Search from the Journals, Articles, and Headings
Advanced Search (Beta)
Home > Al-Idah > Volume 37 Issue 1 of Al-Idah

ظاهرة الحذف في الجملة الفعلية دراسة نحوية دلالية في صحيح البخاري |
Al-Idah
Al-Idah

Article Info
Authors

Volume

37

Issue

1

Year

2019

ARI Id

1682060034497_915

Pages

136-149

PDF URL

http://www.al-idah.pk/index.php/al-idah/article/download/215/263

Chapter URL

http://al-idah.szic.pk/index.php/al-idah/article/view/215

Subjects

Omission Semantic Study Verbal Sentence Sahih-Al-Bukhari Omission Semantic study verbal sentence Sahih-Al-Bukhari

Asian Research Index Whatsapp Chanel
Asian Research Index Whatsapp Chanel

Join our Whatsapp Channel to get regular updates.

إنّ اللغة العربية هي اللغة الكائنة الحية مثل اللغات الأخرى، هي تطور وتنمو مع المجتمع الذي تصف اللغات، واللغة العربية تصف بأنها من أفصح لغات العالم، والعلماء يعتنون بها كثيراً، لأنهاملئية بالثروة اللغوية، توجد فيها ظواهر لغوية كثيرة، سأعالج في هذا المقال ظاهرة الحذف التي تكشف عن عبقرية اللغة العربية مراعاة للخفة، وسأتبع المنهج التحليلي (النحوي، والدلالي) في شواهد حذف الجملة الفعلية في أقوال النبوية الشريفة، معرفة اللغة وأسراها لأصل لمعرفة الحديث وغيره لورود الشريعة بلسان عربي مبين، وإن السنة النبوية الشربفة فهي المصدر التشريع الإسلامي عند جميع المسليمن، فدونوا الأحاديث النبوية الشريفة في مصنفات مختلفة، كان أصحها الجامع الصحيح البخاري، لذا اردت أن أقيم هذه دراسة على أصل ثابت.

أهمية الموضوع:

الأصل في اللغة أن تذكر الكلمة إذا حدث إبهام في الفهم عند عدم ذكرها، ولكن إذا دل عليها دليل جاز حذفها، وعند عبد القاهر الجرجاني[1]: "الحذف هو باب دقيق المسلك، لطيف المأخذ، عجيب الأمر، شبيه بالسحر، فإنك ترى به ترك الذكر، أفصح من الذكر"[2]، وعدّه ابن جني[3] من شجاعة اللغة العربية مع الأبواب الأخرى، وقال: " قد حذفت العرب الجملة والمفرد والحرف والحركة وليس شيء منذلك إلا عن دليل عليه وإلا كان فيه ضرب من تكليف علم الغيب في معرفته".[4]

تعريف الحذف:

لغة: قطف الشيء من طرفه.

اصطلاحاً: الحذف هو نوع من التخفيف من الثقل النطقي اللفظ أو بعض عناصر الجملة في حال طولها.[5]

شروط الحذف: من شروط الحذف:

أن توجد قرينة أو دليل سواء أكان حالياً أو مقالياً حتى يكون مأموناً من اللبس، والدليل الحالي: كقولك لمن رفع سوطاً "زيد" بإضمار: اضرب.

ألا يكون المحذوف مؤكداً لأن غرض الحذف هو التخفيف والاختصار، لا يحذف العائد في الجملة، نحو: الذي رأيته نفسه زيد، فلا يصح أن يقول: الذي رأيت نفسه زيد، وإنْ كان حذف العائد ضرورياً، فوجب حذف المؤكد نفسه، فتصبح الجملة : الذي رأيت زيد.

ألا يكون الحذف في المختصر مثل اسم الفعل هو اختصار الفعل، ولا يحذف دون معموله، نحو: زيداً قتله، تقديره: عليك.

أسباب الحذف: من أسباب الحذف:

كثرة الإستعمال: أحياناً بحذف جزء من أجزاء الكلام أو جزء من أجزاء الجملة، وهذا شائع في كلام العرب، نحو: أيش، أي: أي شيء، لا أدر، أي: لا أدري.

