Search from the Journals, Articles, and Headings
Advanced Search (Beta)
Home > Bannu University Research Journal in Islamic Studies > Volume 1 Issue 2 of Bannu University Research Journal in Islamic Studies

أصالة علم مقارنة الأديان في الفكر الإسلامي |
Bannu University Research Journal in Islamic Studies
Bannu University Research Journal in Islamic Studies

Article Info
Authors

Volume

1

Issue

2

Year

2014

ARI Id

1682060029336_348

Pages

120-129

PDF URL

https://burjis.com/index.php/burjis/article/download/59/51

Chapter URL

https://burjis.com/index.php/burjis/article/view/59

Asian Research Index Whatsapp Chanel
Asian Research Index Whatsapp Chanel

Join our Whatsapp Channel to get regular updates.

إن الفكر الإسلامي مدعو في العصر الحاضر أن يبين صورة الإسلام النقية ومعالمه في عقول أتباعه، ثم يرفع اللبس و الغموض الذي يكتنفه عند الآخرين من جراء الحملات العدائية المستمرة التي تثير شكوكا وشبهات حول أصالة بعض العلوم الإسلامية  علاوة على فضحها و كشف زيفها.

إن التطلع لمعرفة على هذا المستوى المسؤول يتطلب من الفكر الإسلامي المعاصر أن ينتقل من مرحلة الوعي بالذات إلى مرحلة اكتشاف الذات وتقييمها، مرحلة تشكيل استراتيجيه قوامها إبراز مختلف العلوم الإسلامية  وبعثها من جديد.

أولا/ مقارنة الأديان علم إسلامي خالص

  إن اهتمام علماء الإسلام الأوائل بهذا العلم أمر لا جدال فيه، حيث نشطت الحركة الجدلية بين المسلمين وغيرهم من أصحاب الديانات المختلفة وتفاقمت حتى أسفرت عن ميلا د علم إسلامي جديد هو علم مقارنة الأديان الذي تكفل بدراسة الأديان الأخرى لتعريف المسلمين بها، فيزدادوا إيمانا بأحقية الدين الإسلامي وهيمنته على الأديان الأخرى. ولكي يقدم الإسلام لغير المسلمين في صورة مقارنة مع ما يعتقدونه، مما يثير الشكوك في عقائدهم ويفتح الطريق أمامهم لتقبل الإسلام، وهم في ذلك ملتزمون بمنهج القرآن في دعوة أصحاب الديانات، فالقرآن الكريم يعود إليه الفضل في تحفيز العقل الإسلامية على الحوار وإيقاظ روح البحث فيه.

قدم القرآن الكريم الإطار العلمي والمنهجي لدراسة الكتب المقدسة ونقدها، وحفل بالحديث المفصل عن كتب اليهود والنصارى وعرض العقائد والملل و المذاهب المختلفة وبين مزاعمهم باستقصاء دقيق، ثم ناقشها وبين الزيف و الخطأ فيها، وقارن بينها وبين الدين الصحيح الذي أرسل الله به رسله.

  قال تعالى :( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم و روح منه فآمنوا بالله ورسله و لا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا ).(1)

  أرسى القرآن الكريم القواعد الأساسية في نقد الأديان، وأعطى أصولا علمية منهجية لنقدها، تمكن علماء الإسلام بفضلها من الوصول إلى نتائج باهرة، فنشأت الحركة النقدية الإسلامية القائمة على المنهج العلمي التاريخي الرصين، وعلى الموضوعية التي يمكن الوصول بها إلى الحق.

وأفضى هذا إلى استخدام المنهج النقدي التاريخي الذي أسهم في تأسيس قواعد نقد الروايات والمتون نقدا خارجيا و داخليا، وبالتالي كان الفضل لعلماء الإسلام في إيجاد علم مقارنة الأديان.

يقول عبد الله دراز :( إن الحديث عن الأديان بعد أن كان في العصور السابقة لها مغمورا في لجة الأحاديث عن شؤون الحياة، وإما مدفوعا في تيار البحوث النفسية أو الجدلية،أصبح في كتاب العرب دراسة وصفية واقعية معزولة عن سائر العلوم والفنون، شاملة كافة الأديان المعروفة في عهدهم، فكان لهم السبق في تدوينه علما مستقل).(2)

فالمسلمون إذا كانوا سباقين لوضع أسس علم مقارنة الأديان ونقد الكتب الإسلامية، وهذا عكس ما ذهب إليه بعض الباحثين بأن الحركة النقدية للكتاب المقدس بدأت منذ مطلع القرن التاسع عشر للميلاد، بفضل سبينوزا وغيره.  

