Search from the Journals, Articles, and Headings
Advanced Search (Beta)
Home > Journal of Islamic and Religious Studies > Volume 1 Issue 2 of Journal of Islamic and Religious Studies

محاورة المرسلين مع أهل القرية دراسة بلاغية تحليلية فى آيات من سورة يس |
Journal of Islamic and Religious Studies
Journal of Islamic and Religious Studies

Article Info
Authors

Volume

1

Issue

2

Year

2016

ARI Id

1682060030498_1185

Pages

77-90

Chapter URL

https://jirs.uoh.edu.pk/index.php/JIRS/article/view/10.12816%2F0033345

Subjects

Sūrah Yāsīn Sūrah Qasas Rhetoric Exegesis Scientific Consequences

Asian Research Index Whatsapp Chanel
Asian Research Index Whatsapp Chanel

Join our Whatsapp Channel to get regular updates.

التمهيد

إن القرآن المجيد معجزة نبوة رسولنا محمد –صلى الله عليه وسلم- نزل بلسان عربي مبين، وحيث أن القرآن معجزة النبوة، وجب أن لا يمكن لكائن من كان، أن يأتي بمثله، وهذا ما تدل عليه آيات الإعجاز والتحدي. فالقرآن العظيم أعجز ببلاغته أساطين البيان، ممن نزل فيهم القرآن فلم يقدروا على أن يأتوا بسورة من مثله فقد تميز القرآن العظيم بلفظه، ونظمه، ومعانيه، تميزا أعجز عباقرة الفصاحة[1].

فنظم القرآن نظم فريدٌ، مميز، لكونه نابغ من فيض الألوهية يقول سبحانه –تعالى-: "قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا"[2].

وموضوع إعجاز القرآن وبلاغته تتطرق إليه من قبل وأسهب فيه ابن قتيبة يقول في هذا الصدد: "وللعرب المجازات في الكلام، ومعناها: طرق القول ومآخذه. ففيها الاستعارة: والتمثيل، والقلب، والتقديم، والتأخير، والحذف، والتكرار، والإخفاء، والإظهار، والتعريض، والإفصاح، والكناية، والإيضاح، ومخاطبة الواحد مخاطبة الجميع، والجميع خطاب الواحد، والواحد والجميع خطاب الاثنين، والقصد بلفظ الخصوص لمعنى العموم، وبلفظ العموم لمعنى الخصوص مع أشياء كثيرة، وبكل هذه المذاهب نزل القرآن"[3].

ومن هذا المنطلق يركز هذا البحث على بضع آيات من سورة يس؛ لأنها على قصرها وإيجازها، قد اشتملت على ما ينادي على عظيم إعجازها، ونحن نذكر وجوهاً مما فيها من الألفاظ البديعة الرائقة التي اقتضت بها أن تكون مبهجة، والمعاني المُنيعة، وأساليب علم البيان الفائقة التي اقتضت بها أن تكون معجزة.

قال الله –تعالى-: "وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ % إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ % قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ % قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ % وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ "

الضرب فى-أصل اللغة-: إمساس جسم جسماً بعنف، وإذا قرن بحرف الجر "فى" يكون معناه: "السير" كما فى مثل قوله -تعالى-: "وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فى الأَرْضِ..."، والمقصود به هنا: التمثيل، فمعنى: اضرب لهم مثلا: مثل لهم مثلا، والمثل: القصة العجيبة[4]، ولذلك فالتنكير فى قوله -تعالى-: "مثلا" للدلالة على ما فيه من بعد وغرابة تستدعى العجب تفخيما وتعظيما.

وقد قدم بعض المتعلقات على بعض نظرا لأهمية المقدم، إذ حق الجملة أن تكون: "اضرب مثلا لهم" فقدم الجار والمجرور على المفعول للنداء على أن المثل المضروب لا يقصد لذاته، وإنما يساق للعبرة وللعظة، فالكلام يستهدف "كفار مكة".[5]

وقد جرى التعبير عنهم بضمير الغيبة أو ما فى مقامه[6] للدلالة على أنهم غائبون عن الوعى الصحيح والعقل السليم، وأنهم لا وجود لهم فى ساحة الإيمان، فوجودهم فى الدنيا كلا وجود؛ لأنهم لم ينتفعوا بما فى الكون من دلائل على وجود الخالق –عزوجل-.

"أصحاب القرية" ، فى ذكر "القرية" هنا ما يوجه الذهن إلى (أم القرى)[7] وهي (مكة المكرمة)، وكان يطلق عليها قرية، فما أشبه الليلة بالبارحة!!.

ومع أن "أصحاب القرية" على نية حذف المضاف إذ التقدير "مثل أصحاب القرية" ، لكن الذكر فى مثل هذا الموضع عبء يثقل به الكلام ويذهب ماؤه ، ولا تجد له من اللطائف والدقائق ما تجده له مع الحذف ، ومثل هذا الحذف عند تعين المحذوف من بلاغة الكلام العربي ووجوه حسنه.

