Search from the Journals, Articles, and Headings
Advanced Search (Beta)
Home > Journal of Islamic and Religious Studies > Volume 4 Issue 1 of Journal of Islamic and Religious Studies

الاستخبارات في العهد المكي: دراسة تحليلية |
Journal of Islamic and Religious Studies
Journal of Islamic and Religious Studies

Article Info
Authors

Volume

4

Issue

1

Year

2019

ARI Id

1682060030498_570

Pages

35-55

DOI

10.36476/JIRS.4:1.06.2019.05

PDF URL

https://jirs.uoh.edu.pk/index.php/JIRS/article/download/56/8

Chapter URL

https://jirs.uoh.edu.pk/index.php/JIRS/article/view/56

Subjects

Prophet (PBUH) Intelligence Security Makki Era Secrecy Prophet (PBUH) intelligence security makki era secrecy

Asian Research Index Whatsapp Chanel
Asian Research Index Whatsapp Chanel

Join our Whatsapp Channel to get regular updates.

مقدمة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي نبي الرحمة محمد بن عبد الله وعلي آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين.

 

إن الأمن وحده غاية تسعى لها الدول للبقاء. والذي يهمنا من الأمن هو الاستخبارات، إن الفكرة قديمة، فمملكة سليمان كان تحكمها القوة الأمنية، ومنها ما حدث من "الهدهد" وسليمان يتفقد الطير..... ثم جاءه ليخبره بمعلومات مهمة وردت إليه عبر رحلته الاستخبارية تؤكد له ما كان من شأن مملكة سبأ.

 

ولا شك أن الهدهد هذا الطائر الذي كانت وظيفته الإتيان بالمعلومات الأكيدة، التي ترتب عليها ما ترتب من إحضار عرش بلقيس لدي سليمان (عليه السلام). ومن هنا تتخذ بعض الدول الهدهد شعاراً لمخابراتها إشارة إلي الدقة والصدق في الخبر، والسرعة والإخلاص والتضحية في نقل الأخبار بكل أمانة، "من المعروف أن شعار دائرة المخابرات العامة في المملكة الأردنية الهاشمية هو الهدهد، اضافة إلي الآية الكريمة "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ"[1]. ونعيد بأن هذا الهدهد قد تطور إلى أن أصبح قمرا صناعيا تستخدمه الدول القوية كي تجمع معلومات الضعفاء.

 

ولا يتسني للدولة الإسلامية تحقيق هذه المهمات الكبيرة إلا بالتخطيط السليم، المبني علي المعرفة المتقدمة بحقيقة العدو في الخارج، وعملائه في الداخل، وجمع المعلومات عنه بالطرق و الأساليب المشروعة.

 

وكان الرسول ﷺ قدوة لكل قائد ولكل مسلم في كل مجال من مجال الحياة، وقد عرف قواعد النصر، والظفر والأعداء للعدو. وكان ﷺ لا يدخل معركة إلا بعد معرفة حالة العدو ومعسكراته، ومواقعه العسكرية وطبيعة الأرض، وهذا ما سنتناوله في هذا البحث إن شاء الله.

 

الدراسات السابقة:

هناك دراسات متنوعة متخصصة في الموضوع مثل: في السيرة النبوية قراءة لجوانب الحذر والحماية: د إبراهيم على أحمد، ودروس في الكتمان: محمود شيت خطاب، وتاريخ المخابرات الإسلامية: كرم حلمي، والمخابرات في التاريخ الإسلامي الباكر: د. إمام الشافعي محمد، والمخابرات في الدولة الإسلامية: محمد هشام الشربيني، وكتب فقه السيرة ودروسها للغزالي والبوطي ومصطفى السباعي والغضبان، والمنهج الحركي للسيرة النبوية: محمد منير الغضبان، وغير ذلك من البحوث العلمية، لكنها بعيدة كل البعد عن العهد النبوي وبالأخص العهد المكي وبعضهم كان يتعرض للحالة الأمنية دون تعمق علي اعتبار أنه لم يتناول سيرة النبي ﷺ بالتخصص. والباحث وقد استوحي مفهوم الأمن في الحضارة، فقد اتخذ البحث سرداً عن الفترة المكية و أزعم أنني لم أقف علي دراسة لها مخصصة و انما اعتمدت علي استخراج المعلومات من بطون الكتب الرئيسية والحديثة الذي سلكته فيه المنهج التحليلي، والتي تبرز جانب السرية في الدعوة و التبليغ عبر الموثوق بهم من الأقارب والأصدقاء.وخصص البحث بعد ذلك أهمية للمعلومات العسكرية وهي طبيعة في كل الدراسات. وفي النهاية تم تصنيف المعلومات والوقوف علي المبادئ الأصلية في الإسلام.

 

مشكلة البحث:

تتلخص مشكلة البحث في الإجابة عن السؤال الرئيسي التالي:

 

ما المنهج في الاستخبارات الذي قدمه رسول الله ﷺ في نشر الدعوة الإسلامية في عهده المبكر العهد المكي، وما أثر ذلك في تحقيق النصر والظفر؟

 

منهج البحث:

ونأمل أن تأتي الدراسة إن شاءالله موافقة للخطة الآتية. يتكون هذا البحث من مقدمة والمباحث مع المطالب والخاتمة:

 

المبحث الأول يتحدث عن: تعريف الاستخبارات وتاريخه

 

والمبحث الثاني ينصب علي: الاستخبارات في الإسلام وفيه مطالب

 

والمبحث الثالث يتحدث عن: الاستخبارات في العهد المكي وفيه مطالب.

 

الخاتمة: تشتمل علي أهم النتائج والتوصيات.

 

هذا وأسأل الله تعالي أن يجعل هذا العمل مقبولاً،وأن يغفر ما فيه من ذلل وخطأ.

 

المبحث الأول:تعريف الاستخبارات وتاريخه

المطلب الأول: تعريف الاستخبارات

اِسْتَخْبَرَ :[خ ب ر ]. ( فعل : سداسي متعد بحرف ). اِسْتَخْبَرَ ، يَسْتَخْبِرُ ، مصدر اِسْتِخْبَارٌ .# اِسْتَخْبَرَهُ عَنْ أَحْوَالِهِ :-: سَأَلَ عَنْهَا .

  1. اِسْتَخْبَرَ الرَّجُلُ عَنْ حَقِيقَةِ الأَمْرِ :-: اِلْتَمَسَ مِنْهُ أَنْ يُخْبِرَهُ حَقِيقَةَ الأمْرِ . :- اِسْتَخْبَرَهُ الخَبَرَ أَو الحَقِيقَةَ[2] .

 

 

 

هناك مصطلحات كثيرة لتعريف المخابرات لكن عندنا نحن المسلمين لا بد وأن نلفت النظر إلى أن الإسلام حين يستخدم المعلومات تكون في الخبر وبوسيلة الخبر.

 

وتطورت التعريفات والشروح لتصل إلى أن الاستخبارات هي الخطى المدروسة بدقة لاستخدام كل الوسائل بالحقائق والتقديرات الواقعة، واستخدامها في الوقت المناسب بوضع استراتيجية الدولة للدفاع، واتخاذ القرار السليم في الوقت المناسب، هذا القرار الذي يكفل سلامة الأمن القومي للدولة، والعمل على وقف عمليات المخابرات المعادية والتي تريد إلحاق الضرر بالدولة بأي صورة من الصور.[3]

 

ويدخل في ذلك جمع المعلومات وتحليلها وبيان مدى وقتها وحقيقتها وبأسلوب علمي معرفي يناسب العصر الذي تستخدم فيه، وبالنسبة لنا نحن المسلمين فقد كان العدو يتربص بنا كل ساعة بتوجيهات من اليهود والنصارى والطوائف القريبة والأخرى البعيدة، والأصحاب الأديان الأرضية والمعتقدات الهالكة، كلهم يتربصون بالإسلام لذلك كان حريا بنا جميعا منع الأذى وإبعاد الضرر.[4]

 

ولا نميل للخوض في تعريفات اللغة العربية كثيرا فأرى أن هذا مما يطول به البحث، فإن اللغة تفيد أيضا مكافحة عمليات التجسس من العدو علينا، والاتفاق بين الدليل الاصطلاحي أنها تشمل أيضا جمع المعلومات السياسية والنفسية والعسكرية والإقتصادية، وليس فقط جمع ما يتم إعداده من العداء بل تشمل أيضا جمع المعلومات التي تضر بإخواننا في العقيدة والتي تضر بجيراننا المسلمين المتعاونين المتآخين معنا. [5]

 

أما في كتب التراث من تاريخ وفقه فإنها تستخدم ألفاظ بكل (العين) وقولهم "أرسلنا العيون" وهو بجمع المعلومات والتجسس[6] وغيرها من ألفاظ كثيرة تناثرتها المراجع والقواميس اللغوية. [7]

 

مع العلم بأن العيون كانت تابعة بفكرة إعداد الجيوش وإظهار معلومات الخصوم الأمر الذي يبعث الثقة في نفوس المجاهدين، في المعلومات التي ترد ويبعثها الجيش لإدراك قوة الخصوم هي من هذا النوع الذي وردت فيه الآيات والأحاديث.

