Search from the Journals, Articles, and Headings
Advanced Search (Beta)
Home > Al-Iʿjaz Research Journal of Islamic Studies and Humanities > Volume 2 Issue 2 of Al-Iʿjaz Research Journal of Islamic Studies and Humanities

تقسيم العقوبات المادية بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي |
Al-Iʿjaz Research Journal of Islamic Studies and Humanities
Al-Iʿjaz Research Journal of Islamic Studies and Humanities

تشمل العقوبات السالبة للحریة کلا من الحبس والنفي - وهنا أقتصر علی الکلام عن الحبس، لکون التقیید أکثر ظهورا فیه، وذلک علی الوجه الأتي :

الحبس في اللغة

المنع والإمساک مصدر حبس ویطلق علی الموضع وجمعه حبوس- ویقال للرجل: محبوس وحبیس وللجماعة محبوسون وحبس (بضمتین )- وللمرأة: حبیسة وللجمع: حبائس ولمن یقع منه الحبس: حابس- ویقال: حبس فلان فلانا حبسا: منعه وأمسکه.1 والحبس والسجن لفظان بمعنی واحد- والسجن معناه: الحبس لذلک یطلق الفقهاء کلا منهما علی الآخر، ویطلقون کذلک کلمة الحبس أو المحبس أو السجن علی المکان الذی تنفذ فیه عقوبة الحبس أو السجن، ویقصدون بالکل نفس المعنی.2

الحبس في الاصطلاح

أما في الاصطلاح فالحبس: هو تعویق الشخص و منعه من التصرف بنفسه3 والخروج إلی أشغاله ومهماته الدینیة والاجتماعیة. 4

ولیس من لوازم الحبس الجعل في بنیان خاص معد لذلک، بل الربط بالشجرة حبس، وجعل الرجل في البیت لا یغادره حبس5. وقد أفرد الحکام المسلمون أبنیة خاصة للسجن و عدوا ذلک من المصالح المرسلة6.

الحبس الشرعي

وقد بین ابن القیم رحمه الله في کتاب "الطرق الحکمیة" له الحبس الشرعي فقال: "الحبس الشرعي لیس هو الحبس في مکان ضیق وإنما هو تعویق الشخص و منعه من التصرف بنفسه، سواء کان في بیت أو في مسجد أ و کان بتوکل الخصم أو وکیله علیه و ملازمته له"7.

یری جمهور الفقهاء أن الحبس مشروع بالکتاب والسنة والإجماع خلافا لبعض أهل العلم8. وإلیک الأدلة

من الکتاب

وذلک علی ما في قوله تعالی: ﴿فأمسکوهن﴾9. واستدل الزیلعي في شرح "کنز الدقائق" علی مشروعیة الحبس بآیة: ﴿أو ینفوا من الأرض﴾(10). وقال إن المقصود بالنفي في آیة المحاربة هذه "الحبس"(11). وأید هذا الرأی الإمام أبو بکر الجصاص الحنفي قائلا:

"---فأما من قال إنه ینفي عن کل بلد یدخل فهو إنما ینفیه عن البلد الذی هو فیه والإقامة فیه، وهو حینئذ غیر منفي من التصرف في غیره فلا معنی لذلک، ولا معنی أیضا لحبسه في بلد غیر بلده، إذ الحبس یستوی في البلد الذی أصاب فیه و في غیره، فالصحیح إذا حبسه في بلده وأیضا فلا یخلو قوله تعالی "أوینفوا فی الأرض" أن یکون المرادبه نفیه من جمیع الأرض وذلک محالٌ لإنه لایمکن نفیه من جمیع الأرض الا بأن یقتل و معلوم إنه لم یرد بالنفی القتل لإنه قد ذکر في الآیة القتل مع النفي، أو یکون مراده نفیه من الأرض التي خرج منها محاربا من غیر حبسه ، لإنه معلوم أن المراد بما ذکره زجره عن اخافة السبیل و کف إذاه عن المسلمین، وهو إذا صار إلی بلد آخر، فکان هناک مخلا کانت معرته قائمة علی المسلمین إذا کان تصرفه هناک کتصرفه فی غیره أو أن یکون المراد نفیه عن دار الاسلام وذلک ممتنع أیضا، لإنه لا یجوز نفي المسلم إلی دار الحرب لما فیه من تعریضه للرده و مصیره إلی أن یکون حربیا فثبت أن معنی النفي هو نفیه عن سائر الأرض الا موضع حبسه الذی لا یمکنه فیه العبث والفساد.

مشروعیة الحبس من السنة

وحدیث أبی هریرة علی مارواه أبو یعلی عن ابراهیم بن حیثم ، حدثني أبي عن جدی عراک بن مالک عن أبي هریرة رضي الله عنه "أن النبي صلی الله علیه وسلم حبس رجلا في تهمة یوم ولیلة، أستظهارا، أو احتیاطا"12.

واستدلوا أیضابما رواه أبو داود و ابن ماجة في سننهما عن الهرماس بن حسیب عن أبیه عن جده قال: أتیت النبي صلی الله علیه وسلم بغریم لي فقال: الزمه ثم قال لي: یا أخا بني تمیم ما ترید أن تفصل بأسیرک13.

مشروعیة الحبس من الإجماع

وقد أجمع الصحابة و من بعدهم علی مشروعیة الحبس وقد حبس عمر رضي الله عنه وعثمان وعلي والقضاة من بعدهم في جمیع الأعصار والأمصار من غیر إنکار فکان ذلک إجماعا علی جواز عقوبة الحبس14.

