذا البحث المتواضع إلى نتائج كثيرة أهمها:

(1)اهتم العلماء على مر العصور بالبحث فى مقاصد الشريعة. وهذا دليل قوي على أهمية التعرف على مراد الشارع ومقصود الوحي ومصالح الخلق كي يسير الناس نحو تحصيلها وتحقيقها . والبحث عن كيفية الوصول إلى ذلك.

(2)فهم المقاصد يتطلب فى الباحث فهم الواقع فى الأزمان والأماكن المحددة فى فهم حال المسلمين وما لديهم وما ينقصهم وقهم حال غيرهم . وبالتي يستطيع المسلمون رسم خطة سيرهم إلى الأفضل وإلى طريق النجاح.

(3)فهم المقاصد يؤدي إلى فهم الأولويات والمقاصد كلها مصالح والمصالح جلب المنافع أو دفع الضرار وهذا بالتالي يؤدي معرفة المهم والأهم فى أي الأولويات والسير عليها .

(4)المقاصد أقرب إلى العقل والإقناع، وهذا ما يفيد فى نشر الإسلام فى البلاد التي فيها أقليات إسلامية مثل الصين وكوريا واليابان .

(5)لقد اهتم العلماء قديما وحديثا اهتماما بالغا في مقاصد الشريعة ودراساتها وتأصيلها وبيان ما يؤدي إلى فهمها ومعرفة شروط وحدود ذلك، وهذا إن دل على شيء إنما يدل دلالة واضحة على أهمية التعرف على مقاصد الشريعة وعلى فهمها والسعي إلى تطبيقها في حياتنا العلمية والعملية.

(6)تفاوتت تعبيرات قدامى العلماء عن كلمة مقاصد الشريعة من حيث تطابقها مع مدلول المقاصد الشرعية ومعناها ومسماها . لذلك لم يبرز على مستوى البحوث والدراسات الشرعية والأصولية تعريف محدد ومفهوم دقيق للمقاصد يحظى بالقبول والاتفاق من قبل كافة العلماء أو أغلبهم .

(7)لقد تقارب العلماء المتأخرون في ذكر تعريفات تتقارب في جملتها من حيث الدلالة على معنى المقاصد ومسماها ومن حيث بيان بعض متعلقاتها على نحو امثلتها وأنواعها .

(8)رغم التفاوت بين العلماء القداماء والتقارب بين العلماء المتأخرون إلا أنه يمكن حصر أغلب التعبيرات التي استخدمها العلماء قديما وحديثا حيث يعنون بها باختصار: مراد الشارع ومقصود الوحي ومصالح الخلق .

(9)ان إما الحرمين عبد الملك بن عبد الله الجويني رائد في موضوع المقاصد . حيث برز ذلك جليا في كتابه البرهان باستعماله لفظ المقاصد والمقصود والقصد عشرات المرات، إضافة إلى أنه كثيرا مايعبر عنها بالغرض والأغراض .

(10)كذلك من بين من أسهموا إسهاما مقاصديا كبيرا هو الشيخ الغزالي تلميذ الجويني حيث كان اول من ذكر التكملات للمراتب الثلاث (الضروريات، الحاجيات، التحسينيات ) كما أسهب في الكلام على المصالح وضوابط المصالح .وقد اصبحت الخطوات التي سارها والتقسيمات التي حررها ونقحها في مباحث مقاصد الشريعه هي المرجع الاساس لعامة الاصوليين الى زمن الشاطبي .

(11)إن الشارع له مقاصد في تشريع الاحكام وإن ذلك معلل بالحكمة والمصلحة سواء توصلنا الى معرفة تلك المقاصد والحكم والمصلحة أم جهلناها.

(12)تنقسم مقاصد الشريعة باعتبار المصالح الى أقسام على رأسها الضروريات ثم الحاجيات والمكملات وعلى رأس الضروريات هوحفظ الدين .

(13)قسم علماء الاصول الضروريات إلى خمسة أقسام أو ستة كما هوعند بعضهم وهي : الدين، النفس،العقل، النسل،المال، ويضاف لها العرض عند من يعتبرها ستة أقسام .وأن مقصود الشريعة هو حفظها جميعا عبر مختلف الوسائل .

