Search from the Journals, Articles, and Headings
Advanced Search (Beta)
Home > Al-Idah > Volume 33 Issue 2 of Al-Idah

مکانة السنة في نظر أهل القرآن |
Al-Idah
Al-Idah

Article Info
Authors

Volume

33

Issue

2

Year

2016

ARI Id

1682060034497_1143

Pages

365-384

PDF URL

http://www.al-idah.pk/index.php/al-idah/article/download/110/103

Chapter URL

http://al-idah.szic.pk/index.php/al-idah/article/view/110

Asian Research Index Whatsapp Chanel
Asian Research Index Whatsapp Chanel

Join our Whatsapp Channel to get regular updates.

إن السنة هي التطبيق العملي للقرآن الکريم (لقد کان لکم في رسول الله أسوة حسنة لمن کان يرجو الله واليوم الآخر)(۱) کما قال تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بکم عن سبيله.(۲) وبهذا المعنى اقترنت السنة بالکتاب، فکان التمسک بها کالتمسک بالقران وهجرها هجرله. ولکن جماعة أهل القرآن قد تأثروا بأفکار المستشرقين لا تعتقد بحجية السنة ولا ترى العمل بها من مقتضيات الإيمان وإنما تقول کيف يمکن الاعتماد على روايات أشخاص مثل بکر وزيد الذين ماتوا ولا نعرف عن صدقهم وکذبهم شيئا، قالوا فضلا عن ذلک أن هؤلاء الرواة لم يهموا بكتابة السنة وإن مهمة النبي عليه الصلاة والسلام کانت تقتصر على إبلاغ ما أوحي إليهم دون القيام بشرحه ولا توضيحه.

ولا شک أن شبها تهم هذه نتجت عن قلة العلم والمعرفة ولا علاقة لها بالعلم والأمر خلاف ذلک. وهنا نقتصر الحديث على النقاط التإلية :

  • مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم في نظرهم
  • عدم الاهتمام بكتابة السنة حسب زعمهم.
  • إنكار حجية السنة لاحتمال وضع الحديث

الشبهة الأولى مكانة الرسول في نظرهم

قد أخطأت جماعة أهل القراان في إدراك منزلة النبي صلي الله عليه وسلم وذهبوا إلى التفريق بين منصب الرسالة والإمامة، کما ذهبوا إلى إنكار طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام وقالوا لا تجب طاعته من حيث كونه رسولا. ثم قد زعموا أن مهمة الرسول کمهمة رجل البريد الذي تقتصر مهمته على حمل الرسالة ثم تسليمها إلى شخص معلوم. فالرسول عندهم اذا قام بإبلاغ ما أنزل إليهم فقد أدي واجبه وأتي بما أمر وليس عليه بعد ذلک أن يقوم بشرحه قولا ولا عملا.

أما من حيث كونه مرکزا للملة فإن طاعته واجبة في حياته وأما بعد وفاته فهذا الحق ينتقل إلى من يتولى منصب الإمامة . قال برويز بهذا الشأن: أول ما يجب على الرسول هو القيام بإبلاغ ما أوحي إلى الناس أجمعين وذلک أن الوحي الإلهي لا يکون خاصا بالرسول فقط بل هداية الناس أجمعين. ويدعم موقفه بسرد الآيات القرآنية منها : يأيها الرسول بلغ من أنزل إليك من ربک. وإن لم تفعل فما بلغت رسالته. والله يعصمک من الناس. ان الله لا يهدي القوم الکٰفرين. (۳)

وإنه لا يستطيع أن يتصرف في آياته أو يبدلها من تلقاء نفسه کما قال الله عزوجل: واذا تتلى عليهم آياتنا بينت قال الذين لا يرجون لقاء نا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يکون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلى اني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم.(۴) وأن محمدا صلي الله عليه وسلم کان مرکزا للملة في زمنه ثم ينتقل هذا المنصب إلى الأمة بعد وفاته.

قال مبينا معنى الإمامة : واذا انتقلت الطاعة للحکومة فلا بد أن يکون فيها مرکزا للملة لينفذّ الأوامر والأحکام ويکون مسؤولا عن مراقبة أمر تطبيق الأحكام وتنفيذها وهذه المرکزية تسمي إمارة أو امامة. (۵)

وفي تفسير قوله تعالى : يأيها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول.(6) قال يراد هنا بالله والرسول مرکز الملة. والدليل على ذلک وجود بعض الآيات القرآنية ذکر فيها الله والرسول معا ولکن استخدمت لها صيغة الواحد مع أن المفترض وفق القاعدة اللغوية استعمال صيغة تثنية. (۷)مثلاً في قوله :يا يها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاکم لما يحييکم. (۸) واذا دعوا إلى الله ورسوله ليحکم بينهم إذا فريق منهم معرضون. (۹)

’هنا في هذه الآيات دعوة إلى طاعة الله والرسول معا ولکن في قوله تعالى (اذا دعاکم) و(ليحکم) نرى أن الضمير قد استخدم للواحد وهذا يعني أن طاعة الله والرسول لاتعني طاعتان مستقلتان وإنما تعني طاعة الله بطريق طاعة مرکز الملة حيث أن ضمائر الواحد تشير إلى مرکز الملة التي کان يمثلها الرسول في ذلک الوقت. ‘‘(۱۰)

إن منصب الإمامة ينتقل إلى الأمة قال برويز في هذا الشأن:

’منزلة محمد (صلي الله عليه وسلم) في النظام الديني لا تتجاوز كونه رسولا ومرکزا للملة کما أن الرسالة الإلهية تبقى غير محرفة بعد وفاته إلى الأبد فکذلک تستمر رسالته ونبوته إلى الأبد أما منصب الأمارة أي مرکز الملة فهو ينتقل إلى الأمة بعد وفاته ويستمر انتقاله من جيل إلى جيل حتى يوم القيٰمة. ‘‘(۱۱)

وبعد تقسيم واجبات الرسول أنکر طاعة الرسول واتباع سننه حيث قال: اليوم يراد بطاعة الرسول اتباع سنته کما يراد بطاعة الله العمل وفق أحکام القرآن ولکن هذا المفهوم نتاج لعهد الاضطراب والتشتت في صفوف المسلمين أما في عصر النبي والخلفاء الراشدين فکانت طاعة الله والرسول تعني طاعة أقضية مرکز الملة فحسب.‘‘(۱۲)

إذن فهو لا يوافق على أن طاعة الرسول تکون باتباع سننه فهي في نظره نتاج لعهد الاضطراب وأن طاعة الرسول في عهده کانت مقتصرة على طاعة الأحکام والأقضية ويقول: إنه عليه الصلاة والسلام کان بشرا عاديا والدليل على ذلک أن الله تبارک وتعالى قد استنکر عمله في بعض الأمور منها. قوله تعالى: يا أيها النبي لم تحرم ما احل الله.(۱۳) قال برويز: يتضح من هذا الأمر أنه لو کان تحريم النبي العسل عليه عملا بوحي من الله عزوجل فلم عاتبه الله عليهم.(۱۴) وقوله تعالى: عفا الله عنک لم اذنت لهم.(۱۵) ولا شک أن الاذن لو کان من النبي عملا بالوحي لما هدّد الله.(۱6) تتلخص النصوص السابقة في النقاط التإلية.