إن الباحثين المسلمين انتهوا –بتأثير مباشر من القرآن- بدراسة أديان الأمم، و التنقيب عن عقائدهم و طقوسها، وألفوا لهذا الغرض كتبا مختصة، وفصولا مطولة في مصنف اتهم فهذا كمال الدين بن يونس الشافعي (3)يقول فيه ابن خلكان: ( إن أهل الذمة من اليهود  والنصارى كانوا يقرؤون عليه التوراة والإنجيل فيفسرها لهم، وكانوا يعترفون بأنهم لا يجدون من يوضحها لهم مثله).(4)

وهكذا كان علماء الإسلام يستمدون خصائص كل ديانة من مصادرها الموثوق بها، ويستقونها من منابعها الأولى، و يدونونها علما مستقلا اتخذوا له منهجا علميا سليما. فمما لا شك فيه أن ابن حزم يعود إليه فضل الأسبقية في هذا العلم و تطبيقه لمنهج صارم في نقد الكتاب المقدس، مما حدا ببعض الباحثين الغربيين على اعتباره مؤسس علم مقارنة الأديان بلا منازع، وإن كتابه الفصل في الملل والأهواء النحل أشهر ما صنف في هذا الباب ولذلك حظي ابن حزم في الغرب بهالة من التقدير و الإجلال.(5)

  يؤكد الأستاذ أحمد شلبي بأنه في منتصف القرن الهجري الثاني، عندما طفق المسلمون يكتبون الفقه و التفسير و

الحديث، عمدوا كذلك إلى الكتابة في علم مقارنة الأديان فهو بذلك علم إسلامي ينتمي إلى حظيرة العلوم الإسلامية.(6)

ومن مشاهير العلماء الذين اهتموا بهذا العلم النوبختى ت 202ه في كتابه الآراء والديانات ويليه المسعودى

ت364ه كتب كتابه إدراك البغية في وصف الأديان والعبادات، وهو كتاب مطول يقع في ثلاثة آلاف ورقة. ومن أبرز الكتب التي كتبت عن الملل و النحل كتاب أبي المنصور البغدادي ت456ه وكتاب الملل والنحل للشهرستاني ت 548ه وكذلك كتاب تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل مرذولة لأبي الريحان ألبيروني .(7)

وهكذا اهتم المسلمون بدراسة مقارنة الأديان، ولكن سرعان ما لاحت عصور الانحطاط التي لحقت المسلمين حتى اتجه كثير من الفقهاء إلى التعصب لمذاهبهم الفقهية فانحصر أو انعدم اشتغالهم بالأديان الأخرى وتعاليمها.

وإذا كان المسلمون في عصر الانحطاط قد أهملوا مقارنة الأديان، فعلى العكس من ذلك طفق المسيحيون على دراسة هذا العلم، وقد حفزهم على ذلك تلك اللقاءات السلمية بين المسلمين والمسيحيين في الشام والأندلس التي عرفت المسيحيين بمقارنة الأديان.

وعندما جاء الاستعمار استعان بعلم مقارنة الأديان  المبشرون في نشر المسيحية من جهة، وتشويه صورة الإسلام من جهة أخرى.

وما إن أطل العصر الحديث حتى تبنى الفكر الغربي علم مقارنة الأديان مع لنا نسبته عنوة إليه نشأة ومنهجا وموضوعا، شأنه في ذلك شأن علوم عديدة، وبذلك دخل هذا العلم إلى عهد جديد، غدا فيه المنهج الغربي سمة بارزة للدراسات العلمية الجادة وما عداها ليس إلا ضروبا من الأوهام والخرافات.

ثانيا/ علم  مقارنة الأديان في الفكر الغربي

يعنى المجال التأصيلي لعلم مقارنة الأديان في الفكر الغربي بالتعرف على تاريخ الكتابات العلمية الأولى التي أسست لعلم مقارنة الأديان بصفته علما مستقلا، موضوعا ومنهجا.