 

وهنا يكون معنى (العيون) ليس فقط الشخص الذي يأتي بالمعلومات بل العين والعيون ذلك صنف من المجاهدين الذين برز دورهم إلى جانب الصنوف الأخرى من المجاهدين في الجيش الإسلامي. وهذا الصنف من البشر يجعل جل اهتمامه تحقيق أمن البلاد في الداخل والخارج، وذلك من خلال منع جواسيس العدو وعيونه من التسلل إلى دار الإسلام، سواء للحصول على معلومات أو لعمل التخريب أو لبس ونشر الفرقة بين عناصر الأمة، أو لكشف المؤامرات التي يدبرونها في الأمة الإسلامية. [8]

 

المطلب الثاني: الجاسوسية عبر التاريخ

وفي التاريخ ما يثبت أن الأمم استخدمت التجسس وأشهرهم الفراعنة فقد كان فرعون يستخدم التجسس.[9]

 

وكانوا يرسلون جاسوسا للوجه القبلي وآخر للوجه البحر، ودلت الألواح التي عثروا عليها في (تل العمارنة) أن فرعون كان يرسل أتباعه إلى حدود المملكة المصرية والبلاد التي فرض سطوته عليها من فلسطين وسوريا والممالك التي تقود التمرد ضد الفراعنة وغير ذلك .

 

وكذلك استخدمت لعين الاستخبارات قبل أربعمائة عام من الميلاد ، وهناك كتاب (صو تسو) شرح فيه تاريخ التجسس والاستخبارات عبر القرون التي عاشتها الصين، وقد أبدى الزعيم الصيني (ماوتسي تونج) إعجابه بهذا الكتاب وطلب تدريسه عبر المؤسسات الحربية في الصين، وبين فيه سبل وحركة التجسس التي انتصرت بها الصين وتوسعت عبر تاريخها. [10]

 

تتفوق الأمة الهندية في ذلك وكان كتاب (إرتاز استر لكوتيليا) الذي وضع فيه أسس بث الشائعات والأكاذيب بين مجتمعات الخصوم .... وقال فيه "(على السريون أن يقوموا كعملاء لنا بالاختلاط بقوات العدو كي ينشروا الإشاعات عن هزيمتهم أكيدة) فيصحب ويهرب ...." [11]

 

وكذلك عرف اليونانيون الاستخبارات وجعلوا هناك نظاما عرف باسم الطابور الخامس وجاء في الإلياذة العمل الأدبي الشهير عن حرب طروادة وكان من الجيش اليوناني وفيه فصول كاملة عن أعمال الاستخبارات بأنواعها.[12]

 

وتناولت السير الشعبية كثيرا من أعمال الاستخبارات والمعلومات والتجسس على الخصوم وذلك مثل قصص أساطير الهند، وأبي زيد الهلالي في مصر وليبيا، وغيرها من الأدب الشعبي الفارسي وغيرهم كثير.

 

التجسس في التوراة

يروي الإصحاح السابع سفر القضاء خطة جدعون الاستخباراتية حين عجر عن القصر في معركة مدين 1245ق.م حين زرع ثلاثمائة رجل يثيرون الاضطراب.

 

وجاء في الإصحاح الثالث[13] في التوراة: "ثم كلم الرب موسى قائلا: أرسل رجالا ليتجسسوا في أرض كنعان التي أنا مطيعها لبني إسرائيل.... فبعث موسى اثني عشر رجلا يتجسسون أرض كنعان ورسم لهم الخطة."

 

وكذلك جاء بالتوارة[14] قصة أول امرأة جاسوسة كانت بالاستخبارات وهي امرأة ساقطة عاونت جاسوسين إسرئيلية فأرسل يشوع بن نون رجلين سرا قائلا: انظرا الأرض وأريحا فذهبا ودخلا بيت امرأة زانية اسمها (راحاب)..... ولم تدل عليهما حين تربص بهم العسس.

 

وأنقذتهما، وبعد أن انصرفوا عادت إلى الرجلين وقد أخفتهما في سطح البيت وقالت: اعملا بي معروفا كما عملت معكما. حين تنتصرون بجيوش يشوع من نور حافظا على أبي وأمي...

 

وعندما جاءت المسيحية كانت تريد نشر المحبة -كما يزعمون- لكننا وجدنا قول السيد المسيح: "إذا سمعتم بحروب وقلاقل، فلا تجزعوا لأنه لا بد أن يكون هذا أولا... ولكن لا يكون المنتهى سريعا." وغير ذلك من النصوص التي وردت في الإنجيل وأشارت إلى الحروب والتجسسات وجمع المعلومات وهكذا.

 

وهنا نشير إلى عدة نقاط مهمة:

 

"أولا: أن الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل) في نصوصه تحريضات بالحروب وسفك الدماء وأنها هي الطريقة الوحيدة للسيطرة على العالم وفيها التنكيل بالأعداء ومن ثم فإن ذلك يستلزم المعلومات والتجسس بأهداف متنوعة.

 

الأمر الثاني: أن الجسوسين الذين أرسلهما يشوع بعد نوم ارتكبا الزنا مع امرأة قامت مقابل ذلك بمساعدتهما. وهذا يدل على أن الكتاب المقدس يبيح الأعمال القذرة وارتكاب المحرما إذا كانت ستأتي بالمعلومات.

 

الأمر الثالث: أن التجسس قد يطول كل الأمم والحضارات السابقة فهو أمر ليس بجديد على الحضارات وأخلاقها، وتتصاعد عمليات التجسس بقدر ملوك وأخلاق هذه الحضارة."[15]

 

المبحث الثاني : الاستخبارات في الإسلام

المطلب الأول :الإسلام والاستخبارات

هناك لبس لدى البعض في فهم معنى الاستخبارات وذلك أن الاستخبارات دائما مرتبطة لدى الأذهان بسوء الخلق والتطلع على العورات دون شعور من المخبر بالندم أو الذنب... كما أنها عبر التواريخ قد ارتبطت بالفعل القبيح. وكثير من قيادات الدول قد وقع تحت إذلال أجهزة عالمية حين تلصصوا على أسرار حياته الشخصية، ولكم كانت فضائح العديد منهم كما بينت كتب التاريخ والسياسة.

 

إن الإسلام لم يبح يوما الأعمال القذرة ولم يوافق على تجنيد فتيات يمارسن الرذيلة يرسلهن للأعداء كما تبيح تعاليم غيرنا. كما أن الإسلام غايته نظيفة طاهرة لم يسع بنص أو فعل إلى اقتحام سيرة أحد والتجسس على عوراته. ونصوص القرآن والسنة يضبطان سلوك المسلم في كل أحواله سواء أكان كبير قومه أو من رجال الاستخبارات أو من العوام أو من غيرهم.. المبادئ والأخلاق لا تتجزأ ولا يوجد فيها مساومات.

 

معني التجسس وأحكامه:

أما مصطلح التجسس فهو "الدقة في بحث الأخبار لتفتيش عن بواطن الأمور".[16] وهذه الكلمة له معنى سيئ الخلق عندنا نحن المسلمين لأنها مرتبطة بمعنى التلصص على عورات النساء والإطلاع على عوراتهم وذلك مستفادة من قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ"[17]

 

قال قتادة في تفسيرها: "هل تدرون معني التجسس؟ هو أن تتبع أو تبتغي عيب أخيك لتطلع علي سرّه."[18]

 

أصل في التجسس أنه محرم شرعاً، منهي عنه غير أن هناك بعض الصور قد تقتضي المصلحة جوازها، وهذا المحظور مع المسلمين مباح ضد العدو، وإن هذا علي مستوي الأفراد في المجتمع الإسلامي، لكن أجاز الإسلام ذلك مع الأعداء من الكافرين وأعوانهم.أو تطهيره المجتمعات من أهل الشر والفساد.[19]

 

وتثبت مشروعيته من قوله تعالي "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ"[20]

 

من إعداد العدة إخفاء الخطط العسكرية، من أن يعلمها العدو، كما أن من الإعداد معرفة حال العدو ومدي استعداده و قوته، ومخططاته، بواسطة العيون تبث في أرض العدوارصد تحركاته و معرفة أسراره.

 

وقد وردت تلك الإباحة في شرح صحيح مسلم على حديث النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وبين فيه أن الجاسوس بمعنى العين والعكس كذلك، مبينا أن الجاسوس يسمى عينا لأن عمله بعينه أو لشدة اهتمامه بالرؤية والاستغراق فيها فكان جميع جسده صار عينا. [21]

 

المطلب الثاني :نشأة العمل الاستخباراتي والسري في الإسلام

إن المسلمين بدأوا يدركون أن لهم أعداء ينالون منهم ويصيبهم بالضرر الشديد، وليس من الطبيعي الاستسلام لهذه الدرجة السيئة من التخاذل، بل كان هناك تدبير لعمله أسباب الدفاع عن الكيان والميلاد الجديد. لكن الإسلام لم يبح إلا المسالمة والدفاع عن النفس وفرض تقوى الله حتى في الحروب انظر إلى قوله تعالى:” "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ"[22]. فالذين يقرأون بفهم يعرفون أننا مطالبون بتقوى الله حتى في القتال. وأننا لم نحب القتال يوما بطبيعتنا، قال تعالى: "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ"[23] فنحن لا نحب قتال أحد ولا نحب الدماء ولكن أعداءنا فرضوا علينا مفهوم القتال.

 

ونحن في ظل بداية الدعوة لا يمكن مطلقا أن يترك المسلمون أنفسهم لقمة سهلة لأعدائهم يفعلون بهم ما يشاؤون!! فالأمر يستلزم أمرا من اثنين؛ إما رد العدوان أو القتال، ولو قاتل المسلمون في بداية حياتهم فإنهم لم يكونوا أصحاب دعوة خالصة بل هم فئة مثيرة تريد إثارة المنكرات والفتن...

 

ونود أن نؤكد أن الفترة التي ظهر فيها النبي لم يكن ظهوره كنبي ورسول بأمر هين على معاصريه بل كانوا يتربصون به ويرونه يغير من وجه الدنيا. والقرشيون يتربصون به الفشل وهو يثبت نجاحا يوم بعد يوم.

 

ويقرر الله مصير الدعوة الإسلامية بين هذه الأجواء فيبدأ الأمر سريا، فإن القرشيين كم شعروا بسحب سلطان السيادة السياسية والتجارية بل وتغيير وجه المجتمع أيضا فكانت الدعوة السرية...