طول العنصر اللغوي: هذا السبب يؤثر على مستوى فهم الجملة، والجمل القصيرة أسرع في الفهم من الجمل الطويلة، فنجد كثيراً عند الاستطالة، مثل عائد الموصول، فإنه يكثر عند طول جملة الصلة، ويقل عند عدم الاستطالة.

ثقل العنصر اللغوي: هذا السبب ينتج من طبيعة الكلمات ونظمها في داخل الجملة، والكلمات الثقيلة تتضام إلى بعض العناصر اللغوية الأخرى، نحو: إنّ، لكنّ، لعلّ، عندما تدخل الضمائر، مثل: إنّني، لكنّي، لعلّني، الآن ينتج الثقل عن التماثل والتضعيف.

التناسب: يقصد بهذا السبب المحافظة على الموسيقى أو السجع في الكلام، نحو: قوله تعالى: "وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ"[6]، أصل الكلمة (يُسْرَى)، حذف الياء بعد الراء لمحافظة الفواصل، مثل الآيات السابقة في هذه السورة.

تتعدد صور الحذف في اللغة العربية، نحو: حذف علامات الإعراب، وحذف أجزاء الكلمات، وحذف الأدوات، وحذف أجزاء التراكيب، وحذف الجمل، وهذا المقال يفسر ظاهرة الحذف في أركان ثلاثة مهمة في الجملة الفعلية.

الحذف في الجملة الفعلية:

تتكون الجملة الفعلية من الفعل والفاعل، الركن الأوّل في الجملة الفعلية الفعل، والركن الثاني هو الفاعل، والفاعل يكون اسماً صريحاً ظاهراً أو مضمراً، والفعل في حاجة إليه أن الفاعل يكون كجزء من الفعل، ولا يستغنى الجزء عن جزئه، إذا كان الفعل المتعدي فيحتاج للمفعول، لأن فعل الفاعل يقع عليه، أحياناً يحذف الفعل أو الفاعل أو المفعول به للأغراض المتنوعة حسب السياق إذا دل عليه قرينة.

أغراض الحذف: ذكر العلماء أغراض الحذف لأجزاء الجملة الفعلية، منها:

أغراض حذف الفعل: يحذف الفعل للأغراض المتعددة، منها:

المدح: قوله تعالى(وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ)[7]، الفعل محذوف هنا، تقديره: أمدح الصابرين في البأسآء والضرآء، سبب الحذف الاختصاص والمدح.

الذم: قوله تعالى(وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ)[8]،الفعل محذوف هنا، تقديره: أذم حمالة الحطب، سبب الحذف الذم.

التنبيه والتحذير: قوله تعالى(ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها)[9]، الفعل محذوف هنا، تقديره: احذروا، أي: احذروا ناقة اللّه، عقرها وسقياها.

الحث والتشويق: يحذف الفعل عندما يفيد الترغيب والتشويق والحث، نحو: الزم، واطلب، وافعل.

الاختصاص: نحو: نحن العرب نكرم الضيف، الفعل محذوف هنا، تقديره: نخصّ أونعني، أي: نحن العرب نعني نكرم الضيف، سبب الحذف الاختصاص، أي: إكرام الضيف مختص بالعرب فقط.

أغراض حذف الفاعل:

يحذف الفاعل للأغراض المتعددة، منها: العلم به: نحو: قوله تعالى(خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ)[10]، تقديره: خلق الله الانسان من عجل، يدل حذف الفاعل على العلم، لأننا نعلم أن الله سبحانه وتعالى خلقنا.

التعظيم: نحو: قوله تعالى(وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْر)[11]، تقديره: غاض الله الماء، وقضى الله الأمر، يدل حذف الفاعل على تعظيم الذي يأمر الأرض والسماء.

التشريف: نحو: عمل عملاً منكراً، إذا عرف العامل فلم تذكره، حفظاً لشرفه.

الجهل به: نحو: سرق البيت، لا يعرف من هو السارق.

مناسبة الفواصل: نحو: قوله تعالى(وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى).[12]

الرغبة: نحو: ركب الحصان، أي: إذا عرف الراكب لم يرد إظهاره.