تذهب الدراسات الغربية في ذلك إلى اتجاهين  مختلفين:

الاتجاه الأول

يرجع أصحاب هذا الاتجاه نشأة علم مقارنة الأديان إلى كتب تاريخ الأديان القديمة ،فغزو الاسكندر ألمك دوني للشرق زودنا بمعلومات أولية عن ديانات الشعوب التي خضعت لحكمه، هذه معلومات وردت متفرقة في كتابات أرسطو وبعض المسيحيين الأوائل الذين دأبوا على رواية مآثرهم ومثالب خصومهم فوضعوا شروحا ونظريات تبين الفرق بين المسيحيين وغيرهم من يهود  أو وثنيين مع تعليل ومقارنة، وغرضهم هو الترويج لدينهم و الدفاع عنه، إن من مبادئ المسيحية تحديد موقفها المبدئي من الديانات الأخرى مما يحدد طريقة تعامل المسيحي مع أبناء الديانات الأخرى غير المسيحية وقد أبان عن ذلك المبدأ بولس في رسالته إلى أهالي روما.(8)

الاتجاه الثاني يعزو أصحاب هذا الاتجاه نشأة علم مقارنة الأديان إلى كتابات مرتبة ومتناسقة ظهرت في أوروبا  بعد القرن السابع عشر، والمعلومات التي وردت قبل هذا التاريخ غصت فقراتها بالقصص والخرافات المضللة المتطرفة، جاءت على شكل حكايات لبعض الرحالة. ومن الكتابات المبكرة: ما ذكره كليمنت الإسكندري ويظهر أنه كان على اطلاع على البوذية فقد بين أن هناك تأثيرا فنيا يونانيا على الفنون الهندية و الفن البوذي ولكنها في عمومها ناقصة.

وفي القرن السابع عشر ظهر اللورد هربرت تشير بري المتوفى عام 1648 ليمهد لدراسة مقارنة الأديان بشكل علمي  ومن الذين كتبوا في هذا الموضوع جون لوك 1632ـ1704و:سيسرو، بلوت أرخ، سلوتن، وكانت كتابتهم عن طبيعة الكهانة و القداسة في العالم اليوناني الروماني  وفي خضم المناقشات المؤيدة والمعارضة لعلاقة الدين بالسلطة تبلورت نظريات مبدئية بخصوص موضوع مقارنة الأديان و تاريخها، ومع مطلع القرن التاسع عشر  أضحى علم مقارنة الأديان  في الفكر الغربي حقلا علميا مستقلا. (9)

هكذا يتم تأريخ علم مقارنة الأديان بطريقة منحازة تغض الطرف عن ما خلفه علماء الإسلام بصفة خاصة من مؤلفات و ما تفردت به من فضائل جمة حيث أفلحت في تقديم صورة شاملة لهذا العلم،لا يخص الدين الإسلامي فحسب بل العالم بأجمعه، حيث حفظت تاريخ الأديان من الضياع والتلف، ولا تزال كتب الملل والنحل خير ما أنتجته القرائح البشرية في تلك العصور وأضحت من الروائع العالمية التي حرص العلماء على العناية بها فترجمت إلى لغات عديدة.

  يعد بوكيت أميريكن نموذجا للباحثين الغربيين المتخصصين في مقارنة الأديان ففي ثنايا عرضه لمصادر هذا العلم يسقط  أهم المصادر الإسلامية في الموضوع، ويكتفي بذكر الكتابات الشرقية القاديانية ويعلق عليها بقوله: (إن من دواعي الأسف فإن هذه الكتابات مضللة لأنها مغالطة ومنحازة) ويضيف قائلا: ( ولو أن هذه المواضيع كتبت من قبل كتاب أوروبيين لما وجد فيها مغالطة أو انحياز ... إن الأوروبيين اكتشفوا عظمة الديانات الشرقية ليس من أجل أنفسهم بل أيضا من أجل الشرقيين الذين لم يعرفوا القيمة العالية لدينهم كما عرفناها نحن).(10)

فالنظرة الغربية تُصر على أن علم مقارنة الأديان صناعة أوربية خالصة وما يعزز ذلك الرحلات الأوربية التي فتحت أمام الأوروبيين مناطق واسعة من العالم وشقت لهم الطريق للحصول على معلومات وفيرة ومفصلة في هذا المجال لأن المحرض إلى ذلك الدعاية المسيحية أو الحماس العلمي.(11)