(14)إن للشريعة مقاصد عامة تشمل جميع ابوابها مطردة في جميع احكامها كما أن للشريعة مقاصد خاصة وجزئية تفهم من ادلتها التفصيلية .

(15)بين كل دليل من أدلة الشريعة والمقاصد علاقة وثيقة لانها مرتبطة بالكتاب والسنة ارتباط الأصل مع الفرع، وذلك ان الكتاب والسنة يشتملان على بيان الكثير من المقاصد .

الهوامش والمصادر

  1. القيامة: 36
  2. الملك: 14
  3. أبو إسحاق إبراهيم بن موسي، الموافقات في أصول الشريعه، تحقيق عبد الله دراز، المكتبة النجارية الكبرى، مصر، بدون تاريخ الطبع، ج2، ص: 19
  4. المرجع السابق، ج2، ص: 15-23
  5. المرجع السابق، ج2، ص: 101 إلى 109
  6. عبد الله دراز، التوضيح على هامش الموافقات،ج2، ص: 69
  7. أبو إسحاق إبراهيم بن موسي، الموافقات في أصول الشريعه، تحقيق عبد الله دراز، المكتبة النجارية الكبرى، مصر، بدون تاريخ الطبع، ج2، ص: 172.
  8. ولد الشيخ محمد عبد الله في محلة دياي سنة 1894 وأبوه هو الشيخ عبد الله دراز الذي كتب شروحا على كتاب الموافقات للشاطبي.
  9. أبو إسحاق إبراهيم بن موسي، الموافقات في أصول الشريعه، تحقيق عبد الله دراز، المكتبة النجارية الكبرى، مصر، بدون تاريخ الطبع، ج2، ص: 168
  10. كان من الأنسب أن يستشهد بآية آل عمران رقم: 14: زين للناس حب الشهوات لأنها أكثر تفصيلا.
  11. كلاهما من المقاصد الأصلية التي ما روعيت فيها حظ المكلف.
  12. انظر للتفصيل المسئلة الخامسة والفصول المبنية عليها وهذه هي فقط خلاصة بتصرف.
  13. أي العمل يعد من كبائر الطاعات عندما يؤتى بها لأجل المقاصد الأصلية.
  14. شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر،إعلام الموقعين، ج2، دار الجبل، بيروت، بدون تاريخ الطبع.
  15. المرجع السابق: ج2، ص: 78-79
  16. المرجع السابق، ج2، ص: 137-138
  17. المرجع السابق، ج2، ص: 107
  18. علي أحمد الندوي، قواعد الفقه، دار القلم، دمشق، 1406ه، القاعدة رقم: 72
  19. أبو المعالي،عبد الملك الجويني، تحقيق الدكتور عبد العظيم ديب، البرهان، توزيع دار الأنصا، القاهرة، 1400، ج2، 296.
  20. الأنبياء: 107
  21. شرح مختصر بن الحاجب، أبو عمر بن أب بكر، ج2، ص: 238
  22. أبو إسحاق إبراهيم بن موسي، الموافقات في أصول الشريعه، تحقيق عبد الله دراز، المكتبة النجارية الكبرى، مصر، بدون تاريخ الطبع، ج2، ص: 6
  23. و هذا التعريف لابن قدامة الحنبلي المذكور في روضة الناظر وجنة المناظر، ج1، ص: 412
  24. أبو عبد الله بن عمر بن حسين الرازي، المحصول في علم الأصول، مطابع الفرزدق، الرياض، 1401ه، ج2، ص: 218 وإرشاد الفحول للشوكاني، ص: 215
  25. إرشاد المحصول للشوكاني، ج2، ص: 240
  26. عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام، قواعد الأحكام، دار الكتب العلمية، بيروت، ج1، ص: 11-12
  27. أبو إسحاق إبراهيم بن موسي، الموافقات في أصول الشريعه، تحقيق عبد الله دراز، المكتبة النجارية الكبرى، مصر، بدون تاريخ الطبع، ج2، ص: 25
  28. المرجع السابق، ج2، ص: 26-27
  29. المرجع السابق،ج2، ص: 290
  30. الجمعة: 9