الخوف عليه: نحو: ضرب فلان، أي: إذا عرف الضارب غير أن خيف عليه، فلم يذكره. الخوف منه: نحو: لقد ظلم الشعب، أي: إذا عرف الظالم فلم يذكره، خوفاً منه، لأنه شري مثلاً. الإفادة والشمول: نحو: قوله تعالى(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ)[13]، أي: إن منعكم مانع من إتمام الحج كالعدو أو المرض وجب عليك أن تهدى هدياً، تحل من إحرامك، وتحج من العام القادم، فالفعل الماض (أُحْصِرْتُمْ) مبنى للمجهول، يدل على العموم والشمول، أي: مانع يمنعك من إتمام الحج ففعل كذا، ولو ذكر مانعاً معيناً لا قتصر المنع عليه، ولو عدد الموانع لطال الكلام.[14]

أغراض حذف المفعول: يجوز حذف المفعول للأغراض المتعددة، نحو:

محافظة الفواصل: نحو: قوله تعالى(مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى)[15]، المفعول به محذوف، يدل حذف المفعول على محافظة الفواصل لأن آيات السورة تنتهي على (ى). الإيجاز: نحو: قوله تعالى( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا)[16]، المفعول به محذوف، تقديره: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ذلك، يدل حذف المفعول على الإيجاز.

الاحتقار: نحو: قوله تعالى( كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ)[17]، المفعول به محذوف، تقديره: الكافرين، يدل حذف المفعول على احتقار الكافرين.

المشيئة: نحو: قوله تعالى( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَبِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ)[18]، المفعول به محذوف، تقديره: لو شاء الله أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بها.

الاستهجان: نحو: قالت عائشة رضي الله عنها عن النبي الكريم عليه السلام(ما رأيت منه ولا رأى مني)، المفعول به محذوف هنا، تقديره: العورة، سبب الحذف الاستحياء من ذكره. الجهل به: نحو: قولك: ولدت فلانة، وأنت لا تدري ما ولدت.

(شواهد حذف الفعل من صحيح البخاري)

الحديث النبوي: (عَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ،حِينَ قَدِمَ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً. ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مِثْلَهُ، ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ، ثُمَّ رَأَيْتُ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ يَفْعَلُونَهُ، وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمِّي: أَنَّهَا أَهَلَّتْ هِيَ، وَأُخْتُهَا، وَالزُّبَيْرُ، وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، بِعُمْرَةٍ، فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا). الشاهد:«ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا».

هنا الفعل محذوف في الحديث الشريف، تقديره:حَجَّ، أي: وَحَجَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يدل حذف الفعل على المدح، كان سيدنا أبو بكر وعمر رضي اللَه عنهما اتبعا سنة الرسول الكريم عليه السلام، فقد سنّ رسول الكريم صلى الله عليه وسلم للقادمين المحرمين بالحج تعجيل الطواف، والسعى بين الصفا والمروة عند دخولهم.

الحديث النبوي: (عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُواالسَّامُ عَلَيْكُمْ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُم). الشاهد: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ». (مَهْلًا) مصدر في هذا الحديث الشريف، فعله محذوف، تقديره: ارفقي رفقاً، يفيد حذف الفعل الحث على الرفق، وعلى التخلق، وذم العنف، هذا الحديث المذكور يبين لنا ألا نستخدم العنف والشدة، حتى ولو كان الشخص الآخر على هذا النحو من سوء الخلق، من القول، والفعل، وإن الرفق والمودة والمحبة أسباب لكل خير.

الحديث النبوي: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ: قَالَ: كَانَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:يَا نِسَاءَ المُسْلِمَاتِ، لاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ).

الشاهد: «وَلَوْ فِرْسِنَ[19] شَاةٍ».

هنا الفعل محذوف في قوله عليه السلام، تقديره: كانت، أي: لَوْ كانت الصدقة فِرْسِنَ شَاةٍ، يدل حذف الفعل على الحث والتشويق على إعطاء الهدية للجار ولو بشيء حقير، جعل الله سبحانه وتعالى للجيران حقوقاً، ومنها: أن يهدي الجار إلى جاره، ويبذل له المعروف له، لأنّ الإهداء إلى الجار، وبذل المعروف يوقع في قلب الجار الذي أهدى إليه أثراً عظيماً، أشار النبي عليه السلام بفرسن الشاة إلى القليل من الهدية، لا إلى إعطاء الفرسن لأنه لا فائدة فيه.