۱. قد أخطأت جماعة أهل القران في إدراك منزلة الرسول (صلي الله عليه وسلم) وذهبوا إلى التفريق بين منصب الرسالة والإمامة والمراد بقوله تعالى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول طاعة مرکز الملة.

۲. أنکروا طاعة الرسول بما أنه کان بشرا عاديا وأنه تبارک وتعالى عاتبه في بعض الأمور

مكانة الرسول في ضوء القرآن

يبدو من خلال النظر إلى حياة النبي عليه الصلاة والسلام الطاهرة أن الله تعالى ٰ قد عصمه من الأثام والأعمال المستقبحة منذ صغره وحفظه من عادات الجاهلية في طفولته. فضل الله عليه بالنبوة والرسالة بعد أن صار محببا لدى الجميع بسبب سيرته النيرة وأخلاقه الفاضلة. فبعثه الله إلى الناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور وأصبح مطاعا بإذن الله وهذا لكونه معصوما عن الخطأ وقد قال الله عزوجل ( وما ينطق عن الهو ي إن هو إلا وحي يوحى.(۱۷) ولکن أهل القرآن أخطأووا في إدراك منزلة النبي عليه الصلاة والسلام ومن ثم أنکروا طاعته وهنا يليق بالمقام أن نلقي ضوأ على مکانته ردا عليهم.

واجبات الرسول عليه الصلاة والسلام في ضوء القرآن

۱. الرسول شارح للقرآن

فمن وظيفة الرسول أن يبين القرآن للناس يفصل لهم ما أجمل ويبين لهم ما أشکل بفعله وقوله وهذه الوظيفة من الله سبحانه وتعالى وهو الذي عين رسوله شارحا ومبينا لکتابه. قال تعالى : أنزلنا إلى ک الذکر لتبين للناس ما نزل إليهم (۱۸) وليس في وسع کل البشر أن يفهم معاني القرآن ومفاهيمه. ولأجل هذا القصور يبعث الرسول ليشرح الأحکام القرآنية ويکلف بشرح ما عجز الناس عن فهمه هنا رفض وإنكار الأحاديث يلزم أمرين.

أولا:قد کفل الله النبي صلي الله عليه وسلم ببيان القرآن فخالف أمر الرب وما أدى فريضته.

ثانيا: أنه أتي بما أمر ولکن البيان لم يبقي محفوظا عندنا.

فالاول أشد خطرا وعلى قائله أن يمعن النظر في مضاره قبل أن يجرؤ على القول لأن قوله هذا يفضيه إلى الکفر وهذا لا شک خطر على الإيمان .

والثاني أيضا لا تقل خطورة إذ أن قائله لا يؤمن بحفظ القرآن معنى وبيانا وقد تکفل الله سبحانه وتعالى لحفظه اذ قال عزوجل: (وإنا له لحٰفظون) على کل حال کلتا الصورتين لا تعني إنكار الحديث فحسب وإنما تعني جحود القرآن والرسالة أصلا. فقد کلف الرسول العظيم بمهمة تبيين ما نزل إلى الناس وقد قام صلوات الله عليه بهذه المهمة خير قيام فأدي الأمانة وبلغ الرسالة وبين المراد من آيات الله.

۲.الرسول (ص) هو الشارع

قال الله تعالى ٰ عن نبيه عليه الصلاة والسلام: يأمرهم بالمعروف وينههم عن المنکر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم م الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي کانت عليهم.(۱۹)

تتضمن هذه الآية بيان سلطة النبي عليه الصلوة والسلام التشريعية التي منحها الله سبحانه وتعالى رسوله حيث قال: يحل لهم الطيبات فالتحلييل والتحريم هنا أسنده الله إلى رسوله. ولا فرق بين ما حرمه الله سبحانه وحلله وما حرمه رسول الله وحلله کلاهما واجب الطاعة والامتثال بدرجة واحدة. وبدراسة الآية القرآنية التي مرت بنا نصل إلى نتيجة قطعية وهي وجوب طاعة رسول الله لأن طاعة الله مترتبة على طاعة الرسول وتتمثل طاعة الرسول بعد وفاته في اتباع سنته. ولذا أجمعت الأمة عمليا على الأخذ بسنته صلي الله عليه وسلم وهذا ما فهمته الأمة من اول يوم. ولا يمکن حمل الآية على أن المراد بالتحلييل والتحريم فيها ا ما أحله القرآن وحرمه. وهذا لا يسمي تأويل الآية وإنما تحريفها هل يجرؤ الشخص على أن يقول ان الله تبارک وتعالى أخطأ وأسند الفعل إلى الرسول دون القرآن. (۲۰)

إن من صلاحيات النبي عليه الصلاة والسلام أن يستقلّ بتشريع الاحکام کما قال تبارک وتعالى :وما أتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عنه فانتهوا.(۲۱) يجب على المسلمين أخذ ما يأتي به الرسول عليه الصلاة والسلام والانتهاء عما ينهي عنه.

وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم: ألا اني أوتيت الکتاب ومثله معه ألا يوشک رجل شبعان على أريکته يقول عليکم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فاحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا لا يحل لکم الحمار الأهلي ولا کل ذي ناب من السباع ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فان لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه.(۲۲) ثبت من ذلک أن الرسول عليه الصلاة والسلام هو الشارع والمقنن يجب امتثال حکمه مثل أمر الله تبارک وتعالى.

۳.معلم الکتاب والحکمة

قد بين الله سبحانه وتعالى واجبات الرسول على لسان ابراهيم حيث قال: ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتک ويعلمهم الکتاب والحکمة ويزکيهم.(۲۳) وقد ذکرت في الآية الوظائف التالية للنبي عليه الصلاة والسلام وهي: تلاوة الآيات وتعليم الکتاب والحکمة وتزکية النفوس.