 

فكان من الضروري الإتجاه إلى جميع معلومات ودراسة عدوهم واللجوء إلى السرية في الفترة المكية.

 

المبحث الثالث :الاستخبارات والسرية في العهد المكي

المطلب الأول: الحس الأمني:

إن من معالم هذه المرحلة، الكتمان والسرية، حتى عن أقرب الناس، وكان الأوامر النبوية على وجوب المحافظة على السرية، واضحة وصارمة، وكان صلى الله عليه وسلم يكوّن من بعض المسلمين أسرًا، وكانت هذه الأسر تختفي اختفاء استعداد وتدريب، لا اختفاء جبن وهروب، حسبما ما تقتضيه التدبيرات، فبدأ الرسول عليه الصلاة والسلام ينظم أصحابه من أسر صغيرة، فكان الرجل يجمع الرجل والرجلين إذا أسلما، عند الرجل به قوة وسعة من المال، فيكونان معه، ويصيبان منه فضل طعامه، ويجعل منهم حلقات، فمن حفظ شيئا من القرآن عَلَّمَ من لم يحفظ، فيكون من هذه الجماعات أسر أخوة، وحلقات تعليم.

 

إن المنهج الذي سار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في تربية أتباعه هو: القرآن الكريم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه تربية شاملة، في العقائد، والعبادات، والأخلاق، والحس الأمني، وغيرها؛ ولذلك نجد في القرآن الكريم آيات كريمة تحدثت عن الأخذ بالحس الأمني؛ لأن من أهم عوامل نهوض الأمة أن ينشأ الحس الأمني في جميع أفرادها، وخصوصا في الصف المنظم الذي يدافع عن الإسلام، ويسعى لتمكينه في دنيا الناس، ولذلك نجد النواة الأولى للتربية الأمنية كانت في مكة، وتوسعت مع توسع الدعوة ووصولها إلى دولة.

 

ولا شك أن الصحابة كانوا يجمعون المعلومات عمن يريدون دعوته للإسلام، وكانت القيادة تشرف على ذلك، ولذلك قام النبي صلى الله عليه وسلم بترتيب جهاز أمني رفيع، يشرف على الاتصال المنظم بين القيادة والقواعد، ليضمن تحقيق مبدأ السرية.

 

إن السيرة النبوية غنية في أبعادها الأمنية، منذ تربية الأفراد، وحتى بعد قيام الدولية، وتظهر الحاجة للحركات الإسلامية، والدول المسلمة لإيجاد أجهزة أمنية متطورة (في زمننا المعاصر)؛ تحمى الإسلام والمسلمين، من أعدائها اليهود والصليبيين والملاحدة، وتعمل على حماية الصف المسلم في الداخل من اختراقات الأعداء فيه، وتجتهد لرصد أعمال المعارضين والمحاربين للإسلام، حتى تستفيد القيادة من المعلومات التي تقدمها لهاأجهزتها المؤمنة الأمنية، ولا بد أن تؤسس هذه الأجهزة على قواعد منبعها القرآن الكريم، والسنة النبوية، وتكون أخلاق رجالها قمة رفيعة تمثل صفات رجال الأمن المسلمين.

 

إن اهتمام المسلمين بهذا الأمر يجنبهم المفاجآت العدوانية، إذا عرفت العدو وعرفت نفسك، فليس هناك ما يدعوك إلى أن تخاف نتائج مئة معركة، وإذا عرفت نفسك، ولم تعرف العدو، فإنك ستواجه الهزيمة في كل معركة.[24]

 

كان النبي صلى الله عليه وسلم يشرف بنفسه على تربية أصحابه في شتى الجوانب، ووزعهم في أسر، فمثلا "كانت فاطمة بنت الخطاب، وزوجها سعيد بن زيد وهو ابن عم عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، كانوا في أسرة واحدة، مع نعيم بن عبد الله النحام بن عدي، وكان معلمهم خباب بن الأرت، وكان اشتغالهم بالقرآن لا يقتصرون منه على تجويد تلاوته، وضبط مخارج حروفه، ولا على الاستكثار من سرده، والإسراع في قراءته، بل كان همهم دراسته وفهمه، ومعرفة أمره ونهيه والعمل به."[25]

 

كان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم بالتخطيط الدقيق المنظم، ويحسب لكل خطوة حسابها، وكان مدركا تماما أنه سيأتي اليوم، الذي يؤمر فيه بالدعوة علنًا وجهرًا، وأن هذه المرحلة سيكون لها شدتها وقوتها، فحاجة الجماعة المؤمنة المنظمة تقتضي أن يلتقي الرسول المربي مع أصحابه، فكان لا بد من مقر لهذا الاجتماع، فقد أصبح بيت خديجة رضي الله عنها، لا يتسع لكثرة الأتباع، فوقع اختيار النبي وصحبه على دار الأرقم بن أبي الأرقم؛ إذ أدرك الرسول عليه الصلاة والسلام أن الأمر يحتاج إلى الدقة المتناهية في السرية والتنظيم، ووجوب التقاء القائد المربي بأتباعه في مكان آمن بعيد عن الأنظار، ذلك أن استمرار اللقاءات الدورية المنظمة بين القائد وجنوده، هو خير وسيلة للتربية العملية والنظرية، وبناء الشخصية القيادية الدعوية.

 

ومما يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعد أتباعه ليكونوا بناة الدولة وحملة الدعوة وقادة الأمم، هو حرصه الشديد على هذا التنظيم السري الدقيق، فلو كان مجرد داعية لما احتاج الأمر إلى كل هذا.ولو كان يريد مجرد إبلاغ الدعوة للناس، لكان خير مكان في الكعبة حيث منتدى قريش كلها، ولكن الأمر -غير ذلك- فلا بد من السرية التامة في التنظيم، وفي المكان الذي يلتقي فيه مع أصحابه، وفي الطريقة التي يحضرون بها إلى مكان اللقاء.[26]

 

لاحظنا أن الأمر يستلزم تمهيدا لإقامة دولة، ولو كان الإسلام موعظة حسنة، لكان يبدأ عند الكعبة ولا يتعدى خطبة فوق منبر مسجدها الحرام.

 

ولكان الأمر انتهى عند دخول كل فرد للإسلام بقوله: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فيسلم أبو بكر وكفى، ويسلم عثمان وكفى، ويسلم علي وكفى، لكن لا بد من ممارسة العبادة بشكل جماعي له قيمته يتم فيه الحوار مع المسلمين والتعايش اليومي.

 

المطلب الثاني :سرية الدعوة الإسلامية

جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر جميع ما أنعم الله به عليه وعلى العباد من النبوة سرًا إلى من يطمئن إليه من أهله. وظل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو من أول ما نزلت عليه النبوة ثلاث سنين مستخفيا إلى أن أمر بإظهار الدعوة. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضرت الصلاة -طوال هذه الفترة- خرج إلى شعب مكة، وخرج معه علي بن أبي طالب رضي الله عنه مستخفيا عن أبيه أبي طالب، ومن جميع أعمامه وسائر قومه، فيصليان الصلوات فيها، فإذا أمسيا رجعا.

 

وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا ذهبوا في الشعاب واستخفوا بصلاتهم من قومهم. فقد ظل النبي صلى الله عليه وسلم طوال هذه السنوات الثلاث يدعو إلى عبادة الله الواحد سرًّا. ومن أجل ذلك اتخذ عليه الصلاة والسلام في هذه المرحلة مجموعة من الإجراءات الوقائية التي يمكن عن طريقها منع جواسيس وعيون مشركي مكة من التعرف على أخبار الدعوة الإسلامية. ويمكن إيجاز هذه الإجراءات الوقائية فيما يأتي:# أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يعرض الإسلام إلا على ألصق الناس به وآل بيته، وأصدقائه. فدعاهم إلى الإسلام ودعا إليه كل من توسم فيه خيرا ممن يعرفونه وفي مقدمتهم زوجته السيدة خديجة بنت خويلد وصديقه الحميم أبي بكر رضي الله عنهما، وغيرهما من الرعيل الأول.

  1. أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يظهر الدعوة في المجالس العمومية لقريش، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يجتمع بالمسلمين ويرشدهم إلى الدين مستخفيا، وأمر المسلمين إذا أراد أحدهم ممارسة عبادة من العبادات أن يذهب إلى شعاب مكة يستخفي فيها عن أنظار قريش.

 

 

 

فالنبي ﷺ بدأ دعوته سرا لم يدر بها أحد ولم يعرف بها أحد وذلك خشية بطش قومه والإضرار بالمسلمين الذين بكروا بإسلامهم.

 

وبعد أن اجتاز الإسلام الوليد فترة قصيرة كان النبي بوعيه، وبما عرف من معلومات ينتظر القرار من الله عزوجل. لذلك اتخذ النبي دار الأرقم ليلتقوا فيها بعيدا عن أعين الناس.[27]وهذا الأمر لم يأت فجأة، ولكن عندما يجد المسلمون ما يحذرون منه.وقد كانت الأخبار في مكة تصل للمشركين، الذين كانوا يراقبون النبي وصحبه في كل أمورهم.

 

تجسس كفار مكة على المسلمين:

على الرغم من أن المسلمين لم يقوموا بعمليات التجسس على كفار مكة إلا بعد الهجرة النبوية إلى المدينة، حيث اقتصرت عملياتهم المخابراتية في مكة قبل الهجرة على الوقاية من عيون قريش -كما ذكر آنفًا- إلا أن تجسس كفار مكة على المسلمين بدءًا مبكرًا جدًا، يمكن إرجاعبه إلى بداية ظهور الإسلام. فقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلّوا ذهبوا في الشعاب واستخفوا بصلاتهم من قومهم، فبينما سعد بن أبي وقاص في نفر يصلون بشعاب مكة إذ ظهر عليهم بعض المشركين فناكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم.[28] ثم زادت مراقبة قريش للرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين بعد الجهر بالدعوة، لذلك كانت تبث جواسيسها لمراقبة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في كل حركاتهم وسكناتهم.

