Search from the Journals, Articles, and Headings
Advanced Search (Beta)
Home > Rahat-ul-Quloob > Volume 3 Issue 1 of Rahat-ul-Quloob

تأثر الأدب العربي من تعليمات النبي ﷺ دراسة و تحقيقا |
Rahat-ul-Quloob
Rahat-ul-Quloob

Article Info
Asian Research Index Whatsapp Chanel
Asian Research Index Whatsapp Chanel

Join our Whatsapp Channel to get regular updates.

لا يختلف اثنان في أن الأدب هو يتولد من وجدان الإنسان، وقد منح الله سبحانه وتعالى كل إنسان قوة الوجدان وأهليته سواء يكون الإنسان محققا ومفكرا أو جاهلا وعاميا، فأصبحت دائرة الأدب متوسعة جدا، فنجد أحيانا من يستخدمه في حصول للذة وتارة يستعمله في تسكين عواطفه البشرية، وقد نجد من ينوي به إرشاد الناس وإصلاحهم وقد يكون سبب الانقلاب في أحوال الأقوام كلها، فيمكن أن يقال: إن الأدب هو الكلام البليغ، الصادر عن عاطفة مؤثر في النفوس.[1] ولقد منح الله سبحانه وتعالى نبيهﷺ أعلى قوة الوجدان وجوامع الكلم، كما جاء في حديث أبي هريرة،أن رسول اللهﷺقال: بعثت بجوامع الكلم ونصرت بالرعب فبينما أنا نائم أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي، قال أبو هريرةوقد ذهب رسول اللهﷺوأنتم تنتثلونها. (أي تستخرجونها)[2]

 

لا يشك شاك في كلام النبيﷺأنه على قمة الفصاحة والبلاغة وعلى قمة الإيجاز والإعجاز،فلو قلت: أن كلامه في الحقيقة هو مصدر البلاغة والفصاحة فلست مبالغا فيه، ولست أنا وحدي بقول فصاحته وبلاغته بل يؤيدني فيما قلت قول الجاحظ حين يقول عن كلام النبيﷺعن فصاحته وبلاغته وإيجازه وإعجازه، قائلا: "وهو الكلام الذي قل عدد حروفه وكثر عدد معانيه، جل عن الصنعة، ونزَّه عن التكلف، وكان كما قال الله تبارك وتعالى: قل يا محمد : (وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ)[3] فكيف وقد عاب التشديق، وجانب أصحاب التقصير، واستعمل المبسوط في موضع البسط، والمقصور في موضع القصر،وهجر الغريب الوحشي،ورغب عن الهجين السوقي، فلم ينطق إلا عن ميراث حكمة، ولم يتكلم إلا بكلام قد حف بالعصمة، وشيد بالتأييد، ويسر بالتوفيق، وهو الكلام الذي ألقى الله عليه المحبة وغشاه بالقبول، وجمع له بين المهابة والحلاوة، وبين حسن الأفهام وقلة عدد الكلام مع استغنائه عن إعادته وقلة حاجة السامع إلى معاودته".[4]

 

والجدير بالذكر أن كلام النبيﷺكان في غاية العذوبة والحلاوة حتى الناس كانوا يتأثرون في أول وهلة من كلامهﷺ،ويصدق ما ذكرته الحديث الذي جاء في صحيح مسلم، عن ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ أن ضِمَادًا قدم مكة وكان من أَزْدِ شَنُوءَةَ، وكان يَرْقِيْ مِنْ هذه الريح، فسمع سُفَهَاءَ من أهل مكة، يقولون: إن محمدا مجنون، فقال: لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يديَّ، قال فلقيه، فقال: يا محمد إني أرقي من هذه الريح، وإن الله يشفي على يدي من شاء، فهل لك؟ فقال رسول اللهﷺإن «إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ» قال: فقال: أَعِدْ عليَّ كلماتك هؤلاء، فأعادهنَّ عليه رسول اللهﷺثلاث مرات، قال: فقال: لقد سمعتُ قولَ الْكَهَنَةِ، وَقَوْلَ السَّحَرَةِ، وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ، فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ، وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ، قَالَ: فَقَالَ: هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الْإِسْلَامِ، قَالَ: فَبَايَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِﷺ:«وَعَلَى قَوْمِكَ»، قَالَ: وَعَلَى قَوْمِي، قَالَ: فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِﷺ سَرِيَّةً،فَمَرُّوا بِقَوْمِهِ، فَقَالَ صَاحِبُ السَّرِيَّةِ لِلْجَيْشِ:هَلْ أَصَبْتُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئًا؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَصَبْتُ مِنْهُمْ مِطْهَرَةً، فَقَالَ: رُدُّوهَا، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمُ ضِمَادٍ.[5]