والظاهر أنّ تعليم الکتاب والحکمة غير تلاوة القرآن لو کان الأمر کما ظنه أهل القرآن ان مهمته صلي الله عليه وسلم إبلاغ ما أوحي إليهم فحسب لاقتصر سبحانه وتعالى على ذکر تلاوة القرآن فقط ولکن ذکر تعليم الکتاب والحکمة يوحي إلى أنه عليه الصلاة والسلام مامور من قبل الله عزوجل بشرحه وتوضيحه. أما قوله تعالى يعلمهم الکتاب فقد قال صاحب البحر المحيط:

’’أي يبين لهم وجوه أحکامه حلاله وحرامه وفروضه ومسنونه ومواعظه وأمثاله وترغيبه وترهيبه والحشر والنشر والعقاب والجنة والنار. ‘‘(۲۴) کلمة حکمة تعني السنة على أرجح الأقوال وأما التزکية قال ابن عطيه: التزکية الطاعة والإخلاص وقيل يدعوا إلى ما يصيرون به أزکياء.(۲۵) خلاصة القول أن الرسول عليه الصلاة والسلام ليس بريديا کما زعمه هؤلاء القوم الذي تقتصر مهمته على حمل الرسالة ثم تسليمه إلى شخص معين والحق أن القرآن بمثابة الطب الروحاني کما أن شخصا لا يستطيع أن يفهم کتابا في الطب إلا بمساعدة الطبيب کذلک القرآن الکريم لا يقدر أحد على فهمه إلا بمساعدة الشارح له وهو النبي الأمي المبعوث إلى الناس أجمعين إلى يوم القيٰمة.

التفريق بين منصب الرسالة والإمامة

إن التفريق بين منصب الرسالة والإمامة الذي ذهب إليه أهل القرآن لم يثبت من القرآن الکريم ولم يقل به أحد من السلف ولا من خلف. وإنما القرآن ذکرله حيثية واحدة وهي كونه رسولا فحسب. وکذلک تفسير قوله تعالى ’’وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول. ‘‘ بطاعة مرکز الملة لم يثبت من القرآن الکريم ولم ينقل عن النبي ولا من جاء بعده من الصحابة والتابعين وعلماء الأمة. أما استدلالهم بالآيات ذکر فيها ضمير لواحد بعد ذکر الله والرسول مع أن القاعدة اللغوية حسب زعمهم أن يستخدم ضمير التثنية على أن المراد بطاعة الله والرسول طاعة مرکز الملة في تلک الآيات فنرد على ذلک من وجوه.

أولا:إن استخدام ضمير الواحد دون الاثنين للتوکيد کما قال الزمخشري في قوله (إذا دعاء کم) وحد الضمير کما وحده فيما قبله لأن استجابة رسول الله کاستجابته وإنما يذکر أحدهما مع الآخر للتوکيد. (26)

ثانيا:قال الزمخشري في قوله تعالى (إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحکم بينهم.

"معنى إلى الله ورسوله إلى رسول الله کقولک أعجبتني زيد وکرمه تريد کرم زيدا.‘‘(۲۷)

ثالثا:إن الضمير يرجع إلى ما هو أقرب وفق القاعدة اللغوية.

أما إنكار هم لطاعة الرسول صلي الله عليه وسلم استدلوا على ذلک بأمرين.

أولا: ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قد أخطأ في بعض الأمور الاجتهادية وقد عاتبه الله على ذلک.

هنا نسرد الآيات وأقوال العلماء في تفسير تلک الآيات ليتضح الأمر وتکتشف الحقيقة.

۱. قوله تعالى : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لک تبتغي مرضات أزواجک. (۲۸)

وردت في سبب نزولها روايات متعددة منها ما رواه البخاري عن عائشة قالت: کان النبي يشرب عسلا عند زينب بنت جحش ويمکث عندها فتوطأت أنا وحفصة على ايتنا دخل عليهما فلتقل له أکلت مغافير إني أجد منک ريح مغافير. قال لا ولکني کنت أشرب عسلا عند زينب بنت جحش فلن أعود له. وقد حلفت أن لا تخبري بذلک أحدا. والحادث الآخر ما نقله ابن جرير أن النبي صلي الله عليه وسلم وطيء مارية وحلف بهذا وکفلها کتمان الأمر فاخبرت به عائشة. فهذا هو الحديث الذي جاء ذکره في السورة. (۲۹)

قال الزمخشري: وکان هذا زلة منه لأنه ليس لأحد أن يحرم ما أحل الله لأن الله عزوجل أحل ما أحل لحکمة أو لمصلحة عرفها في إحلاله فإذا حرم کان ذلک قلب المصلحة مفسدة.(۳۰)

وقال أحمد ردا على الزمخشري: ما أطلقه في حق النبي صي الله عليه وسلم تقول وافتراء والنبي منه براء وذلک أن تحريم ما أحله على وجهين :اعتقاد ثبوت حکم التحريم فيه فهذا بمثابة اعتقاد حکم التحليل فيما حرمه الله عزوجل وکلاهما محظور لا يصدر من المتسمين بسعة الايمان وان صدر سلب المؤمن حکم الايمان واسمه الثاني الامتناع مما أحله عزوجل وحمل التحريم بمجرده صحيح لقوله. وحرمنا عليه المراضع من قبل: أي منعنا لا غير. (۳۱)

يتضح من ذلک أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يکن حرم العسل أو مارية بمعنى التحريم الشرعي انما کان قد قرر حرمان نفسه. وقال ناصر الدين مستنکرا لما قاله الزمخشري:

’’معاذ الله وحاش الله وإن أحد المؤمنين يحاشي عن أن يعتقد تحريم ما أحل الله له. فکيف لا يربأ بمنصب النبي صلي الله عليه وسلم مما يرتفع عنه منصب عامة الأمة وما هذه من الزمخشري إلا جرأة على الله ورسوله. ‘‘(۳۲)

۲. قوله تعالى : عفا الله عنک لم أذنت لهم حتى يتبين لک الذين صدقوا وتعلم الکاذبين.(۳۳) نزلت هذه الآية في أناس استاذنوا رسول الله في القعود والتخلف عن الجهاد فأذن لهم رسول الله صلي الله عليه وسلم.

وعن قتادة: ’’لقد کانوا يستطيعون الخروج ولكنهم لم يخرجوا . (۳۴)أما ما قيل أن النبي صلي الله عليه وسلم معاتب بهذه الآية لا يصح لوجهين. :

أولا:هذا الأسلوب کان جريا على العادة فقد جرت عادة العرب أنهم يخاطبون بمثله لمن يعظمونه ويرفعون من قدره يقصدون بذلک الدعاء له فيقولون أصلح الله الأمير کان کذا وکذا فعلى هذا صيغة الخبر معناه الدعاء.