 

استمرار الدعوة

ولا بد أن تستمر الدعوة الإسلامية فكانت الدعوة السرية حين لا يدعو النبي إلا من كان مأمون الطباع حسن المعاملة والأخلاق بادية عليه. وذلك لعدد من الأتباع والأنصار من الأقارب والأصدقاء، وقد نجح أبو بكر في إقناع عدد كبير من الصحابة الذين أقبلوا على الإسلام، لقد كان القرشيون يراقبون تحركات المسلمين ساعة بساعة، ويكونوا منه على ثقة. وهنا لا بد من دراسة طباع الأفراد وأساليب حياتهم حتى يمكن اختيار الأفراد الذين يرفعون راية الدين والذين اتصفوا جميعا بالحذر والمعرفة.[29]

 

المطلب الثالث :دار الأرقم بن أبي الأرقم (مقر القيادة)

تذكر كتب السيرة أن اتخاذ دار الأرقم مقرًّا لقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم كان بعد المواجهة الأولى، التي برز فيها سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال ابن إسحاق: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا ذهبوا في الشعاب، فاستخفوا بصلاتهم من قومهم. فبينما سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعب من شعاب مكة، إذا ظهر عليه نفر من المشركين وهم يصلون، فناكروهم، وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم، فضرب سعد بن أبي وقاص يومئذ رجلا من المشركين بلحى بعير فشجه، فكان أول دم أهرق في الإسلام."[30]

 

أصبحت دار الأرقم السرية مركزا جديدا للدعوة يتجمع فيه المسلمون، ويتلقون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كل جديد من الوحي، ويستمعون له -عليه الصلاة والسلام- وهو يذكرهم بالله ويتلو عليهم القرآن، ويضعون بين يديه كل ما في نفوسهم وواقعهم فيربيهم -عليه الصلاة والسلام- على عينه كما تربي هو على عين الله عزوجل، وأصبح هذا الجمع هو قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم.

 

الأسباب في اختيار دار الأرقم

كان اختيار دار الأرقم لعدة أسباب منها:# أن الأرقم لم يكن معروفا بإسلامه، فما كان يخطر ببال أحد أن يتم لقاء محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه بداره.

  1. أن الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه من بني مخزوم، وقبيلة بين مخزوم هي التي تحمل لواء التنافس والحرب ضد بني هاشم. فلو كان الأرقم معروفا بإسلامه فلا يخطر في البال أن يكون اللقاء في داره؛ لأن هذا يعني أنه يتم في قلب صفوف العدو.
  1. أن الأرقم بن أبي الأرقم كان فتى عند إسلامه؛ فلقد كان في حدود السادسة عشرة من عمره، ويوم تفكر قريش في البحث عن مركز التجمع الإسلامي، فلن يخطر في بالها أن تبحث في بيوت الفتيان الصغار من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بل يتجه نظرها وبحثها إلى بيوت كبار أصحابه، أو بيته هو نفسه عليه الصلاة والسلام.

 

 

 

فقد يخطر على ذهنهم أن يكون مكان التجمع على الأغلب في أحد دور بني هاشم، أو في بيت أبي بكر رضي الله عنه أو غيره، ومن أجل هذا نجد إن اختيار هذا البيت كان في غاية الحكمة من الناحية الأمنية، ولم نسمع أبدا أن قريشا داهمت ذات يوم هذا المركز وكشفت مكان اللقاء.[31]

 

اليهود ظهروا في العصر المكي

يظن كثير من الدارسين أن نشاط اليهود ضد الإسلام كان في الفترة المدنية، لكن الواقع يؤكد أن عيونهم وجواسيسهم قد تحركوا ضد الإسلام مبكرا... فقد كانت لهم اتصالات بالقرشيين، لذلك عندما حدث أمر الدعوة وأثيرت قضية التوحيد، فقد ذهب النضر بن الحارث وعقبة بن معيط إلى أحبار اليهود وسألوهم عن النبي فجهز لهم اليهود عددا من الأسئلة يخرجون بها النبي، وقد روى ابن عباس ذلك تفصيليا... وسألوا النبي عن الروح (جبريل عليه السلام) ونزل قوله تعالى: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا"[32] فكانت هذا التعاون بين المشركين واليهود من بواكير التآمر ضد المسلمين.[33]

 

وهذه المؤامرة بالإضافة إلى المطاردة والتعذيب والقتل ومصادرة الأموال وغير ذلك من وسائل العدوان.... بدأ النبي صلى الله عليه وسلم يدبر مسألة الهجرة وترك مكة وأهلها، وكان لهذا التدبير إعداده الخاص وهذه الهجرة كانت إلى الحبشة.

 

المطلب الرابع :الهجرة إلى الحبشة

هناك كتّاب للسيرة كثيرون قد تناولوا مسألة الهجرة إلى الحبشة على أنها الفرار من التعذيب فقط، لا إنها تدبير كبير ومهم لحماية الدعوة وحماية شخصيات كبيرة (رجال ونساء) والإبقاء عليهم وكانت تحتاج حتما إلى تدبير دقيق.

 

إن النبي صلى الله عليه وسلم بالمعلومات وتحليلها أيقصد أن الحبشة بلد آمن وبلد حر، ليس لتابع إلى هؤلاء وهؤلاء وليس له خضوع لأحد، بل هو بلد ذو سيادة واستقرار.

 

وقد يكون هناك جانب ما خفي للرسول تجاه الحبشة لأن حاضنته السيدة أم أيمن كانت حبشية.[34]

 

كما أن الرسول كان يهتم بمعلومات الأول من حوله. ولعل سورة الروم قد أشارت إلى ذلك حين جاءت بأخبار حرب الفرس والروم وما سوف بحدث من نصر للروم بعد عدة سنين أقل من عشر سنوات الأمر الذ يعكس اهتمام الإسلام بالدول المجاورة لبلاده، فليس من الصواب أن يجهل المسلم أحوال الدول من حوله، لذلك كان النبي بعد صلح الحديبية قد استغل الهدنة وراسل ملوك العالم بما يعرفه عنهم وعن بلادهم ونظم حكمهم.

 

وقت خروج المهاجرين، وسرية الخروج والوصول إلى الحبشة

غادر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، في رجب من السنة الخامسة للبعثة، وكانوا عشرة رجال، وأربع نسوة، وقيل: خمس نسوة، وحاولت قريش أن تدركهم لتردهم إلى مكة، وخرجوا في أثرهم حتى وصلوا البحر، ولكن المسلمين كانوا قد أبخروا متوجهين إلى الحبشة.[35]

 

وعند التأمل في فقه المرويات يتبين لنا سرية المهاجرين، ففي رواية الواقدي:” "فخرجوا متسللين سرًّا"“[36]، وعنه الطبري[37]، وممن ذكر السرية في الهجرة، ابن سيد الناس[38] وابن القيم[39] والزرقاني[40]، ولما وصل المسلمون إلى أرض الحبشة أكرم النجاشي مثواهم، وأحسن لقاءهم، ووجدوا عنده من الطمأنينة بالأمن ما لم يجدوه في وطنهم وأهليهم.

 

إن المتأمل في أسماء الصحابة الذين هاجروا[41] لا يجد فيهم أحدا من الموالي الذين نالهم من أذي قريش وتعذيبها أشد من غيرهم، كبلال، وخباب، وعمار رضي الله عنهم، بل نجد غالبيتهم من ذوي النسب والمكانة في قريش، ويمثلون عددا من القبائل، صحيح أن الأذى شمل ذوي النسب والمكانة، كما طال غيرهم، ولكنه كان على الموالي أشد في بيئة تقيم وزنا للقبيلة، وترعى النسب، وبالتالي؛ فلو كان الفرار من الأذى وحده هو السبب في الهجرة، لكان هؤلاء المعذبون أحق بالهجرة من غيرهم، ويؤيد هذا أن ابن إسحاق وغيره ذكر عدوان المشركين على المستضعفين، ولم يذكر هجرتهم للحبشة.[42]

 

ويصل الباحث إلى حقيقة مهمة؛ ألا وهي أن ثمة أسبابا أخرى، تدفع للهجرة غير الأذي؛ اختار لها النبي صلى الله عليه وسلم نوعية من أصحابه، تمثل عددا من القبائل، وقد يكون لذلك أثر في حمايتهم، لو وصلت قريش إلى إقناع أهل الحبشة بإرجاعهم من جانب، وتهز هجرتهم قبائل قريش كلها أو معظمهم من جانب آخر، فمكة ضاقت بأبنائها، ولميجدوا بدا من الخروج عنها، بحثا عن الأمن في بلد آخر، ومن جانب ثالث، يرحل هؤلاء المهاجرون بدين الله لينشروه في الآفاق، وقد تكون محلا أصوب وأبرك للدعوة إلى الله، فتتفتح عقول وقلوب حين يستغلق سواها.[43]

 

عاش المسلمون ثلاثة أشهر من بدء الهجرة، وحدث تغير كبير على حياة المسلمين في مكة، وظروف نشأت لم تكن موجودة من قبل، بعثت في المسلمين الأمل في إمكان نشر الدعوة في مكة، حيث أسلم في تلك الفترة حمزة بن عبد المطلب، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم عصبية لابن أخيه، ثم شرح الله صدره للإسلام، فثبت عليه، وكان حمزة أعز فتيان قريش، وأشدهم شكيمة، فلما دخل في الإسلام عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز وامتنع، وأن عمه سيمنعه ويحميه، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه.[44]

 

وبعد إسلام حمزة -رضي الله عنه- أسلم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وكان عمر ذا شكيمة لا يرام، فلما أسلم امتنع به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبحمزة حتى عازوا قريشا.[45]

 

كان اسلام الرجلين العظيمين بعد خروج المسلمين إلى حبشة، فكان إسلامهما عزة للمسلمين، وقهرا للمشركين وتشجيعا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على المجاهرة بعقيدتهم.