من الأمثلة التی سأذکر هنا لتبین أن عقوبة الحبس تنقسم إلی الأقسام الآتیة :

عقوبة الحبس المحدد المدة

وهذا النوع من عقوبة الحبس تعین المدة له في الحکم القضائي من المحکمة وقت اعلان الحکم، ویعاقب المجرم في مثل جریمة شهادة الزور ومثل جریمة تشاتم الخصمین في المحکمة و شرب الخمر في نهار رمضان متعمدا، وفي مثل هذه الحالات لا بد للقاضي أن یعین مقدار الحبس للمجرم بحسب ظروف الجاني والجریمة.

وإذا کانت الجریمة یسیرة، لابد أن تکون العقوبة مناسبة لها، وهکذا بتوجه القاضي إلی شخصیة المجرم وسلوکه، فینظر هل الجاني ارتکب الجرائم قبل ذلک أم له وهل اعتاد الجرائم أم لا؟ وما هي العقوبات التي عوقب بها قبل ذلک؟ وهکذا ینظر القاضي إلی الأحوال والحالات التي ارتکب الجاني فیها جریمته، فلابد للقاضي أن یجتهد في ذلک بعقله و تجربته وخبرته، فإذا فعل ذلک بقدر الامکان یحکم علیه بنوع العقوبة التي تتناسب مع نوع الجریمة وشخصیة الجاني، لإنها من العقوبات التعزیریة، فللقاضي الخیار أن یأخذ الجاني في أحوال و یترکه في أحوال أخری- قال الإمام ابن القیم في کتابه "إعلام الموقعین": "للجنایات مراتب متباینة في القلة والکثرة و درجات متفاوتة في حدة الضرر وخفته کتفاوت سائر المعاصي في الکبر والصغر وما بین ذلک، ومن المعلوم أن النظرة المحرمة لا یصح إلحاقها في العقوبة بعقوبة مرتکب الفاحشة ولا الخدشة بالعود بالضربة بالسیف، ولا الشتم الخفیف بالقذف بالزناء، ولا القدح في الأنساب ولا سرقة اللقمة والفلس بسرقة المال الخطیر العظیم- فلما تفاوتت مراتب الجنایات لم یکن بد من تفاوت مراتب العقوبات15.

وقال صاحب تبیین الحقائق قولا واضحا في هذا: "ما جاء في تقدیر مدة الحبس بشهرین أو ثلاثة أو أقل أو أکثر اتفاقي ولیس بتحتم تقدیرا وإنه لیس للحبس مدة مقدرة وترک الأمر فیه للقاضي، وأن ذلک یختلف باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمکنة"16. وجاء في کشاف القناع: 17. "أن من وجب علیه التعزیر یعزر بما یردعه لأن المقصود من العقوبة هو الزجر والردع".

وقال الماوردی: "إن الحبس تعزیرا یختلف باختلاف المجرم والجریمة فمن الجانبین من یحبس یوما، ومنهم من یحبس أکثر إلی غایة غیر مقدرة". ونحن نعرف أن عقوبة الحبس من أشد العقوبات التعزیریة، وفي الحقیقة إنها لیست عقوبة واحدة بل هي مجموعة من عقوبات عدیدة- ونری أیضا أن الأهداف التي شرعت عقوبة الحبس لها من الردع والزجر والتهذیب والاصلاح لا یتحقق في هذه الأیام.

وتترتب علی الحبس أنواع من النتائج الضارة القبیحة والسيئة، ولا تقصر آثار الضارة علی الجاني فقط، بل تتعدی في الغالب إلی أهله وأسرته، فهذه الحالات تقتضي أن یقلل في استعمال عقوبة الحبس.

تعاقب الشریعة الإسلامیة بالحبس المحدد المدة علی جرائم التعزیر العادیة وتعاقب مدة هذا النوع من الحبس یوم واحد.18 أما حده الأعلی فغیر متفق علیه - فیری البعض أن لا یزید عن ستة أشهر19. ویری البعض أن لا یصل سنة کاملة20. والبعض الآخر بترک تقدیر حده الأعلی لولي الأمر21. وبناء علی ما تقدم فان الجاني لا یعاقب بالحبس المحدد المدة الا في الجرائم البسیطة- والجرائم البسیطة بطبیعة الحال لایتم ارتکا بها من بعض الناس عن تأصل الاجرام في نفس الجاني، لذا، کان لزاما علی القاضي أن یعین مدة الحبس مع مراعاة النظر الی ظروف المجرم والجریمة والحالات التي وقعت فیها.

الأمثلة للحبس المحدد المدة

ذکر الفقهاء أمثلة عدیدة تمثل هذا النوع من الحبس أی إنه من المفید ذکر بعضها أکمال للفائدة وهي:

1. حبس شاهد الزور

نص الفقهاء علی أن شاهد الزور یضرب ویحبس طویلا بحسب ما یراه الحاکم- وزاد ابن تیمیة أن من یلقن شهادة الزور لغیره یحبس و یضرب، والمنقول عن عمر رضي الله عنه إنه ضرب شاهد الزور و حلق رأسه وسخم وجهه وأمر أن یطاف به في الأسواق، ثم أطال حبسه، وروی نحو ذلک عن علي رضي الله عنـه.

وذکر السرخسي في کتاب "المبسوط" له: نقلا عن الصاحبین: أبي یوسف و محمد أن شاهد الزور یضرب و یحبس، ولکن ذکر أن أبا حنیفة رحمه الله رأی إنه یکتفي بالتشهیر فقط بالنسبة لشاهد الزور، وإنه لایعزر ولا یحبس.