الحديث النبوي: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَ،ِ قَالَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا). الشاهد: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ».

(إِيَّاكُمْ) مفعول به لفعل مضمر في قول الرسول عليه السلام، تقديره: احذروا، أي: احذروا إيّاكم والظن، والسبب حذف الفعل التنبيه، ويفيد (إيَّاكُمْ) التنبيه والتحذير للمخاطبين، حذرهم النبي صلى الله عليه وسلم من الظن، الذي قد يوقع الإنسان في الإثم، وظن السوء يسبب الفساد وقطع الصلة بين الناس، منع سبحانه وتعالى منه، كما قال( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)[20]، ومن خصائل المؤمن أنه لايتحسس، ولا يتجسس، ولا يتحاسد ولا يتباغض.

الحديث النبوي:(عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ[21]: قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ[22]، فَآخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ[23]، فَقَالَ النَّبِيُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ).

الشاهد: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ».

هنا في قوله عليه السلام الفعل محذوف، تقديره: كانت، أي: وَلَوْ كانت الوليمة بشَاةٍ، حذف الفعل يدل على الحث والتشويق على الوليمة، ولو بشيء قليل، وجعل الشاة غاية في التقليل،لأنها السنة لإشهار النكاح وإعلانه.

الحديث النبوي:(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا[24]، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَرْحَبًا بِالوَفْدِ، الَّذِينَ جَاءُوا غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ نَدَامَى» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا حَيٌّ مِنْ رَبِيعَةَ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مُضَرُ، وَإِنَّا لاَ نَصِلُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي الشَّهْرِ الحَرَامِ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نَدْخُلُ بِهِ الجَنَّةَ، وَنَدْعُو بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا، فَقَالَ:أَرْبَعٌ وَأَرْبَعٌ: أَقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَآتُوا الزَّكَاةَ، وَصُومُوا رَمَضَانَ، وَأَعْطُوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ، وَلاَ تَشْرَبُوا فِي الدُّبَّاء[25] وَالحَنْتَم[26] وَالنَّقِيرِ[27] وَالمُزَفَّتِ[28]). الشاهد: «إِنَّا حَيٌّ مِنْ رَبِيعَةَ»، «أَرْبَعٌ وَأَرْبَعٌ».

هنا في الحديث الشريف حذف الفعل في ثلاثة مواضيع، الموضع الأول: إِنَّا حَيٌّ مِنْ رَبِيعَةَ،أي: إِنَّا نخص حَيٌّ مِنْ رَبِيعَةَ، والحذف يفيد هنا " الاختصاص". «أَرْبَعٌ وَأَرْبَعٌ» تقديرهما: آمركم، وأنهاكم، أي: الذي آمركم به أَربع، والذي أنهاكم عنه أربع، وفي الموضع الثاني: يدل الحذف على الحث والتشويق على الأعمال تدخل بها في الجنة كما سأل الوفد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام عنها،وفي الموضع الثالث: يفيد حذف الفعل التنبيه، نبه رسولنا الكريم عليه السلام عن استعمال أربعة أواني، لأنها كانت تستعمل في شرب الخمر، وتسرع فيها الإسكار.

الحديث النبوي:(عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ، وَكَانَ غُلاَمٌ يَحْدُو بِهِنَّ يُقَالُ لَهُ أَنْجَشَةُ، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُوَيْدَكَ يَا أَنْجَشَةُ سَوْقَكَ بِالقَوَارِير). الشاهد: «رُوَيْدَكَ يَا أَنْجَشَةُ سَوْقَكَ بِالقَوَارِير».

(رُوَيْدَكَ) منصوب على الحث والتشويق أو مفعول بفعل مضمر في قول الرسول عليه السلام، أي: الزم رفقك أو على المصدر رود رويدك، يفيد حذف الفعل لزوم الرفق، والعطف، وحسن التعامل مع النساء، يراد بكلمة " القوارير" النساء، أي: تحفظ النساء كالقوارير لأنها تكسر سريعاً، حث قول النبي الكريم عليه السلام على احترام النساء والرفق بهن، ومعاملتهن بإحسان.