تتناسى هذه النظرة  المتحيزة أن الدراسات الدينية للشعوب قامت بالأساس من أجل غايات استعمارية بعيدة عن الموضوعية.فمع غزارة مادتها و تشعبها من حيث الكم والكيف. فإن ما يميزها في أواخر القرن الثامن عشر و أوائل القرن التاسع عشر فترة تشكل أرضية الاستشراف المعاصرة هو أنها أضحت تمثل مؤسسة إستراتيجية بدأت تنتظم في نسق واحد يعتمد تقنيات ومناهج محددة، حيث ازدادت فيه أهمية المعرفة المنظمة بالشرق، وهي معرفة دعمتها المواجهة الاستعمارية، فافتضح أمر هذه الدراسات وانكشفت نواياه.(12) وهو ما جعل إدوارد سعيد لم يتردد في وصفها بأنها أسلوب غربي للسيطرة على الشرق وامتلاك السيادة عليه.(13)

أما فيما يتعلق بالجانب الاصطلاحي فقد أفرغت المصطلحات الدينية من مضامينها وحلت محلها مفاهيم  تمثل نظرة إيديولوجية قاصرة وأسطع مثال على ذلك تعريف الدين كما ورد عند أقطاب علماء الأديان الغربيين أمثال وليام جيمس وماكس ميلر و شلايرماخر هؤلاء وغيرهم كثير لم يفلحوا في وضع تعريف جامع للدين.

ما يميز هذه التعاريف هو أن كل تعريف على حدة ينظر إلى الدين من زاوية خاصة تمثل  جزئية في الدين انعكس هذا سلبا على دراسة الأنساق الدينية.(14)

إن المتتبع للظاهرة الدينية عبر التاريخ ليجدها أكثر تعقيدا وشمولا تتشابك فيها مفاهيم عديدة تختلف من دين إلى آخر يتعذر فيها حصر الدين في قالب واحد دون الإحاطة بكل الأديان ومعرفة ماهيتها وخاصيتها.

ولقد نرى كيف انعكست الحيرة في تعريفات الدين على المحاولات العديدة التي بذلت لتأسيس فلسفة صحيحة له، على أن تكون كاملة ومستقلة تماما أي فلسفة تراعي المقومات الأساسية المشتركة في كل الأديان وتراعي عدم الالتزام بدين معين.

ونحن نقر بالقصور والعجز الذي أصاب الفكر الغربي في وضع تعريف للدين شاملا ومن ثم فهم الظاهرة الدينية،  وهذا يعود إلى انخراط الباحثين الغربيين في أحد تيارين: إما تيار الاستخفاف بالأديان و اتهامها في كل ما جاءت به، وفاء بما يزعم من احترام العقل و تقديس حريته الفكرية أو تيار الانتصار الأعمى و الدفاع الديانة المسيحية مع اعتبارها نمطا نموذجيا في دراسة الأديان، وهذا ينطبق بصفة خاصة على تعاريف الدين عند كل من ماكس ميلر  وهيجل حتى أضحى هذا النمط الفكري شبيها جدا بموقف الباحثين اللاهوتيين المسيحيين.

إن قصور هذه النظرة في الفكر الغربي  يمكن في أن علماء مقارنة الأديان لم يعتمدوا في دراساتهم على الحقائق التجريبية للأديان، أي لم يلتفتوا إلى الدين في جانبه الحي الفعال وهذا من شأنه أن يخلف خللا منهجيا هائلا فطريقة البحث في فرع معين تنبع من طبيعة الموضوع.

لقد اقتصرت الأبحاث الغربية في مقارنة الأديان على دراسة الآثار التي يتركها الدين على المستوى الفردي والجماعي وهكذا عجزت عن ملامسة طبيعة الدين وجوهره،لم يسلم من هذا القصور بعض الباحثين المعاصرين للدين إذ أنهم لا يتميزون عما سبقهم إلا في أنهم قد رتبوا بعض الأفكار الرئيسية المتعلقة بالدين وتناولوها بالتعليق والربط والتحليل، ثم اتخذوا لها ألقابا أو عناوين مختلفة مثل الثيولوجي الطبيعية أو اللاهوت الطبيعي والثيولوجي النظرية أو العقلية والثيولوجي الفلسفية والفلسفة الدينية. وكلها في الواقع لم تتخذ التجربة الدينية الفعلية كنقطة

بدء، ولم تستفد بهذا في بحثها ودراستها.