 

فرأينا في الحديث أن ضمادا بما أنه كان عارفا باللغة العربية وقيمتها فلم يتردد بقبول كلام الرسولﷺ وهذا كان من نتيجة مدى تأثره من كلام الرسول ﷺ۔

 

ويجدر بي الإشارة إلى أن الأدب العربي تأثر من تعليمات النبيﷺمن ناحيتين:

 

الأولى: أن الأدب العربي تأثر من تعليمات النبيﷺوتأثر الناس منها.

 

والثانية: ما هي العلوم التي زيدت وأضيفت في ثروة الأدب العربي من تعليمات النبيﷺ۔

 

فالمحور الأول هو أن تعليمات النبيﷺكانت كلها شذرات الأدب وفقراتها،حتى صارت أعداءه ﷺ أصدقاء، فهنالك عشرات من الرواية تدل على أن الأعداء أصبحوا أصدقاء، فعمرو بن العاص  الذي عين كسفير من قبل قريش مبعوثا إلى النجاشي ملك الحبشة، لاستيراد المسلمين والمؤمنين منه الذين قد هاجروا إلى بلده، ولكن محاولاته باءت بفشل ذريع، بل إنه تغير وأصبح مسلما بنفسه على يد النبيﷺبعد صلح الحديبية فحسن إسلامه[6]وصار داعيا للإسلام.

 

وزد على ذلك قصة خالد بن الوليد ـ رضي الله تعالى عنه ـ- فإنه كان أميرا في غزوة أحد من قبل قريش، وكان هدفه الوحيد هو إماتة المسلمين وقتلهم ولكنه أسلم وهدم اللات والعزى والأصنام الذين كانوا يعبدونها بيده، ونال رتبة عالية في الفتوح الإسلامية، فصار داعيا للإسلام وعونا له ولقد لقبه رسول اللهﷺبلقب "سيف من سيوف الله" كما جاء في رواية عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا تُؤْذُوا خَالِدًا فَإِنَّهُ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ، سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى أَعْدَائِهِ» .[7]

 

ولا يخفى قصة إسلام عمر بن الخطابالذي خرج من بيته آخذا سيفه ناويا قتل النبيﷺولكنه انقلب الأمر على رأسه، حين سمع ما تلت عليه أخته القرآن الكريم من سورة طه : {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى[8]}. [9]فهنالك تذوق حلاوة القرآن الكريم فتشرف بنعمة الإسلام والدين، وتغرس في قلبه حب النبيﷺوبدا ذاك الحب حين مات النبيﷺآخذا سيفه قائلا: من قال مات النبيﷺ أقتله. وهلم جرا.

 

فيمكنني القول: إن هذا كله كان من أثر تعليم النبيﷺالطاهر الذي لين القلوب شيئا فشيئا، فتأثرت من تعليماته ـ عليه الصلاة والسلام ـ، فكيف رفع النبيﷺدرجة الإنسان، وكيف بذل جهده في إشاعة التوحيد وغرس حب عظمة الله وكبرياءه في القلب والذهن،وكيف محى العصبية والقومية والتفاوت بين هذا وذاك وبين الفقير والغن؟ وكيف جمع الناس بحكمتهﷺتحت لواء واحدة وهو دين الإسلام، ويشهد علي ذلك جمع النبيﷺقبائل المسلمين الثلاث من الأوس والخزرج والمهاجرين، رغم من أنها متباينة في عقائدها، مختلفة في أهدافها ومتفرقة في اجتماعاتها، وكانت لديهم خلافات بعضهاقديم موروث، وبعضها حديث[10]۔لكن زالت الخلافات وهذه كلها ببركة تعليمهﷺ، التي هي مملوءة بالحكمة والموعظة،فأصبح الأعداءمنه أصدقاء، ونظمهم النبيﷺفي سلك الأخوة،كما يشير كلام الله ـعزوجل ـ إلى هذه النعمة العظيمة المباركة حيث يقول الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[11]