"إذ جاءها المرسلون" أي فى وقت مجىء المرسلين إليها ، ومع أن الكلام يجوز فيه أن يقال: "إذ جاءهم المرسلون" لكنه يفتقد الدلالة على أن الرسل قد أتوهم فى مقرهم، وعقر ديارهم،[8] أما التعبير القرآني فيدل عليه، معنى هذا أن أهل القرية لم يكلفوا أنفسهم شيئا ، وأن الرسل قد سعوا إليهم ، لكنهم من أسف ظلوا سادرين على ما هم عليه ، وهذا يقتضي ذم أمرهم وتقبيح شأنهم.

ثم انظر إلى التناغم بين أول الآية وآخرها، فإذا كان فى بدئها قد قدم "المرسل إليه" وهم كفار مكة المعبر عنهم بـ (لهم) فى قوله -تعالى-: "واضرب لهم مثلا" على ما عداه، فقد كان فى الختام مثل ذلك فى قوله -تعالى-: "إذ جاءها المرسلون" فقد قدم "المرسل إليه" وهو ضمير القرية التي هي محل القوم على ماعداه.

"المرسلون" جمع، والجمع أقله ثلاثة، والمرسلون فى بداية أمرهم كانوا رسولين اثنين، فلم عبر هنا عنهما بالجمع؟ والجواب: أن فى الجمع من الدلالة على إصرار أهل القرية على الكفر ما ليس فى المثنى، فلو زاد عدد الرسل وبلغ عددهم عدد المرسلين جميعا ما تغير موقف أصحاب القرية؛ لأن الله قد ختم على قلوبهم وعلى أسماعهم، وجعل على أبصارهم غشاوة فلا يبصرون طريق الإيمان.

والمراد بـ "القرية": قرية "أنطاكية"[9] تقع على مقربة من ساحل البحر الأبيض المتوسط وكانت معقلا من معاقل الوثنية أيام سيدنا عيسى-عليه السلام- وهي الآن تتبع تركيا.

" إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ " فيما روى من قصة هذه القرية مع المرسلين[10] نرى أن عيسى -عليه السلام- هو الذي أرسل الرسولين من حوارييه، وهو الذي عززهما بالثالث فما معنى إسناد الإرسال إلى الذات العلية فى "أرسلنا"؟

والجواب : أن فى إسناد الإرسال إلى الذات العلية دلالة على أن الرسل ما جاءوا القرية من تلقاء أنفسهم، وإنما جاءوها بأمر من الله، ويفهم من هذا أن رسول رسول الله رسول الله.[11]

لو جرى الكلام على ما يتوهمه المخاطب لقيل: "إذ أرسلنا إليها" ليتلاءم مع قوله -تعالى- قبل" إذ جاءها" لكن لكل مقام مقال، ولكل كلمة مع صاحبتها مقام، فالمتعلق به هنا (الإرسال)، والمتعلق به هناك "المجئ"، وفرق بين "المجئ" و "الإرسال" فالمجئ إلى القرية فيناسبه "إذ جاءها"، أما الإرسال فإلى أهلها وساكنيها فيناسبه "إذ أرسلنا إليهم".[12]

المراد بـ "اثنين": "برنابا، وبولس" على ما قيل،[13] ولم يكن الرسول واحدا-مثلما بعث رسول الله-صلى الله عليه وسلم- (معاذا) و (أبا موسى الأشعري) إلى أهل اليمن-لأن الاثنين من الرسل يقومان مقام شاهدين " وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ[14] وذلك ليكون قولهما عند عيسى- عليه السلام- حجة تامة على أهل القرية "لئلا يكون للناس على الله حجة".

"فكذبوهما": المكذبون سكان "أنطاكية" من اليهود واليونان.

"فعززنا بثالث" كان من مقتضى السياق أن يقال: "فعززناهما بثالث"، فلم ترك ذكر المفعول به؟ يجيب على ذلك العلامة الزمخشري فيقول: لأن الغرض ذكر "المعزز به" وهو: شمعون، وما لطف فيه من التدبير حتى عز الحق وذل الباطل، وإذا كان الكلام مُنْصَبّاً إلى غرض من الأغراض جعل سياقه له، وتوجُّهه إليه، كأن ما سواه مرفوض مطرح، ونظيره قولك: حكم السلطان اليوم بالحق، الغرض المسوق إليه: قولك "بالحق"، فلذلك رفضت ذكر المحكوم له والمحكوم عليه.[15]

مقارنة بين آيتين

الآية الأولى قوله -تعالى- هنا: " إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ " والآية الثانية قوله -تعالى- فى قصة موسى -عليه السلام-: " قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ...".[16]

إذا نظرت إلى الآيتين وجدت أن المفعول قد ذكر فى إحداهما وحذف فى الأخرى، ذكر فى قوله -تعالى-: (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ)، وحذف فى قوله -تعالى-: (فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ)، مع أن هناك تشابها إلى حد كبير بين الآيتين، فكلاهما فى قصة نبي من أنبياء الله من أولى العزم، الأولى فى قصة سيدنا عيسى -عليه السلام-، والثانية فى قصة سيدنا موسى -عليه السلام-، وكلاهما فى شأن التعزيز برسول لحمل القوم على الإيمان، إلا أن محور الحديث فى قصة سيدنا موسى هو نفسه حينما اختاره الله –عزوجل- رسولا إلى فرعون، إذ تخوف موسى -عليه السلام- فقال: " رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ".[17]

وطلب من ربه أن يعزز موقفه بإشراك أخيه معه فى الرسالة: " وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ "[18] فكان الملائم لهذا السياق وللمقام أن يقال: " سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ[19] لأن الغرض من إرسال هارون –عليه السلام- هو تقوية موسى -عليه السلام-.