وقال الماوردی "الحنبلی "في کتاب" الانصاف" له: إن عمر رضي الله عنه حلق رأس شاهد الزور، و ورد عنه رضي الله عنه یضرب ظهره و یحلق رأسه ویسخم وجهه و یطاف به ویطال حبسه22.

2. الحبس في الدعوی الکیدیة

ذکر الحنفیة والمالکیة أن من قام بشکوی ضد غیره بغیر حق و أنکشف للحاکم أمره، بمعنی أن الدعوی باطل بلا أصل، أو لم تقم علی أساس صحیح والشخص کاذب فان القاضي یؤدیه، وأقل ذلک الحبس لیندفع بذلک أهل الباطل23.

3. إنه من تقحد علی أموال الناس ، وادعی العدم فتبین کذبه ، بحبس أبدا حتی یؤدی اموال الناس أو یموت في السجن ، وحبس مجهول الحال إنه یکون بقدر ما یستبرئ أمره وبکشف عن حاله ، وإلا بخلی سبیله. 24.

ولکن یقع الاعتراض- کما نقله ابن فرحون في تبصرة الحکام من قول القرافي :

"قال القرافي: کیف یخلد في الحبس من امتنع من دفع درهم وجب علیه وعجزنا عن أخذه منه، لإنها عقوبة عظیمة في جنایة حقیرة و قواعد الشرع تقتضي تقدیر العقوبات بقدر الجنایات.

جوابه: إنها عقوبة صغیرة بازاء جنایة صغیرة لم تخالف القواعد فإنه في کل ساعة یمتنع من أداء الحق عاص، فیقابل من ساعة من ساعات الامتناع بساعة من ساعات الحبس، فهي جنایات و عقوبات متکررة- متقابلة فاندفع السؤال ولم یخالف القواعد. وقد یجاب بإنها عقوبة عظیمة في مقابل جنایة عظیمة، فان مطل الغني ظلم، والتمادی علیه جنایة عظیمة، فاستحق ذلک، والظالم أحق أن یحمل علیه"25.

الحبس المؤبد/الحبس غیر محدد المدة

وبعد أن إنهیت الکلام عن النوع الأول من الحبس، وهو الحبس المحدد المدة أتناول هنا الکلام عن النوع الثاني من الحبس، وهو : الغیر محدد المدة فأقول و بالله التوفیق: من المتفق علیه أن الحبس غیر المحدد المدة یعاقب، به المجرمون الخطرون ومعتادو الأجرام مثل ارتکاب جرائم القتل والضرب والسرقة أو تکرر منهم ارتکاب الجرائم الخطیرة26.

والحبس غیر محدد المدة قد وردت فیه أقضیة وأقوال کثیرة للفقهاء، کما ذکر د. عبد العزیز عامر في کتابه: "ومنها ما قیل فیه بالحبس حتی الموت أو حتی التوبة أوالموت، ومنها ما قیل فیه بالحبس حتی التوبة و صلاح حال المحکوم علیه".

الأمثلة للحبس غیر المحدد

1. روی عن النبي صلى الله عليه وسلـم قضی علی من أمسک رجلا لآخر حتی قتله بالحبس حتی الممات، فقال: "اقتلوا القاتل واصبروا الصابر" وفسرت عبارة : واصبروا الصابر ، یحبسه حتی یموت، لإنه حبس المقتول للموت بامساکه ایاه للآخر حتی قتله27.

2. من أمسک رجلا وشدیدیه و رجلیه ثم القاه أمام أسد فأهلکه - فلا یجب القصاص والدیة علی الجاني، ولکن یعزر ویحبس حتی یموت ، وهذا عند أبي یوسف رحمه الله.

3. وقد روی الدار قطني حدیثا عن اسماعیل بن أمیة عن نافع عن عبد الله ابن عمر و لفظه: "إذا أمسک الرجل وقتله الآخر یقتل الذی قتل و یحبس الذی أمسک"28.

4. نص الفقهاء علی حبس المتهم بالقتل والسرقة وضرب الناس، وأن یخلد في السجن حتی تظهر توبته. ویعلل ابن عابدین ذلک في حاشیة المسماة "ردالمختار" بأن شر هذا الجاني موجه إلي الناس في حبسه و تخلیده في السجن دفعا لهذا الشر عنهم"29.

5. لیس علی اللوطي حد عند أبی حنیفة و یحبس حتی یتوب أو یموت، وقال ابن عابدین في ذلک: إن شاء قتله وإن شاء حبسه في أنتف بقعة30.

6. وهکذا إذا أوثق شخص آخر والقاه في الشمس في الحر الشدید أو القاه في برد شدید، وبقي هناک حتی مات الموثوق في هذه الحالة، فلا یقتص من القاتل، بل یحبس عند الحنفیة والمالکیة31.

7. قال فخر الاسلام في شرح الجامع الصغیر : قال اعتاد هذا الفعل، أی سرقة الأبواب المسجد ، فیجب أن یعزر ویبالغ فیه و یحبس حتی یتوب32.

8. یحبس في السرقة في المرة الثالثة عند الحنفیة: قرر الحنفیة أن السارق یحبس في المرة الثالثة، علی ما ذکره عنهم صاحب سبل السلام حدیث علي رضي الله عنه إنه قال بعد أن قطع رجل سارق و أتي به في الثالثة: "بأی شيء یتمنی و بأی شيء یأکل" لما قیل له تقطع یده الیسری، ثم قال: "أقطع رجله علی أی شيء یمشي، اني لأستحیي من الله ثم ضربه و خلده في السجن"33.