 

ويقول الله سبحانه وتعالى في مقام آخر: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[12]

 

ومما لابد من مدرسة النبيﷺالتي كانت جامعة عامة ولا تزال، ويترقى الإنسان منها كل حين، والنبيﷺ بنفسه كان جامعة كبيرة تجمع فيه العلوم والفنون ويأتي إليه طلبة العلم،وكانوا يحصلون منه حسب استعدادهم فوجدوه مثل أب، وزوج وصديق، وتاجر، وحاكم وقاضي، وأمير الجيش ومالك وواعظ ومرشد وما إلى غير ذلك من صفات،وحصلت الطبقات الإنسانية المتنوعة عنهـعليه الصلاة والسلام ـ علوما مختلفة وفنونا متنوعة حسب أذواقهم.

 

لم تكن مدرسته ـ عليه الصلاة والسلام ـ مثل مدارسنا، وإنما كانت ساذجة، والتي سقفها من أوراق النخل، وأعمدتها وأركانها من النخيل، نعم، إنها تدعى مسجد النبيﷺ،وفي نواحيها المختلفة حلقات وجماعات مختلفة، مثل جماعة الخلفاء، والحكام، فنجد في ناحية أخرى الذين كانوا يصومون بالنهار ويصلون بالليل، ونجد في إحدى الزوايا طلبة العلم وهم أصحاب الصفة ـ رضي الله عنهم ـ الذين كانوا يحتطبون في الغابة ويبيعون الخطب ويعيشون به ويشغلون أنفسهم في طلب العلم ليلا ونهارا.

 

فلما جاء الإسلام وبدل حياتهم العلمية، والآيات القرآنية قد أخرست ألسنة الشعراء والخطباء، فتوجهت قوى العرب إلى الإسلام فنسيت القصص، والإسلام منحهم أكثر مما أخذ منهم، وصارت قواهم ضد القرآن الكريم بالفشل، وأصبح القرآن الكريم قدوة لشعرائهم وخطبائهم فتعلموا منه الفصاحة والبلاغة حتى أصبحت لغتهم بليغة فصيحة.

 

يمكنني القول: إن العلوم الدينية كلها هي من إنتاج الإسلام، وإن حدث تطورها فيما بعد، إضافة إلى أنه

 

لامجال لأحد أن يشك في أن أصولها ومبادئها كلها مأخوذة من القرآن الكريم،فمثلا آيات الأمر والنهي ترشدهم إلى الفقه وآيات التوريث تشير إلى فن مستقل يدعى علم الفرائض، ومن قصص واردة في القرآن الكريم تستنبط منها فن التاريخ، وهلم جرا.

 

وتدوين العلوم وترتيبها كان في زمن النبيﷺإذ كان بدايتها من تدوين الأحاديث الشريف قد بدأ في حياة النبيﷺوحاول الخطيب أن يثبت أن تقييد العلم كان موجودافي حياتهﷺوفي عصرالصحابة والتابعين.[13] فجمع الأحاديث والأخبار التي لها صلة بنشأة تقييد العلم، إضافة إلى أن الجهود المبذولة من قبل المسلمين في حفظ أقوال الرسولﷺوأفعاله والعﷺلموجودة كانت إلى غاية وكانت منقطعة النظير.

 

فعلم النحو: لم يكن فنا مستقلا في بداية الإسلام، ولكن توجه إليه العلماء بعد ما انتشر الإسلام في بلاد العجم حيث بدأ الاختلاط بذلك بين العجم والعرب الذي هو صار سببا للحن في اللغة العربية، فمست بالعلماء حاجة إلى تدوين علم النحو كي يسلم الناطقون بالعربية من الأخطاء النحوية، وهنالك رواية تدل على أن عليا ـ رضي الله تعالى عنه ـ سمع أعرابيا يقرأ :(لا يأكله إلا الخاطئين)فوضع النحو[14] ويقول أبو الأسود: دخلت على أمي المؤمنين علي بن أبي طالبفوجدت في يده رقعة، فقلت: ما هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال: إني تأملت كلام العرب فوجدته قد فسد بمخالطة هذه الحمراء يعني الأعاجم فأردت أن أضع شيئا يرجعون إليه ويعتمدون عليه، ثم ألقى إلي الرقعة وفيها مكتوب: الكلام اسم وفعل وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمى والفعل ما أنبئ به والحرف ما أفاد معنى، وقال لي: انح هذا النحو.[15]

 

فتم تدوين القواعد النحوية عام تسعة وأربعين للهجرة ، وبلغ إتقانه على أيدي خليل بن أحمد وسيبويه والكسائي في زمن هارون الرشيد.

