Search from the Journals, Articles, and Headings
Advanced Search (Beta)
Home > Journal of Islamic and Religious Studies > Volume 2 Issue 2 of Journal of Islamic and Religious Studies

من خصائص النصانية القرآنية: النسخ |
Journal of Islamic and Religious Studies
Journal of Islamic and Religious Studies

مدخل

منذ أن تطّور "النص" كنظرية جادة في الحَقل اللساني النصي، وبلغ مبلغا عظيما في النقد النصي من خلال أعمال دعاة البنوية وما بعد الحداثة، خلع "النص" لبوسَه القديم، وأخذ يلبس لبوسا جديدا، فتمخضت من خلال تجاوب حركته النقدية والفلسفية بين ميادين الأدب نظريات متتالية تأثر بها الأدب العربي المعاصر، بل جُلَّ ما قيل في سياق التقاء تلك المشارب النقدية النصية بين التراثين؛ العربي والأجنبي كان يعكس الانتكاسة والانبهار تارة، والتطرف مرة أخرى.

هذه الأساليب النصية تنمو وترقى باستظلال حركة التغيير والإنتاجية والإفادة والاستفادة حتى نال بعضٌ منها النصوصَ المقدسةَ، وعانى الباحثون حينئذ من الدفاع عنها للعلاقات الطبعية والنصوصية بينها وبين مفردات "النص"، ولاسيما العلاقات التي تتداخل وتتعالق وتتلاقح وتتجاوب وتتناوب، ومن ثَمَّ رأى كثير من العلماء أن "التناص" لا يمكن أن يأتي في النص القرآني، أو إن "النص القرآني" بعيد عن أي تناص، وبينص، ونصوصية، ونصانية، وتداخل طبعي لساني. والأمر لم يقف لهذا الحد بل تجاوز ذلك حينما رأوا أن علم النص أو نحو النص يرفض المفهوم التقليدي للنص، ويسلِّم زمام أموره للنص التفكيكي والتشريحي، ويغالبه حتى يكاد أن يتغلب عليه، وهذا مما ينقص من قداسة القرآن الكريم، أي: النص القرآني، فقالوا: لا وجود للنصية أو النص في علم القرآن، أي: إن القرآن الكريم بعيد عن تسمية "النص"، لا يصلح كلام الله العليِّ أن يسمى بـ "النص".

إن دراسة نصية النص القرآني وتناصه تكتشف عن علاقات دقيقة، وصلات عميقة بين النص والنصانية، وبذلك لا يكون الأمر محرجا إذا أطلِقَ "التناص" على النص القرآني، ودراسته في سياقات النصية المتناصية. إن النصانية القرآنية لا تعني أبدا أن يتعامل القارئ مع النص القرآني بما يهوي قلبه، بل عليه أن يحتاط بما يلازمه كيلا يتعثر قلمه، ويخطئ لسانه. هناك وجوه عديدة بُنِيَتْ عليها النصانية القرآنية، ولاسيما ما صارت مناط تفسيرات علماء القرآن الكريم والمفسرين للآي القرآنية وتأويلها، ومن المصطلحات الرئيسة التي تربط بين النصين؛ العربي والغربي، وعند توجيه الدراسة إلى النصين؛ النص القرآني والنص الإنساني هو "النسخ" الذي نال قبولا واسعا من المفسرين للتلاؤم العميق بينه وبين سمات "النصانية" وآلياته.

النصانية

فالمصطلح الإنقليزي Intertextuality تترجم بـ "النصانية"، و"التناص"، و"التناصية" وغيرها، هذه الترجمات العديدة عبارة عن منازع مختلفة وتوجهات شتى للعلماء واللغويين والألسنيين ولاسيما النصيين الذين يعيشون "النص" بوصفه بؤرة الشعور لديهم. اخترت الترجمة الأولى من خلال هذه الترجمات لأسباب تالية: كلمة "التناص" توحي بتداخل النصوص، إن مظهر هذه الترجمة يرفض تماما الشعورَ الذي يساير المصطلح الأجنبي، فالشعور النصي هو عيشة النص من أجل النصوص، وعيشة النصوص من أجل عيشة النص، وذلك يكشف عن التلاحق الشعوري واللاشعور بين فونيمات ومورفيمات النص الواحد والنصين المتداخلين والنصوص المتداخلة. وكلمة "التناصية" لا تزيد "التناص" معنى ودلالة سوى النسبة، أما كلمة "النصانية" فإنها تدل على "النصوصية" بجملة معانيها ودلالاتها، نحو التداخل الشعوري، والتداخل اللاشعوري، العلاقات الظاهرة، والصلات الباطنة بين النص وذاته، وبين النصين وذاتهما، وبين النصوص وذواتهما، لأن "النصانية" مكوَّنة من الجزئين الرئيسين: النص + النصية.

فالنص يكون مغلقا، نطاقا ضيقا، أما النصية فإنها تكون مفتوحة، فضاء يشمل طرفي النص؛ الشعور واللاشعور، ما يربط بين النص والنصية هو التداخل بين الفرد وغيره نحو المجتمع والبيئة. أخذا في الاعتبار هذا الفرق الجوهري بين النص والنصية أقول إن ما يجمع بين النص والنصية هو النصوصية القائمة على النصانية المكوَّنة من الجزئين الأساسين: الملفوظ والمدلول، فالملفوظ هو وظيفة الإنسان أو الفرد، بينما المدلول فإنه وظيفة المجتمع الذي يكمن فيه الملفوظ والمعنى المقصود منه، تحمل "النصانية" في حيزه الملفوظ والمدلول، أي: النص والنصية معا. والكيان الذي يخلو من أحد الطرفين؛ الملفوظ، المدلول، النص، النصية يفوته المعنى والدلالة، وهذا المعنى موطن عناية في "النسخ" القرآني للعلاقة الخفية بينه وبين السابق أو اللاحق.

ثنائية دي سوسور؛ اللغة والكلام

ولعل الأمر يكون أكثر وضوحا عندما نراه في إطار الثنائية التي سايرت "النص" المتغير في القرن الثامن عشر عبر تطور مفهوم اللغة، أخذت اللغةُ تنمو كدراسة نظرية لسانية حديثة جاء بها فرديناند دي سوسور Ferdinand de Saussure [1857-1913] عند التمييز بين الأداتين؛ اللغة والكلام، أصبحت اللغة آليةَ المجتمع، أو عبارة عن نظام مكوَّن من انطباعات جماعية، أما الكلام فإنه صار خلاصة انطباعات فردية، وذلك لأن "اللغة لا تستقر في الدماغ إلا بعد عدد لا يحصى من الخبرات، وأخيرا يكون الكلام هو السبب في تطور اللغة: فالانطباعات التي نحصل عليها من الإصغاء إلى الآخرين تتجمع فتؤدي إلى تحوير السلوك اللغوي عندنا. فاللغة والكلام إذن يعتمد أحدهما على الآخر، مع أن اللغة هي أداة الكلام وحصيلته، ولكن اعتماد أحدهما على الآخر لا يمنع من كونهما شيئين متميزين تماما". [1]

نال هذا التفريق الأساسي بين تلك الثنائية اللسانية؛ اللغة والكلام على دعاية كبيرة لدى الألسنيين والنصيين والنقاد حيث بنوا عليها نظرية "البنوية اللغوية"، وجعلوها مذهب دي سوسور ومسيره النقدي اللساني، ثم درس معظم نقاد الحداثة وما بعدها "النصَّ" بصفته خلاصة إنتاجات مقدَّمة، وبدأوا يسمون العملية النصية "النصانية"، وأحيانا "التناصية"، وبصفة أساسية عندما تُرْجِمَ المصطلح الإنقليزي إلى اللغة العربية فسَّرَ المترجمون المحدَثون المصطلحَ بأساليب عديدة حسب رُؤاهم الثقافية الخالصة ومشاربهم النقدية البحتة.

هناك لمحات نصية عديدة، وخصائص لغوية كثيرة، وأشتات لسانية لفيفة تكشف عن أبعاد "النصانية"، أي: نصية النص في القرآن الكريم، إنها توجد بجملة ملامحها وجميع سماتها في النص القرآني، ولاسيما يظهر الأمر عند دراسته على أضواء النصية المعهودة؛ التفكيكية والتشريحية وغيرهما، فالبحث لا يُحْمَلُ على محاولة نقص مرتبة النص القرآني أو النيلِ من قدسيته المسطورة في قلوب الناس.