 

قال ابن مسعود: إن إسلام عمر كان فتحا، وإن هجرته كانت نصرا، وإن إمارته كانت رحمة، ولقد كنا ما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر، فلما أسلم قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه.[46]

 

وعن ابن عمر قال: لما أسلم عمر قال: أي قريش أتقل للحديث؟ قيل له: جميل بن معمر الجمحي، قال: فغدا عليه، قال عبد الله: وغدوت معه أتبع أثره، وأنظر ما ذا يفعل؟ حتى جاءه فقال له: أعلمت يا جميل أني أسلمت ودخلت في دين محمد؟ قال: فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه وتبعه عمر، واتبعت أبي حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش -وهم في أنديتهم حول الكعبة- ألا إن ابن الخطابقد صبا[47]، قال: "يقول عمر من خلفه: كذب ولكني أسلمت، وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. وثاروا إليه فما برح يقاتلهم ويقاتلونه، حتى قامت الشمس على رؤوسهم وطلح[48] فقعد، وقاموا على رأسه وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله أن لو كنا ثلاثمائة لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا".[49]

 

لقد أصبح المسلمون إذًا في وضع غير الذي كانوا فيه قبل الهجرة إلى الحبشة، فقد امتنعوا بحمزة وعمر رضي الله عنهما واستطاعوا أن يصلو عند الكعبة بعد أن كانوا لا يقدرون على ذلك، وخرجوا من بيت الأرقم بن أبي الأرقم مجاهرين، حتى دخلوا المسجد وكفت قريش عن إيذائهم بالصورة الوحشية التي كانت تعذبهم بها قبل ذلك، فالوضع قد تغير بالنسبة للمسلمين، والظروف التي كانوا يعيشون فيها قبل الهجرة، قد تحولت إلى أحسن، فهل ترى هذا يخفى على أحد؟ وهل تظن أن هذه التغييرات التي جرت على حياة المسلمين في مكة، لم تص إلى أرض الحبشة، ولو عن طريق البحارة الذين كانوا يمرون بجدة"؟

 

لا بد أن كل ذلك قد وصلهم، ولا شك أن هؤلاء الغرباء قد فرحوا بذلك كثيرا، ولا يستغرب أحد بعد ذلك أن يكون الحنين إلى الوطن -وهو فطرة الله عليها جميع المخلوقات- قد عاودهم، ورغبت نفوسهم في العودة إلى حيث الوطن العزيز، مكة أم القرى، وإلى حيث يوجد الأهل والعشيرة، فعادوا إلى مكة في ظل الظروف الجديدة والمشجعة، وتحت إلحاح النفس وحنينها إلى حرم الله وبيته العتيق.[50]

 

لقد رجع المهاجرون إلى مكة بسبب ما علموا من إسلام حمزة وعمر، واعتقادهم أن إسلام هذين الصحابيين الجليلين سيعتز به المسلمون وتقوي شوكتهم.

 

ولكن قريشا واجهت إسلام حمزة وعمر -رضي الله عنهما- بتدبيرات جديدة يتجلى فيها المكر والدهاء من ناحية، والقسوة والعنف من ناحية أخرى، "فزادت في أسلحة الإرهاب التي تستعملها ضد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه -رضي الله عنهم- سلاحا قاطعا، وهو سلاح المقاطعة الاقتصادية -وقد تحدثت عنه- وكان من جراء ذلك الموقف العنيف، أن رجع المسلمون إلي الحبشة مرة ثانية، وانضم إليهم عدد كبير ممن كبير ممكن لم يهاجروا قبل ذلك."[51]

 

المستفاد من الهجرة الأولى

رغم نجاح الهجرة إلى الحبشة؛ فإن الفئة المسلمة التي ذهبت إلى الجبشة تحركوا وفق الشائعات التي وصلت إليهم بأن قريشا قد تصالحت مع النبي ولم تتلق حقيقة الأمر من النبي أو من مرسال له. لذلك تعرضوا للأذي بعد ما عادوا إلى مكة.

 

إن هذه الفئة التي تركت الوطن لحماية نفسها كان لا بد وأن تكون على صلة وثيقة بأخبار الوطن ممن يتقون به، ولا يأخذوا المعلومات من الخصوم، فالخصوم في العقيدة لا يمكن أن يؤمن عقباهم أبدا أبدا.

 

إن المسلمين بدأوا في إعداد صحيح للهجرة الثانية ولا شك أن الإعداد الأمني لها اختلف عن الهجرة الأولى.

 

المطلب الخامس :بيعة العقبة

نقصد بها البيعة الأولى والتي التقى فيها النبي صلى الله عليه وسلم مع اثني عشر رجلا من الأنصار كل منهم منسوب عن قبيلة، ووضع النبي لهم مبايعة على نفس مبايعة النساء التي وردت في بنود بيعة النساء في عام الفتح (بعد ذلك) والذين أطلقوا عليها هذا الاسم هم كتاب يسير.[52] ثم جاءت بيعة العقبة الثانية سنة 13 من البعثة النبوية وكان النبي في هذا العام يطوف بين القبائل ويقول لهم: من يئويني؟ من ينصرني؟. حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة.[53]والناس في كل القبائل يقولون لأخريين من الشام إلى اليمن وكل مناطق الجزيرة: احذروا فتى قريش، وأنتم ذاهبون إلى الحج!!

 

تدبير لقاء النبي بوفد المدينة

التقى النبي بوفد من الأنصار في ظل هذا الحصار والمراقبة الشديدة من قريش، وأعطاهم موعدا في الثلث الثاني من الليل حتى يضمن نوم الناس.. فالساهرون يدركون الثلث الأول من الليل، والذين يقومون مبكرا ربما قاموا في الثلث الأخير من الليل قرب الفجر. فاختار النبي الثلث الثاني حتى يضمن النوم العميق لهم في الثلث الثاني.واختار النبي ليلة ليس فيها القمر حتى لا يراهم أحد على ضوء نوره فيعرف أشخاصهم. لقد اتبع النبي كل وسائل السرية الكاملة.وهذه السرية فرضها النبي على وفود المدينة منذ اللقاء الأول بينهم، وفي العام الثاني عادوا اثنا عشر نقيبا بعد عام من الدعوة السرية الشديدة. وبعد عام من السرية جاؤوا للقاء النبي وعددهم اثنا وسبعون رجلا بينهم امرأتان الأولى نسيبة بنت كعب (أم عمارة) من بني النجار، وأسماء بنت (أم منيع) عمرو بن عدي بن ثابت من بني سلمة. يعني على مرار ثلاث سنوات تحرك النبي على مستوى تبليغ الدعوة في المدينة في نطاق شديد السرية. وتحركت الدعوة في المدينة على نطاق شديد السرية لم يدر به أحد.[54]

 

ومن الملاحظ أن عدد أصحاب العقبة زاد خلال السنوات الثلاث الأخيرة من ست إلى اثني عشر إلى سبعين. انتبه! نحن لا نتحدث عن المسلمين في المدينة! إنما نشير إلى حركة الدعاة الفاعلين في المجتمع اليثربي الذين كلفوا أنفسهم مشقة السفر وتحمل تبعة البيعة؛ هذا النجاح الكبير للدعوة الإسلامية في المدينة كان بفضل دعاة توفر فيهم الإيمان والإخلاص والحماسة والعمل.

 

لولم تكن حركة الدعوة في المدينة على قدر هذه المسؤولية؛ لما خرج منها في هذا العام سبعون؛ يتسللون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسلل الطريدة من يد الصائد؛ يفقهون معنى الكتمان والسرية، يعملون جيدا طبيعة المرحلة المكية؛ يلتقون برسول الله صلى الله عليه وسلم في أواخر أيام الحج؛ حتى لا ينكشف أمر بيعتهم، وإذا انكشفت لاذوا بالخروج في معترك خرجة الحجيج، يتخيرون الوقت الأنسب لإبرام البيعة؛ فقد كان لقاؤهم تحت جناح الليل؛ والعيون نائمة، والآذان غائبة، فاجتماع جماعة من الأوس والخزرج بمحمد صلى الله عليه وسلم في حد ذاته أمر خطير بالنسبة لقريش.وبيعة العقبة الثانية هذه تمت كما بينا في نطاق شديد السرية والتخطيط.وقد بينا التوقيت الذي اختاره النبي الشريف عليه الصلاة والسلام ما بين أول الليل وقبل الفجر، اختار منتصف الليل أو الجزء الثاني من الليل.