أما الحديث فى قصة رسل سيدنا عيسى -عليه السلام- مع أهل القرية فرمز للصراع بين الحق والباطل بغض النظر عن الأشخاص، وليس أدل على ذلك من عدم التصريح بأسمائهم مع أنهم أقرب عهدا برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، من موسى وهارون -عليهما السلام-، لأن المقصود ليس ذوات الرسل، وإنما ما رمزوا إليه من الحق المتمثل فى الرسالة، فكان الغرض تقوية الحق، فلم تكن هناك حاجة لذكر المفعول فجاء قوله -تعالى-: "فعززنا بثالث" مجردا عنه.

على أن موسى و هاورن -عليهما السلام- قد اشتركا فى دعوة واحدة، فكل منهما يكمل دور الآخر وإن كان موسى -عليه السلام- هو الأصل، و هارون تابع له، أما رسل عيسى -عليه السلام- فقد كان كل واحد منهم مستقلا فى الدعوة، يقول الفخر الرازي فى بيان الفرق بين الآيتين: موسى -عليه السلام- كان أفضل من هارون –عليه السلام-، وهارون –عليه السلام- بعث معه بطلبه حيث قال: "فأرسله معي"، فكان هارون –عليه السلام- مبعوثا ليصدق موسى –عليه السلام- فيما يقول، ويقوم بأمره، وأما هما[20] فكل واحد مستقل ناطق بالحق، فكان هناك[21] المقصود تقوية موسى –عليه السلام- وإرسال من يؤنس معه وهو هارون، وأما ههنا[22] فالمقصود[23] تقوية الحق فظهر الفرق.[24]

فالمقام والسياق قد اقتضيا ذكر المفعول فى قصة موسى -عليه السلام-، وهما-أيضا-قد اقتضيا حذفه فى الحديث عن رسل عيسى -عليه السلام-، وهكذا ما يزاد فى كتاب الله حرف ولا ينقص إلى لفائدة وحكمة.

"فقالو: إنا إليكم مرسلون": القائل فى مثل هذا الموقف يكون واحدا، فلو قدم مثلا على قوم، فالعادة جرت بأن يتكلم أحدهم فما معنى نسبة القول لهم جميعا؟.

والجواب: لا يضر-كما يقول صاحب روح المعاني- "نسبة القول إلى الثلاثة سكوت البعض إذ يكفى الاتفاق"،[25] أي ينـزل سكوت بعضهم منـزلة قولهم لاتفاقهم التام مع من تكلم منهم.

" قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ " الفصل بين هذه الآية وبين ما قبلها لما يسمى بـ (شبه كمال الاتصال)، وقد نبه إمام البلاغة على أن الذي تراه فى القرآن الكريم من لفظ "قال" مفصولا فهو من قبيل هذا اللون، فقد جرت العادة فى أنفس المخاطبين إذا قيل: دخل قوم على فلان فقالوا: كذا، أن يقول هؤلاء المخاطبون: فما قال هو؟ فيقول المتكلم مجيبا: قال: كذا، فأخرجت الآيات هذا المخرج؛ لأن الناس خوطبوا بما يتعارفون.[26]

وقد جاء لفظ "قالوا" مفصولا فى قصة رسل سيدنا عيسى -عليه السلام- مع قومهم فى أربعة مواضع على النحو التالي:

  1. " قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ..."[27]
  2. " قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ ..."[28]
  3. " قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ..."[29]
  4. " قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ ..."[30]

فكل موضع من هذه المواضع قد فصلت فيه جملة "قالوا" عما قبلها؛ لأن ما قبلها قد تضمن سؤالا وهو: فبم ردوا على ذلك؟ وتصلح الثانية أن تكون جوابا عنه والفصل هنا يطلق عليه-أيضا- الفصل للاستئناف، والجملة المستأنفة -لأنها فى حيز الجواب عن السؤال-تتمكن فى ذهن السامع فضل تمكن، إذ هي محصولة بعد الطلب، والشيء إذا نيل بعد الطلب كان وقعه أحلى فى النفس، وأثره أدوم، من هنا كانت بلاغة الاستئناف.