9. اتفق الفقهاء34 القائلون بردة الصبي35 علی إنه لا یقتل قبل بلوغه، ولکن یجبر علی الإسلام و یحبس في ذلک حتی تظهر توبته و خشوعه و یخلی سبیله إذا أسلم36. وقال ابن قدامة: "ولا یقتل حتی یبلغ و یجاوز بعد بلوغه ثلاثة أیام ثبت علی کفره قتل.

عقوبات السجن و عیوبها

إن السجن یجلب علی السجین مقاسد لا یمکن أن یتجنبها لاختلاطه بالمجرمین فیخرج لنا متناهیا في الاجرام فضلا عن خسارة الدولة المادیة من وراء السجون، أضف الی ذلک إنه تعطیل لقوی هائلة من الید ، العاملة یمکن استغلا لها في المجتمع لادارة عجلة الانتاج لو فکر جیدا في هذا السبیل أو امتدت له ید الاصلاح- وقد حاول بعض المصلحین الخال تعدیلات علی نظم السجون بغیة اصلاحها للتخلص من تلک المفید والمضار،الا إنها لم تؤت ثمارها المطلوبة- ولا یقول قائل: ان الشریعة قد عرفت نظام الحبس، نقول: نعم قد عرفته ولکن لیس علی ما هو معهود الآن في نظام سجوننا- یقول ابن القیم: 37 إن المقصود بالحبس الشرعي لیس الحبس في مکان ضیق ولکنه تعریق الشخص و منعه من التصرف بنفسه سواء أکان ذلک في بیت أو في مسجد أو غیرهما.

وکان هذا هو الحبس علی عهد الرسول صلی الله علیه وسلم وأبي بکر، فلم یکن هناک مکان معد لحبس الخصوم، ولکن لما انتشرت الرعیة واتسمت رقعة بلاد المسلمین في أیام عمر رضي الله عنه اشتری دارا لصفوان بن أمین و جعلها حسبا ویطلق الفقهاء کلمة الحبس والسجن علی المکان الذی تنفذ فیه عقوبة الحبس أو السجن، وعلی أیة حال فلم تکن العقوبة بالحبس هي السائدة في التعزیرات الإسلامیة، وان کان مشروعا وجائزا، ومن یتتبع أقوال الفقهاء في الحبس یجد إنه ما کان في ذاته عقابا و انما کان منعا للنهر أو الاحتیاط و کان خالیا من العیوب التي عرفتها السجون الآن- وبعد فقد ظهرت لنا عیوب العقوبة بالسجن وما ینتج عن هذا النظام من ما فسد وعیوب اجتماعیة وخلقیة ومادیة تعود علی السجین وعلی الدولة، ومن هنا أری أن العقوبة المالیة أجدی و أنفع بکثیر من العقاب بالسجن ولقد تنبهت التشریعات العقابیة الآن، وترک للقاضي حربة الاختیار بین الغرامة أو السجن أو الحبس حسب کل جریمة.

وفي النهایة أقترح أن یخفف المشرع ، القانون الباکستاني و دول العالم خاصة الدول الاسلامیة، من وطأة العقاب بالسجن أو الحبس و أن تعطي للقاضي الحریة في أن یتوسع في العقوبة المالیة ولا یلجأ الی العقاب بالسجن الا في الحالات المیؤس منها و في الحالات الجسیمة التي لا ینفع معها الا الحبس أو السجن.

فالعقاب المالي في نظری أولی من عقاب السجن، لإنه نزع المال من المرء وهو شقیق الروح والحیاة، فهو أروع و أقوی لقهر النفوس- والله اعلم.

في العقوبات النفسیة

وفیه أربعة مباحث* عقوبة التوبیخ، مشروعیة التوبیخ من الکتاب والسنة کیفیة التوبیخ و طریقته.

  • عقوبة الهجر، مشروعیة الهجر من الکتاب والسنة المقصود من عقوبة الهجر.
  • عقوبة الوعظ، مشروعیة الوعظ من الکتاب والسنة.
  • عقوبة الشهیر، مشروعیة التشهیر بالسنة والإجماع خلاصة الکلام.

العقوبات النفسیة هي العقوبات التي لا تترک أثرا مادیا کالضرب ولکن یقتصر علی إیلام شعور المجرم أن کان ذا شعور و ایقاظ ضمیره، فیصلح حاله و تستقیم أموره38. لعقوبات النفسیة هي العقوبات التي تقع علی نفس الإنسان دون جسمه. ویجب أن لاننی أن مثل هذه العقوبات لا توقع إلا علی من غلب علی الظن إنها تصلحه وتزجره و تؤثر فیه - وإذا رأی القاضي أن هذه العقوبات لا تکفي لإصلاح الجاني وتأدیبه یعاقب المجرم بأی عقوبات أخری مناسبة للمجرم والجریمة - لأن المقصود من العقوبة أن تکون رادعة له، ولذلک فإن العقوبة لجریمة معینة قد تختلف باختلاف مرتکبها، فإن کان مرتکبها من العتاة لا یرتدع إلا بالعقوبة القاسیة شددت علیه العقوبة، وإن کان من الأشراف و کانت الجریمة منه هفوة عوقب بعقوبة خفیفة مثل العقوبات النفسیة بقدر ما یراه القاضي علی حسب کثرة ذلک الذنب في الناس وقلته، فإذا کان کثیرا زاد في العقوبة ، بخلاف ما إذا کان قلیلا وعلی حسب حال المذنب. والعقوبات النفسیة علی اقسام، منها، التوبیخ والتشهید والهجر الوعظ وسأتکلم عن کل قسم من هذه الأقسام مع بیان مشروعیتها وأدلتها، وذلک بالترتیب الآتي:

عقوبة التوبیخ

هو نوع من العقوبات النفسیة، ویطلق علیه في الاصطلاح الفقهی "الکهر"39 والاستخفاف بالکلام. وعلی هذا یحمل قول سیدنا عمر رضي الله عنه لعبادة بن الصامت: "یا أحمق" أن ذلک کان علی سبیل التعزیر منه إیاه لا سبیل الشتم إذا لا یظن ذلک من مثل عمر رضي الله عنه40. کما أن التعزیر لبعض الناس یکون بزواجر الکلام. وغایة الاستخفاف الذی لا قذف فیه ولا سب41.