الحديث النبوي:(عنَّ أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا[29]، قَالَتْ:اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الخَزَائِنِ، وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الفِتَنِ، مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجَرِ، يُرِيدُ بِهِ أَزْوَاجَهُ حَتَّى يُصَلِّينَ، رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٌ فِي الآخِرَةِ).

الشاهد: «رُبَّ كَاسِيَةٍ».

هنا فعل محذوف في قوله عليه السلام، تقديره: عرفتها، أي: رُبَّ كَاسِيَةٍ عرفتها، يفيد الحذف على الترغيب على إيقاظ النساء للصلاة في جوف الليل ليعينهن على النجاة من الفتن والنار، والحث على ترك السرف في الدنيا بأن يأخذن منها بأقل الكفاية ويتصدقن بما سوى ذلك، هذا الحديث أيضاً دال على الرفق والمحبة والإحسان إلى الأزواج، وإشراك النساء في الأعمال الصالحة.

(شواهد حذف الفاعل من صحيح البخاري)

الحديث النبوي:(عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ). الشاهد: «شَهَادَةِ».

هنا فاعل محذوف في قوله عليه السلام، تقديره: أن تشهد (أنت)، حذف الفاعل يفيد الرغبة في اتباع أركان أساسية، لأنها حقيقة الإسلام، ودعائمه، فلا يثبت البنيان بدونها، وبقية خصال الإسلام تتمة للبنيان، فإذا فقد منها شيء نقص البنيان، وهو قائم، لا ينتقض بنقص ذلك، بخلاف نقص هذه الدعائم الخمس، فإن الإسلام يزول بزوالها جميعا بدون الشك. الحديث النبوي:(حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ[30]، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ، فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ، فَأَعْطَانِي ثُمَّ قَالَ: «يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى»، قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لاَ أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَدْعُو حَكِيمًا إِلَى العَطَاءِ، فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أُشْهِدُكُمْ يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ عَلَى حَكِيمٍ، أَنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ هَذَا الفَيْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ، فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تُوُفِّيَ). الشاهد: «بُورِكَ لَهُ، لَمْ يُبَارَكْ لَهُ».

هنا فاعلان محذوفان في قوله عليه السلام لبنائهما للمجهول، يفيد الحذف لعلم القائل به، أن النبي صلى الله عليه السلام كان يربي نفوس أصحابه بالكلام الذي قاله لحكيم بن حزام رضي الله عنه وأنصاره، قال ابن بطال في شرح هذا الحديث الشريف: " قوله: فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، يدل أن القناعة وطلب الكفاية والإجمال في الطلب مقرون بالبركة، وأن من طلب المال بالشره والحرص، فلم يأخذه من حقه لم يبارك له فيه، وعوقب بأن حرم بركة ما جمع".

الحديث النبوي:(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ[31] لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ).

الشاهد: «يُبْسَطَ، يُنْسَأَ».(يُبْسَطَ) و(يُنْسَأَ) في قول الرسول عليه السلام فعلان مبنيان للمجهول، فاعلهما محذوف، تقديرهما: الله سبحانه وتعالى، والغرض من الحذف للعلم به، أي: يهب الله للعبد واصل الرحم البركة، الرحمة في رزقه، وفي عمره، يحث الإسلام على صلة الرحم، لأنها من صفات الإلهية.

الحديث النبوي: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ). الشاهد: «لاَ يُلْدَغُ المُؤْمِنُ».

(يُلْدَغُ) فعل مضارع مبني للمجهول في هذا الحديث الشريف، فاعله محذوف، تقديره: الخداع، يفيد حذف الفاعل الخوف عليه، استخدام نائب الفاعل (المُؤْمِنُ) للتأكيد، والأمر للمؤمن الكامل أن يكون حازماً، لأن المؤمن قد ينخدع تارة في مقام اللين والتعطف مع الأحباب، وقد لا ينخدع في مقام الأغيار، في هذا الحديث حذّر النبي الكريم عليه السلام أمته.