ثانيا: إن ذکر العفو لم يستلزم تقدم ذنب وقال أبو عبدالله : ذهب أناس إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم معاتب بهذه الآية، حاشاه الله من ذلک بل کان له أن يفعل وأن لا يفعل حتى ينزل عليه الوحي... واستأذنه المخلفون في التخلف وقالوا إنه اختار أيسر الأمرين تکرما وتفضلامنه. (۳۵)

إن نسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخطأ في هذه الأمور کما يزعمون هؤلاء فهذا العتاب لا يلزم عدم طاعته وإنما يدل على صيانة الشريعة ومراقبة النبي صلي الله عليه وسلم مراقبة شديدة من قبل الله تبارک وتعالى حتى في الامور البسيطة مثل امتناع عما أحله الله وإطلاق الأسرى وإذن المنافقين قبل أن ينزل الوحي. فبذلک يزداد ثقتنا بالتشريع وأن ما عدا ذلک فهو محفوظ ومأمون من الخطأ.

الشبهة الثانية :عدم الإهتمام بكتابة السنة حسب زعمهم :

أنکرت جماعة أهل القرآن حجية السنة مستدلة بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن کتابتها قائلين:

’’إن الرسول قد سلک موقف الحزم والاحتياط بالنسبة للقرآن الکريم لذلک فإنه لم يهتم بحفظ السنة وکتابتها حيث توجد هذه الرواية في الکتب الحديثية. قال صلي الله عليه وسلم: لا تکتبوا عني غير القرآن ومن کتب عني غير القرآن فليمحه. ‘‘(36) قال برويز: ’’لو کانت السنة جزء ا من الدين لکان على الرسول أن يأمر الصحابة بكتابة مجموعة من الأحاديث الصحيحة وکان على خلفاء الراشدين بعد وفاته أن يجعلوا منها نسخا ويرسلوها إلى اقطار مختلفة.(۳۷) وقال: أيضا لو کانت السنة جزء ا من الدين فلم لم يهتم النبي بحفظها. (۳۸) وقال: هل لأحد أن يزيل هذا الاشکال؟ فلو کان القرآن والسنة کلاهما جزء ا من الدين فلماذا لم يترک النبي صلي الله عليه وسلم أحاديث مدونة بيننا کما ترک القرآن محفوظا مدونا. (۳۹) ولم يهتم الصحابة بأمر الكتابة قال: ’’لو اعتبر الخلفاء الراشدون السنة جزء ا من الدين لأهتموا بنشرها بعد تدوينها تحت اشراف الخلافة کما صنعوا في أمر القرآن واعتنوا بنشره. (۴۰) ليس هذا فحسب بل أحرقوا ما کتبوه کما روي عائشة أن أبا بکر قام بإحراق صحيفة الأحاديث.(4۱) يستدلون بهذه الروايات على عدم الإهتمام بكتابة السنة. (4۲)

قال برويز: ويقال بأن العرب کانوا اقوياء الذاکرة في ذلک الزمن. لذلک اعتمدوا على ذاکرتهم ولم يسجلوا الأحاديث ولکن هنا ينشأ السؤال فلو کانت الذاکرة تغني عن الكتابة فلما ذا اهتموا بكتابة القرآن ولم يکتفوا بالذاکرة في أمره.(4۳)

وکذلک اعترضت جماعة أهل القرآن على أن تدوين السنة لم يتم إلا في عصر متأخر کما قال برويز: ’’إن کتب السنة المعتمدة قد دونت بعد مضي القرنين والنصف على وفاة النبي صلي الله عليه وسلم واول کتاب من الکتب الستةقد کتبه مؤلفه بعد قرن ونصف. (44)

وقال : ’’کما ان کتاب المؤطا وهو اول کتاب يکتب في السنة (وقد کتب قبل صحيح البخاري) کتبه الامام مالک المتوفي ۱۷۹ه يشتمل على ثلاث ماءة إلى خمس ماءة حديث فقط في نسخه المختلفة. (4۵)

يتبين من هذا کله الامور الآتية:

۱)نهي النبي صلي الله عليه وسلم عن كتابة السنة

۲)عدم اهتمام الصحابة بأمر كتابة السنة بل احراق ما کتبوه منها.

۳)لو کانت الذاکرة تغني عن الكتابة فلماذا أهتم بأمر الكتابة بشأن القرآن الکريم.

4)تم تدوين السنة بعد ۲۵۰ من الهجرة حيث الف الامام البخاري والمسلم في صحيحهما.

الرد

الرسول(ص) وموقفه من كتابة الأحاديث

هنا ک ثلاثة من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين اشتهرت عنهم أحاديث عن النبي صلي الله عليه وسلم فيها ا کراهة كتابة العلم وهم وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وزيد بن ثابت رضي الله عنهم اجمعين. وأما روايات أبي هريرة وزيد بن ثابت فهي ضعيفة. بقيت أمامنا رواية أبي سعيد الخدري بطريق همام عن زيد بن أسلم عن عطا بن يسار. هذا الحديث أخرجه الامام مسلم في صحيحه وقد اختلف العلماء حتي في هذا الحديث في وقفه ورفعه. قال ابن حجر: ومنهم من أعل حديث أبي سعيد وقال: الصواب وقفه على أبي سعيد قال البخاري وغيره.(46)

الأحاديث الدالة على كتابة السنة

هناک حديث واحد صحيح لا غير الذي ينهي عن كتابة الأحاديث النبوية علما بأن فيه الاختلاف أيضا في رفعه ووقفه. ومن ناحية أخري نجد أحاديث عدة صحيحة فيها ا تصريح من النبي صلي الله عليه وسلم بالكتابة ويجد ربنا أن نذکرها هنا. ۱. حدثنا أبو نعيم الفضل بن دکين قال: حدثنا شيبان عن يحي عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي قال ان الله حبس عن مکة القتل أو الفيل، شک أبو عبدالله، وسلط عليهم رسول الله والمؤمنين ألا وانها لم تحل لأحد قبلي ولم تحل لأحد بعدي الا وانها حلت لي ساعة من نهار ألا وانها ساعتي هذه حرام لا يختلي شوکها ولا يعضد شجرها ولا تلتقط سأقطتها إلا لمنشد، فمن قتل فهو بخير النظرين إما أن يعقل وإما يعاد أهل القتيل فجاء رجل من أهل إلى من فقال اکتب لي يا رسول الله فقال ’’اکتبوا لأبي فلان. ‘(4۷) ۲. حدثنا على بن عبدالله قال: حدثنا سفيان قال حدثنا عمرو قال أخبرني وهب عن منبه عن أخيه قال سمعت أبا هريرة يقول: ما من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم أحد أکثر حديثا عنه مني إلا ما کان من عبدالله بن عمرو فانه کان يکتب ولا أکتب. (4۸). حدثنا قتيبة، أخبرنا الليث عن الخليل بن مرة عن يحي بن أبي صالح عن ابي هريرة: کان رجلا من الانصار يجلس إلى الرسول صلي الله عليه وسلم فيسمع منه الحديث فيعجبه ولا يحفظه فشکا ذلک إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال استعن بيمينک وأومأ بيده الخط. (4۹)

التوفيق بين حديث النهي عن كتابة السنة وإباحتها

وقد اختلف العلماء في التوفيق بين حديث النهي عن كتابة السنة وبين الآثار التي تدل على الإذن بها فذهبوا مذاهب شتي منها.