"ما أنتم إلا بشر مثلنا": فى زعم أهل القرية الباطل أن الرسالة لا تجامع البشرية فالرسول لا يكون من البشر، فإذا صمم المرسلون على موقفهم من أنهم رسل الله[31] فكأنهم يرون فى أنفسهم أنهم من جنس آخر غير جنس البشر، لذلك جاء قول أهل القرية رافضا مثل هذا الخبر رفضا قاطعا حيث قد أكدوا بطريق القصر، يقول صاحب المفتاح: وما قال الكفار للرسل: "إن أنتم إلا بشر مثلنا"[32] إلا والرسل عندهم فى معرض المنتفى عن البشرية، والمنسلخ عنه حكمها بناء على جهلهم أن الرسول يمتنع أن يكون بشرا، أو ما تسمع فى موضع آخر كيف تجد ما يحكي عنهم هناك يرشح بما يتلوث به صماخك من تقرير جهلهم هذا وهو: " مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ "[33] وما أعجب شأن المشركين؟ ما رضوا للنبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكون بشرا، ورضوا للإله أن يكون حجرا.[34]

وإذا كانت "إنما" -كما تقدم- تستعمل فى مقام الأمر المعلوم أو المنـزل منـزلته، فإن النفى والاستثناء يستعمل فى مقام المجهول المنكر أو المنـزل منـزلته "وطريق النفى والاستثناء يسلك مع مخاطب تعتقد فيه أنه مخطىء وتراه يصر، كما إذا رفع لكما شبح من بعيد لم تقل: ما ذاك إلا زيد لصاحبك إلا وهو يتوهمه غير زيد ويصر على إنكار أن يكون إياه".[35]

"مثل" موغلة فى الإبهام، لذلك صح وصف النكرة بها فى قوله -تعالى-: " مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا " فلا مزية لكم علينا توجب اختصاصكم بما تدعونه من الرسالة.

" وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ " قال: "الرحمن" هنا، و "الرحيم" هناك فى بداية السورة فما الفرق بينهما؟ "الرحمن" و "الرحيم" اسمان مشتقان من "الرحمة" على جهة المبالغة[36] والرحمة فى اللغة: رقة فى القلب تقتضي التفضل والإحسان، وإذا وصف بها الباري-عزوجل- فليس يراد منها إلا الإحسان، ولذلك قيل: الرحمة من الله إنعام وإفضال، ومن الآدميين رقة وتعطف،[37] وفى الفرق بين اللفظين تفسيران:

الأول: الرحمن: الذي تعم رحمته جميع خلقه مؤمنهم وكافرهم. والرحيم الذي تخص رحمته عباده المؤمنين، "وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا".[38]

الثاني: الرحمن: المنعم بما لا يتصور صدور جنسه من العباد.

والرحيم: المنعم بما يتصور صدور جنسه من العباد.

ولعل الاختلاف فى معنى "الرحمن" و "الرحيم" راجع إلى اختلاف النظرة، فالمبالغة فى الزيادة إما أن تكون بالنظر إلى اعتبار (الكمية)، وعلى هذا بني التفسير الأول.

وإما أن تكون بالنظر إلى اعتبار (الكيفة) وعلى هذا بني التفسير الثاني.[39]

وتلاحظ مما تقدم استغراق هاتين الصفتين كل معانى الرحمة وحالاتها ومجالاتها، ولذلك لا يوصف بهما مجتمعتين إلا الله-عزوجل-كما فى قوله -تعالى-: " وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ "[40]

ولعل فى اختيار لفظ "الرحمن" هنا ما يشير إلى أن إرسال الرسل لهداية البشرية لون من ألوان رحمته-عزوجل-لأن الرسول رحمة مهداة إلى الناس تباعد بينهم وبين عذاب الله، وتقربهم من رحمته، ومن مظاهر رحمته-عزوجل-بالكافرين أنه لا يعاجلهم بالعقوبة.

وأصل الكلام: "ما أنزل الرحمن شيئا" فزيدت عليه "من"، وليس معنى الزيادة فى "من" خلوها من الفائدة، وإنما معناها: أنها زائدة على الأصل فى تأدية العبارة لمثل هذا المعنى، والفائدة من وراء زيادتها هنا فى النص الكريم (التوكيد) على معنى : ما أنزل الرحمن أي شيء صغيرا أو كبيرا، فالنفى للإنزال بالمرة، فيما يتعلق بأمر الرسالة وفيما يتعلق بغيرها من الأمور، وهذا يعنى نفى اتصال هؤلاء الرسل بالسماء أصلا، ومثل هذا التركيب يتلاءم مع قوله -تعالى- بعد: "إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ".

أما قولنا:"ما أنزل الرحمن شيئا" فيمكن أن يكون المراد: ما أنزل الله شيئا متعلقا بالرسالة أو ما أنزل الله شيئا عظيما كهذا، فلا يتلاءم مع ختام الآية.

وبهذا وضع أهل القرية شبهة من جهة المرسل، بعد ما وضعوا بقولهم السابق: "ما أنتم إلا بشر مثلنا" شبهة من جهة المرسلين تمهيدا لقولهم: " إن أنتم إلا تكذبون".

لذلك جاءوا بالكذب فى صورة المضارع: تكذبون، أي يتجدد منكم الكذب مرة بأنكم مرسلون ومرة بأن قد أنزل عليكم شىء من الرحمن.