فـ "النصية Textuality" التي باتت مدخلا لآلية التداخل وعملية التلاحق ورمزية الترابط بين النصوص المتعددة عُرِفَتْ في لسانيات النص بـ "الحوارية الباختينية"، هذه الحوارية المشار إليها في دراسات ميخائيل ميخائلوش باختين Mikael Mikhailovich Bakhtin [2]ما عُنِيَ بها إلا تعبير أو كلام يكون نتاج نظام مستمر، فكل تعبير/كلام يحدث عبر التتابعية والتوافقية بين الكلامين السابق واللاحق؛ الجديد والقديم، ما يوحي بالبناء والهدم، والمزج والهجن، هذه الآلات تكون عمليات قصيرة تؤثر في إيجاد "النص" وبث روح "النصية" فيه، ولا يمكن أن يخلو عنه نص – أيا كان ذلك – يسمى به، وهذه العلاقة بين النص اللاحق أو الجديد والنص السابق أو القديم تكون علاقة طبعية، إنها ليست بنكراء، ولا مجهولة، إنها معروفة ومعهودة عند الألسنيين واللغويين والنصيين مهما يكون النص من النصوص المقدسة أو النصوص البشرية، يقول تزفيتان تودوروف Tzvetan Todorov [1939]:

"الحوارية هي أهم ميزة في الكلام/الملفوظ، أو على الأقل، هي سمة أكثر إهمالا فيه، وهذا هو بُعْدُها الحرفي. فلم يبق مسمى مجهول الاسم أو كلمة لم يستعملها أحد حتى الآن بعد آدم". [3]

هذا التوارث والتناسل بين السابق واللاحق يدل على العلاقة النصانية، أي: العلاقة الطبعية بين شفرات النص وشظاياه التي تشير إليها مسالك نشأة اللغة الإنسانية، فاللغة عند ابن جني [392هـ] عبارة عن "أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم" [4]و"لا شك أن الفضل في نشأة اللغة الإنسانية يرجع إلى المجتمع نفسه وإلى الحياة الاجتماعية. فلولا اجتماع الأفراد بعضهم مع بعض وحاجتهم إلى التعاون والتفاهم وتبادل الأفكار والتعبير عما يجول بالخواطر من معان ومدركَات ما وُجِدَتْ لغةٌ ولا تعبيرٌ إراديٌّ". [5]ومن هنا بدأت اللغة تنطبع بانطباع جماعي، وانقسمت كذلك إلى عينات عديدة للغة نحو اللغة المطلقة/الجماعية، والمعينة/الفردية، ثم خُصِّصَت الأخرى بـ أداة "الكلام" عند اللسانيين... على كل حال ما وصلت إليه دراسات سوسور وتلاميذه البارعين في مذهبه اللساني النقدي هو أن لغة أيا كانت لا تخلو من إشعاعيات التداخل والتثاقف؛ التسريب والإزاحة.

من "النصانية" إلى النصانية القرآنية؛ "النسخ" القرآني

إن "مصالح العباد تتجدد بتجدد الأزمان، وتختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، وأسراره وحكمه سبحانه لا تتناهى، ولا يحيط به سواه، فإذا نسخ حكما بحكم، لم يخل هذا الحكم الثاني من حكمة جديدة غير حكمة الحكم الأول، هي مصلحة جديدة للعباد في الحكم الجديد، أو هي غير تلك. وسبحان من أحاط بكل شيء علما. وإذن فلا يستلزم نسخ الله لأحكامه بداء ولا عبثا". [6]مما جعل المسلم يعتقد أن منظومة "النصانية القرآنية، وهو "النسخ" القرآني قد جرى في القرآن الكريم، بل إنه من لوازم شرائعه وأصوله حيث لا يكتمل بناء المعنى ودلالته دون درك مواطنه فيه، وهذا الأمر لا يوجب الجهلَ بالعواقب على علَّام المغيبات ولا يبيح تجويزَ العبث والحشو الخبير الحكيم.

وهذا النسخ الجاري في كلام الله العلي العظيم يعود بجميع سماته إلى تأطير العلاقات الخافية عبر نظوم النصية التي تحقِّق الاتساق والاتزان في مسير النص أو النصوص في القرآن الكريم، وذلك من أجل رعاية العوامل الاجتماعية والثقافية والنفسية والتربوية واللغوية وغيرها مما تؤثر في أداء فحوى النظم ودلالته، ومن ثَمَّ صار "النسخ" بجملة مزاياه سببا رئيسا لإبراز الإعجاز النظمي للقرآن الكريم، ويمكننا معرفة ذلك الإعجاز النصي في القرآن الكريم الذي بلغ مبلغا عظيما في الحقل النصي وعناصره، لأنه كتاب أنزل بلسان قوم يعرفون مذاقه، ويدركون مساره، ويفهمون مغزاه، ولذلك حينما نزل القرآن الكريم وقفوا حائرين أمام فصاحة لُبِّه، وبلاغة نصّه، لأن كلماته كانت معروفة، وجمله كانت معهودة، وعباراته وفقره كانت مفهومة، ومعانيه ودلالاته كانت مألوفة، وعلى الرغم من ذلك كانوا يشعرون بل يعتقدون بعدم قدرتهم على صنعة لفظية أو معنوية تماثله في وجه من الوجوه البيانية النصية.

يقول الراغب الأصفهاني: "فألفاظ القرآن هي لب كلام العرب وزبدته، وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحِكَمهم، وإليها مَفْزَعُ حُذَّاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم". [7]وبذلك يتحقق إرجاع النص القرآني إلى العلاقات المتداخلة والمستويات المتجاوبة والجوانب المتشابكة لدرك مواطن دلالاته وأهدافه، ولا يشمل "النص" هذه المزايا بمختلف مفاهيمه لاهتمامها بظاهر النص فقط، وما ظفر باهتمام خاص من النظر إلى ظاهر النص وباطنه هو ما جاءت به جوليا كريستيفا Julia Kristeva [8]تحت تشريحيتها الجديدة وتقويضيتها للنصية، فـ "النص" يعني:

"إنه فسيفساء من الاقتباسات/المقتطفات... بالإحالة (الاقتطاع والتحول والتحويل) تارة وبدون الإحالة (التقاطع) تارة أخرى"... [9]

تقول كذلك:

"كل نص يصاغ مثل فسيفساء من الاقتباسات، فكل نص امتصاص وتحول نص آخر". [10]

صرحت جوليا كريستفا بأن "النصانية" لا تقتصر على قضية التأثير بين النصين، لأن آلية التأثير لا تخرج من إطار النصين، ولابد أن يكون أولهما أصلا والآخر فرعا، بينما "النصانية" فإنها لا تعرف أصلا هذا التأثر والتأثير، وكذلك لا تتحدد بوادر دائرته في النصين؛ اللاحق والسابق، بل إنها تشمل النص وتدرس النصيةَ فيه، وتحوي النصين وتحلل النصانيةَ فيهما، وتجمع في كيانها النصوصَ العديدةَ، فتدرس النصوصيةَ والنصانيةَ فيها عبر سمات تعطيها وجودا ذا تهجين. وكذلك لا تذهب "النصانية" إلى عمليات المصدرية والمرجعية الفاعلة في تحييز كياني "النص"؛ القديم والجديد، وتهجينهما ومزجهما عبر التداخل، لأن كل نص يكون في ذاته أصلا وفرعا، وكذلك يكون أداة حُرٍّ، لا يتقيد في شفرة دون شفرة، في شظية دون شظية، وهذه الحرية لا تساير المرجعيةَ والمصدريةَ تماما، فازدواج البؤرة هنا "لا يعني أن دراسة التناص (النصانية) هي دراسة للمؤثرات أو المصادر أو حتى علاقات التأثير والتأثر بين النصوص، ولكنها دراسة تشمل كل الممارسات المتراكمة والأنظمة الإشارية والشفرات الأدبية والمواضعات التي فقدت أصولها، وغير ذلك من العناصر التي تساهم في جعل قراءة النص معبرا لفهم أفقه الدلالي والرمزي. وفي هذا الإطار تشير جوليا كريستيفا إلى أن التناص جملة المعارف التي تجعل من الممكن للنصوص أن تكون ذات معنى".[11]