۱. قد يکون النهي عن الكتابة إنما يعني النهي عن الجمع بين الحديث والقرآن في صحيفة واحدة مخافة الخلط بينهما وفي هذا ما فيه من الخطورة.

۲. ويمکن القول بأن نهي النبي صلي الله عليه وسلم إنما کان لمن يثق بحفظه ووعيه لما يسمع من رسول الله صلي الله عليه وسلم أما من يخاف على نفسه عدم الضبط وضياع ما سمع ولن يتکل على حفظه وهو على هذا الحال فلم يکن مشمولا بهذا النهي ويدل على ذلک ما رواه أبو هريرة قال: کان رجل من الأنصار يجلس. ’’إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فيسمع منه الحديث فيعجبه ولا يحفظه فشکا إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فأمره بالكتابة وکذلک قصة أبي شاه.

۳. أو کان الإذن لمن يجيد الكتابة ويؤمن عليه الالتباس والخطأ ويدل عليه بعض القرأئن مثل إذن النبي صلي الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص وکان يجيد الكتابة ويعرف اللغة السريانية قال شريک بن خليفة: رأيت عبدالله بن عمرو يقرأ بالسريانية. (۵۰)

4. ان أحاديث النهي منسوخة بالأحاديث التي تبيح كتابة الأحاديث النبوية.

الصحابة وموقفهم من كتابة السنة

و أما ما قيل عن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين أنهم لم يهتموا بكتابة السنة فهذا مبني على جهل تام ولا يصح مثل هذا القول في حق الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ويليق بالمقام أن نذکر ما ورد عن کتاباتهم بالإيجاز.

أبو هريرة الدوسي: الإمام الفقيه المجتهد الحافظ صاحب رسول الله صلي الله عليه وسلم سيد الحفاظ الأثبات دعا له رسول الله صلي الله عليه وسلم بالحفظ. نجد ذکر الکتب في حوزته في أيامه الأخيرة إذ روى الفضل بن حسن بن عمرو بن أمية قال تحدثت عند أبي هريرة بحديث فأخذ بيدي إلى بيته فأرانا کتبا من حديث النبي صلي الله عليه وسلم قال هذا هو مکتوب عندي. (۵۱)

عبدالله بن عمرو بن العاص: الإمام الحبر العابد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وکان يجيد الكتابة. وله صحيفة يسميها ’’الصادقة‘‘ وکانت هذه الصحيفة أعز شيء عنده. قال مجاهد: دخلت على عبدالله بن عمرو فتناولت صحيفة تحت رأسه فمنع على، قلت: تمنعني شيئا من کتبک؟ فقال: إن هذه الصحيفة الصادقة التي سمعتها من رسول الله صلي الله عليه وسلم ليس بيني وبينه أحد فاذا سلم لي کتاب الله وهذه الصحيفة والوهط لم أبال ما ضيعت الدنيا.(۵۲)

عبدالله بن عباس: حبر الأمة وفقيه العصر وإمام المفسرين ابن عم رسول الله صلي الله عليه وسلم کان شغوفا بطلب العلم وتحمل المشاق في سبيله. کان يکتب أحاديث رسول الله صلي الله عليه وسلم. قالت سلمى: رأيت عبدالله بن عباس معه ألواح يکتب عليها من أبي رافع شيئا من فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم.(۵۳) ويبدو أنه کان يستخدم مواليهم للكتابة.

جابر بن عبدالله بن عمر الإمام أبو عبدالله الأنصاري الفقيه مفتي المدينة في زمانه. وهو آخر من مات من الصحابة بالمدينة وهو من المؤلفين الأوائل له منسک صغير في الحج أخرجه مسلم.(54) أن التابعي الجليل قتادة بن دعامة السدوسي ت ۱۱۸هـ کان يکبر قيمة هذه الصحيفة ويقول: لا أحد لصحيفة جابر أحفظ مني لسورة البقرة. (۵۵)

أنس بن مالک الإمام المفتي المقرئ ، وکان يجيد الكتابة حتى بعثه أبو بکر رضي الله عنه إلى البحرين۰(56) وقد ورد في بعض الروايات أنه کانت لديه کتب کثيرة روى عتبة بن أبي الحکيم عن هبيرة بن عبدالرحمن (وهو أبو عمرو بن هبيرة) قال کان أنس بن مالک اذا حدث وکثر عليه الناس جاء بکتاب فألقاها. ثم قال: هذه أحاديث سمعتها عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وکتبتها عن رسول الله وعرضتها عليه.(۵۷) علاوة على هؤلاء، هنا ک کثير من الصحابة مثل سمرة بن جندب وزيد بن ثابت وحسن بن علي رضوان الله عليهم الذين کتبوا الأحاديث لأنفسهم وکان لهم الصحف.

وأما ما روي عن أبي بکر الصديق رضي الله عنه وعمر رضي الله عنه أنهما أحرقا الأحاديث النبوية ومن ثم کرها كتابة السنة فنقول عن ذلک. أن الرواية الأولى التي ترويها عائشة عن أبي بکر الصديق أنه أحرق أحاديث مکتوبة فهي ضعيفة من وجوه.

۱. انتقد هذه الرواية وضعفها کبار علماء الحديث کالذهبي وابن کثير وآخرين: قال الذهبي معلقا على هذه الرواية: ’’فهذا لا يصح والله اعلم. (۵۸)

۲. في الإسناد على بن صالح وهو لا يعرف. وقال المعلمي: ’’وفي السند غيره ممن فيه نظر. ‘‘ (۵۹)

۳. مضمون الرواية يدل على ضعفه بما أن ابابکر کان أقرب الناس إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فإذا أراد أن يجمع الأحاديث النبوية لما احتاج إلى وسيط بينه وبين رسول الله صلي الله عليه وسلم.