إذن لا يمكن التعويل على التعاريف الغربية للدين لأنها مبنية على الشعور النفسي و الإحساس الداخلي، فهي إما غير علمية وإما ناقصة لا تفي بالغرض، وهذا ينطبق على مصطلحات دينية لم يستطع الفكر الغربي الإلمام بمضمونها وسبر أغوارها كالوحي والنبوة والعرفان ونحوها.

ومن أجل تجاوز هذا القصور في تعريف الدين يقترح جارودي  إلى ضرورة الاستعانة بالعارفين والحكماء من أجل معرفة أكبر لجوهر الدين وأنساقه.(15)

ثالثا/ نحو إعادة صياغة علم مقارنة الأديان .

مع أن هناك أزمة منهجية تتخبط فيها الدراسات المقارنة للأديان تحت وطأة التحيز الذي يكتنفها حيث لا يمكن التقليل من شأنها، وعليه فإن علم مقارنة الأديان في أمس الحاجة إلى منهجية بإمكانها أن تحدث فيه ذلك الانتشال من وضعه المتأزم إلى وضع أكثر محايد.

ولا يتسنى له ذلك إلا أخذنا الاعتبارات الآتية:

إن أنساق الدين الكبرى كما برزت في الفكر الغربي وردت مجزأة وتم تسويقها في إطار من العالمية وهي لم تتحرر من وطأة النظرة المتحيزة التي تنظر إلى أديان بعينها وتتخذها نموذجا للدراسة كالمسيحية مثلا وتتغاضى عن نماذج لأديان جمعت بين هذه الأنساق وزادت عليها.

وقد كان لتصنيف هذه الأنساق وتبويبها بحسب المسيحية في غالب الأحيان أثره الخطير في المقارنة بينها خاصة وأن وظيفة علم مقارنة الأديان الغربي هو مقارنة بين تاريخ الأديان.

وأسطع مثال على ذلك محاولة مقارنة الكتب المقدس بالقرآن الكريم حين طفق بعض الباحثين إلى إعادة ترتيب القرآن الكريم بطريقة جديدة تحذو حذو الكتاب المقدس في ذلك، والعدول عما أجمع عيه المسلمون وتعارفوا عليه، وما نقل إليهم بالتواتر.

لقد كان لهذا الترتيب الزمني أن مهد السبيل لاستنباط أخطر النتائج في مجال العلوم القرآنية  وجعلوا منه أكبر مدخل للطعن في المصدر الإلهي للقرآن الكريم.

إن الدراسات النقدية للكتاب المقدس والقرآن الكريم تضفي إلى استحالة المقارنة بينهما فطبيعة كل منهما تنضح بمفارقات عديدة تعدت اللغة والإعجاز إلى طريقة الكتابة والجمع.

للتذكير هنا  أن علما ء الملل والنحل في الإسلام رتبوا أنساق الأديان  وفق ما يعتقده جمهور معتنقيه، ثم عمدوا إلى مقارنة الأصول بالأصول والفروع بالفروع ومنه فالعقائد بالعقائد و العبادات بالعبادات. وجدير بالذكر هنا أن نذكر منهج أبي الحسن العامري  ت381هـ الذي ورد في مؤلفه كتاب الإعلام بمناقب الإسلام كنموذج للدراسة المقارنة بين  الأديان، حيث يقول)  وقبل أن نشرع فيما وعدناه من مقابلة ركن، يجب أن نقدم مقدمة فنقول: إن تبيان فضيلة الشيء على الشيء بحسب المقابلات بينها قد يكون صوابا وقد يكون خطأ. و صورة الصواب معلقة بشيئين:

أحدهما: ألا يوقع المقايسة إلا بين الأشكال المتجانسة، اعني ألا يعمد إلى أشرف ما في هذا فيقيسه بأرذل ما في صاحبه، ويعمد إلى أصل هذا فيقابله بفرع من فروع ذلك.

وإلى آخر: ألا يعمد إلى خلة موصوفة في فرقة من الفرق، غير مستفيضة في كافتها، فينسبها غلى جملة طبقاتها) بهذا المنهج الصارم وغير المتحيز انكب علماء الملل والنحل على دراسة الأديان.