وفى مجىء هذا الحكم من أهل القرية على الرسل بطريق الحصر[41] رفض قاطع لما أتى به المرسلون من حجج تدعم موقفهم فى الدعوة إلى الله، فالمراد-كما يقول صاحب المفتاح-

"لستم فى دعواكم للرسالة عندنا بين الصدق وبين الكذب كما يكون ظاهر حال المدعى إذا ادعى، بل أنتم عندنا مقصورون على الكذب، لا تتجاوزونه إلى حق كما تدعونه، وما معكم من الرحمن منـزل فى شأن رسالتكم".[42]

" قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ": فى معاودة الرسل حديثهم مع أهل القرية ما يوحى بطبيعة الرسل فى الدأب على دعوة أقوامهم إلى عبادة الله عزوجل دون سأم أو ملل، كما أن فى هذا القول الكريم ردا على قول الكافرين: (ما أنتم إلا بشر مثلنا)، فهو يقوم مقام قوله -تعالى-" اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ[43] أي لا يمنع مانع من أن يخصنا الله برسالته مع أننا بشر " اللَّهُ يَصْطَفى مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ".[44]

"ربنا يعلم": يجري مجري القسم ، وهو يمين قديمة انتقلها العرب فى الجاهلية فقال الحارث ابن عباد:

لمْ أكُنْ ِمِنْ جُناتِها عَلِمَ اللّــــــه وإنِّي بِحَرِّهِا اليومَ صالِ.

هذا ما أشار إليه الطاهر بن عاشور: "ويظهر أنه كان مغلظا عندهم لقلة وروده فى كلامهم، ولا يكاد يقع إلا فى مقام مهم، وهو عند علماء المسلمين يمين كسائر الإيمان فيها كفارة عند الحنث".[45]

والسبب فى جريان هذا مجري اليمين هو-كما يقول الإمام فخر الدين الرازى-أن من يقول: "يعلم الله" فيما لا يكون، فقد نسب الله إلى الجهل وهو سبب العقاب، كما ،أن الحنث سببه.[46]

ولجريانه مجرى اليمين فقد بنى بناء يدل على التوكيد حيث قدم فيه "المسند إليه " وهو: "ربنا" على الخبر الفعلى، وهذا التركيب -كما سبق- يفيد التوكيد، لكن لما كان تعريضا بغفلة أهل القرية عد من أساليب القصر، قصر فيه "العلم" على "الذات العلية" فلا يتخطاها إلى غيرها، مع جواز تتخطاه إلى غيره فتتصف بغيره كلإرادة.

وإذا كان لفظ "الرحمن" يتلاءم مع "إنزال الرسالة" لأن الرسالة صنف من أصناف الرحمة، فإن توجيه الرسالة إلى قوم دون قوم مما تقتضية الربوبية، لأن الرب-فى الأصل-بمعنى: (التربية) وهو: إنشاء الشىء حالا فحالا إلى حد التمام، وقد سمى الله –عزوجل- بـ "رب العالمين"، لأنه هو المتولى لمصالح العباد ،[47] ولا شك أن فى إرسال الرسل لأهل هذه القرية دون غيرهم مما توجبه مصلحة العباد تفضلا من الله وتكرما.

بين قولين كريمين

القول الأول: "إنا إليكم مرسلون"، من قوله -تعالى- : " إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ".[48]

القول الثاني: "إنا إليكم لمرسلون" من قوله -تعالى-: " قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ "[49]

فإن قلت: لم أثبت "اللام" فى القول الثاني، وأسقطها فى الأول؟

فالجواب: أن القول الأول كان فى أعقاب التعزيز بثالث بعد تكذيب الاثنين، فالمقام مقام تكذيب وإنكار، فالذي يلائمه التوكيد فجاء قوله -تعالى-: "إنا إليكم مرسلون" مؤكدا بثلاثة توكيدات:

1: (إنّ) 2: اسمية الجملة

3: تقديم المتعلق "إليكم" على ماتعلق به (مرسلون)

أما قول الرسل ثانيا: (إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) فقد كان بعد ما رد أهل القرية قول الرسل أولا، وتمادوا فى إنكارهم، ونفوا إنزال الرحمن لشيء، ونسبوهم إلى الكذب، وذلك فى قوله -تعالى-: " قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ"[50] لذلك كان على الرسل أن يزيدوا فى التوكيدات بما يتلاءم مع هذه الزيادة فى الإنكار، فاحتوى كلامهم على خمسة مؤكدات : الثلاثة التي سبقت[51]، وزيد عليها.

1: "ربنا يعلم" الجارى مجرى القسم كما بيناه من قبل.