الحديث النبوي: (عَنْ أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: اسْتَيْقَظَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الخَزَائِنِ، وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الفِتَنِ، مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجَرِ، يُرِيدُ بِهِ أَزْوَاجَهُ حَتَّى يُصَلِّينَ، رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٌ فِي الآخِرَةِ).

الشاهد: «مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجَر». (يُوقِظُ) فعل مضارع للمجهول في قول الرسول عليه السلام، فاعله محذوف، تقديره: بعض خدمه، يفيد حذف الفاعل الرغبة، قال النبي عليه السلام من يسهل عليه فى الليل أن يدور على حجر نسائه، فيوقظهن للصلاة والاستعاذة مما أراه الله من الفتن النازلة كي يوافقن الوقت المرجو فيه الإجابة، وأخبرنا الرسول الكريم عليه السلام في قوله أن في الوقت نزول البلاء ينبغي على الإنسان أن يلجاء إلى الصلاة، فيدعو الله لكشفه، والقصد من إيقاظ النساء للصلاة في جوف الليل ليعينهن على النجاة من الفتن والنار، هذا الحديث دال على الرفق والمحبة والإحسان إلى الأزواج، وإشراك النساء في الأعمال الصالحة.

(شواهد حذف المفعول من صحيح البخاري)

الحديث النبوي:(عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ[32] رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، قَالَ: قَالَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ، فَأَنْتَ عَلَى الفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ ". قَالَ: فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا بَلَغْتُ: اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، قُلْتُ: وَرَسُولِكَ، قَالَ: «لاَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ). الشاهد:«أَنْزَلْتَ، أَرْسَلْتَ»

هنا في قوله عليه السلام مفعول محذوف، تقديره: ضمير متصل، أي: أنزلته، وأرسلته، يدل الحذف على محافظة الفواصل، هذه حقيقة الإسلام أن يؤمن بكتاب الله الذي نزل على عبده الكريم صلى الله عليه وسلم، من شروط الإيمان أن يؤمن برسوله الكريم عليه الصلاة والسلام.

الحديث النبوي:(عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها،قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ، فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ، فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ، فَارْفَعُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا). الشاهد:«إِذَا رَفَعَ، فَارْفَعُوا».

هنا مفعول محذوف في قوله عليه السلام، تقديره: رأسه، أي:إِذَا رَفَعَ الإِمَام رأسه، يفيد الحذف الاختصار، هذا الحديث يدل على فضل متابعة الإمام، والإقتداء بإلإمام في الصلاة واجب، قد نهى رسول الله عليه الصلاة والسلام من مخالفة الإمام في الصلاة.

الحديث النبوي:(عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ[33] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَمَنْعًا وَهَاتِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ). الشاهد: « قِيلَ» و«قَالَ».

هنا المفعول محذوف في هذا الحديث الشريف،وتقديره: كذا، أي: قيل كذا، وقال كذا، سبب الحذف محافظة الفواصل، يراد بـ(قال، وقيل) النهي عن حكاية أقوال الناس، والبحث عنها ليخبر غيره، فيقول: قال كذا، وقيل كذا، يتضمن هذا الكلام بعمومه حرمة النميمة والغيبة، وفي قوله عليه السلام تنبيه على ترك الخوض في أخبار الناس، وتتبع أحوالهم، وحكاية أقوالهم وأفعالهم.

الحديث النبوي:(عَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحَسَنَ بْنَ عَلِي وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِي[34] جَالِسًا، فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ).

الشاهد: «مَنْ لاَ يَرْحَمُ ...». هناالمفعول محذوف في قول الرسول عليه السلام، تقديره: النّاس، أي: مَنْ لاَ يَرْحَمُ النّاس، سبب الحذف محافظة الفواصل، قوله عليه السلام يحث على الرحمة للخلق كلهم كافرهم ومؤمنهم ولجميع البهائم والرفق بها، لأن الرحمة بالخلق: التعطف والرقة، وهو لا يجوز على الله، والرحمة من اللَه الرضاء عمن رحمه، لأن من رق له القلب فقد رضي عنه، والرحمة من صفات الله وجعلها صفة رسوله عليه السلام، كما وصفه في القرآن الكريم(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).