  31. أحمد الريسوني، الدكتور، نظرية المقاصد عند الشاطبي،
  32. أبو إسحاق إبراهيم بن موسي، الموافقات في أصول الشريعه، تحقيق عبد الله دراز، المكتبة النجارية الكبرى، مصر، بدون تاريخ الطبع، ج3، ص: 136
  33. فتحي الدريني، الدكتور، المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي في التشريع الإسلامي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ص: 46
  34. عبد المجيد عمر النجار، فصول في الفكر الإسلامي، 1992، ص: 151
  35. المرجع السابق، ص: 152
  36. أبو إسحاق إبراهيم بن موسي، الموافقات في أصول الشريعه، تحقيق عبد الله دراز، المكتبة النجارية الكبرى، مصر، بدون تاريخ الطبع، ج2، ص: 682
  37. المرجع السابق، ج2، ص: 293
  38. النجار، فصول في الفكر الإسلامي بالمغرب، ص: 156
  39. أبو إسحاق إبراهيم بن موسي، الموافقات في أصول الشريعه، تحقيق عبد الله دراز، المكتبة النجارية الكبرى، مصر، بدون تاريخ الطبع، ج3، ص: 157
  40. المرجع السابق، ج3، 157
  41. النجار، فصول في الفكر الإسلامي بالمغرب، ص: 16
  42. أبو إسحاق إبراهيم بن موسي، الموافقات في أصول الشريعه، تحقيق عبد الله دراز، المكتبة النجارية الكبرى، مصر، بدون تاريخ الطبع، ج2، ص:6
  43. المرجع السابق، ج2، 49
  44. المرجع السابق، ج2، ص: 8
  45. المرجع السابق، ج 2، ص: 11
  46. المرجع السابق، ج2، ص: 11
  47. المرجع السابق، ج2، ص: 11
  48. المرجع السابق، ج2، ص: 13
  49. المرجع السابق، ج2، ص: 13
  50. المرجع السابق، ج1، ص: 104
  51. المرجع السابق، ج2، ص: 153
  52. المرجع السابق، ج2، ص: 123
  53. المرجع السابق، ج2، ص: 156
  54. المرجع السابق، ج2، ص: 107
  55. المرجع السابق، ج2، ص: 242
  56. المرجع السابق، ج2، ص: 323
  57. المرجع السابق، ج2، ص: 344
  58. المرجع السابق، ج2، ص: 333
  59. المرجع السابق، ج1، ص: 349
  60. المرجع السابق، ج1، ص: 341
  61. المرجع السابق، ج2، 128
  62. المرجع السابق، ج1، ص: 257
  63. المرجع السابق، ج2، ص: 347
  64. المرجع السابق، ج1، ص: 193
  65. المرجع السابق، ج1، ص: 211
  66. المرجع السابق، ج1، ص: 80
  67. المرجع السابق، ج2، ص: 393
  68. المرجع السابق، ج2، ص: 242
  69. المرجع السابق، ج1، ص: 117
  70. المرجع السابق، ج1، ص: 194
  71. المرجع السابق، ج1، ص: 25
  72. المرجع السابق، ج1، ص: 21
  73. المرجع السابق، ج1، ص: 23
  74. المرجع السابق، ج1، ص: 25
  75. محمد بن الطاهر بن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، مصنع الكتاب للشركة التونسية، 1978م، ص: 8
  76. عمر سليمان الأشقر، الدكتور، مقاصد المكلفين، مكتة الفلاح، الكويت، بدون تاريخ الطبع، ص: 97

حوالہ جات

Loading...
Issue Details
Id Article Title Authors Vol Info Year
Id Article Title Authors Vol Info Year
Similar Articles
Loading...
Similar Article Headings
Loading...
Similar Books
Loading...
Similar Chapters
Loading...
Similar Thesis
Loading...

Similar News

Loading...