 

والمعلوم أن العلوم التي لها علاقة وثيقة بالدين، نشأت وانتشرت مسائلها إلى المساجد والحلقات والمجالس، والصحابة ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ كانوا ماهرين وبارعين في طرق الاستدلال والاستنباط، وكان لهم يد طولى في الاجتهاد بوسعة علومهم ومعرفتهم، ولذا يقال لهم المجتهدون .

 

والصحابة ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ أيضا كانوا على طبقات مختلفة، فمنهم من اشتهر بحفظ الحديث، مثل أبي هريرة ،وابن عمر وأنس بن مالك وابن عباس وجابر بن عبدالله وغيرهم ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ.

 

يقول العلامة شبلي في مقالاته: إن عدد مرويات أبي هريرةقد بلغ خمسة آلاف وثلاث مائة و أربعة وستين حديثا، ومرويات ابن عمر ـ رضي الله تعالى عنهما ـ قد بلغ ألفين وست مائة ثلاثين حديثا، ومرويات أنس بن مالكقد بلغ ألفين ومائتين وست ثمانين حديثا، ومرويات ابن عباس ـ رضي الله عنهماـ كانت ألف وست مائة وستين حديثا، ومرويات جابر بن عبدالله قد بلغ ألف وخمس مائة وأربعين حديثا.[16]

 

ومنهم من ذاع صيته كمفسر، فالذين اشتهروا كمفسرين يبلغ عددهم حوالي أربعة عشر، فكانوا جميعا ملمين بالآيات القرآنية ليست مطلقة وإنما هي كانت متعلقة بالفقه، ثم الزمن أيضا يشهد أن التعليم والتعلم لم يكن عن طريق الكتابة، بل كان عن ظهر القلب، واستمر ت هذه الطريقة إلى فترة من الفترات ، ولم يكن آنذاك حاجة إلى التدوين والتصنيف،لكن لماكثرت الروايات وضعفت قوى الحفظ مع مضي الزمن،والناس أحسواحاجة ماسة إلى التدوين والتصنيف والتأليف في زمن العباسيين عام مائة وثلاثة وأربعين للهجرة،فبدأالعلماء بتدوين الكتب والمؤلفات في فنون مختلفة، وهذا ما نشاهد في صفحات التاريخ بأن ابن جريج الذي بمكة وابن مالك بالمدينة والأوزاعي وحماد بالبصرة والمعمر باليمن، هؤلاء كلهم كتبوا وألفوا الأحاديث وفسروا القرآن الكريم،علما إلى أن الإمام أبا حنيفة دون الفقه مع الأدلة،وابن اسحاق دون المغاري والسير،[17]فيمكنني القول: إن ماذكرته هوكان سببالترويج العلوم والفنون المختلفة في بلدان شتى، وزيدت تلك العلوم إلى ثروة الأدب العربي مثل علم التفسير، علم الحديث وأصوله، وعلم الرواية والدراية وعلم أسماء الرجال، وعلم الفقه وأصوله وعلم الصرف والنحو، وعلم البلاغة بأنواعها،وعلم إعجاز القرآن الكريم وعلم اللغة وعلم الكلام وما عدا ذلك من العلوم والفنون.

 

وإذا عدنا إلى أشعار الشعراء فوجدناها أنها أيضا تأثرت من تعليمات النبيﷺفشعراء الجاهلية الذين كانوا من الأشراف والأمراء والسادة وأهل الفروسية والحرب،فنتيجة أشعارهم أيضا كانت في الحماسة والفخر والتطاول بأنسابهم والعصبية القومية والتفاخر، فلما جاء الإسلام طهر نفوسهم من آثار العصبية الجاهلية، ووحدهم وأبعدهم من محاربة النزعات البدوية، وجمعهم جميعا على كلمة واحدة، ووجههم إلى الغزو والجهاد، إضافة إلى أن القرآن الكريم حينما نزل بلسان عربي مبين في أمة عربية يقال لهم فحول البلاغة وأمراء البيان، فأذهل الجميع ونزع الله سبحانه وتعالى الغشاوة عن قلوبهم، وحول أفكارهم عن فنونه وأغراضه المنحرفة عن سنن الإسلام.