الحديث النبوي: (عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ[35]: قَالَأَتَى رَجُلٌ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلاَةِ الغَدَاةِ، مِنْ أَجْلِ فُلاَنٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ أَشَدَّ غَضَبًا فِي مَوْعِظَةٍ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، قَالَ:يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ فِيهِمُ المَرِيضَ وَالكَبِيرَ وَذَا الحَاجَةِ).

الشاهد: «فَلْيَتَجَوَّزْ».

هنا المفعول به محذوف في هذا الحديث الشريف، تقديره: القراءة، أي: فليتجوز القراءة، والمراد من تجوز القراءة: تخفيف القراءة، أمر النبي الكريم عليه الصلاة والسلام بتخفيف القراءة في الصلاة، فاختصر كلامه بحذف المفعول به (القراءة) للاجتناب من أطول الكلام، والعناية بالمصلين.

الحديث النبوي: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ، فَأُرِيدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَخْتَبِيَ دَعْوَتِي، شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ»)

الشاهد: «إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَخْتَبِيَ». هنا المفعول محذوف في هذا الحديث الشريف، تقديره: إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَخْتَبِيَها، يحذف المفعول به عندما الفعل يفيد المشيئة، و(أَخْتَبِيَها) في تأويل مفعول المشيئة.

الخاتمة:

توصلت إلى النتائج التالية خلال هذا المقال: أولاً: إن الحذف ظاهرة عامة في اللغة العربية. ثانياً:يعد أهل اللغة الحذف في باب الإيجاز. ثالثاً: يدل الحذف على دلالات مختلفة تفهم من السياق. رابعاً: الحذف في الجمل يعد أروع، لأن الحذف جزء الجملة لم يؤثر في الجملة الكاملة. خامساً: حذف الجملة الفعلية يكثر في أقوال النبوية الشريفة باعتبار كلامه الثمين، يعطي المعنى الكامل، وبالتالي تكمن روعة الايجاز. سادساً: تواجد شواهد كثيرة لحذف المفعول به في صحيح البخاري التي تدل على محافظة الفواصل. أسأل الله عزوجل أن يقبل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يستفيد به القراء، والحمد لله أولاً وآخراً، وصل الله تعالى على محمد النبي الأمي وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً. اللهم آمين.