عند تشريح النص وتفكيك نصيته وتقويض نصانيته أخذت جوليا كريستيفا في الاعتبار مفهوما حديثا للنص أحدث ضجة كبيرة بين الأوساط العلمية ولاسيما القائلين بانغلاق النص وعدم انفتاح النصية والنصانية قائلا إن "النص" هو: "جهاز عبر لغوي يعيد توزيع نظام اللغة، يكشف العلاقة بين الكلمات التواصلية، مشيرا إلى بيانات مباشرة. تربطها بأنماط مختلفة من الأقوال السابقة، والمتزامنة معها. والنص - نتيجة لذلك - إنما هو عملية إنتاجية، مما يعني أمرين:

  1. علاقته باللغة التي يتموقع فيها تصبح من قبيل إعادة التوزيع – عن طريق التفكيك وإعادة البناء – ...
  2. يمثل النص عملية استبدال من نصوص أخرى؛ أي عملية تناص؛ ففي فضاء النص تتقاطع أقوال عديدة مأخوذة من نصوص أخرى مما يجعل بعضها يقوم بتحديد البعض الآخر ونقضه". [12]

فالنص لا يحدث إلا من خلال مروره بالأدوات التي تُفَعِّلُ النص وتملأ فراغه بالمعنى والدلالة، وهذا الإنتاج هو ما يسمى بالنصانية، أي: الفحوى المهجَّنة أو المدلول المزيج للملفوظ بغض النظر عن انغلاقه أو انفتاحه، وهذا التهديم والمزج والبناء في النص يتحقق عبر عملية إعادة البناء، وطريق التفكيك، وعملية الاستبدال، كل جديد إنه قديم إلا أنه جديد بالإضافة إلى ما سبقه، وهذا الاستبدال النصي يحقِّق وجودَه من خلال عملية التقاطع، وهذا التقاطع له صلاحية نافذة في تشكيل النص الحاضر وتجسيده داخل اللغة من طريق قبوله أو رفضه، وفي كلتا الحالين يجب أن يعيش ذلك النص الهادف نصوصا سبقته، وما سبقته يسمى بالنص قياسا عليه، وذلك لا يستلزم الوجودَ لعدم تحديد كُنْه الفضاء النصي، وما يؤيده هو أن اللغة ليست بملفوظات بل إنها رمز للملفوظات البشرية وغيرها.

فالنصانية القرآنية، أي: النسخ النصاني متصف بجميع هذه الآليات النصية، لأن النسخ لا يقتصر على الملفوظ أو المضمون، وكذلك لا ينحصر في دوائر النصين فحسب، ولا يستلزم النسخُ - أيضا - الزمنيةَ، إن النسخ النصاني يتصف بالتداخل الذي يصف النصَّ بصفته لقمةَ أوضاعٍ وأحوال وظروف متصوَّرَ وحداتٍ مسبوكة ومحبوكة، حاضرة وغائبة، شعورية ولاشعورية، هذه البؤرة مؤيَّدة بما أجاب به عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حينما سُئِلَ عن الكناية في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ [ن: 42]، فقال: "إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب".، أما سمعتم قول الشاعر:

صبراً عَنــــــــــــــــــــاقُ إنـه لشِرْبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاقْقد سَنَّ لي قومُكِ ضَرْبَ الأعناقْ

وقامت الحربُ بنا على ســـــــــــــــــــــاقْ

وقال مجاهد: يكشف عن ساق: شدة الأمر". [13]

هنا تنضبط الصلة بين المصحف الذي بين أيدينا وبين ما نزل أو ورد فنُسِخَ، وبين ما كان فرُفِعَ، لا تخلو لغة القرآن الكريم من المداخلة اللفظية الطبعية فيها، هذه المداخلة في مستهلها يسمح للإنسان أن يداخل النصَّ القرآنيَّ، ولكن في الحين نفسه يتحداه مثبتا أنه كلام القادر المطلق، فيعجز الخَلْقُ عن أن يأتي بشيء من مثله.

ومن هذا الإطار يشارك النسخُ النصانيُّ القرآنيُّ النصانيةَ الغربية لاجتماعهما في آلية التداخل والتعالق والتلاحق عبر الارتباط اللفظي والمعنوي، في آلية الغياب والحضور عبر الناسخ المنسوخ، الإثبات والإزالة، التسرب والتسريب، القبول والرفض، فكما لا تُقَيَّدُ النصانية في الألفاظ والكلم والجمل كذلك لا يُحَدَّدُ النسخ النصاني في الألفاظ وأخواته، وكما تثبت النصانيةُ النصَّ كذلك يثبت النسخُ النصَّ، والنصانية تجعل النصَّ أكبر وحدة قد لا تكون له حدود نعقلها كذلك كلام الله العلي العظيم له حدود لا ندركها مهما نحاول في سبيل معرفتها لنصانية النسخ القرآني، وما يؤيد كلامنا هو ما ورد في قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ﴾ [14]أي: "مصون في السماء في اللوح المحفوظ"، [15]﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ. فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ [16]هذه الآية تلت الآيةَ التي تتبين سمةَ الإحاطة بكل شيء لله تعالى، وهذا ما يدل عليه قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ [17]ثم تبلور عن آليات الإحاطة بأسلوب موجز غير مخل مبدوء بـ "بل" للإضراب والانتقال، أي: إنه كلام محفوظ من التغيير والتبديل والزيادة والنقص. [18]ثم بيَّن الله تعالى مباشرة أنه قرآن كريم، محفوظ في لوح وهو كتاب مكنون كما ورد في سورة الواقعة. من يعرف ماذا في اللوح المحفوظ، ومن يعرف ماذا في الكتاب المكنون، لا يعرف ذلك إلا الله الأحد الواحد الصمد الذي لم يكن له كفوا أحد، هذا الجهل منا لا يعني سوى عجزنا وقصورنا عن درك مكامن هذا الكتاب المكنون والمحفوظ في اللوح، مما يعني أن الله تعالى عليم بكل شيء قبل أن كان وبعد أن كان، إنه هو الأول والآخر، الظاهر والباطن، وهذا الذي جعل القرآن الكريم كلاما خالدا محفوظا من الانهيار والتهديم، هذه الآيات تؤدي معنى النصانية بكاملها، أي: أن النص القرآني درر (ملفوظات) متماسكة في نظم مقتصد، لا يفكها نص بشري مهما بلَغ أو فصُح، لأن هذه النظم ليس من صنعة الخلق بل إنه من صنعة الله تعالى، عند نسبته إلى الله تعالى فلا يحتمل النسخ البشري، وعند إرجاع النسخ إلى الملفوظات السابقة الموجودة في الفضاء، وإعتداد تغيير وتبديل في المعنى والدلالة واعتبار احتمال أو احتمالين أو احتمالات متدرجة ومتصاعدة من حين لآخر إنه يحتمل النسخ، وهذا البُعْدُ من النسخ يسمح له فعالية النص وسمة النصانية فيه، وعند اجتماع النص والنصية والنصانية في "النسخ القرآني" يتحول إلى "النسخ النصاني"، لأن وجود النسخ ذاته في النص القرآني لا يتحقق دون تسليم وضعية "النصانية"، وهذا الالتقاء بين النسخ والنص ينتج "النصانية" ثم يصفها بـ "النسخ النصاني القرآني" أو "النصانية القرآنية"، أي: النسخ. وهذا الأمر مؤيَّد كذلك بما ورد حيال التحدي القرآني، لأنه لا يتحقق دون القدرة والتصرف، وهذه القدرة تختص بالقدرة اللغوية واللسانية، والقرآن الكريم نزل بلغة أفصح العرب وأبلغهم، بلسان عربي مبين.

وبرغم ذلك إنه تقرَّرَ وتثبَّتَ أن القرآن الكريم كلام إلهي، لا تضره النصانية، ولا تنقصه النصوصية، بل إنهما تبرزان إعجازه الرباني، لأن "الألفاظ لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة، ولا من حيث هي كلم مفردة، وأن الألفاظ تثبت لها الفضيلةُ وخلافها في ملائمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها أو ما أشبه ذلك مما لا تعلق له بصريح اللفظ". [19]

ومن هنا يصير كل نص وَحْدَة نصوص، أي: تعيش في صدر شعوره أو لاشعوره نصوص أخرى آخذةً أو مأخوذةً، آثارٌ تكون آثارا لأخراها إلى اللانهاية، كل نص يكون مادةً محمولةً نتيجةَ تقلُّبٍ وتفاعلٍ وتردادٍ.