 

ثم ليس هذا فحسب،بل هي كانت أمة شاعرة،وكانت سلطة الأشعار واضحة على عقولهم وأثرها عميقا في نفوسهم،وكان لديهم خبرة في حسن تأليفها من حيث البلاغة، لكن لما سمعوا القرآن الكريم اهتزت مشاعرهم وتأثروا إلى غاية حتى بدأ قريش يستمعون إلى قراءة النبيﷺوالدليل على ذلك هو قول ابن اسحاق،يقول:حدثني محمدبن مسلم بن شهاب الزهري أنه حدث:أَنَّ أَبَاسُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَأَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَالْأَخْنَسَ بْنَ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثَّقَفِيِّ، حَلِيفَ بَنِي زُهْرَةَ، خَرَجُوا لَيْلَةً لِيَسْتَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِﷺوَهُوَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فِي بَيْتِهِ، فَأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسًا يَسْتَمِعُ فِيهِ، وَكُلٌّ لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِ صَاحِبِهِ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ، حَتَّى إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا۔[18]

 

والجدير بالذكر هو أن القرآن الكريم قد تحداهم أن يأتوا بآية مثله في قوله تعالى:(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ )[19]فلما تبين عجزهم فبدأوا يوجهون إلى النبيﷺ قائلين: هو شاعر.

 

ويمكنني القول: إن الأدب هو كيفية وجدانية، فلما طهر النبيﷺقلوب الصحابةرضوان الله عليهم أجميعن من الرذائل وزكاهم وغير كيفية قلوبهم ووجدانهم، فترك أمره هذا أثرا عظيما على الأدب، فمن هنا لم يكن أدبهم حرا بل كان مقيدا بالحمد والثناء والمدح وأصبح أدبهم إسلاميا مكان الأدب الجاهلي.

 

وقد نقد النبيﷺالشعراء الذين كان في أشعارهم الفحش والعجب والبذي، وقال الرسولﷺفي ملك الضليل امرئ القيس ": " ذَاكَ رَجُلٌ مَذْكُورٌ فِي الدُّنْيَا مَنْسِيٌّ فِي الْآخِرَةِ، شَرِيفٌ فِي الدُّنْيَا خَامِلٌ فِي الْآخِرَةِ، بِيَدِهِ لِوَاءُ الشُّعَرَاءِ يَقُودُهُمْ إِلَى النَّارِ[20]فليس بمعنى أنهﷺلا يسمع كلام الشعراء والخطباء،بل ثبت من الأحاديث الشريف أنهﷺ كان يسمع كلام الشعراء والخطباء كما جاء في صحيح مسلم حديث عمرو بن الشريد عن أبيه قال: قَالَ: رَدِفْتُ رَسُولَ اللهِﷺ يَوْمًا،فَقَالَ: «هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ شَيْءٌ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «هِيهْ» فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا، فَقَالَ: «هِيهْ» ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ بَيْتًا،فَقَالَ: «هِيهْ» حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ.[21]

 

فمن هنالك قد اتضح لنا أن الأدب العربي قد تأثر من تعليمات النبيﷺحيث أنه نال ثروة أدبية من تعليماته ـ عليه الصلاة والسلام ـ

 

نتائج البحث

إنني حاولت جاهدا في بحثي هذا إلى استخراج نتائج قيمة تنفع طلبة العلم، فوصلت بعد دراسة هذا الموضوع إلى نقاط تالية:

 

1 الأدب له علاقة بوجدان الإنسان.

 

2 دائرة الأدب واسعة حيث يستخدم للأهداف المتنوعة، مثل استخدامه لحصول اللذة ولتسكين عواطف البشرية ولإرشاد الناس وإصلاحهم.

 

3 وللأدب دور مهم وأثر بالغ في انقلاب أحوال الأمم.

 

4- وهب الله سبحانه وتعالى لنبيهﷺأعلى قوة الوجدان وجوامع الكلم.

 

5 الناس كانوا يتأثرون بسبب حلاوة كلام النبيﷺوعذوبته .