حوالہ جات

  1. 2. هو أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي الأصل الجرجاني ت 471هـ، كان يعتبر مؤسس علم البلاغة، ويعد كتاباه " دلائل الاعجاز، وأسرار البلاغة " من أهم الكتب ألفت في مجال البلاغة. ينظر: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي ت 748هـ،سير أعلام النبلاء، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الأردن، الطبعة الثالثة: 1405هـ، 18/4333.
  2. 3. ينظر: الشيخ الإمام أبي بكر عبد القاهر بن محمد الجرجاني النحوي ت471هـ، دلائل الاعجاز، تحقيق: محمود محمد شاكر أبو فهر، مطبعة المدني بالقاهرة ، ودار المدني بجدة، الطبعة الثالثة: 1413ه،
  3. 4.هو أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي النحوي المشهور، كان إماماً في علم العربية ت392هـ. ينظر: أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر خلكان البرمكي الإربلي ت 681هـ، وفيات الأعيان وأنباء بناءالزمان، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، الطبعة السابعة: 1994م، 3/248، جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف القفطي ت646هـ، إنباه الرواة على أنباء النحاة، المكتبة العنصرية، بيروت، الطبعة الأولى: 1424هـ، 2/335.
  4. 5.ينظر: أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي ت 392هـ، الخصائص، الهيئة المصرية العامة، القاهرة، الطبعة الرابعة: (ب،ت) 2/362.
  5. 6. ينظر: الدكتور أحمد عفيفي، ظاهرة التخفيف في النحو العربي، دار المصرية اللبنانية، القاهرة، الطبعة الأولى:1417هـ، ص219.
  6. 7. الليل: 1.
  7. 8. البقرة: 177.
  8. 9. المسد: 4.
  9. 10. الشمس: 13.
  10. 11. الأنبياء: 37.
  11. 12. هود: 44.
  12. 13. الليل: 19.
  13. 14. البقرة: 196.
  14. 15. ينظر: محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي ت 1393هـ ، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، ، دار الفكر، بيروت، لبنان، الطبعة: 1415 هـ، 1/75.
  15. 16. الضحى: 3
  16. 17. البقرة: 24
  17. 18. المجادلة: 21.
  18. 19. البقرة: 20.
  19. 20. فرسن: هو عظم قليل اللحم، وهو خف البعير كالحافر للدابة، وقد يستعار للشاة. ينظر: محمد بن مكرم بن على، لسان العرب، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعي الإفريقي ت711هـ، دار صادر، بيروت، الطبعة الثالثة: 1414ه، 6/163.
  20. 21. الحجرات: 12.
  21. 22. هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك ت179ه، صاحب " مؤطا ". ينظر: سير أعلام النبلاء 8/48، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني ت852هـ،تهذيب التهذيب، مطبعة دائرة المعارف النظامية، الهند، الطبعة الأولى: 1326هـ، 10 /5.
  22. 23. هو عبد الرحمن بن عوف بن عبد ت32 ه، كان صاحب الرسول الكريم عليه السلام، أحد العشرة من المبشرين بالجنة. ينظر:أسد الغابة3/376
  23. 24. هو سعد بن الربيع الأنصاري البدري النقيب الشهيد ت 3ه. ينظر: سير الأعلام والنبلاء3/194، أسد الغابة2/196.
  24. 25.هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ت 68هـ، كان صاحب الرسول الكريم عليه السلام. ينظر: مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر محمد بن مكرم بن علي، أبو الفضل جمال الدين ابن منظور الانصاري الرويفعي الإفريقي ت711هـ، تحقيق: روحية النحاس، رياض عبد الحميد مراد، محمد مطيع، دار الفكر، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى: 1402 هـ،12/293، تهذيب التهذيب5/276.
  25. 26. الدباء: هي أوعية، كان العرب ينتبذون الخمر فيها. ينظر: أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري ت 170هـ، كتاب العين، تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي، الدكتور إبراهيم السامرائي، مكتبة الهلال، لبنان، الطبعة: (ب،ت)، 14/114
  26. 27. الحنتم: الجرار الخضر، وما يضرب لونه إلى الحمرة. ينظر: كتاب العين3/336، لسان العرب 12/161.
  27. 28. النقير: النكتة التي في ظهر النواة. ينظر: كتاب العين7/358، تهذيب اللغة3/92.
  28. 29.المزفت: القير، هي أوعية الخمر.
  29. 30. هي أم المؤمنين السيدة هند بنت أبي أمية بن المغيرة ت 61هـ. ينظر: أسد الغابة 7/278، سير أعلام النبلاء3/467.
  30. 32. هو حكيم بن حزام بن خويلد القرشي الأسدي ت60 ه، كان صاحب الرسول الكريم عليه السلام. ينظر: أسد الغابة 1/522، سير أعلام النبلاء3/44.
  31. 33. النسء ومنه ينسأ: تأخير الشيء، ودفعه عن وقته. ينظر: كتاب العين 7/306، لسان العرب 1/166.
  32. 34.هو البراء بن عازب الأنصاري ت 72ه. ينظر: أسد الغابة1/205، سير الأعلام النبلاء3/194.
  33. 35. هو أبو عبد الله المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي ت 50هـ، كان من كبار الصحابة. ينظر: أسد الغابة 5/238، مختصر تاريخ دمشق 25/154.
  34. 35. هو الأقراع بن حابس، من سادات العرب، كان صاحب الرسول الكريم عليه السلام. ينظر: أسد الغابة 1/264.
  35. 37. هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود الهذلي ت 32هـ، كان صاحب الرسول الكريم عليه السلام، ومن السابقين الأولين. ينظر: أسد الغابة 3/381، سير أعلام النبلاء 3/280.
Loading...
Issue Details
Id Article Title Authors Vol Info Year
Id Article Title Authors Vol Info Year
Similar Articles
Loading...
Similar Article Headings
Loading...
Similar Books
Loading...
Similar Chapters
Loading...
Similar Thesis
Loading...

Similar News

Loading...