"حياة الكلمة تكون في نقلها من فم إلى فم آخر، من سياق إلى سياق آخر، من إطار جماعي إلى إطار جماعي آخر، من جيل إلى جيل آخر، لا تنسى الكلمة في هذه العملية مسارها الخاص، ولا يمكن أن تهرب بحذافيرها من قوة السياقات الملموسة التي دخلتها". [20]

وكل ما يسمى "كلام" يمر بالمرحلتين الأساسيتين؛ السينتجماتية والبراجماتية، يقول غرام ألن حيال هاتين الوجهتين لوضعية الشفرات اللغوية:

"وضع الشفرات معا في جمل يسمى بـ العملية السينتجماتية/التوفيقية اللغوية؛ بينما اختيار بعض الشفرات من مجموعات ممكنة للكلمات يسمى بـ العملية البراجماتية/ النموذجية والاختيارية اللغوية، ويتم إنتاج اللغة (فونيمات ومورفيمات شفراته) عبر إعمالها من طريقين؛ التوفيقية اللغوية والنموذجية اللغوية". [21]

وهذا الاختيار اللغوي قد تم منذ ميلاد آدم عليه السلام ثم بدأ يتجدد ويستمر بين عهد وآخر حتى أن جاءت كشوفات حديثة في علم النصوص القديمة أو فقه اللغة philology فأكدت أن اللغات لها أصول وجذور، لا تخلو أية لغة من لغات العالم منها، سيرا على هذا النمط الطبعي للغة تأكد أن اللغة العربية أيضا تنتسب إلى لغات سامية مثل أخواتها من اللغة الآشورية والبابلية والفينيقية والأكادية والعبرانية والسريانية والآرامية والحبشية... مما يوحي بعلاقة تغير وتبدل، تقلب وتحول، تسرب وانزياح، ولاسيما منها "اللغتان العبرانية والعربية تحتلان مكانة خاصة بين اللغات السامية كلغتين حيتين يرجع الفضل في إبقائهما إلى التوراة العبرانية والقرآن العربي على الترتيب. ومن مميزات اللغة العربية أنها تشتمل على عناصر قديمة جدا من اللغات السامية الأصلية. وهذا يدل على أن اللغة العربية كانت موجودة في مهد اللغات السامية أو ناحية قريبة منه، أو أن العناصر التي نزحت إلى بلاد العرب، كانت من أقدم الأمم السامية". [22]

هذا الارتباط بين اللغة العربية وأخواتها يؤكد التداخل والتماسك والتجانس والتوافق والتوارد بين الحاضر النصي والماضي النصي لعربية القرآن الكريم وأصولها التي أفرغتها، فالقرآن الكريم مصدر العربية لما بعده بينما مصدر عربيته هو ما سبقه، وهذا ما يدل عليه قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾، [23]جمع القرآن الكريم في حضن عربيته جميع اللهجات العربية من طريق الاختيار والانتقاء حتى صارت لغته (عربيته) انتقائية، والانتقاء لا يتحقق دون دوائر تعالق وتوالد وترابط وإرجاع وإعادة وبناء وهدم، وهذه الانتقائية بلغت ذروة مجدها حتى صارت عربية نظم القرآن الكريم دقيقة ومتينة ورشيقة فلم تقف وجهها لهجة ولا أسلوب ولا لغة بل اللغات واللهجات "بدأت تتبلبل وتضطرب وتنجذب بقوة إلى لغة القرآن حتى اندمجت كلها في لهجته التي هي لهجة الحجاز كما كان ينطقها خاصة أهل مكة". [24]

وهذا أيضا نوع من التداخل، إلا أن الأول وهو عودة لغة القرآن الكريم إلى شقائقها الأولى عبارة عن التداخل الصعودي، بينما تأثير لغته على لغات أو لهجات شاعت في أقطار الجزيرة عبارة عن التداخل النزولي، فالقرآن الكريم وصلة بين هذين التداخلين اللذين صارا رمز اندماج ملفوظات ومضامين، ثبت من تقرُّر التداخل في كيان القرآن الكريم أنه نص علوي لعدم قدرة الخلق على درك كُنْهِ خالقه وقائله، لأنه كلام الله جل وعلا، فقائله ليس بمؤلف ولا كاتب ولا مدوِّن ولا متلق ولا قارئ ولا سامع وهلم جرا، إذا لم تكن هذه الخصائص من صفات عربية القرآن الكريم، وقتئذ قد تكون لغته وعربيته خارجةً عن طاقات البشر وتكون مادة مستحيلة الفهم والإدراك، أو تكون لغته وعربيته مألوفة لدى بني آدم عليه السلام، يفهمه ويدركه، ويستخرج منه ما يطيقه ويحتاج إليه، ويستدل به على مذهبه، ففي الصورة الأولى تخرج عربية القرآن الكريم من خلال لغة البشر وطبائعها، وهذا من المحالات الباطلة، لأن القرآن الكريم نص يعرفه كل من له إلمام قصير أو بسيط باللغة العربية، من يؤمن به أو لا يؤمن به يؤمن بأنه كلام يسير على طبيعته، ألفاظه معلومة، معانيه مفهومة، مضامنيه معهودة، مطالبه ومقاصده مألوفة، كلام أنزل بلغة قومه ليعقلوه ويهتدوا به، وهنا ينمُّ من موطن هذا الرباط بين الطرفين أنه لغة مثل لغة البشر، ألفاظ هي هي، معان هي هي، ولكن الانسجام والارتباط بين مفرداتها وجملها وعباراتها وفقرها وآياتها وسورها وأجزائها يجعلها لغة متعالية، ومن ثم توصف لغته بالتعددية والحوارية، بالنصية والنصوصية، باللانهائية واللاحدودية لخفاء أبعادها ودقائق معانيها لكونها ناجمة عن أحوال ومقامات ثقافية، تاريخية جماعية، لغوية وتركيبية تشكِّل لها وجودا، وتملأها دلالة، وتفرغ لها قالَبا ذا مدلول في نطاق حدود هذا النص المقدس، نظرا إلى هذه الصلة العميقة بين لغة القرآن الكريم وجذورها يناسب القول إنه نص فيه التحام وتعالق يشير إلى شبكة العلاقات فيه على المستوى الصرفي والنحوي والصوتي والمعجمي والدلالي، والنص القرآني من خلال ظواهر هذه السياقات المتضاربة فيه يصير امتدادا للنصانية، ثم نصانية هذا النص المقدس تتقوى بصلته بالنسخ الذي كان معمولا به أثناء فترة نزول هذا الوحي الإلهي، فالنسخ من ضرورات البشر، مما يعني أن هناك تغيير وتبديل، تقليب وتصريف، إرجاع وترديد، إعادة وبناء، انتهى النسخ بانتهاء الفترة، كان النسخ القرآني من مقتضيات نصية القرآن الكريم التي تبلور عن عالميته، وهذه العالمية لم تكن ثابتة بل كانت متغيرة ومتحولة من لحظة لأخرى حتى صارت مرجع إعجاز هذا النص القديس، هذه العلاقة بين النص وأخته علاقة طبعية وفطرية، يقول غرام ألن شارحا هذه العلاقة أو العلاقات النصية بين النصوص: "صارت القراءة مسمى للعملية الجارية بين النصوص. أصبح المعنى شيئا يوجد بين النص (الأمامي/الحاضر) والنصوص الأخرى التي يشير إليه ذاك النص عبر خروجه من (نطاق) النص المفرد إلى شبكة العلاقات النصية. يصير النص نصانيا". [25]