 

6- تعليمات النبيﷺ كانت جواهر الأدب، حيث أنها غيرت أعداء بالأصدقاء.

 

7 أدب النبيﷺ كان حافلا بالحكمة والموعظة.

 

8- الآيات القرآنية قد أخرست ألسنة الشعراء والخطباء .

 

9- أصول العلوم الدينية ومباديها كلها مستنبطة من القرآن والحديث.

 

10- سبب تدوين علم النحو هو اختلاط الأعاجم مع العرب۔

حوالہ جات

  1. الدريعي، إبراهيم بن حسن،أحمد بن سليمان المشعلي، حمود بن عبدالله السلامة،الأدب العربي للصف الأول الثانوي، تعديل،وزارة التربية والتعليم بالمملكة العربية السعودية. 1428هـ، ص 9
  2. - القشيري النيسابوري، مسلم بن الحجاج أبو الحسن (المتوفى: 261هـ)،المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي – بيروت، كتاب المساجد ومواضيع الصلاة،ج1، ص371
  3. - سورة ص، الآية: 86
  4. - الجاحظ،عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء،الليثي، أبو عثمان،(المتوفى: 255هـ)،البيان والتبيين،دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1423 هـ،ج2،ص13
  5. - صحيح مسلم،ج2،ج593
  6. - الندوي ،علي أبو الحسن بن عبد الحي بن فخر الدين(المتوفى: 1420هـ)،السيرة النبوية ،دار ابن كثير – دمشق، الطبعة: الثانية عشرة - 1425 هـ،،ج1،ص318
  7. - الشيباني،أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد(المتوفى: 241هـ)،فضائل الصحابة،تحقيق: د. وصي الله محمد عباس،مؤسسة الرسالة – بيروت، ط. الأولى، 1403 – 1983ء،ج2،ص817
  8. سورة طه، الآية:81
  9. - تفسير القرآن الكريم، أسامة علي محمد سليمان، مصدر الكتاب: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية، http://www.islamweb.net: 20/4.
  10. - القحطاني، د. سعيد بن على بن وهف،رحمة للعالمين،الكتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف السعودية بدون بيانات،ج1، ص109
  11. - سورة آل عمران، الآية: 103
  12. - سورة أنفال، الآية: 63
  13. - آل مطر الزهراني، أبو ياسر محمد بن مطر بن عثمان(المتوفى: 1427هـ)،تدوين السنة النبوية نشأته وتطوره من القرن الأول إلى نهاية القرن التاسع الهجري،دار الهجرة للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1417هـ/1996م،ج1،ص66
  14. - الطنطاوي،الشيخ محمد،نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة،تحقيق: أبي محمد عبد الرحمن بن محمد بن إسماعيل، مكتبة إحياء التراث الإسلامي، ط. الأولى 2005م-1426هـ،ج1،ص23
  15. - انظر: نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة،ج1،ص22
  16. - شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السخاوي (المتوفى: 902هـ)،فتح المغيث بشرح الفية الحديث للعراقي،تحقيق: علي حسين علي، مكتبة السنة – مصر، ط. الأولى، 1424هـ / 2003م،ج4،ص103
  17. - مقالات شبلي، للعلامة شبلي النعماني، دار المصنفين، شبلي اكيدمي، الهند2009م،ج3،ص8-،9
  18. الحميري المعافري،عبد الملك بن هشام بن أيوب ، أبو محمد، جمال الدين (المتوفى: 213هـ)،السيرة النبوية، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة: الثانية، 1375هـ - 1955 م: ج1،ص315
  19. سورة البقرة، الآية:23،24
  20. - القرشي الدمشقي ،أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير (المتوفى: 774هـ)،السيرة النبوية (من البداية والنهاية لابن كثير)، تحقيق: مصطفى عبد الواحد،دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع،بيروت – لبنان، 1395 هـ - 1976 م،ج1،ص119
  21. - صحيح مسلم،ج4،ص1767
Loading...
Issue Details
Id Article Title Authors Vol Info Year
Id Article Title Authors Vol Info Year
Similar Articles
Loading...
Similar Article Headings
Loading...
Similar Books
Loading...
Similar Chapters
Loading...
Similar Thesis
Loading...

Similar News

Loading...