أزمة الفكر الغربي تمكن في جعل العقل قوة مستقلة عن الحس ومن الإيمان قوة مستقلة عن العقل متأثرا بذلك بما غصت به أدبيات المسيحية حول التناقض بين العقل والإيمان مع أن ملكات الإنسان واحدة فالذي يحس ويعقل ويؤمن إنسان واحد.

أضف إلى ذلك مبدأ الصراع بين الأضداد الذي لازم الفكر الغربي منذ نشأته الأولى في أحضان اليونان في القرن الخامس قبل الميلاد وحتى عصرنا الحاضر فبرزت على ساحة الفكر الغربي الثنائيات المتضادة المتصارعة المثالية والواقعية المادة والروح العقل والوحي هذه النزعة كما يرى إقبال أصيلة في المسيحية فالتعارض حاد بين الذات و الموضوع، بين فهم العالم كحقيقة رياضية خارجية، وبين البيولوجية الكائنة في النفس. ويؤكد إقبال بأن هذا التعارض العنيف هو الذي ترك أثره في النصرانية أما الإسلام فإنه يواجه هذا التعارض بقصد التغلب عليه. وهذا الاختلاف الأساسي في النظر إلى علاقة جوهرية بين الإنسان والكون يحدد كلا من اتجاه هذين الدينين العظيمين نحو مشكلة الحياة الإنسانية في أوضاعها الحاضرة كلاهما يرمي إلى توكيد روحانية النفس الإنسانية مع فارق واحد لا غير: هو أن الإسلام،لإدراكه ما بين المثال والواقع من اتصال يستجيب لعالم المادة ويبين طريقة السيطرة عليه بغية الوصول إلى كشف أساس لنظام واقعي للحياة. (16)

ولا شك أن هذا التأصيل يجعل البحث في قضايا الإنسان والأديان والكون أمرا مشروعا ومطلبا معرفيا، ونوعا من التأمل في مظاهر الفعل الإلهي وتجليات القدرة الإلهية وهو بهذا يتفق مع غينو في تعالي العلم الإلهي القديم على العلم الجزئي الحسي.(17)

حرص علماء الإسلام على إبراز شمول الدين لمجالات أوسع من الأنساق ذات الجانب الواحد التي سبق عرضها.  لذلك فإن مشاهير علماء الإسلام لم يشعروا في آية لحظة بالحدود الفاصلة بين مجالات المعرفة التي تناولوها على النحو الذي نشعر به الآن ومن ثم لا نجد لديهم أي أثر من آثار التعارض أو الانفصال بل نجد بالأحرى إحساسا واضحا بالتكامل بين المجالات المتعددة. فنحن ندرك أنه إبان ازدهار الحضارة الإسلامية خلال القرنين الثالث والرابع الهجري، كانت مجموعة علوم الدين واللغة تسير جنبا إلى جنب مع مجموعة العلوم الرياضية و التجريبية.

إن جهود ابن سينا- الفيلسوف الأكثر شهرة العلمية- تعكس في ثنايا مراحل تطورها المختلفة، مدى

عبقريته في إدراج العلوم الطبيعية بجانب الفلسفة الإلهية فمباحثه في كتاب الإشارات الأول إحدى طرق الاستدلال وفي الثاني تعريف وتوضيح للعرفان.

" قدم ابن سينا مثلا حول صياغة برهانيه عرفانية معا للحقيقة كما رآها و أحسها فجمع بين أر سطو

وأفلاطون في مشهد واحد وقال بقدم المادة والصورة والحركة و الزمان. لأن العالم في مذهبه أزلي وقديم، إلا أنه يصدر عن الله صدورا أزليا وضروريا كصدور النور عن الشمس، أو الحرارة عن النار، ولاوجوب ولا خيرية ولا كمال في هذا العالم إلا بما يفضيه الله عليه من الصور. فكأن كل شيء في هذا العالم مظهر من مظاهر الذات الإلهية.كان هذا هو اجتهاد ابن سينا في عصره حيث حاول أن يوازن بين البرهان والعرفان في وسط مذهبي.  وجاء الغزالي فأثبت طريقة أخرى في التقاء البرهان والعرفان مؤكدا مرة ثانية أهمية قيمة التوازن التي رأى أبو الوليد بن رشد أن يجاوزها لحساب المنطق البرهاني الصرف بحدوده الوضعية".(18)

إن المتفحص كتب المسلمين ينبهر باتساع الدائرة التي يشغلها الدين وتنوع المجالات التي يشملها ومنه فإن الغرض الديني لا يقتصر على الجانب النفسي ولا على الجانب العقلي و لا على الجانب الخلقي بالمستوى الفردي وإنما تتسع دائرته لتشمل المظهر الحضاري العام. وهذا يؤكد على أن الدين يعنى بالكيان الإنساني كله.