هذه العقوبة کعقوبة الوعظ تکون عادة للمجرمین المبتدئین - ممن لیس من طبعهم الإجرام، بل إنه یکون علی سبیل الزلة او الهفوة غالبا، مع ملاحظة الجریمة بأن تکون قلیلة الخطر - أما إذا کان الجاني معتاد الاجرام، أوکانت الجریمة شدیدة الخطر، فإن عقوبة التوبیخ لا تکون کافیة للمجرمین.

یقول ابن تیمیة في ذلک: "إن الثواب والعقاب یکونان من جنس العمل في قدر الله وشرعه وإن هذا من العدل الذی تقوم به السماء والأرض، فإذا أمکن أن تکون العقوبة من جنس المعصیة کان هو المشروع بحسب الامکان" لأن مشروعیة التوبیخ في الاسلام رحمة من الله سبحإنه وتعالی بعباده فهي صادرة من المولی عز وجل رحمة بالخلق وإرادة للاحسان الیهم، کما یقصد الوالد تأدیب أولاده. ولله المثل الأعلی. ولأن في ذلک حمایة لأعراض الناس، والوسائل في التوبیخ جمیعا لیست متعینة ولا مصورة، بل هو لکل ما فیه إیلام الانسان من قول و فعل و ترک قول و ترک فعل- فقد یعزر الرجل بوعظه و توبیخه والاغلاظ ، وقد یعزر بهجره و ترک السلام علیه حتی یتوب إذا کان ذلک هو المسلحة و علی کل حال إن التعزیر عقوبة مفوضة إلی رأی القاضي علی الأرجح.

والواجب علی القاضي عند تطبیق العقوبة التعزیریة أن ینظر إلی السبب أیضا، لکي یطبق العقوبة التي تناسبها، والناس تختلف أحوالهم في الانزجار ، فإن من الناس من ینزجر بالیسییر، ومنهم من لاینزجر إلا بالکثیر، فتعزیر اشراف الأشراف وهم العلماء والعلویة یکون بالاعلام، وتعزیر الأشراف وهم الأمراء یکون بالا علام والجر بالجر الی باب القاضی وتعزیر الاوساط وهم الرقة یکون وتعزیر الخساء یکون بالاعلام والجر والحبس والضرب وهلم جرا- والله أعلم بالصواب.

مشروعیة التوبیخ

ومن العقوبات التعزیریة في الشربعة عقوبة التوبیخ، والتعزیر مشروع باتفاق الفقهاء، دل علی ذلک الکتاب والسنة-

أما الکتاب: فقوله تعالی: ﴿عبس و تولی أن جاءه الأعمی﴾42.

معنی عبس، مصدره: عبسا وعبوسا: بمعنی قطب وجهه وکلح. العبوس والعباس: الکثیر العبوس43. وأما السنة:فمن وجهین: الأول: ما روی أن أبا ذر رضي الله عنه ساب رجلا، فعیره بأمه، فقال رسول الله صلی الله علیه وسلم: "یا أبا ذر: أغیرته بأمه إنک امرؤ فیک جاهلیة"44.

الوجه الثاني: ما روی عن أبي هریرة رضي الله عنه أن رسول الله صلی الله علیه وسلم اتی برجل قد شرب، فقال: "اضربوه"، فقال أبو هریرة: فمنا الضارب بیده، و منا الضارب بنعله، والضارب بثوبه، وفي روایة بإسناده، ثم قال رسول الله صلی الله علیه وسلم لأصحابه: "بکتوه" فأقبلوا علیهم یقولون: "ما اتقیت الله" ما خشیت، ما استحییت من رسول الله صلى الله عليه وسلـم. وهذا التبکیت من التعزیر بالقول45.

کیفیة التوبیخ و طریقته

قد یکون التعزیر بالنیل من عرضه، مثل أن یقال له: یا ظالم، یا معتدی، وقد یکون التعزیر بابعاده عن المجلس (أی مجلس القضاة ) 46. وقد یکون بزواجر الکلام، بشرط أن لایکون في ذلک قذف للجاني47.

وقد یکون التوبیخ بتوجیه القاضي إلیه الکلام بالعنف والزجر له48. وقد یکون التوبیخ باعراض القاضي عن الجاني، أو بالنظر إلیه بوجه عبوس کما تغیر وجه عمر (رضی الله عنه) لما رأی المحاربین قد لبسوا الحریر والدیباج49. والوسائل في التوبیخ لیست متعینة ولا مصورة بل للقاضي أن یوبخ الجاني بما یشاء من الألفاظ والعبارات والإشارات و بغیر ذلک مما یماثل هذه الأمثلة أو یشبهها تبعا لحال المجرم والجریمة50. لأن التوبیخ یختلف بحسب اختلاف الذنب والمذنب، کما قال: الماوردی رحمه الله: فیتدرج في الناس علی منازلهم، فیکون تعزیر من جل قدره بالاعراض عنه، وتعزیر من دونه التعفیف له و تعزیر من دونه بزواجر الکلام، وغایة الاستخفاف الذی لا قذف فیه ولا سب، ثم یعدل بمن دون ذلک إلی الحبس علی حسب ذنبهم و بحسب هفواتهم51.