2: اللام الداخلة على خبر "إن" فى قوله -تعالى- "لمرسلون"

من هنا قال الخطيب: وإن كان حاكما بخلافه وجب توكيده بحسب الإنكار، فتقول : (إنّي صادق) لمن ينكر صدقك، ولا يبالغ فى إنكاره، و( إنّي صادق) لمن يبالغ فى إنكاره وعليه قوله -تعالى- : وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ............ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ "[52]

حيث قال فى المرة الأولى: "إنا إليكم مرسلون" ، وفى الثانية: "إنّا إليكم لمرسلون"[53]

وبناء على ما تقدم تستطيع إدراك الفروق بين هذه الأمثلة : عبد الله قائم، إن عبد الله قائم، إن عبد الله لقائم، وإذا أعملت فى هذا الكلام البصيرة استوثقت - كما يقول صاحب المفتاح - من جواب أبي العباس[54] للكندي[55]

حين سأله قائلا: إني أجد فى كلام العرب حشوا يقولون: (عبد الله قائم) ثم يقولون : (إن عبد الله قائم) ، ثم يقولون "إنّ عبد الله لقائم" ، والمعنى واحد، وذلك أن قال[56]

بل المعاني مختلفة ، فقولهم "عبد الله قائم " إخبار عن قيامه، وقولهم : "إنّ عبد الله قائم" جواب عن سؤال سائل، وقولهم: "إن عبد الله لقائم" جواب عن إنكار منكر لقيامه.[57]

وفي تحليل هاتين الآيتين فرض العلامة الزمخشري سؤالاً ألا وهو: "فإن قلت: لم قيل: "إن إليكم مرسلون" أولا، و: "إنا إليكم لمرسلون" آخراً؟ قلت: لأن الأول ابتداء إخبار، والثاني جواب عن إنكار".[58]. فى قوله هذا نظر؛ لأن قوله –تعالى- " إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ " يدل على إنكار سابق، ولا سيما وقد سبق " أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا "، فلا بد من كلام كُذبا فيه، والجملة ابتدائية هي التي يتلقى بها خالي الذهن، وتكون خلوا من المؤكدات.

17: " وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ" المبين : الواضح الذي لا لبس فيه ، فهو بلاغ مشفوع بالآيات الشواهد على صدق الرسل فيما يقولون من إبراء للأكمة والأبرص وإحياء للموتى ، وقد جاءت هذه الجملة بطريق القصر "النفى والاستثناء" لتواجه قول أهل القرية الذي جاء بنفس الطريق "إن أنتم إلاّ تكذبون"

"وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ" توحي بهذه المعاني:

1: تقرير الدور الذي يقوم به رسل الله وهو تبليغ الرسالة ونصح الأمة ، وليس من حقهم تجاوز ذلك" فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ "[59]

2: إعلان التبرؤ عن العهدة ببقاء القوم على الكفر.

3: إعلان التبرؤ عن المنفعة فى دعوة القوم ، فرسل الله لا يطلبون أجرا على عملهم، ولا يقصدون به إلّا وجه الله، " اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ "[60] ، وفى ذلك حث للكفار على إعمال النظر فى مثل هذه الدعوة الخالصة.

ولو وضعت كلام الرسل هنا إزاء كلام الكفار، لوجدت أن كلام الرسل ينقص كلام الكفار حجرا حجرا، فإذا قال الكفار:" مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ " ، فقد قال الرسل: "ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون ، وما علينا إلا البلاغ المبين" ، فقول الرسل "ربنا يعلم" ينقص قول الكفار:

"وما أنزل الرحمن من شيء" ، وقول الرسل : "إنا إليكم لمرسلون" ينقص قول الكفار : "ما أنتم إلا بشر مّثلنا" ، وقول الرسل : "وما علينا إلاّ البلاغ المبين" يقع فى مواجهة قول الكفار: "إن أنتم إلاّ تكذبون"، وفى تقديم الرسل"ربنا يعلم" فى صدر كلامهم حسن أدب مع الله - عزوجل – يقابله سوء أدب من الكافرين، ثم فى إدماج (إنّا إليكم لمرسلون) مع (ربنا يعلم) فى جملة واحدة إشارة إلى أن نور الرسالة لاغنى له عن المصدر والمنبع وهو الله سبحانه و-تعالى- وأنه لا قيام للرسالة بدون المرسل، وأما قول الرسل: (وما علينا إلّا البلاغ المبين) فيظهر طبيعة المرسلين فى الخلق الحسن، والتواضع الجم، والوقوف عند حدود الرسالة وعدم تجاوزها، بينما الكفار يتطاولون على الرسل - مع أنهم الصفوة المختارة من عباد الله - فيصفونهم بالكذب أقبح الرذائل.

قال العلامة الزمخشري تعليقا على الآية الأخيرة ألا وهي: " وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ" "وإنما حسن منهم هذا الجواب الوارد على طريق التوكيد والتحقيق مع قولهم " وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ " أي: الظاهر المكشوف بالآيات الشاهدة لصحته؛ وإلا فلو قال المدعي: والله إني لصادق فيما أدعي، ولم يحضر البينة؛ كان قبيحا"[61].

قوله: مع قولهم: " وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ" متعلق بقوله: "إنما حسن"، يريد: لولا قولهم: " وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ" لم يحسن قولهم: "ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون"؛ لأن هذا قول العاجز من الدليل الذي لم يبق له متشبث يتشبث به سوى هذه الكلمة، قال في قوله –تعالى- "وادعوا شهداءكم من دون الله" أي: لا تستشهدوا بالله، ولا تقولوا: الله يشهد أن ما ندعيه حق كما يقوله العاجز عن إقامة البينة على صحة دعواه. وحين كان معترفا به وهو أمارة على إقامة البينة فجاز وحسُن؛ لأن البلاغ إنما يكون مبينا إذا كان مؤكداً بالمعجزات الظاهرة والآيات المشاهدة .