وليس غريبا أن نجد بعض المفكرين الغربيين يعلنون في صراحة أن الدين قد شغل الشخصية الإنسانية وأتاح أوسع مدى لقواها وملكاتها، ولم يكن مجرد أمر يتعلق بالعقل، أو بالقلب.

لم تكن المسيحية بمنأى عن  نزعة التحيز، وبحسب غارودي  إن هذا التوجه الذي تنتهجه الكنائس الغربية، في إطار تطورها التاريخي، ليس بالأمر العارض في تقدير غارودي إنه بالنسبة إليه إحدى المهام الجوهرية لعلم اللاهوت المعاصرة حيث الاستيعاب من جديد لرسالة يسوع الناصري متجاوزة الحضارة اليونانية اللاتينية، التي كثيرا ما حجبت جوهر الرسالة المسيحية ليسوع الناصري. جارودي، نداء إلى الأحياء.

لقد لبث غارودي وعلى مدار مسيرته الفكرية يؤسس لما اعتبره تسلل إيديولوجي  وعلاقته بالفكر الديني المسيحي في الغرب بصفة أساسية أما الشرق الذي يرى أنه قد ملك نوع من الحصانة الداخلية في توجهات كنائسه الدينية.

رفع غارودي شعار وجوب العودة إلى المسيحية ما قبل التقاليد الرومانية الإغريقية أي رسالة يسوع، الذي لم يفقه من لغة الفلسفة اليونانية والتنظيم الروماني شيئا وغارودي في رأيه هذا ليس بدعا في القول فقد سبقه إلى ذلك القاضي عبد الجبار بقوله إن الرومان لم يتنصروا لكن النصرانية هي التي ترومت. لذا نجد غارودي في تحليله للفكر الديني المسيحي يركز بشكل أساس على ترصد أصول النظرة الدينية التي جاءت رسالة يسوع تنشدها.

لذا ظل غارودي يلح على محاولة الإفادة من هذا المكسب الذي يعبر عن التفاعل الحادث بين الأديان السماوية الثلاث بتشجيع محاولات التجديد في الكنائس الغربية أي تعزيز تلك المساعي التي يقوم بها مجمع الفاتيكان الثاني في دعوة يوحنا الثالث والعشرين إلى تحديث دين الكنيسة لكي تنفتح على العالم وترد على مسائله وحاجاته الأساسية التي تطرح بإلحاح في العالم الإنساني المعاصر من خلال العودة إلى كنيسة ما قبل الحضارة اليونانية الرومانية.(19)

إن الفكر الإسلامي اليوم لهو في أمس الحاجة إلى أن تتضح صورته الناصعة بتنقية تراثه من أدران عكرت نقاءه وأنجع وسيلة لتحقيق ذلك تتمثل في إحياء علم مقارنة الأديان، فهو بإمكانه أن يضطلع بدور فعالن كما كان من قبل وسيلة في إنهاض العقول من سباتها.

وكم يحدونا الأمل أن يشق هذا العلم طريقه كما فعل من قبل في خدمة الإنسانية بعيدا عن التحيز.

مع هذه الأهمية عاد هذا العلم إلى الظهور في الجامعات الإسلامية ولكنه في الحقيقة ظهور محتشم لم يأخذ بعد مكانته اللائقة، وقد سعت جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية منذ نشأتها 1984م بالأخذ على عاتقها القيام بهذا الدور حيث خصصت قسما بأكمله لدراسة مقارنة الأديان.

حواشي:

1: سورة النساء، الآية 171.

2: الدين بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان، (الكويت: دار القلم، 1982م)، ص21.