وخاصم عبد الرحمن بن عوف عبد من عامة الناس إلی رسول الله صلی الله علیه وسلم، فغضب عبد الرحمن و سب العبد قائلا: یا ابن السوداء، فغضب النبي صلی الله علیه وسلم أشد الغضب و رفع یده قائلا: "لیس لابن بیضاء علی ابن سوداء سلطان إلا بالحق". فاستخذی عبد الرحمن وخجل و وضع خده علی التراب، ثم قال للعبد: طأ علیه التراب حتی ترضی52.

عقوبة الهجر

الهجر في اللغة: خلاف الوصل، یقال : هجر أخاه ، إذا صرمة و قطع کلامه هجرة وهجرانا، فهو هاجر، والأخ مهجور53. وبناء علی هذا فالهجر هو مقاطعة الجاني والامتناع عن الاتصال به.

مشروعیة الهجر: عقوبة الهجر ثابتة بالکتاب والسنة.

فمن الکتاب

قوله تعالی في شأن تأدیب الزوجة: ﴿واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا﴾54.

وجه الدلالة

إنه لما کان النشوز و عدم طاعة الزوج معصیة لاحد فیها ولا کفارة، فمعنی ذلک أن هذه العقوبة لکل معصیة لاحد فیها و لا کفارة أما مشروعیة عقوبة الهجر من السنة. فنذکر في ذلک حدیثین:

أن النبي صلى الله عليه وسلـم وأصحابه هجروا الثلاثة الذین تخلفوا عنهم في غزوة تبوک، وهم کعب بن مالک، و مرارة بن ربیعة، وهلال ابن أمیة الواقفي، إلی خمسین لیلة، لا یکلمهم أحد أو یتصل بهم أو یسلم علیهم أحد حتی صفح عنهم صلى الله عليه وسلم بعد نزول الآیة، وهي قوله عز وجل55. ﴿وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الارض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم﴾56.

ماروی أن عمر رضي الله عنه سجن صبیغ ابن عسل علی سؤاله مسؤالا غیر معقول، وضربه مرة بعد مرة، ثم نفاه إلی العراق. وأمر أن لا یجالسه أحد وکان الناس ینفرون منه وهجروه، فکان إذا جاء الناس وهم مئة تفرقوا عنه. وظل کذلک حتی کتب أبو موسی إلی عمر رضي الله عنه بحسن توبته وعمله فأمر عمر رضي الله عنه بأن یخلي بینه و بین الناس. وهذا من باب المعاتبة بالهجر57.

عقوبة الوعظ

تعریف الوعظ

جاء في التعریفات للجرجاني ص: 111 الوعظ: هو التذکیر بالخیر فیما یرق له القلب58.

وجاء تعریف الوعظ في حاشیة ابن عابدین: "بإنه تذکیر الجاني إذا کان ساهیا و تعلیمه إذا کان جاهلا"59.

وهذا النوع من التعزیر یکون للمجرمین المبتدئین ، حیث لا یکون الاجرام المبتدأ منهم عادة إلا عن سهو و غفلة، مع ملاحظة الجرائم، بأن تکون غیر جسیمة، بشرط أن یقتنع القاضي أن الوعظ یکفی لتعزیر مثل هؤلاء المبتدئین، غیر إنه إذا لم یکن الوعظ رادعا للجاني في تقدیر القاضي، ففي هذه الحالة یعاقب المجرم بعقوبة تعزیریة أخری مناسبة للحال.

من الکتاب

قال الله سبحإنه و تعالی في کتابه المجید: ﴿واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا﴾60.

وجه الدلالة

فهذا النص القرآني یفرض ثلاث عقوبات، تعزیریة علی المرأة التي لا تطیع زوجها وهي : الوعظ، والهجر، والضرب بالترتیب، ولما کان النشوز و عدم الطاعة معصیة لا حد فیها ولا کفارة ، فمعنی ذلک أن هذه العقوبات فرضت لکل معصیة لا حد فیها ولا کفارة61.

ومن السنة

فقد ثبتت مشروعیة الوعظ بالسنة، وذلک واضح من فعل النبي صلی الله علیه وسلم لما بعث عبادة رضي الله عنه علی الصدقة، فقال له: "اتق الله یا أبا الولید، لاتأت یوم القیامة ببعیر تحمله علی رقبتک له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة لها ثغاء"62. (ثغت ) الشاة ثغاء ، صاحت من باب طلب: نثر دار الکتاب العربي ، بیروت) فقال عبادة یا رسول الله! ان ذلک کله کذلک؟ فقال: "أی والذی نفسي بیده، إلا من رحم الله" فقال : "والذی بعثک بالحق لا أعمل علی اثنین أبدا"63.

وجه الدلالة

أن النبي صلی الله علیه وسلم وعظ أبا الولید بهذا الحدیث لما بعثه لتجمیع الصدقة لبیت المال، وکان المال في یده أمانة لا بد من المحافظة علیه وهذا لا یمکن إلا بخشیة الله ومن خوف عذاب الآخرة- فالنبي صلی الله علیه وسلم وعظ عبادة وخوفه من عذاب الآخرة لکي یحافظ علی مال المسلمین وینقذ من عذاب یوم الآخرة.