نتائج البحث

من خلال هذا البحث وصلت إلى عدة نتائج، من أهمها:

1- الضرب في أصل اللغة إمساس جسم جسماً بعنف، وإذا قرن بحرف الجر "في" فيكون بمعنى السير، والمقصود فيه في قوله –تعالى- "واضرب لهم مثلاً..." التمثيل.

2- جاء التعبير عن مجئ المرسلين إلى أهل أنطاكية بـ "إذ جاءها المرسلون" بدلاً من "إذ جاءهم المرسلون" للدلالة على أن الرسل قد أتوهم في مقرهم، وعقر ديارهم، أي أن أهل القرية لم يكلفوا أنفسهم شيئا، وأن الرسل قد سعوا إليهم.

3- أسند إرسال الرسل إلى الذات العلية في "أرسلنا" رغم أن عيسى –عليه السلام- هو الذي أرسل الرسولين من حوارييه، وهو الذي عززهما بالثالث للدلالة على أن الرسل ما جاءوا من تلقاء أنفسهم وغنما جاءوا بأمر من الله.

4- حذف المفعول به في قول الله –تعالى- "فعززنا بثالث"؛ لأن الغرض ذكر المعزّز به، وهو شمعون، وما لُطف فيه من التدبير حتى عُزَّ الحق وذل الباطل، وإذا كان الكلام مُنصبّاً إلى غرض من الأغراض جُعل سياقه له وتوجُّهه إليه، كأن ما سواه مرفوض مطَّرح.

5- نُسب القول ألا وهو "إنا إليكم مرسلون" إلى الجميع، وجاء التعبير بـ "فقالوا إنا إليكم مرسلون"؛ لأن سكوت بعضهم منـزلة قولهم لاتفاقهم التام مع من تكلم منهم.

6- الجملة القولية – التي تبدأ بـ لفظ "قال" – دائما تكون منفصلة عما قبلها؛ لأنها تكون جواباً عن سؤال تتضمنه الجملة الأولى، ويكون بينهما شبه كمال الاتصال.

7- أثبتت اللام في القول الثاني ألا وهو "ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون"، وأسقط في القول الأول ألا وهو "إنا إليكم مرسلون"؛ لأن القول الأول كان في أعقاب التعزيز بثالث بعد تكذيب الاثنين، فالمقام مقام تكذيب وإنكار، فجاء قول الله –تعالى- مؤكدا بثلاثة توكيدات، أما القول الثاني فقد كان بعد ما رد أهل القرية قول الرسل أولاً، وتمادوا في إنكارهم، ونفسوا إنزال الرحمن لشيء، ونسبوهم إلى الكذب، لذلك كان على الرسل أن يزيدوا في التوكيدات بما يتلاءم مع الزيادة في الإنكار، فاحتوى كلامهم على خمسة مؤكدات.

8- "وما علينا إلا البلاغ المبين" توحي بالمعاني التالية:

ـ تقرير الدور الذي يقوم به رسل الله وهو تبليغ الرسالة ونصح الأمة .

ـ إعلان التبرؤ عن العهدة ببقاء القوم على الكفر.

ـ إعلان التبرؤ عن المنفعة في دعوة القوم، فرسل الله لا يطلبون أجراً على عملهم، ولا يقصدون به إلا وجه الله.

 