 

وتناولت السرية كيفية تحرك سبعين رجلا، وهو أمر في غاية الصعوبة خاصة إذا طلب منهم ألا يدرى بتحركهم أخذ، فكان لذلك الأمر أن خرج السبعون رجلا فردا فردا، أو رجلين رجلين فلم يدر بتحركهم جميعا أحد.[55]

 

وجاء الرسول عليه الصلاة والسلام فعين أبا بكر عينا على مدخل فكان الاجتماع يراقب المشركين إذا تحركوا نحو مكان الاجتماع، وعين علي بن أبي طالب على المكان الآخر لمدخل الاجتماع وكلاهما عين تراقب حركة الأعداء مدى جاؤوا إذا علموا بموعد الاجتماع. ودخل الاجتماع مع النبي عمه العباس بن عبد المطلب ولم يكن أسلم وقيل أسلم ولكن كتم إسلامه، ولكن جاء بصفته العصبية حيث قرابته من رسول الله... "وتم التنبيه على المبايعين ألا يرفعوا صوتا والمحدث منهم يختصر جدا ولا يطيل في الكلام وإلا لعرف بحركتهم وصوتهم أعداء الإسلام فأخذوا بهم."[56]

 

وبالنسبة للموعد أيضا فإن النبي قد نجح في اختيار الساعة (الثلث الثاني من الليل) ونجح أيضا في اختيار الزمن حيث كان في الليلة الأخيرة من ليالي الحج "13 من ذي الحجة" حيث يبدأ الحجيج في العودة إلى بلادهم ومن ثم قد لا يجد القرشيون قوة من المعارضة القبائلية تؤيدهم، "إذا انكشف الأمر وبالفعل فإن الأمر قد انكشف."[57]

 

والروايات تذكر أن الشيطان قد اطلع على الاجتماع فصاح بعلو صوته: لينتبه القرشيون وأعوانهم من الكافرين للاجتماع فيحضروا للقضاء على المسلمين. لكننا لا نعول على ذلك... ربما تسمع بالاجتماع أحد من المشركين فأذاع الخبر وروي بين خيام المشركين وهذا وارد بالطبع.

 

وهنا لم يكن الرسول عليه الصلاة والسلام قد أعد ورغب في المواجهة المسلحة، فإن الظروف والإعدادات لم تكن متهيئة لذلك، فكانت الخطة البديلة أن يتظاهر المسلمون بالسكوت وكان كل واحد منهم قد خلد إلى التفكر أو يتظاهروا بأنهم يتحدثون في أمور مختلفة متنوعة.[58]

 

وهكذا لا بد من الأمر والإحكام الجيد في الأعمال السرية كهذه، أن يضع القائد الخطة البديلة عند كشف الإعداء أمره، وهذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

وقد يتبادر إلى الذهن سؤال؛ هل كان من الصواب الاستعانة بكافر؟ نعم لا بأس من الاستعانة بهم إذا كان هذا في صالح نصرة الدعوة الإسلامية، وليس للاستفادة منهم في المصالح الشخصية وكسب منافع دنيوية كالوصول إلى نصب أو إحراز مصلحة ذاتية وهنا لا يجوز مطلقا شرعا وخلقا.

 

وقد استفاد النبي صلى الله عليه وسلم من وجود (غير مسلم في الاجتماع)، فمثلا حينما قابل النبي اثنين من وفد الأنصار كانوا يتحدثون مع الرسول بشأن القبلة سأل الرسول عمه العباس قائلا: يا أبا الفضل: هل تعرف هذين الرجلين؟ قال العباس: نعم هذا البراء بن معرور سيد قومه، وهذا كعب بن مالك. فقال النبي: الشاعر؟ قال: نعم...

 

وهذا مثل لبيان وظيفة العباس.. فالعباس رجل خبير بمعرفة أسياد القبائل والزعماء، وبمعرفة رجال القبائل، فهو تاجر كبير وله مستحقات مالية عند الكثير منهم، وخبير بهم، فلذلك استعان به النبي، والعباس حينئذ حريص على المصالح والمكاسب التي يحرزها في الدنيا ولا يخسر منهم أحد، وهذا أيضا كان يريده النبي صلى الله عليه وسلم.

 

وقد حضر العباس الاجتماع والذي كان يقتضي وضع اتفاقيات لانتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، والمقصود بها الهجرة الشريفة. وهنا قال العباس: إننا قادرون -عائلة بني هاشم- على حماية النبي من المعارضين له، لكننا نعلم برغبة النبي في الانتقال إلى المدينة فلذلك كان حضوري لأتأكد بنفسي قدرتكم على حمايته منكم ومن جميع الأنصار، وإلا فاتركوه. فأجابا على كلام العباس بأنهم قادرون على ذلك وللنبي عليه الصلاة والسلام أن يضع الشروط التي يريدها وبينوا أنهم سوف ينفذونها كلها ويزيدون أيضا.[59]

 

وكانت طبيعة العباس تميل لتطبيق القوة وإثبات قوة بني هاشم لحماية الرسول، لكن للرسول صلى الله عليه وسلم غاية أخرى سياسية يريد تحقيقها بدون دماء، لذلك رد على قول العباس بن عبادة بن نضلة: والله الذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن على أهل منى غدا بسيوفنا. لأنه يريد أن يؤكد للنبي حسد الولاء، ويرد على العباس بن عبد المطلب في الوقت نفسه. فرد النبي عليه الصلاة والسلام: "لم نؤمر بذلك ولكن ارجعوا إلى رحالكم."[60]

 

وبالطبع نجحت لقاءات بيعة العقبة، ونجح الاجتماع الأخير الذي حضره النبي في مكة والذي أداره بالسرية والحرص والاحتياط والذي بلغ فيه شق طريق الهجرة العظيمة، وهي الهجرة التي تبعتها خطوات تأسيس الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة.

 

نتائج البحث:

نود هنا الإشارة إلى عدة أمور جديرة بالتعليق والدراسة، منها:

 

  1. ثبت من هذه الدراسة بأن أهم ما يعني به النبي ﷺ في الإشتباكات مع العدو: امر الاستخبارات السرية و استطلاع احوال عدوه في كل حين،ومعرفة قوته ، ومواقع استحكاماته و مواطن القوة والضعف فيه ن حتي يبني خطة عسكرية محكمة في مواجهة العدو.
  2. إن الحس الأمني يولد مع الطفل و ذلك ما يحذره من الخطر من النار والماء الساخن والكهرباء و غير ذلك ، وهي أمور فطرية توجد مع النفس البشرية الطبيعية، وهي ما تكون ملكة الخوف.
  3. وإذا استعمله المسلمون للحفاظ علي الجماعة المؤمنة فإن ذلك لا يعني أن التجسس منبوذ هنا.. إن الاستطلاع و جمع معلومات الأعداء تفصل نهائيا عن فضول النفس الذي يجعل الإنسان يتجسس علي الآخرين.لقوله تعالي في القرآن الكريم: "ولا تجسسوا..." هو المقصود بعدم معرفة أسرار الآخرين مهما كان..
  4. وجمع المعلومات مسئلة قديمة في الدول، فإن هدهد سليمان عليه السلام جمع معلومات ملكة سبأ الوثنية ، وهذا ربما من قبل تكوين الأمبراطوريات، كذلك فإن الدولة البيزنطية والفرس و الإغريق و الأتراك و المغول وغيرهم جميعهم استخدم ذلك وكان من دعائم الدولة.
  5. و أما في عهد المسلمين فإن الدين قد بدأ دعوة وانتهي بتكوين دولة طالما سادت و نجحت وتقدمت..و سرية الدعوة الإسلامية عنوان لا يخلو من كتب السيرة النبوية لتؤكد أن الحس الأمني كان من وراء نجاح الدعوة وهذا تدريب بدء من قوله تعالي: "وأنذر عشيرتك الأقربين.." فكلمة الأقربين تظهر أن سرك يكون مع عائلتك الأقرب ثم الأقرب وليس كل عائلتك علي علم، فربما تجد موضع سرك مع ابن الخال، ولا تجده مع أخيك.. وكان قوله تعالي: "ألأقربين" يوضح أن الإنسان يري فيمن حوله الأقرب له ،ولكتم السر.
  6. وقد رأي النبي ص ذلك بنفسه عند ما أمنت به زوجته بدأ يتكلم مع أبي بكر الصديق ، وعلي ابن أبي طالب .. فأما أبوبكر فلم يتردد لحظة بل كأنه يبحث عن النبي من ستين، وأما عليٌ فقد سمع من النبي ثم قال دعني اعرض علي أبي، فقال له الرسول لا تحكي وكأنك لم تسمع مني شيئا. وهذا هو الفارق بين كاتم للسر أمين علي الأمور الهامة وبين صغير في استيعاب الأمور لا يقدر علي كتم السر.
  7. و بعد أن تكون لدي النبي ﷺ عصبة مؤمنة يزن الرجل و المرأة منهم ما يثقل ميزان الحق يوم العرض، وفي الحياة الدنيا بدأ ينفذ قوله تعالي: "فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين.." فكان يصدع بما يعرف من بين الله.
  8. ولا نغفل أنه كان يعلم ما يدبره المشركون في مكة من مؤامرات كانت تهدف إلي قتل النبي وتخلص منه، وكان الله يعلمه عليها فيتقهها.
  9. وكان الحس الأمني مطلوب في الهجرة إلي الحبشة، فكما كان أتباع موسي عليه السلام قد هربوا ليلا من بطش فرعون فإن أتباع الرسول ص خرجوا بالليل بعيداً عن اعين المشركين واتخذوا سبيلهم إلي البحر سربا متوجهين إلي الحبشة.
  10. ولا ننكر أن وصول معلومات خاطئة للمسلمين وهم في الحبشة جعلتهم يتحركون نحو مكة غير أن هول المفاجأة باغتهم وخسر منهم من خسر بالقبض عليه وربما بموته.. وهذا يظهر أهمية المعلومات في جانب الحس الأمني.
  11. ومنها ما يتعلق بنوعية الرجال الذين استخدمهم النبي في جمع المعلومات وهؤلاء يجب أن نلتفت إلى أن دورهم أولا كان تطوعيا وكان من عمق إيمانهم وليس بالأمر المباشر، حيث الفارق كبير والآراء عند الفريقين. الأول المملوء بالإيمان سوف يختلف عن الفريق الذي يتلقى الأمر فقد يكون مقصرا، وقد يكون موفقا.