4. وهذا خلاف ما ثبت عن أبي بکر في کتابته للأحاديث وإعطاؤها للآخرين. هذا من جانب وأما من جانب آخر فهذه الرواية لو کانت صحيحة لکانت حجة على إباحة السنة دون العکس اذ لو کان النبي صلي الله عليه وسلم نهى عن كتابة الأحاديث مطلقا لما کتب أبو بکر.

وأما ما اعترض أن لو کانت الذاکرة تغني عن الكتابة فلم اهتم بأمر الكتابة في شأن القرآن ولم تم تدوينه تدوينا رسميا في عهد النبي صلي الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فنقول. إن السنة بمنزلة البيان والشرح لکتاب الله عزوجل ولا شک أن الشرح والبيان يکون متأخرا عن الأصل فکيف يمکن تدوين السنة تدوينا رسميا ولم يتم نزول القرآن بعد. ولا شک أن تدوين القرآن الکريم تدوينا رسميا في العصر المتقدم نسبيا يدل على أو لوية کتاب الله سبحانه وتعالى لأن المفروض فيه حفظه لفظا ومعنى بينما يکفي في الحديث المحافظة على المعنى وهو سهل ميسور.

وأماما قالوا أن الصحيحين لم يتم تإليفهما إلا بعد مضي القرنين والنصف فهذا الاعتراض ليس بشيء بما أن تإليفهما في العصر المتأخر لا يؤثر على حجية السنة ولا يدل على عدم الإهتمام بأمر كتابة السنة. وإذا نظرنا إلى تاريخ تدوينها نري أن جمعها في الکتب المرتبة على الأبو اب الفقهية لم يتم إلا في القرن الثالث. تبين لنا مما مرّ أن الصحابة سجلوا الأحاديث في الصحف کما أقبلوا على حفظها في القلوب وأن نهي النبي صلي الله عليه وسلم عن كتابة السنة لم يکن عاما بل کان يخص لمن يختلط عليه الأمر.

وفي بداية الأمر جمعت أحاديث رسول الله صلي الله عليه وسلم مضافا إليه أقوال الصحابة والتابعين مع ضم الأبو اب بعضها إلى بعض في کتاب واحد. ثم بدا التاليف على طريقة المسانيد وهي جمع ما يروى عن الصحابي في باب واحد بقطع النظر عن موضوعها. فصنف الإمام أحمد مسنده المشهور وکذلک فعل اسحاق بن راهويه وعثمان بن أبي شيبة وغيرهم وکانت طريقتهم في التأليف أن يفردوا حديث النبي صلي الله عليه وسلم بالتأليف دون أقوال الصحابة والتابعين ولکنهم کانوا يمزجون فيها الصحيح بغيره وفي ذلک من العناء ما فيه على طالب الحديث فإنه لا يستطيع أن يتعرف على الصحيح منها إلا أن يکون من أئمة هذا الشأن. ثم جاٰٰء عصر إمام المحدثين محمد بن اسماعيل البخاري ونحا في التأليف منحا جديدا بأن يتقصر على الحديث الصحيح دون ما عداه فألف کتابه الجامع الصحيح المشهور وتبعه في طريقته معاصره وتلميذه الإمام مسلم بن الحجاج القشيري.

الشبهة الثالثة: ينکرون حجية السنة لاحتمال الوضع في الحديث

أنکرت جماعة أهل القرآن حجية السنة بما أنها غير موثوق بها وقد أدخل فيها المنافقون أحاديث موضوعة في العصر الأول کما قال برويز: لقد ظهر آلاف المنافقين في صفوف المسلمين خلال قرنين ونصف حيث أظهروا الإسلام والتقوى والورع وبعد أن بسطوا نفوذهم بين الناس أخذوا يضعون الأحاديث وينسبونها إلى النبي صلي الله عليه وسلم وقد کشف الغطاء عن نفاق بعضهم وبعضهم قد اعترف بأعمالهم الخبيثة. (6۰)

وقال: ان شخصا في المدينة کان يقوم بتدوين السنة تحت إشراف أبي هريرة في سنة ۵۸هـ ولا يزيد عدد أحاديثه عن ۱۳۸ حديثا ولکن شخصا آخر من بخارا بعد مضي قرنين من الزمان تولى مهمة جمع الأحاديث وحصل ست مئة ألف حديث يتضح من هذا العدد الهائل أن الناس خلال هذه الفترة قد اختلقوا أحاديث وقاموا بنشرها. (6۱)

وقال برويز: ’’جمع الإمام البخاري مئة الف حديث تلقاها من علماء موجودين في عصره ثم بعد التنقيح ترک منها سبعا وتسعين وخمس مئة الف حديث ظنها غير صحيح حسب عقله وبصيرته وسجل ما تبقى وهو يقارب ثلاثة آلاف حديث في صحيحه. 6۲)

وتتبين من هذا کله الامور الآتية:

۱)قلة عدد الحاديث في عصر أبي هريرة ثم کثرتها في العصر المتأخر يدل على وضع الحديث.

۲)ترک البخاري العدد الها ئل من الأحاديث التي ظنها غير صحيحة.

۳)اشتهر أبو هريرة بکثرة مروياته مع أنه أسلم قبل ثلاث سنوات من وفاة النبي فهذا يدل على اختلاق الحديث.

4)إن المنافقين قاموا باختلاق الأحاديث خلال قرنين ونصف

الرد

أما الاعتراض بأن أبا هريرة نقل عنه تلميذه همام بن منبه فقط ۱۳۸ مع أن البخاري بعد مضي القرنين على ذلک جمع ستة مئات آلاف حديث وهذا العدد الها ئل يدل على وضع الحديث خلال هذه الفترة وبما أن البخاري أخذ ثلاث ألف حديث فقط ورفض بقية الأحاديث ظنها غير صحيحة فنرد على هذا الاعتراض من وجوه:

۱. إن أهل القرآن ذکروا تلميذا واحدا لأبي هريرة الذي نقل عنه صحيفته مع أن عدد تلامذته يتجاوز من ثمان مئة نفس کما قال البخاري: روى عنه ثمان مئة نفس أو أکثر.(6۳)