3: بن يونس هو العلامة شرف الدين أبو الفضل أحمد بن الشيخ الكبير كمال الدين موسى، ابن الشيخ رضي الدين يونس، بن محمد الإربلي، ثم الموصلي الشافعي، صاحب شرح التنبيه، مات في سنة 622هـ، أنظر الذهبي ، تهذيب سير أعلام النبلاء، ج3، ص206.

4:  أبو حامد الغزالي، الرد الجميل على ألوهية المسيح، تحقيق محمد عبد الله الشرقاوي (القاهرة: دار الهداية، ط2، 1988)، ص18.

5: انظر اعترافات بعض الباحثين الغاربين لابن حزم بالريادة والسبق و اكتشاف علم مقارنة الأديان، انظر محمود علي حماية، ابن حزم ومنهجه في دراسة الأديان (القاهرة: دار المعارف، ط1، 1983)، ص7-8.

6: أحمد شلبي، اليهودية (القاهرة: ط7، 1984)، ص27.

7: المرجع نفسه، ص27-28.

8: أ.س بوكيت أميريكن، مقارنة الأديان، ترجمة :رنا سامي الخش (سوريا : حلب ، دار الرضوان)، ص11.

9: المرجع نفسه، ص12.

10: المرجع نفسه، ص14.

11: المرجع نفسه، ص12.

12: رودي بارت، الدراسات العربية و الإسلامية في الجامعات الألمانية، ترجمة مصطفى ماهر، (القاهرة: دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، 1967)، ص103.

13: إدورد سعيد، الاستشراق، ترجمة كمال أبو ديب، (بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، ط4، 1995)، ص231-232.

14: محمد كمال إبراهيم جعفر، في الدين المقارن، (القاهرة: دار الكتب الجامعية، 1970) ص25.

15: روجي غارودي ، نداء إلى الأحياء ، ترجمة دوقان قرنوط،(سوريا: دار دمشق، ط1، 1981) ص128.

16: محمد إقبال،تجديد التفكير الديني في الإسلام،ترجمة عباس محمود دار اسيا،(بيروت 1985)،ص15-16.

17: Rene guenon  la crise du monde moderne alger bouchene,1990 pp53-69

18: وليد منير أبعاد النظام المعرفي ومستوياته - نحو نظام معرفي إسلامي أعمال الحلقة الدراسية (عمان 10-11يونيو 1998 )، 184-185

19: غارودي ، الأصوليات المعاصرة ترجمة خليل أحمد خليل (باريس :دار عام ألفين ط1 1992) ص38.


مراجع البحث:

أبو حامد الغزالي، الرد الجميل على ألوهية المسيح، تحقيق محمد عبد الله الشرقاوي (القاهرة: دار الهداية، ط2، 1988).

أحمد شلبي، اليهودية (القاهرة: ط7، 1984).

أ.س بوكيت أميريكن، مقارنة الأديان، ترجمة :رنا سامي الخش (سوريا : حلب ، دار الرضوان).

إدورد سعيد، الاستشراق، ترجمة كمال أبو ديب، (بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، ط4، 1995).

محمود علي حماية ، ابن حزم ومنهجه في دراسة الأديان (القاهرة : دار المعارف، ط1، 1983)

محمد كمال إبراهيم جعفر، في الدين المقارن، (القاهرة: دار الكتب الجامعية، 1970).

محمد إقبال،تجديد التفكير الديني في الإسلام،ترجمة عباس محمود دار اسيا،(بيروت 1985).

عبد الله دراز، الدين بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان، (الكويت: دار القلم، 1982م).

غارودي ، الأصوليات المعاصرة ترجمة خليل أحمد خليل (باريس :دار عام ألفين ط1 1992).

رودي بارت، الدراسات العربية و الإسلامية في الجامعات الألمانية، ترجمة مصطفى ماهر، (القاهرة: دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، 1967).

وليد منير أبعاد النظام المعرفي ومستوياته -نحو نظام معرفي إسلامي أعمال الحلقة الدراسية (عمان 10-11يونيو 1998،  

-Rene guenon la crise du monde moderne alger bouchene, 1990

 

Loading...
Issue Details
Id Article Title Authors Vol Info Year
Id Article Title Authors Vol Info Year
Similar Articles
Loading...
Similar Article Headings
Loading...
Similar Books
Loading...
Similar Chapters
Loading...
Similar Thesis
Loading...

Similar News

Loading...