 

 

 

الأمر الذي يلفت النظر أيضا الصفات التي يمكن أن يتحلى بها المسلم الذي يسعى للمعلومات، فلم يكن يتم اختياره وفقد رغبته في التطوع فحسب، بل في واقع جملة صفات ومواهب أخرى منها جلده وصبره ونجاحه في المحن والشدائد. فليس كل من ادعى أمرا يصدق فعله.

 

لأن التجارب قد أثبتت أن الصبر وحده كفيل بأن يهتم إنسان بالتسرع أو الشطط في الفكر.

 

ومن مواصفات رجل الاستخبارات قياس قدرته على الكتمان وعلى كتم السر عن الأعداء، وألا يجلس في المجالس يثرثر ويتمتم بأقوال يمكن أن تدل الأعداء على شيء.

 

كذلك من مواصفات رجل الاستخبارات أن يكون حكيما كما تصرف حذيفة بن اليمان حين أرسله النبي للتأكد من رحيل الأحزاب، لكنه بالرغم من رؤيته لأبي سفيان وكان بمقدوره أن يقتله لكنه فضل الحكمة وعدم إثارة الأحزاب مرة أخرى بعد ما هدأ الجو العام.

 

كذلك سعد الأفق والتصرف بالحكمة وفق الجانب الثقافي الذي تعويه... إن النبي قال لنعيم بن مسعود: اذهب فإن الحرب خدعة. ولم يقل له النبي: افعل كذا أو لا تفعل كذا... فكان نعيم قد تفهم الأمر ونجح بما لديه عن طباع القوم ومكر الأخرين أن يخادعهم وقد أوقعهم في الريبة والشكوك.

 

ومن العمليات الناجحة أن يلتزم رجل الاستخبارات بالصدق ودقة المعلومة، وليس من أجل كسب مواقف أو إحراز مكانة. لا بد من نقل المعلومة على وجه الدقة.

 

ولقد وصف القرآن الكريم رجلا الاستخبارات من واقع سورة النمل حين قال:# "عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ"[61] فاللغات مهمة جدا لرجل الاستخبارات.

  1. "وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ"[62] أن يكون لماحا على دراية بما يضر الكيان الأكبر وهو الدين.
  2. "أحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ"[63] وهي المقدرة على علم الموضوع كاملا يقل أطرافه وكياناته.

 

 