۲. تکشف لناحقيقة هذه الکثرة الها ئلة إذا نظرنا إن المحدثين يطلقون لفظ الحديث على أقوال الصحابة والتابعين أيضا وإن الحديث الواحد إذا يروي بطرق مختلفة قد يبلغ أحيانا عشرة طرق فيعدها المحدث عشرة أحاديث وهي ليست إلا حديثا واحدا وقد کان إبراهيم بن سعيد الجوهري يقول: کل حديث لم يکن عندي من مئة وجه فأنا يتيم. وبهذا إذا جمعت أقوال النبي صلي الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته إلى أقوال الصحابه والتابعين وجمعت طرق کل حديث منسوب إلى النبي صلي الله عليه وسلم والصحابة والتابعين لا يستغرب أبدا أن يبلغ ذلک کله مئات الآلاف بهذا المعنى . وما قيل عن البخاري لا يصح لأن الإمام بخاري لم يستوعب الصحيح في کتابه وقد يعترف بذلک بنفسه وصرح بأن ما ترکه من الصحاح أکثر مما أخذه لکتابه وذلک فيما رواه اسماعيل من قوله: لم أخرج في هذا الکتاب إلا صحيحا، وما ترکت من الصحيح أکثر.(64)

وأما السبب في اقتصاره على هذا القدر إلى سير الذي أورده إلا ليحمي الکتاب من الطول،. وبذلک يدحض شبهتهم وإن البخاري ترک الأحاديث لملال الطول وليس کما يزعمه أهل القرآن أنه ترکها لکونها موضوعة. أما الاعتراض الذي وجه إلى أبي هريرة بأنه أسلم عام خيبر وعاش ثلاث سنوات فقط مع النبي صلي الله عليه وسلم فکيف يقبل مع وجازة هذه الفترة أنه کان من مکثري الحديث ونقلت عنه 5374 حديثا فترد على هذا الاعتراض من وجوه. أولا: ما قيل أنه عاش محمد صلي الله عليه وسلم ثلاث سنين ففيه اختلاف. هنا ک رواية عن أبي هريرة أنه قال: صحبت رسول الله صلي الله عليه وسلم ثلاث سنين.(6۵) والرواية عن حميد بن عبدالرحمن الحميري فقال: صحب أربع سنين(66) وعلق عليه الذهبي وقال: وهذا أصح، فمن فتوح خيبر إلى الوفاة أربعة عوام وليال. (6۷) ثانياً: کان أبو هريرة شديد الملازمة لرسول الله صلي الله عليه وسلم يدور معه حيثما دار ويأکل عنده في غالب الأحيان إلى ان توفي عليه الصلاة والسلام وکثيرا ما تحمل ألام الجوع حرصا منه على أن لا يفوته شيء من حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: يا أبا هريرة إن کنت لأ لزمنا لرسول الله صلي الله عليه وسلم وأعلمنا بحديثه. (6۸)

وقد بين أبو هريرة سبب کثرة مروياته وقال: انکم تقولون: إن أبا هريرة يکثر الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وتقولون: ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثله؟ وإن إخواني المهاجرين کان يشغلهم الصفق بالأسواق وکان إخواني من الانصار يشغلهم عمل أموالهم، وکنت إمرا مسکينا من مساکين الصفة، الزم رسول الله صلي الله عليه وسلم على ملء بطني فأحضر حين يغيبون وأعي حين ينسون وقد قال رسول الله صلي الله عيه وسلم في حديث يحدثه يوما: إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي جميع مقالتي ثم يجمع إليهم ثوبه، إلا وعي ما أقول فبسطت غرة على حتى اذا قضي مقالته جمعتها إلى صدري فما نسيت من مقالة رسول الله صلي الله عليه وسلم تلک من شيء. (6۹)

ويبدو حرصه على السنة ما روي عن أبي هريرة، قلت يا رسول الله : ما أسعد الناس بشفاعتک؟ قال: لقد ظننت يا أبا هريرة لا يسألن عن هذا الحديث أحد أول منک، لما رأيت من حرصک على الحديث، إن أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا اله إلا الله خالصا من نفسه.(۷۰) وقد دخل أبو هريرة على عائشة فقالت له: أکثرت يا أبا هريرة عن رسول الله قال: أي والله يا أماه، ما کانت تشغلني عنه المرأة ولا المکحلة ولا الوهن قالت لعله.(۷۱) ورجا له ثقات: ثالثا: کان من أثر ملازمة أبي هريرة للرسول صلي الله عليه وسلم ملازمة تامة أن اطلع على ما لم يطلع عليه غيره من أقوال الرسول وأعماله ولقد کان سيء الحفظ حين أسلم، فشکا ذلک إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال له: افتح کساءک فبسطه، ثم قال له: ضمه إلى صدرک فضمه، فما نسي حديثا بعده قط. (۷۲)کان حفظ أبي هريرة الخارق من معجزات النبوة: عن أبي صالح قال:کان أبو هريرة من أحفظ الصحابة.(۷۳)

عن عمرو بن عبيد الأنصاري: حدثني أبو الزعيزية. کاتب مروان. إن مروان دعا أبا هريرة فأقعدني خلف السرير وجعل يسأله وجعلت أکتب حتى اذا کان عند رأس الحول، دعا به فأقعده من وراء الحجاب، فجعل يسأله عن ذلک فما زاد ولا نقص ولا قدم ولا أخر.(74) صححه الحاکم وأقره الذهبي.

رابعاً:وقد حمل أبو هريرة حديث عن غير النبي صلي الله عليه وسلم من الصحابة مثل أبي وأبي بکر وعمر وأسامة وعائشة والفضل وبصرة بن أبي بصره وکعب الحبر. (۷۵)

خامساً:لو تقسم هذا العدد على ثلاث سنوات فلا يزيد عدد مرويات کل يوم عن خمسة أحاديث. هل هذا العدد کبير جدا حتى لايقبله العقل السليم کلا. أما العقل السقيم فرفضه لذلک ليس ببعيد.

أما قولهم إن المنافقين قاموا بوضع الأحاديث خلال قرنين ونصف فنرد على ذلک ونسأل هؤلاء : هل استحالت معرفة الموضوعات، أو ان کتب السنة المدونة کلها موضوعة، وکلا الأمرين يرفضه الواقع والعقل. إذ لو استحال معرفة الروايات الموضوعة لما وجدنا مصنفات انفردت بذکر الموضوعات، ولو صح زعمهم أن کتب السنة کلها ا افتراء وکذب لرفضه العقل، إذ يستحيل التزييف في الشيء إلا حين وجود أصل صحيح له، ويتعذر استعمال العملة المزيفة إلا بجوار العملة الصحيحة.

ومن خلال هذه الدراسة تبين ان الله تکفل بصيانة الدين الحنيف من أيدي الغدر. فظهر العلماء الذين أفنوا حياتهم لخدمة الاسلام والمسلمين ومن ثم لم يبق مجال للشک في صحة السنة.