فالمفهوم الجديد للنص الذي بالغ فيه النصيون المحدثون يعود إلى استراتيجية التفكيكية، إنها مبدأ هذا الانقلاب الدلالي في مفهوم "النص"، ما جاء به التفكيك إنه ليس بجديد بأسره، بل جل ما قيل ويقال في إطاره يماثل ويشابه ما قيل ويقال في التراث العربي، ولاسيما في الدراسات التي نشأت وترعرعت في ربوع القرآن الكريم. وهذا الجديد الذي فصل النص الجديد من القديم هو عملية اجتياح وصفة اجتياز فيه، مما توحي بمسير النص متأثرا أو مؤثرا في غيره، وهذا الأمر – طبعا – ما كان غريبا على المحللين النصيين إلا ولم يكن أحد سبق التفكيكيين في دراسة "النص" من هذه الزوايا، بينما يظهر بكل صراحة عند دراسة "النص" في إطار وضعية النص القرآني أنه نص له بقاء واستقلال ودوام وثبوت رغم صلته بما سبقته من القرون وما تلته من القرون وما تليه حتى قيام الساعة، هذا التضارب النصي القرآن الكريم وغيره يجعله نصا لا مغلقا ولا مفتوحا لوضعيته الخاصة به، لأن دوام النص القرآني ومسايرته يعني أنه ليس نصا مغلقا على كلماته ومعانيه المعجمية، وبقاءه وثبوته وعدم صلاحية قبوله التعديل والتغير يعني أنه ليس نصا مفتوحا في معانيه ودلالاته، وهذا الأمر يجعل النص مغيَّرا ومبدَّلا ولكن يعترضه النص القرآني الذي يغير ولا يبدل بل كان ويكون على حاله الأول، وبالرغم من هذا الوصف الثابت إنه يفي ضرورات قارئه وحاجات متلقيه من وقت لآخر، فالنص "لم يعد منذ الآن جسما كتابيا مكتملا، أو مضمونا يحده كتاب أو هوامشه، بل شبكة مختلفة، نسيج من الآثار التي تشير بصورة لانهائية إلى أشياء ما غير نفسها، إلى آثار اختلافات أخرى. وهكذا يجتاح النص كل الحدود المعينة له حتى الآن". [26]

يحمل النص القرآني في مضماره آثار لغة سابقة وماضوية، وهذا الحمل عبارة عن قبول النص شطرا من غيره على سبيل التحول أو التحويل، على سبيل اللزوم أو التعدي، حينما كان باب "النسخ" مفتوحا كان الحمل على وجهين؛ الأخذ والإنتاج، وفي البدء كان النص القرآني يعاد إلى الماضي ويدرس في إضاءات ذاك التفكيك، وهذا الأمر قرَّره أهل النقد والأدب، فاللغة مما توصف بالفطرة والطبعية، لا يصح بالقطع إبعاد "النص" عن فطرتها وطبيعتها، فالنص القرآني تفيد النصية والنصانية من ناحية الإكساب، لا الاكتساب، والإكساب لا يتحقق دون ملء فراغات على سبيل الإعادة التكوينية، لغة القرآن الكريم عبارة عن المعاني والأحوال والشظايا التي سبقتها، ومن هذا المنحى أصبحت هذه اللغة محور دلالات تاريخية وكيانات ثقافية وشفرات بشرية، هذه العملية تعني قضية الإعادة والتوزيع، لكنها لا توجب التأثر أو العودة إلى المرجعية الأولى أو الفرعية لأصل سواها أو استفادة قائلها، لأن الإعادة النصية التي حقَّقت وجود نصية هذا النص المقدس عبارة عن أمر إلهي، والله - جل وعلا - ليس بقارئ ولا متلق ولا كاتب ولا مدوِّن، إنه من صفاته - جل وعلا - فالمنحى الأول يؤيده ما جاء به فارس حيث يقول: "باب القول على أن لغة العرب لم تنته إلينا بكليتها، وأن الذي جاءنا عن العرب قليل من كثير، وأن كثيرا من الكلام ذهب بذهاب أهله: ذهب علماؤنا أو أكثرهم إلى أن الذي انتهى إلينا من كلام العرب هو الأقل، ولو جاءنا جميع ما قالوه لجاءنا شعر كثير وكلام كثير، وأحر بهذا القول أن يكون صحيحا، لأنا نرى علماء اللغة يختلفون في كثير مما قالته العرب، فلا يكاد واحد منهم يخبر عن حقيقة ما خولف فيه، بل يسلك طريق الاحتمال والإمكان". [27]

ما ورد في القرآن الكريم حيال فقه الدين والشريعة والسياسية والمدنية والحضارة والجنس والعبادة والحقوق والمعاملات والمنزل والوقائع والأحداث والردود على الملل الأولى والأمم السابقة والتذكير والإنذار والجنة والنار وهلم جرا "إنما وقع بيان هذه العلوم على أسلوب تقرير العرب الأول، لا على أسلوب تقرير المتأخرين". [28]

فالنسخ النصاني للقرآن الكريم يلمس وجوه العناصر البدوية والحضرية في صنعة الوقائع وصياغة الأحداث، ويتأكد من ذلك أن النص القرآني صيغت على شاكلة السليقة المألوفة لدى أهل اللغة في تبيُّن الأحكام والتدبير المدني والسياسي والمعاملات مع اليهود والنصارى والمشركين وما إلى ذلك، فلكل منها قالَب يحمل في حيزه وُجهتين؛ وجهة حاضرة ووجهة ماضية، هاتان الوجهتان تشكِّلان التهجين السياسي والأسلوبي، يقول الشاه ولي الله تجاه مقادير هذا التهجين: "والكلية في مباحث الأحكام أنه صلى الله عليه وسلم بعث بالملة الحنيفية، فلزم بقاء شرائع تلك الملة، وعدم تغيير في أمهات تلك المسائل سوى تخصيص العموم وزيادة التوقيتات والتحديدات ونحوها، وأراد الله سبحانه وتعالى أن يزكي العرب بحضرة النبي عليه الصلاة والسلام، ويزكي سائر الأقاليم بالعرب، فلزم أن تكون مادة شريعته صلى الله عليه وسلم على رسوم العرب وعاداتهم، وإذا نظرت إلى مجموع شرائع الملة الحنيفية، ولاحظت رسوم العرب وعاداتهم، وتأملت تشريعه صلى الله عليه وسلم الذي بمنزلة الإصلاح والتسوية تحققت لكل حكم سببا، وعلمت لكل أمر ونهي مصلحة. وتفصيل الكلام طويل". [29]

هنا تنجلي الحقيقة النصانية في النص القرآني المعجز الخالد من منظور معرفة أسباب الغموض والإبهام، لأن عدم الوضوح يطالب التفسير والتدليل والتوضيح، وهذا التبيين والتفسير يعبِّر عن الاحتكاك والتضامن بين النص وغيره، وكما لا يعلم أحد عن الأول إلا الله كذلك لا يعلم أحد عن البديل إلا الله، لأن طاقات العقل محدودة، ومقاييسها مرتبكة، وهذا البديل ما لا نعرفه إلا من خلال تحليل النصانية القرآنية، والنموذج الأمثل لدينا في إدراك مغزاه هو "النسخ النصاني" للقرآن الكريم، لأن معاني القرآن الكريم ودلالاته تتجدد بتجدد الظروف والأحوال مما تعني إنها تصلح أن تفي ضرورات الإنسان حتى يوم الساعة، وهذه الصلاحية في عمق هذا النص القديس تكشف عن سمات صلته الجذرية بالنصية والنصانية عبر أسباب تكون باعثة للغموض والإبهام وعدم الوضوح "إن عدم الوصول إلى فهم المراد باللفظ يكون تارة بسبب استعمال لفظ غريب وعلاجه نقل معنى اللفظ عن الصحابة والتابعين وسائر أهل المعاني، وتارة يكون ذلك لعدم تمييز المنسوخ من الناسخ، وتارة يكون لغفلة عن سبب النزول، وتارة يكون بسبب حذف المضاف أو الموصوف أو غيرهما. وتارة لإبدال شيء مكان شيء، أو إبدال حرف بحرف، أو اسم باسم، أو فعل بفعل، أو لذكر الجمع موضع المفرد وبالعكس، أو لاستعمال الغيبة مكان المخاطب، وتارة بتقديم ما حقه التأخير وبالعكس، وتارة بسبب انتشار الضمائر وتعدد المراد من لفظ واحد. وتارة بسبب التكرار والإطناب. وتارة بسبب الاختصار والإيجاز، ومرة بسبب استعمال الكناية والتعريض والمتشابه والمجاز العقلي...". [30]وقد أشير إلى هذه النصانية المحقَّقَة عبر تحليل النسخ القرآني من خلال مقولات ثلاث حصلت على دعاية كبيرة عند النقاد والعلماء، أحدها: مقتضى الحال ودوره في بناء البيان والأسلوب، وثانيها: ضرورة المقال للمقام، وثالثها: ضرورة المقام للمقال.