حوالہ جات

  1. سورة الأحزاب: 23 Surah al Aḥzāb: 23
  2. انظر لمزيد من التفاصيل في : المعجم الوسيط ،مجمع اللغة العربية، القاهرة، ط 5 ، 2011م، محمد راكان الدغمي، التجسس وأحكامه في الشريعة الإسلامية،دارالسلام،بيروت،1989م،ص:50Al Mu’jam al Wasīṭ, (Cairo: Majma’ al Lughah al ‘Arabiyyah, 5th Edition, 2011),
  3. Al Damghī, Muḥammad Rākān, Al Tajassus wa Aḥkāmuhu fī al Shari’ah al Islāmiyyah, (Beirut: Dār al Salām, 1989), p:50 انظر:محمود شيث خطاب وآخرون ، اقتباس النظام العسكري في عهد النبي ، قطر، 1400هـ ص 165. ومحمد جمال الدين محفوظ ، المدخل إلى العقيدة والإستراتيجية العسكرية الإسلامية، الهيئة المصرية العامة للكتاب. 1976م ص 148. Maḥmūwd Shīth Khaṭāb, Iqtibās al Niẓām al ‘Askarī fī ‘Ahad al Nabī, (Qatar: 1400), p: 165, Muḥammad Jamāl al Dīn Maḥfūẓ, Al Madkhal ‘Ila al Aqīdah wal Istratijiyyah al ‘Askariyyah al Islamiyyah, (Al Hay’ah al ‘Ammah lil Kitāb, 1976) p:148
  4. انظر : محمد جمال محفوظ، المدخل إلى العقيدة والإستراتيجية العسكرية الإسلامية، ص 152. Muḥammad Jamāl al Dīn Maḥfūẓ, Al Madkhal ‘Ila al Aqīdah wal Istratijiyyah al ‘Askariyyah al Islamiyyah, p:152
  5. الخليل بن أحمد الفراهيدي، كتاب العين، تحقيق مهدي المخزومي وآخرون، بغداد م1984، 2:255 Al Khalīl bin Aḥmad Al Farahīdī, Kitāb al ‘Ayn, (Baghdād: 1984), 2:255
  6. لمعرفة المعاني العربية ومعانيها، أنظر ابن منظور لسان العرب، جمال الدين ،المؤسسة المصرية، القاهرة، 1976م، 7:337، وصحاح العربية، دار الكتاب اللبناني 1970م، 2:641 Ibn Manẓuwr, Lisān al ‘Arab, (Cairo: Muassasah al Miṣriyyah, 1976) 7:337, Ṣiḥāḥ al ‘Arabiyyah, (Dār al Kitāb al Lubnānī, 1970), 2:641
  7. الهيثم الأيوبي وآخرين، الموسوعة العسكرية، المؤسسة العربية للدارسات والنشر، 1977، 1:62 Al Haytham al Ayūbī, Al Mawsū’ah al ‘Askariyyah, (Al Mo’assasah al ‘Arabiyyah lil Dirāsāt wal Nashr, 1977), 1:62
  8. مسلم القشيري، صحيح مسلم بشرح محمد الذهبي، طبعة الهروي القاهرة 1377هـ، 2:140، الشوكاني، نيل الاوطار شرح منتقي الأخبار، الهروي، 1969م، 8:10 Muslim al Qushairī, Ṣaḥīḥ Muslim, (Cairo: al Hirawī, 1377), 2:140, Al Shawkānī, Nayl al Awṭār Sharh Muntaqa al Akhbār, (al Hirawī, 1969), 8:10
  9. راجع :صلاح نصر،الحرب النفسية، دار القاهرة،ط2، 1967، 1:56 Ṣalah Naṣar, Al Ḥarb al Nafsiyyah, (Dār al Qāhirah, 2nd Edition, 1967), 1:56
  10. سونتوزو ، فن الحرب ، ترجمة هشام البطل ، طبعة مكتبة النافذة مصر 1999م ، ص: 3-5 Sontozo, Fann al Ḥarab, Translated by Hishām al Baṭl, (Egypt: Maktabah al Nafidhah, 1999), p:3-5
  11. راجع خالد معمري جندلى، التنظير في دراسات الأمنية فترة الحرب الباردة، رسالة علمية ماجستير، كلية الحقوق، العلوم السياسية، جامعة باتنة، 2007م، الجزائر، ص: 68 Khālid Ma’marī, Al Tanẓīr fī Dirasāt al ‘Amniyyah Fatrah al Ḥarb al Baridah, (Algeria: Faculty of Law, Political Science, University of Batna, 2007(, M.A Thesis, p:68
  12. انظر: محمد فرج، المدرسة العسكرية الإسلامية،المجلة العسكرية الأردنية ، عدد 42، لسنة1965، ص:19 Muḥammad Farj, Al Madrasah al ‘Askariyyah al Islāmiyyah, Jordan: Al Majallah al ‘Askariyyah, (1965), Vol. :42, p:19
  13. هوميروس،الإلباذة والأوديسة،الدار المصرية،ص:28-29،إبراهيم شهلوب،العيون في القصص الشعبي،بيروت1980، ص:118 Hawmīrūs, al ‘Ilbadhah wal ‘Awdysah, (Al Dār al Miṣriyyah al Lubnāniyyah), p:28,29, Ibrāhīm Shahlūb, Al ‘yūn fī al Qiṣaṣ al Sho’abī, (Beurit: 1980), p:118
  14. الإصحاح الثالث، سفر العدو، الإصحاح الثاني، سفر يشوع Al ‘Iṣḥāḥ al Thālith, Safar al ‘Adw, Al ‘Iṣḥāḥ al Thānī, Safar Yashu’.
  15. للمزيد انظر: يوحنا بنيان، الحرب المقدسة، تعريب: القس فايز عزيز عبد الملك، لجنة خلاص النفوس للنشر، 1998م بيروت، ص 68- 70 Yohanā Bunyān, Al Ḥarb al Muqaddasah, (Beirut: Lujnah Khalās Al Nufūs lil Nashr, 1998), p:68-70
  16. ابن منظور، لسان العرب، مادة (جسس) Ibn Manẓuwr, Lisān al ‘Arab
  17. سورة الحجرات: 12 Surah al Ḥujarāt, 12
  18. أنظر لمزيد من التفاصيل تحت آية الكريمة في :الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت،لبنان،ط2، 1972م. Al Ṭabarī, Muḥammad bin Jarīr, Jami’ al Bayān fī Tafsīr al Qur’ān, (Beirut: Dār al Ma’arifah lil Ṭ aba’ah wal Nashr, 2nd Edition, 1972),
  19. انظر: عنزي ،علي بن ذريان ، بهجة الأسماع في أحكام السماع في الفقه الإسلامي،مكتبة المنار الإسلامية،2006م ، ص:376 ‘Anzī, ‘Alī bin Dharyān, Bahjah al A’sma’ fī Aḥkām al Simā’ fil Fiqh al Islāmī, (Maktabah al Manār al Islamiyyah, 2006), p:376
  20. سورة الأنفال:60 Surah al Anfāl, 60
  21. انظر:محمد الراشد بقار، إعداد الجيوش في العصر العباسي الأول ، مقال منشور بمجلة الغد، العدد 18 السنة السادسة ، العراق ، 1998م، ص 168، وانظر: صحيح مسلم، كتاب الإمارة.41 - باب ثبوت الجنة للشهيد. Muḥammad al Rāshid Baqqār, I’dād al Juyuwsh fī al ‘Asr al ‘Abbāsī al Awwal, (Iraq: Majallah al Ghad, Vol. 18, 1998), p:168, Ṣaḥīḥ Muslim, Ḥadīth # 41
  22. سورة التوبة:123 Surah al Tawbah, 123
  23. سورة البقرة:216 Surah al Baqarah, 216
  24. انظر:عبد الله علي السلامة، استخبارات العسكرية في الإسلام،مؤسسة الرسالة،بيروت،ط2، 1991م، ص: 111,112 ‘Abdullāh ‘Alī al Salamah, Istikhbārāt al ‘Askariyyah fī al Islām, (Beirut: Moa’ssasah al Risalah, 2nd Edition, 1991), p: 111,112
  25. انظر: علي محمد الصلابي، السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث،دار المعرفة للطباعة والنشر،بيروت،ط 7، 2008م ‘Alī Muḥammad al Ṣalabī, Al Sīrah al Nabawiyyah ‘Arḍ Waqa’i’ wa Taḥlīl Aḥdāth, (Beirut: Dār al Ma’rifah, 7th Edition, 2008)
  26. كامل سلامة الدقن، دولة الرسول من التكوين إلي التمكين، دار عمار، 1999م،ص:218 Kāmil Salamah al Daqn, Dawlah al Rasūwl min al Takwīn I’lā al Tamkīn, (Dār ‘Ammār, 1999), p:218
  27. محمد الصادق عرجون، السيرة النبوية، القاهرة، 1978م، 1:40 Muḥammad Ṣādiq ‘Urjūn, Al Sīrah al Nabawiyyah, (Cairo: 1978), 1:40
  28. ابن كثير، السيرة، 1:429 Ibn Kathīr, Al Sīrah, 1:429
  29. صالح الشامي، من معين السيرة النبوية، دمشق 1988م، ص: 80 Ṣaliḥ al Shāmī, Min Mu’īn Al Sīrah al Nabawiyyah, (Damascuss: 1988), p:80
  30. انظر: ابن هشام، السيرة النبوية، 1:236 Ibn Hishām, Al Sīrah al Nabawiyyah, 1:236
  31. د.الغضبان، المنهج الحركى للسيرة النبوية، دمشق، 1990م، 1:98 Dr. Al Ghaḍbān, Al Manhaj al Ḥirakī lil Sīrah al Nabawiyyah, (Damascuss: 1990), 1:98
  32. الإسراء:85 Surah al I’sra’, 85
  33. راجع: عبد الله الشرقاوي، اليهود في السنة المطهرة، بيروت، 1999م، 1:188 ‘Abdullāh al Sharqāwī, Al Yahūd fī al Sunnah al Muṭahharah, (Beirut: 1999), 1:188
  34. انظر حديث: مسلم عن أم أيمن، 3:1392 Ṣaḥīḥ Muslim, 3:1392
  35. انظر: أحزمي سامعون، الهجرة في القرآن الكريم، مكتبة الرشد الرياض، ط1، 1996م، ص: 290,291 Aḥzamī Sāmi’ūn, Al Hijrah fī al Qur’ān al Karīm, (Riyadh: Maktabah Al Rushd, 1st Edition, 1996), p:290,291
  36. طبقات ابن سعد، 1:204 Ṭabqāt Ibn Sa’ad, 1:204
  37. تاريخ الطبري، 2:329 Tārīkh al Ṭabarī, 2:329
  38. عيون الأثر، 1:116 ‘Uyūn al Athar, 1:116
  39. زاد المعاد، 3:23 Zād al Ma’ād, 3:23
  40. شرح المواهب، 1:271 Sharh al Mawahib, 1:271
  41. ارجع إليهم في البداية والنهاية، 3:96,97، وسيرة ابن هشام، 1:344-352 Al Bidāyah al Nihāyah, 3:96,97, Ibn Hishām, Al Sīrah, 1:344-352
  42. الأنساب للبلاذري، 1:156-198، ابن هشام، 1:392-396 Al Baladharī, Al Ansāb, 1:156-198, Ibn Hishām, Al Sīrah, 1:392-396
  43. انظر: الهجرة الأولى في الإسلام، ص: 37 Al Hijrah al O’ūla fī al Islām , p:37
  44. محمد بن عبد الوهاب،مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وزارة الشؤن الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد،المملكة العربية السعودية،ط1 ،1418هـ، ص: 90 Muḥammad bin ‘Abdul Wahhāb, Mukhtasar Sīrah al Rasūwl, (K.S.A: Ministry of Islamic Affairs, Dawah and Guidance, 1st Edition, 1418), p:90
  45. السيرة النبوية، 1:294، وعازوا قريشا: أي غلبوهم Al Sīrah al Nabawiyyah, 1:294
  46. السيرة النبوية لابن هشام، 1:365 Al Sīrah al Nabawiyyah, 1:365
  47. صبأ: خرج من دين إلى آخر: القاموس المحيط، باب الهمزة، 1:20 Al Qāmūs al Muḥīṭ, 1:20
  48. طلح: أعيا
  49. محمد بن يوسف الصالحي، سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، ت:مصطفى عبد الواحد، المجلس الأعلي للشؤن الإسلامية، 1418هـ، 2:498,499 Muḥammad bin Yūsaf al Ṣaliḥī, Subul al Hūda wal Rishād fī Sīrah Khayr al ‘Ibād, (Al Majlis al ‘Ala lil Shu’ūn al Islamiyyah, 1418), 2:498,499
  50. محمد سيد الوكيل،تأملات في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، دار المجتمع للنشر والتوزيع،جدة ،ط3، 1995م، ص 59، وأحزمي سامعون جزولي، الهجرة في القرآن الكريم، ص: 302 Muḥammad Sayyid Al Wakīl, Ta’mmulāt fī al Rasūl, (Jaddah: Dār al Mujtami’ lil Nashr wal Tawzī‘, 3rd Edition, 1995), p: 59, Aḥzamī Sāmi’ūn, Al Hijrah fī al Qur’ān al Karīm, p:302
  51. انظر: محمد الطيب النجار، السيرة النبوية، دار الإعتصام، 1980م، ص:77، ومحمد النجار، القول المبين في سيرة سيد المرسلين، دار الندوة الجديدة، بيروت، 1968م، ص:111 Muḥammad al Ṭayyib al Najjār, Al Sīrah al Nabawiyyah, (Dār al I’taṣām, 1980), p:77, Muḥammad al Najjār, Al Qawl al Mubīn fī Sīrah Sayyid al Mursalīn, (Beirut: Dār al Nadwah al Jadīdah, 1968), p:111
  52. راجع في ذلك: البخاري حديث رقم: 2602 Ṣaḥīḥ Bukhārī, Ḥadith # 2602
  53. انظر: ابن هشام، السيرة، 2:18 Ibn Hishām, Al Sīrah al Nabawiyyah, 2:18
  54. (السرية في المدينة تعني: هي إعداد وتخطيط للهجرة ،فالسرية في مثل هذا الوقت كان مهم جدا.) انظر: ابن هشام، السيرة، 1:441، وللمزيد انظر: محمد مسعد ياقوت، السيرة النبوية، دار السلام، القاهرة، 2015م، ص: 200,201 Ibn Hishām, Al Sīrah al Nabawiyyah, 1:441, Muḥammad Mus’id Yāqūt, Al Sīrah al Nabawiyyah,(Cairo: Dār al Salām, 2015), p:200,201
  55. د. عبد الرحمن البر، الهجرة النبوية المباركة، دار الطبع والنشر الإسلامية ،القاهرة، 2000م، ص61 ‘Abdul Reḥmān al Barr, Al Hijrah al Nabawiyyah al Mubarakah, (Cairo: Dār al Ṭab’ al Islāmī, 2000), p:61
  56. المرجع السابق، ص: 62، والمقريزي، أمتاع الأسماع، دار القلم، 1996م، ص: 201 Ibid., p:62, Al Maqrayzī, Amta’ al Asma’, (Beirut: Dār al Qalam, 1996), p:201
  57. منير محمد الغضبان، التربية القيادية، دار الوفاء المنصورة، مصر، 1998م، 4:109,110، الهجرة النبوية، ص: 67 Munīr Muḥammad al Ghaḍbān, al Tarbiyyah al Qiyadah, (Egypt: Dār al Wafā’ al Mansūwr, 1998), 4:109,110, Al Hijrah al Nabawiyyah al Mubarakah, p:67
  58. د. عبد الرحمن البر، الهجرة النبوية، ص: 95، انظر: على سبيل المثال: سيرة ابن هشام، 2:23-38 ‘Abdul Reḥmān al Barr, Al Hijrah al Nabawiyyah al Mubarakah, p:95, Ibn Hishām, Al Sīrah al Nabawiyyah, p:2:23-38
  59. انظر: ابن هشام، السيرة، 2:61 و د. أكرم العمري، السيرة النبوية الصحيحة، مكتبة العلوم والحكم المدينة المنورة، ط1. 1992، 1:199,200 Ibn Hishām, Al Sīrah al Nabawiyyah, p:2:61, Akram al ‘Umarī, Doctor, Al Sīrah al Nabawiyyah al Ṣaḥīḥah, (Madīnah: Maktabah al ‘Ulūwm wal Ḥikam, 1st Edition, 1992), p: 1:199,200
  60. منير محمد الغضبان، التحالف السياسي في الإسلام، بيروت، 1992م، ص: 96 Munīr Muḥammad al Ghaḍbān, Al Taḥaluf al Siyāsī fīl Islām, (Beirut: 1992), p:96
  61. سورة النمل:16Surah al Namal, 16
  62. سورة النمل:22Surah al Namal, 22
  63. سورة النمل:22Surah al Namal, 22
Loading...
Issue Details
Id Article Title Authors Vol Info Year
Id Article Title Authors Vol Info Year
Similar Articles
Loading...
Similar Article Headings
Loading...
Similar Books
Loading...
Similar Chapters
Loading...
Similar Thesis
Loading...

Similar News

Loading...