الهوامش

(1)الاحزاب ۳۳:۲۱

(۲)الأنعام6:154

(۳)المائدة: 67: 5

(4)يونس:۱۰: معارف القرآن، 4 ص: 6۰۸

(۵)المصدر السابق، 4 ص: 6۱۲

(6)النساء4:۵۹

(۷)برويز، غلام أحمد، معارف القرآن، مطبعة رتن، بريس دهلي،4 ص: 6۱۱

(۸)الانفال: 24: 8

(۹)النور: 48: 24

(۱۰)معارف القرآن، 4 ص: 6۲۷،6۲۸

(۱۱)المصدر السابق، 4 ص: 66۹

(۱۲)برويز، غلام أحمد، مقام حديث، مطبعة طلوع اسلام، لاهور،۱ ص: 6۵

(۱۳)التحريم66:۱

(14)مقام حديث،۱ ص: ۳۲۰

(۱۵)التوبة: 43: 9

(16)مقام حديث،۱ ص: ۳۲۰

(۱۷)النجم ۵۳:۳. 4

(۱۸)النحل: 44: 16

(۱۹)الاعراف ۷:۱۵۷

(۲۰)مودودي، أبو الاعلى ٰ، سنت کي آئيني حيثيت، مطبعة نور عالم، لاهور، ط. رابعة، ص۸۰

(۲۱)الحشر۵۹:۷

(۲۲)القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحکام القرآن،مطبعة دار احياء التراث العربي، بيروت،لبنان، 1967م،۱ ص: ۳۷. ۳۸

(۲۳)البقرة۲:۱۲۹

(24)الاندلسي، أبو حيان، البحر المحيط، مطبعة النصر الحديثية، الرياض،۱ ص: ۳۲۳

(۲۵)البحر المحيط،۱ ص: 44۵

(26)الزمخشري، محمود بن عمر، الکشاف،مطبعة دار الکتب العربي، بيروت،لبنان،۲ ص: ۲۱۰

(۲۷)المصدر السابق، ۳ ص:248

(۲۸)التحريم66:۱

(۲۹)السيد قطب، في ظلال القرآن، مطبعة دار العربية، بيروت،لبنان،۸ ص: ۲۲ ص:16

(۳۰)الکشاف،4 ص: ۱۲۵

(۳۱)المالکي، ناصر الدين، الانتصاف فيما تضمنه الکشاف من الاعتزال،4 ص: ۱۲۵

(۳۲)المصدر السابق، 4 ص: ۱۲۵

(۳۳)التوبة: 43: 9

(34)المراغي، أحمد مصطفي، تفسير المراغي، مطبعة مصطفي البابي الحلبي، مصر، ط. أولي، 1946م، ج1 ص:126

(۳۵)البحر المحيط، 4 ص: 4۷

(36)مقام حديث،۱ ص: 4۳

(۳۷)المصدر السابق، ۱ ص: ۵۰

(۳۸)المصدر السابق، ۱ ص: 4۵

(۳۹)مقام حديث،۱ ص:341

(4۰)المصدر السابق، ۱ ص: 4۸

(4۱)الذهبي، شمس الدين، تذکرة الحفاظ، مطبعة دائرة المعارف النظامية، حيدر آباد، ۱ ص:5

(4۲)مقام حديث،۲ ص: ۱۰. ۱۳

(4۳)المصدر السابق، ۱ ص: 44

(44)مقام حديث،۱ ص: 6۸

(4۵)مقام حديث،۱ ص: ۵۰

(46)العسقلاني، ابن حجر، شهاب الدين، فتح الباري،دار المعرفة، بيروت، ط. ثانية،۱ ص: ۱۸۵

(4۷)البخاري، محمد بن اسماعيل، الجامع الصحيح،دار السلام للنشر والتوزيع، الطبعة الأولي، ۱۹۹۹م،کتاب اللقطة، باب کيف تعرف لقطة أهل مکة، رقم الحديث: 2434

(4۸)الترمذي، أبو عيسيٰ محمد بن عيسيٰ، السنن، کتاب العلم، باب ما جاء في الرخصة في كتابة، رقم الحديث2668

(4۹)المصدر السابق، کتاب العلم، باب ما جاء في الرخصة في كتابة العلم، رقم الحديث 2666

(۵۰)الواقدي، ابن سعد، الطبقات الکبريٰ، مطبعة دار صادر، بيروت،1968م، ۷ ص: ۲ ص:۱۸۹

(۵۱)فتح الباري، ۱ ص: 184

(۵۲)سير اعلام النبلاء، ۳ ص: ۸۹

(۵۳)المصدر السابق، ۲ ص: ۲ ص: ۱۲۳

(۵۴)المصدر السابق، ۱ ص: ۳۷

(۵۵)البخاري، محمد بن اسماعيل، التاريخ الکبير، مطبعة جمعية دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، 1360ه،4 ص: ۱ ص: 186

(56)سير اعلام النبلاء، ۳ ص: 268، 269

(۵۷)تقييد العلم، ص95، 96

(۵۸)تذکرة الحفاظ، ۱ ص: ۵

(۵۹)إلى ماني، عبدالرحمن، الأنوار الکاشفة،المطبعة السلفية،القاهر ۱۹۷۸م، ص۳۸

(6۰)مقام حديث، ۱ ص: ۵۵

(6۱)مقام حديث، ۲ ص: 4۱۵

(6۲)المصدر السابق، ۱ ص: 56

(6۳)تذکرة الحفاظ، ۱ ص: ۲۸

(64)مقدمة الصحيح للبخاري، ص۹

(6۵)طبقات ابن سعد، 4 ص: ۳۲۷

(66)سير اعلام النبلاء، ۲ ص: ۵۸۹

(6۷)المصدر السابق، ۲ ص: ۵۹۰

(6۸)تذکرة الحفاظ، ۱ ص: ۳۱

(6۹)طبقات ابن سعد، 4 ص: ۳۳۰

(۷۰)طبقات ابن سعد، 4 ص: ۳۳۰

(۷۱)سير اعلام النبلاء، ۲ ص: 6۰4

(۷۲)فتح الباري،۱ ص: ۱۹۱

(۷۳)سير اعلام النبلاء، ۲ ص: ۵۹۷

(74)المستدرک، ۳ ص: ۵۱۰

(۷۵)سير اعلام النبلاء، ۲ ص: ۵۷۹

حوالہ جات

Loading...
Issue Details
Id Article Title Authors Vol Info Year
Id Article Title Authors Vol Info Year
Similar Articles
Loading...
Similar Article Headings
Loading...
Similar Books
Loading...
Similar Chapters
Loading...
Similar Thesis
Loading...

Similar News

Loading...