هذه النصانية القرآنية تتحقق عبر تشريح سبك النص وحبكه، لفظه ومدلوله، والعرب كانوا واعين بهذين الأساسين ودورهما في بناء الملفوظ وصنعة الأسلوب، ويدل عليه باب عقده الإمام الشافعي في "الرسالة" عند الحديث عن السياق اللغوي، وسماه "باب الصنف يبين سياقه معناه"، إنه لم يُعَرِّف "السياق" أصلا ولكنه قد ساق أمثلة كثيرة من القرآن الكريم، نحو قوله تعالى : ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف: 163] ثم قال: فابتدأ جل ثناؤه الآية بمسألتهم عن القرية حاضرة البحر، فلما قال: إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ﴾، دل على أنه إنما أراد أهل القرية، لأن القرية لا تكون عادية ولا فاسقة بالعدوان في السبت ولا في غيره وإنما أراد بالعدوان أهل القرية الذي بلاهم بما كانوا يفسقون، إنه عنى بذلك سياق النص أو ما عبَّر عنه قبل ذلك قائلا: "وتبتدئ العربُ الشيءَ من كلامها يبين أولُّ لفظها فيه عن آخره وتبتدئ الشيءَ يبين آخرُ لفظها منه عن أوله". [31]هذا هو سياق النص الذي يلائم النصانية القرآنية، كذلك يناسبها في معرفة أنظمة نصيته.

فالعلم بالناسخ والمنسوخ من الوجوه الدقيقة، والمواطن الصعبة في فن التفسير، يقول الشاه ولي الله في معرفة الناسخ والمنسوخ: "وما عُلِمَ في هذا الباب من استقراء كلام الصحابة والتابعين أنهم كانوا يستعملون النسخ بإزاء المعنى اللغوي الذي هو "إزالة شيء بشيء"، لا بإزاء مصطلح الأصوليين، فمعنى النسخ عندهم إزالة بعض الأوصاف من الآية بآية أخرى، إمّا بانتهاء مدة العمل، أو بصرف الكلام عن المعنى المتبادر إلى غير المتبادر، أو بيان كون قيد من القيود اتفاقيا، أو تخصيص عام، أو بيان الفارق بين المنصوص، وما قيس عليه ظاهراً، أو إزالة عادة الجاهلية أو الشريعة السابقة"... [32]

استعمل مصطلح "النسخ" عند المتأخرين في أوسع معانيه، وهو الإزالة والإزاحة، مما يدل على نوعية التداخل ونمطية التناصص، لأن الإزالة عند القدماء يكون مثار العلاقة بين النصين؛ السابق واللاحق، وهذه العلاقة تحيط بكلا المنحين الأساسين للنص حيث لا يخلو منهما أي نص بل يكون مزاحا ومزالا مرة ومتغيرا ومتحولا تارة أخرى، هذه العلاقة، أي: الإزالة تعني زوال النص الأول بمجئ النص الثاني، أو تغير دلالة ظاهر النص الأول وتحولها إلى غير ظاهرها على سبيل العموم أو الخصوص، الإطلاق أو التقييد... فلكل آية قرآنية محامل عديدة، وهذه التعددية تعني الدمج والإذابة في أداء معنى أو دلالة سيقت لها الآية، قصده أبو الدرداء رضي الله عنه حينما قال: "لا يكون أحد فقيها حتى يحمل الآية الواحدة على محامل متعددة". [33]وهذا الأمر سبب أصيل في بناء صلة النص القرآني وأجزائه بالعادات المتوارثة والسجايا المألوفة لدى العرب الأُوَل، والقرآن الكريم تابَعه في تقرير تلك المعاني وتنظيم تلك الدلالات وتكوين تلك الأساليب، فلم يبق أسلوب نصه الكريم غريبا على أهل لسانه، لأن جميع أشكاله صارت مطّردة وقياسية لديهم، حتى صارت ألفاظه ألفاظهم، قال تعالى: ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ [34]وكذلك قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ﴾ [35]

والحقيق أن تفسير الآية القرآنية أو الجملة منها أو الفقرة أو النص بكامله يحتاج إلى ترديد عقل وتروية فكر، وهذا الترديد والتروية لا يتحققان دون التفطن في كلام العرب الأوائل الذي أمضى طريقا لدى المفسرين، فالنسخ في الآية يعني الإزالة، أي: إزالة بعض الصفات من الآية الأولى بالآية التي تلتها بات مرمى النصية ومغزى التناصية وخلاصة النصوصية ولب النصانية، وهذا الأمر يتم في النص القرآني من طريق الزمن الديكروني والسينكروني، أي: على مستويين؛ أفقي ورأسي، يتكون أولهما من وحدات نصية صغرى تتألف أجزاؤها على أساس تركيبها النحوي والصرفي، ويتكون آخرهما من وحدات كلية تربط بينها علاقات التشابك المعنوي، والتماسك الدلالي، والتلاحق المنطقي، ومن التقاء كلا الطرفين يصبح النص متشابك الأجزاء، ومتلاقح المطالب، ومتعالق المعاني، ومتثاقف الفحاوى حتى يُعَدَّ "من جملة ذلك شرحُ الغريب وبناؤه على تتبع لغة العرب أو التفطن لسياق الآية وسباقها، والعلم بمناسبة اللفظ بأجزاء جملة وقع هو فيها، فههنا أيضا مدخل للعقل وسعة للاختلاف، لأن الكلمة الواحدة تجئ في لغة العرب لمعان شتى، والعقول مختلفة في تتبع استعمال العرب والتفطن لمناسبة السابق واللاحق، ولهذا اختلفت أقوال الصحابة والتابعين في هذا الباب، وكلٌّ سلك مسلكًا، فينبغي للمفسر المنصف أن يزن شرح الغريب مرتين: في استعمال العرب مرة وفي معرفة أقوى الوجوه وأرجحها ومناسبة السابق واللاحق أخرى، فيعلم أي الوجهين أولى وأقعد بعد إحكام المقدمات وتتبع موارد الاستعمال وتفحص الآثار". [36]

إن عربية القرآن الكريم تعود في استكشاف سمات نصيتها إلى تسميته بالكتاب حينا، والكتاب المبين حينا آخر، فالكتابة والإبانة صارت حجة لهم في إيمانهم به وعليهم في كفرهم وجحودهم، لأنهم "فهموا معنى منطوقه بقريحته جبلوا عليها كما قال: ﴿الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [37]وقال: ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [38]وقال: ﴿أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [39]وكان مرضى الشارع عدم الخوض في تأويل متشابه القرآن، وتصوير حقائق الصفات الإلهية، وتسمية المبهم، واستقصاء القصص، وما أشبه ذلك، ولهذا ما كانوا يسألونه صلى الله عليه وسلم عن شيء من ذلك". [40]

انتبه المفسرون وعلماء القرآن الكريم إلى نصانيته، ومن ذلك لهم في تعريف علم التفسير عبارات تكشف عن خصائص النصية والنصانية وتبين سماتها وتوضح لمحاتها العريقة والعميقة، يقول أبو حيان في تعريف علم التفسير: "هو علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها وأحكامها الإفرادية والتركيبية ومعانيها التي يحتمل عليها حالة التركيب وتتمات لذلك... وقولنا: وتتمات لذلك هو مثل معرفة النسخ وسبب النزول وقصة توضيح بعض ما أبهم في القرآن ونحو ذلك". [41]

ويقول ابن كثير ]774هـ[ في سياق الحديث عن التفسير بالمأثور مجيباً عن قول القائل: "فما أحسن طرق التفسير؟ (فالجواب) أن أصح الطرق في ذلك (التفسير) أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فإنه قد بسط في موضع آخر، فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن، وموضحة له، بل قد قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن... فإن لم تجده فمن السنة... وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة، رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح..". [42]

فالنصانية تُكْسِبُ "الشفرةَ اللغويةَ" المعنى المراد لقيامها بدور فعال في صنعة أنماط النص، وتغذيتها دلالات ومعان تجعلها حوار نصوص أو امتصاص لها من أجل ترحال النصوص في فضاء النص حيث "تتقاطع وتتلاقى ملفوظات عديدة مقتطعة من نصوص أخرى". [43]

ثبت من خلال تحليل "النصانية القرآنية" أن النصية في القرآن الكريم لم تتحقق إلا من أجل تشريحية العلاقة بين النصين؛ الحاضر والغائب، الماضي والحاضر، الآخذ والمأخوذ، المعمول والمهجور، المتقدم والمتأخر، أي: الناسخ والمنسوخ... هذه العمليات المتوالية صارت تؤكد "النسخ" أنبل نموذج للنصوصية القرآنية، وتزيل الشبهات حول وجودها في النص القدِّيس.