عقوبة التشهیر

المراد منا التشهیر: هو الإعلان عن جریمة المحکوم علیه- ویکون التشهیر في الجرائم التي یعتمد فیها المجرم علی ثقه الناس کشهادة الزور والغش.

وکان التشهیر یحدث قدیما بالمناداة علی المجرم بذنبه في الأسواق والمحلات العامة حیث لم تکن هناک وسیلة أخری- أما في عصرنا الحاضر فالتشهیر یمکن باعلان الحکم في الصحف أو لصقه في المجلات العامة والقوانین الوضعیة تأخذ بعقوبة التشهیر أیضا64.

وأن المجال الأساسي للأخذ بعقوبة التشهیر یکون في الجرائم التي تؤثر في الثقة بالشخص، کشهادة الزور، أو الجرائم التي نجعله خطرا علی غیره کالقوادة والسرقة، ویصبح واجبا في کثیر من الجرائم في وقت الحرب والظروف الاستثنائیة، خاصة التي تتعلق بمصالح الناس. وان والتشهیر إذا حکم به بمفرده یکون عقوبة أصلیة، أما إذا حکم به مع عقوبة أو عقوبات أخری فإنه یمکن أن نقول إن التشهیر في هذه الحالة عقوبة تکمیلیة.

مشروعیة التشهیر

التشهیر عقوبة تعزیریة نفسیة، فهي ثابتة منذ عصر النبي صلی الله علیه وسلم- بالسنة والإجماع.

فمن السنة

ما رواه البخاری أن رسول الله صلی الله علیه وسلم بعث رجلا من الأزد لیجمع الصدقات، فلما قدم إلی المدینة قال: هذا لکم وهذا أهدی لي، فخطب النبي صلی الله علیه وسلم في الناس، فقال: "والذی نفسي بیده، لا یأخذ أحد منه شیئا إلا جاء به یوم القیامة یحمله علی رقبته"65.

ومن الآثار علی مشروعیة التشهیر

1. ما روی أن عمر رضي الله عنه فعل ذلک بشاهد الزور ، فقال في أثر طویل "ان هذا شاهد زور فلا تقبلوا له شهادة".

2. ما روی أن عمر رضي الله عنه أمر بارکاب شاهد الزور علی دابة منکوسا وأمر أن یسود وجهه وأمر بدور إنه بین الناس. کما ان ابن تیمیة ذکر في کتابه "السیاسة الشرعیة" تعلیقا علی ما روی عن عمر رضي الله عنه: "إنه أمر بذلک في شاهد الزور"66. وأیضا ذکر علة ذلک فقال : فإن الکاذب سود الوجه (بشهادة الزور ) فیسود وجهه، وقلب الحدیث، فقلب رکوبه67.

وأما الإجماع

فقد اتفق الفقهاء علی اعتبار التشهیر من عقوبات التعزیر68.

خلاصة الکلام

ومما تقدم من أقوال الفقهاء عرفنا أن المراد بعقوبة التشهیر زجر الجاني و تحذیر غیره من ارتکاب الجرائم و خزیة للجاني، و أن المقصود بالتشهیر هو اعلام الناس بجرم الجاني واشاعته بین عامة الناس حتی یکونوا علی حذر منه في تعاملهم ایاه، لأن المقصود بعقوبة التشهیر في المقام الأول هو اعلام الناس بجرم الجاني و تحذیرهم لأن لا یعتمدوا علی المجرم وأن لا یثقوا فیه، وللحاکم والقاضي أن یختار کل وسیلة تحقق الغرض من التشهیر لتصلح طریقة تنفیذ هذه العقوبة. وفي الزمن القدیم کان من وسائل التشهیر ارکاب الجاني دابة والطواف به بین الأسواق والمناداة بذنبه بین عامة الناس لکي یبلغ الخبر الی أکبر عدد ممکن من الناس، لأن في العصور السالفة کانت و سائل النشر قاصرة- أما في الوقت الحاضر کان المدنیة قد تقدمت و شاع کثیر من الرسائل للنشر والتشهیر، مثل الإذاعة والتلفاز والجرائد و الصحف. فلا بدلنا أن نلجأ الی الوسائل الجدیدة لعقوبة التشهیر في هذا العصر، لأن المقصود هو انزجار الجاني وهو یحصل بالتشهیر، بل ربما یکون التشهیر أعظم عند الناس من الضرب والجلد و غیر ذلک من العقوبات التعزیریة.

نقل صاحب الهدایة کیفیة التشهیر عن شریح رحمه الله ، فإنه کان یبعثه الی السوق، ان کان سوقیا، والی قومه ان کان غیر سوقي، وکان شریح یقرأ علیکم السلام، ویقول: إنا وجدنا هذا شاهد زور فاحذروه وحذروا الناس منه69. وهذا أیضا مذهب الشافعي رحمه الله70.

وأتی ولید بن عبد المالک بشاهد الزور، فأمر بقطع لسإنه و عنده القاسم وسالم فقالا : سبحان الله بحبسه سبع خفقات، ویقام بعد العصر یقال هذا أبو قبیس وجدنا، شاهد زور، ففعل به71.

ولکن في عصرنا الحاضر، فان تقدم المدنیة و استنباط کثیر من الوسائل السهلة المنتجة للنشر والاخبار یجعل الالتجاء الی الوسائل الحدیثة ومنها الصحف والجرائد الیومیة أو الأسبوعیة أو الشهریة وإذاعة والتیلفیزیون. وهکذا یصح أن یکون التشهیر بالنسبة للتجار في مراکز التجاریة العامة وخاصة في المرکز التجاری الخاص الذی یعمل التاجر فیه، وهذا لکل جان بین قومه و مکان سکونته أو في المکان الذی یعمل أو یسکن هذا الجاني، وهکذا ان کان الجاني مؤظفا حکومیا أن یکتب الی مدیر مکتبه لتشهیره، بین زملائه وجیرإنه.