حوالہ جات

  1. - ترجمة الأسرار البلاغية التي تنطوي عليها ظاهرة التقديم والتأخير في البيان القرآني، عصمت محمود المصري، الطبعة الأولى، عام 2012م، عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع، إربد- الأردن، ص 253.
  2. - سورة الإسراء، آية: 88.
  3. - تأويل مشكل القرآن، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، الطبعة الأولى، (ب.ت)، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، ص22 .
  4. – الكشاف عن حقائق التنـزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري، تحقيق: يوسف الحمادي، الطبعة الأولى، (ب.ت)، مكتبة مصر، القاهرة- مصر، ج3، ص645.
  5. - على أننا لو نطقنا بالجملة على الأصل فقلنا (واضرب مثلا لهم) نحس بافتقارها لموسيقية النطق، وجمال الأداء، وما عليك إلا أن تقارن هذا بما ورد في التعبير القرآني لتتيقن من ذلك.
  6. - أي الاسم الظاهر فهو من قبيل الغيبة كما في (قوما).
  7. - كما في قوله -تعالى-: " وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا سورة الشورى، الآية:7 .
  8. - لجواز أن يعقدوا مع ممثليهم اجتماعا في مقر إقامة الرسل قد دعوهم إليه.
  9. - أنطاكية بفتح الهمزة، وسكون النون، وكسر الكاف، وفتح الياء (معجم البلدان، شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي، الطبعة الثانية، عام 1995م، دار صادر، بيروت- لبنان، ج1،ص266)
  10. - الكشاف، ج3، ص645.
  11. - مفاتيح الغيب المعروف بـ "التفسير الكبير"، فخر الدين الرازي، الطبعة الأولى، عام 1415هـ/1995م، دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان، ج7،ص66، (رسول) الأولى اسم (أن)، والثانية مضاف إليه، والثالثة خبر أن.
  12. - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، شهاب الدين السيد محمود الألوسي البغدادي، تحقيق: محمد أحمد الأمد، وعمر عبد السلام السلامي، الطبعة الأولى، (ب.ت)، المكتبة الرشيدية، كويته- باكستان، ج22، ص537.
  13. - التحرير والتنوير المعروف بتفسير ابن عاشور، محمد الطاهر بن عاشور، الطبعة الأولى، (ب.ت)، مؤسسة التاريخ، بيروت- لبنان، ج22،ص208.
  14. - البقرة، الآية282.
  15. - الكشاف، ج3،ص646.
  16. - سورة القصص، الآية35.
  17. - سورة القصص، الآية33.
  18. - سورة القصص، الآية34.
  19. - سورة القصص الآية35.
  20. - أي رسولا عيسى -عليه السلام-.
  21. - أي في آية سورة القصص.
  22. - أي في آية سورة يس.
  23. - خالية من الفاء في نسخة التفسير الكبير التي بيدي مع ضرورة وجودها.
  24. - التفسير الكبير، ج7،ص66.
  25. - روح المعاني. ج22، ص538.
  26. - دلائل الإعجاز، عبد القاهر بن عبدالرحمن الجرجاني، تحقيق: محمود محمد شاكر، الطبعة الثالثة، عام 1413هـ/ 1992م، مطبعة المدني، القاهرة- مصر، ص240.
  27. - سورة يس، الآية15.
  28. - سورة يس، الآية16
  29. - سورة يس، الآية18.
  30. - سورة يس، الآية19.
  31. - في مثل قولهم: (إن إليكم مرسلون).
  32. - سورة إبراهيم، الآية10
  33. - سورة يس، الآية15.
  34. - مفتاح العلوم، أبو يعقوب يوسف بن محمد بن علي السكاكي، تحقيق: الدكتور عبد الحميد هنداوي، الطبعة الأولى، عام 1420هـ/ 2000م، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، ص405.
  35. - مفتاح العلوم،ص 405
  36. - هذا هو رأى الجمهور، انظر تفسير القرطبي، ج1، ص103.
  37. - بصائر ذوى التمييز في لطائف الكتاب العزيز، محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، تحقيق: محمد علي النجار، وعبد العليم الطحاوي، الطبعة الثالثة، عام 1416هـ/ 1996م، المجلس الأعلى لشؤون الإسلامية، القاهرة- مصر، ج3،ص83.
  38. - سورة الأحزاب، الآية43.
  39. - تفسير البيضاوي المسمى أنوار التنـزيل وأسرار التأويل، ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر الشيرازي البيضاوي، تحقيق: الشيخ محمد محي الدين الأصفر، الطبعة الأولى، عام 1434هـ/ 2013م، دار المعرفة، بيروت-لبنان، ج1، ص19
  40. - سورة البقرة ، الآية162.
  41. - "الحصر" و "القصر" بمعنى واحد.
  42. - مفتاح العلوم، ص401.
  43. - سورة الأنعام، الآية 124
  44. - سورة الحج ، الآية 75.
  45. - التحرير والتنوير ج22، ص361.
  46. - التفسير الكبير ج7، ص67.
  47. - المفردات في غريب القرآن، أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بـ"الراغب الأصفهاني"، الطبعة الأولى، عام 1418هـ/ 1997م، مكتبة نـزار المصطفى الباز، مكة المكرمة- المملكة العربية السعودية، /رب.
  48. - سورة يس، الآية14
  49. - سورة يس، الآية16
  50. - سورة يس، الآية 15
  51. - وهي (إن) واسمية الجملة ، وتقديم المتعلق.
  52. – سورة يس ، الآية 13:16
  53. - الإيضاح فى علوم البلاغة، جلال الدين محمد بن عبدالرحمن الخطيب القزويني، تحيق: الدكتور أحمد شتيوي، الطبعة الأولى، عام 1435هـ/ 2014م، دار الغد الجديد، القاهرة- مصر، ص38.
  54. - هو محمد بن يزيد النحوي المعروف بـ ( المبرد) صاحب كتاب ( الكامل) ، توفي عام 285هـ
  55. - هو أبو يوسف يعقوب بن اسحاق الكندي فيلسوف العرب توفي عام 253هـ.
  56. - أي أبو العباس المبرد
  57. – مفتاح العلوم،ص259.
  58. - الكشاف، ج3، ص646.
  59. – سورة الرعد، الآية60.
  60. - سورة يس، الآية21
  61. - الكشاف، ج2، ص646.
Loading...
Issue Details
Id Article Title Authors Vol Info Year
Id Article Title Authors Vol Info Year
Similar Articles
Loading...
Similar Article Headings
Loading...
Similar Books
Loading...
Similar Chapters
Loading...
Similar Thesis
Loading...

Similar News

Loading...