الخاتمة

توصل الباحث إلى نتائج تالية أثناء عمله البحث:* النص القرآني مليء بالنصية والنصوصية والنصانية.

  • السبك، أي: الربط النحوي بين أجزاء النص، والحبك، أي: التماسك الدلالي بين أجزاء النص من أسس النصانية القرآنية.
  • المقامية، أي: مناسبة النص لمقتضى الحال من معايير النصانية.
  • النص القرآني مزيج من خصائص النصانية نحو الربط بجملة أبعاده، ومعايير النص بأبعاضه.
  • أدرك المفسرون دور القاعدة النحوية في تجسيد سمات النصية والنصانية فيه.
  • النصانية في القرآن الكريم يُعْتَدُّ من إعجازه النصي.
  • تؤدي النصانية إلى تجلية المعنى القرآني وتوضيح الدلالة القرآنية.
  • يمثل القرآن الكريم كلمة واحدة، كله آخذ بعضه بعضا مما يؤكد على النصانية.
  • النصانية القرآني عبارة عن فضاء كلي يلعب النسخ فيه دوره الفعال.
  • النسخ يستلزم سمات النصانية المعروفة لدى علماء النص.
  • يفوق النسخ في بعض جوانبه "التناص" المعروف.
  • النصانية القرآنية لا تتحدد في مصطلح دون مصطلح، إنها تستطلع وجوده عبر ملاقاة تفعيلات كثيرة، والنسخ القرآني أحد أشكالها.
  • يسمح النسخ القرآني المداخلة النصية والممارسة النصوصية في القرآن الكريم.
  • أوجه الشبه والاختلاف تؤكد على النصانية القرآنية ولاسيما بعد بروز علاقة التعالق/التثاقف بينه وبين النصوص الأخر.
  • النصانية القرآنية أمر طبعي، إنها من الأسس التي تقوم بدور فعال في إبراز صفات هذا الكتاب، وإبانة لمسات فصاحته ولمحات بلاغته.

يحتاج القرآن الكريم إلى بحوث تشريحية وتفكيكية تؤثر في كشف خصائصه وميزاته وصفاته بين النصوص الأخرى.


This work is licensed under a Creative Commons Attribution 4.0 International License.

حوالہ جات

  1. References -فرديناند دي سوسور، علم اللغة العام، ترجمة الدكتور يوئيل يوسف عزيز، مراجعة النص العربي: الدكتور مالك يوسف المطلبي، سلسلة كتب تصدر عن دار آفاق عربية، الأعظمية - بغداد، 1985م، ص 38. وفي تفاصيل منهج دي سوسور النظري ومنزعه النقدي اللغوي راجع أيضا: روي هاريس وتولبت جي تيلر، أعلام الفكر اللغوي التقليد الغربي من سقراط إلى سوسير، تعريب: الدكتور أحمد شاكر الكلابي (مواليد العراق 1950)، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى 2004م، ج 1، ص 255 وبعدها.
  2. - كان باختين مواليد الروس [1895-1975م] في مدينة أوريول Orel ناقدا عملاقا، يحسب من رواد الاتجاه الشكلاني، درس في جامعة أوديسا Odessa University، ثم التحق بجامعة سانت بطر سبورغ الحكومية Petrograd (St Petersburg) University ودرس فيها الآداب القديمة والفيلولوجيا. كان منزعه ومشربه شكلانيا تفكيكيا - لغاية ما - مبكرا ولكنه اكتشف بصفته تفكيكيا بعد أن ترجمت كتاباته إلى اللغة الإنقليزية. وله أعمال كثيرة فمنها ما يلي: مشاكل في شعرية دويفستكي، الفرويدية: الناقد الماركسي، و المنهج الشكلي في نظرية الأدب. Problems in Dostoevsky’s Poetics Freudianism: A Marxist Critique (V.N. Voloshinov, 1927) The Formal Method in Literary Scholarship (P.N. Medvedev, 1928) ينظر: ليون سمفيل، آفاق التناصية، 105. ضمن مقالات د/محمد خير البقاعي، بـ عنوان: "آفاق التناصية" المفهوم والمنظور، وينظر أيضا: Richard J. Lane, Fifty Key Literary Theorists, (Routledge Taylor & Francis Group New York and London 2006), pp. 9-14.
  3. - Tzvetan says: “The most important feature of the utterance, or at least the most neglected, is its dialogism, that is, its intertextual dimension. After Adam, there are no nameless objects, nor an unused word”. Graham Allen, Intertextuality, (Routledge Taylor and Francis Group London and New York, 2nd Edition 2011), p. 27.
  4. - أبو الفتح عثمان بن جني، الخصائص، تحقيق: محمد على النجار. الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة الثالثة: 1406هـ/1986م، ج 1، ص 34. Abu al Fataḥ ‘uthman bin jinny, Al Khaṣaʼiṣ, (Egypt: Al Hayʼat al Miṣriyyah al ‘amah al kitab, 3rd Edition, 1986), 1:36
  5. - على عبد الواحد وافي، علم اللغة، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع القاهرة، الطبعة التاسعة 2004م، ص 96. Aly ‘abd al Waḥid wafy, ‘elm al lughat, (Egypt: Nahḍat Miṣar le al Ṭiba‘ah wa al Nashr wa al Ṭawḍyḥ, 9th Edition, 2006), 96
  6. - د. شعبان محمد إسماعيل، نظرية النسخ في الشرائع السماوية، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة لصاحبها عبد القادر محمود البكارذ، الطبعة الأولى 1408هـ/1988م، ص 30. Dr. Sha‘ban Muḥammad ʼisma‘eyl, Naẓriyyat al naskh fi al sharaʼe‘ al samawiyyah, (Egypt:Dar al salam le al Ṭiba‘ah wa al Nashr wa al Ṭawḍyḥ, 1st Edition, 1988), 30
  7. - أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني [502هـ] المفردات في غريب القرآن، تحقيق وضبط: محمد سيد كيلاني، ص 6. Ḥusain bin Muḥammad Al Raghib al ʼaṣfahany, Al Mufradat fi Gharyb al Qurʼan , 6
  8. - ولدت جوليا كريستيفا في بلغاريا [-1941]، ومنزعها النقدي سميائي، إنها استعملت للمرة الأولى مصطلح "النصانية intertextuality" أو النظرية الكامنة فيها ضمن كتابتها الأولى عن باختين في روسيا، ولها إسهامات عديدة في مجلة تل كل Tel Quel (1960-1983)، إنها ركزت بشكل كبير على السميائية والبنوية (الحداثة)، واللسانية وتحليلاتها النفسية الأدبية. ومن أهم أعمالها: Revolution in Poetic Language ثورة في اللغة الشعرية Desire in Language: A Semiotic Approach to Literature and Art الرغبة في اللغة: مقاربة سميائية في الأدب والفن Powers of Horror: An Essay on Abjection سلطات الرعب: مقالة عن (أزمة) الصراع ينظر: Fifty Key Literary Theorists: pp. 187-192.
  9. - Julia says: “It (text) is a permutation of texts… taken from other texts, intersect and neutralize one another”. Julia Kristeva, Desire in Language: A Semiotic Approach to Literature and Art (The Bounded Text), Edited by Leon S. Roudiez, (Columbia University Press, New York 1980), p. 36.
  10. - Julia writes: “Any text is constructed as a mosaic of quotations; any text is the absorption and transformation of another”. William Irwin, Against Intertextuality: Philosophy and Literature, v28, Number 2, October 2004, (Published by The Johns Hopkins University Press), p. 228. Desire in Language: A Semiotic Approach to Literature and Art (The Bounded Text), p. 66.
  11. - نظرية علم النص رؤية منهجية في بناء النص النثري، ص 195. Naẓriyyah ‘elm al naṣ ruʼyat manhajiyyat fi bina‘ al naṣ al nathry, 195
  12. - د. أحمد عفيفي، نحو النص اتجاه جديد في الدرس النحوي، مكتبة زهراء الشرق - القاهرة، الطبعة الأولى 2001م، ص 28.Dr. Aḥmad ‘afyfy, Naḥw al naṣ ʼettijah jadyd fi al dars al naḥwy, (Cairo: Maktabah Zahraʼ Al Sharq, 1st Edition, 2001), 28
  13. - محمد الطاهر بن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر – تونس، 1984م، ج 29، ص 98. Muḥammad Ṭahir bin ‘ashorah, Tafsyr al taḥryr wa al tanwyr, (Tonas: Al Dar al Tonasiyyah le al nashr, 1984), 29-98
  14. - الواقعة، 77-78. Surah al waqe‘ah, Verse No. 77-78
  15. - أبو إسحق إبراهيم بن السري الزجاج، معاني القرآن وإعرابه، شرح وتحقيق: د. عبد الجليل عبده شلبي، عالم الكتب - بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ/1988م، ج 5، ص 117. ʼibrahym bin al Sirry al zujaj, Ma‘any al Qurʼan wa ʼerabohu, (Beirut: ‘alam al kutub, 1st Edition, 1988), 5:117
  16. - البروج، 21-22. Surah al Burooj, Verse No. 21-22
  17. - البروج، 20. Ibid., 20
  18. - أبو الفضل شهاب الدين السيد محمود الآلوسي البغدادي، روح المعاني، دار إحياء التراث العربي بيروت-لبنان، ج 30، ص 93-94. Maḥmood al ālusy, Ruoḥ al ma‘any, (Beirut: Dar ʼeḥya al turath al ‘araby), 30:93-94
  19. - عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، صحح أصله الشيخ محمد عبده، والشيخ محمد محمود التركزي الشنقيطي، علق عليه السيد محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت – لبنان، الطبعة الثالثة 1422هـ/2001م، ص 48. وقد جاء في نسخة حققه أبو فهر/محمود محمد شاكر: "وأن الفضيلة وخلافَها، في ملائمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها، أو ما أشبه ذلك"... ثم قال المحقق في الهامش تعليقا على العبارة التي نقلناها في المتن أنه غير جيد. ينظر: دلائل الإعجاز، تحقيق: محمود محمد شاكر، الناشر: مطبعة المدني المؤسسة السعودية بمصر، دار المدني بجدة، الطبعة الثالثة 1413هـ/1992م، ص 46. ‘abd al Qahir al Jurjany, Dalaʼil al ʼejaz, (Beirut: Dar al ma‘rifah, 3rd Edition, 2001), 48 Maḥmood Muḥammad Shakir, Dalaʼil al ʼejaz, (Jeddah, Dar al Madny, 3rd Edition, 1992),46
  20. - Intertextuality, p. 26.
  21. - Intertextuality, p. 9.
  22. - د. مظهر معين، حاضر اللغة العربية، قسم اللغة العربية وآدابها، مطبعة جامعة بنجاب، لاهور - باكستان، 2008م، ص 591. Dr. Maẓhar Mu‘yn, Ḥaḍir al lughat al ‘arabiyyah, Qism al lughat al ‘arabiyyah wa ādabuha, (Pakistan: Maktabah University of Punjab, Lahore, 2008), 591
  23. - يوسف، 2. Surah Yousaf, 2
  24. - حاضر اللغة العربية، 595. Ḥaḍir al lughat al ‘arabiyyah, 595
  25. - Intertextuality, p. 1.
  26. - د. عبد العزيز حمودة، المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت 1418هـ/1998م، ص 366-367. وينظر: Harol Bloom, Deconstruction and Criticism, (first published by Routledge and Kegan Paul Ltd 1979), pp: 83-84. Dr. ‘abd al ‘aziz Ḥamodah, Al Maraya al muḥaddabab, (Kawait: ʼalam al Ma‘rafah, 1998), 366-367
  27. - أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها، التعليق والحواشي: أحمد حسن بسج، منشورات محمد على بيضون، دار الكتب العلمية بيروت-لبنان، الطبعة الأولى 1418ه/1997م، ص 36 وما بعدها. وانظر كذلك: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، المزهر في علوم اللغة العربية، ضبطه وصححه ووضع حواشيه فؤاد على منصور، دار الكتب العلمية-لبنان، الطبعة الثانية 2009م، ج 1، ص 53-55. Aḥmad bin Faris, Al Ṣaḥiby fy Fiqh al lughat al ‘arabiyah wa masaʼeluha wa sunan al ‘arab fy kalamiha, (Beirut: Dar al kutub al ‘elmiyah, 1st Edition, 1997), 36 ‘abd al Raḥman bin ʼaby bakar al Syuoty, Al Mazhar fy ʼuloom al lughat al ‘arabiya, (Beirut: Dar al kutub al ‘elmiyah, 2nd Edition, 2009), 1:53-54
  28. - الشاه ولي الله أحمد بن عبد الرحيم العمري الدهلوي [ت 1176هـ]، الفوز الكبير في أصول التفسير، ويليه فتح الخبير بما لابد من حفظه في علم التفسير مع مقدمة التفسير للعلامة الحسين بن محمد بن المفضل الملقب بالراغب الأصفهاني [502هـ]، قديمي كتب خانه – آرام باغ نمبر 1، ص 18. Shah Waly Allah, Alfawz al Kabyr fy ʼuṣol al tafsyr, (Karachi: Qadymy Kutub Khana, āram Bagh No. 1), 18
  29. - الفوز الكبير في أصول التفسير، ص 35-36. Ibid., 35-36
  30. - الفوز الكبير في أصول التفسير، ص 37-38. Ibid., 37-38
  31. - د. ردة الله بن ردة ضيف الله الطلحي، دلالة السياق، جامعة أم القرى، الطبعة الأولى: 1424هـ، ص 42-43. Dr. Riddat Allah bin Riddat ḍyf Allah, Dalalt al siyaq, (jame‘ ʼuom al Qura, 1st Edition, 1424), 23-24
  32. - الفوز الكبير في أصول التفسير، ص 40. Alfawz al Kabyr fy ʼuṣol al tafsyr,40
  33. - الفوز الكبير في أصول التفسير، ص 47. Ibid., 47
  34. - يوسف، 2. Surah Yousaf, Verse No. 2
  35. - الشعراء، 196. Surah al Shu‘raʼ, Verse No. 196
  36. - الفوز الكبير في أصول التفسير، ص 76. Alfawz al Kabyr fy ʼuṣol al tafsyr,76
  37. - الشعراء، 2. Surah al Shu‘raʼ, Verse No.2
  38. - الزخرف، 3. Surah al Zukhruf, Verse No. 3
  39. - هود، 1. Surah Huod, Verse No. 1
  40. - الفوز الكبير في أصول التفسير، ص 37. Alfawz al Kabyr fy ʼuṣol al tafsyr,37
  41. - جلال الدين السيوطي، التحبير في علم التفسير، تحقيق وتقديم: د. فتحي عبد القادر فريد، دار المنار، الطبعة 1406هـ /1986م، ص 36-37. Jalal al Din al Syuoty, Al Taḥbyr fy ‘elm al tafsyr, (Dar al Manar, 1986), 36-37
  42. - ابن كثير القرشي، تفسير القرآن العظيم المعروف بـ تفسير ابن كثير، تقديم: عبد القادر أرناؤوط، دار السلام للنشر والتوزيع – الرياض، الطبعة الأولى 1419-1999، ج 1، ص 20. Ibn e Kathir al Qurshy, Tafsyr al Qurʼan al aẓym, (Riyaḍ: Dar al salam, le al Nashr wa al Ṭawḍyḥ, 1st Edition, 1999), 1:20
  43. - نظرية علم النص رؤية منهجية في بناء النص النثري، ص 217. Naẓriyyah ‘elm al naṣ ruʼyat manhajiyyah fy binaʼ al naṣ al nathry, 217
Loading...
Issue Details
Id Article Title Authors Vol Info Year
Id Article Title Authors Vol Info Year
Similar Articles
Loading...
Similar Article Headings
Loading...
Similar Books
Loading...
Similar Chapters
Loading...
Similar Thesis
Loading...

Similar News

Loading...