الهوامش

  1. القاموس الفقهي 75، والمغرب للمطرزی، ج1، ص101، والصحاح، القاموس المحیط، والمصباح المنیر مادة (حبس)
  2. المصباع المنیر، وانظر أیعنا: في اصطلاحات الفقهاء، تبصرة الحکام، ج2، ص315، وشرح فتح القدیر، ج6، ص375، تبیین الحقائق، ج4، ص179
  3. مجموع فتاوی أبن تیمیة، ج35، ص398، الطرق الحکمیة لابن القیم الجوزیة 102
  4. بدائع الصنائع، ج7، ص174
  5. مجموع فتاوی ابن تیمیة، ج35، ص398، والطرق الحکمیة، ص101-102
  6. الطرق الحکمیة، ص101-102
  7. تبصرة الحکام لابن فرحون علی هامش فتح العلیي المالک، ج2، ص315-316، والطرق الحکمیه ص101
  8. ذکر هذا أبن فرحون المالکي تبصرة الحکام فقال "هل سجن رسول الله صلى الله عليه وسلـم و أبو بکر أحدا أم لا فذکر بعضهم إنه لم یکن لهما سجن ولا سجنا أحدا"، ج 2، ص216، ولکن لم یذکر اسم أحد من الفقهاء
  9. سورة النساء رقم 15
  10. سورة المائدة : 33
  11. تبیین الحقائق شرح کنز الدقائق، ج4، ص179-180
  12. نصب الرایة للزیلعي، ج4، 321
  13. سنن أبي داود، ج2، ص214، وانظر أیضا تبصرة الحکام لابن فرحون، ج2، ص216
  14. أحکام القرآن للجصاص، ج4، ص59
  15. نصب الرایة للزیلعي، ج3، ص310
  16. سنن أبي داود، ج3، ص214، وأنظر أیضا تبصرة الحکام لابن فرحون، ج2، ص316
  17. نیل الأوطار، ج8، ص276، تبصرة الحکام لابن فرحون، ج2، ص316، الشرح الکبیر لابن قدامة، ج5، ص493
  18. اعلام الموقعین:، طبع دار الجیل، بیروت، لبنان، ج2، ص114-115
  19. تبیین الحقائق، ج4، ص181
  20. کشاف القناع عن متن الاقناع، ج6، ص126
  21. في رأیي حد الأدني للحبس غیر مقدر والا لیعد حدا، کما قال ابن قدامة رحمه الله أن أقل التعزیر لیس مقدرا، لإنه لو کان مقدرا لکان حدا، فیرجع فیه ألی اجتهاد الإمام فیما براء وما یقتضیة حال الشخص نفسه المغني لابن قدامة، ج10، ص347-348
  22. کما نقل عن عبد الله الزبیری من أصحاب الشافعي أن مدة الحبس تقدر بشهر لا ستبراء والکشف، کما في حبس المدین أو بستة أشهر للتأدیب والتقویم- الأحکام السلطانیة للما وردی ص: 230، 236 طبع دار نشر کتب الاسلامیة بلا هور- الباکستان، وتبصرة الحکام، ج2، ص 229-230
  23. وقال صاحب نهایة المحتاج في کتابه ج8،19-20 : ‘‘ أن مدة السجن لأحرار لا تصل سنة ، لأن الشافعیة قاسوا الحبس علی النفي والتغریب ، لأن - التغریب في حد الزنی سنة ، فیجب ألا یصل الحد الأ علی للحبس الی سنة حتی لا یعاقب المجرم بعقوبة الحد في غیر حد، لقول رسول الله صلی الله علیه وسلم: "من بلغ حدا في غیر حد، فهو من المعتدین"، ولکن هذا الرأی ما اتفق الشافعیة أنفسهم- المرجع السابق (نهایة المحتاج )، ج8، ص 19-20
  24. المغني لابن قدامة ج10، ص347-348
  25. حاشیة ابن عابدین، ج6، ص 66، المبسوط للسرخسي، ج6، ص 145، المدونة، ج5، ص203 الانصاف للمرداوی، ج10، ص248، فتاوی أبن تیمیة، ج28، ص 243، المغني، ج8، ص 326
  26. تبصرة الحکام لابن فرحون، ج2، ص 305-306، معین الحکام: ص232-233
  27. تبصرة الحکام: ج2، ص 326
  28. نفس المرجع: ص 320
  29. التشریح الجنائي، ج1، ص 697
  30. أقضیة الرسول، ص605، طبع دارالکتاب اللبناني، 1978م
  31. سنن الدار قطني، مطبعة دار المحاسن بالقاهرة، ج3، ص 139
  32. حاشیة ابن عابدین، ج4، ص67-68، تبیین الحقائق شرح الکنز، ج3، ص214، القوانین الشهیه لابن جزی: 309، دار الفکر فتح العلی المالک علی هامش تبصرة الحکام، ج2، ص254، ومعین الحکام، ص 218
  33. حاشیة ردالمختر، ج4، ص27، و تبصرة الحکام، ج2، ص203 ،فتاوی قاضي خان، ج9، ص300
  34. قصاص و دیت، نثرة ادارة تحقیقات الاسلامیة، ص 137
  35. تبیین الحقائق، ج3، ص216، التعزیر: ص 375
  36. سبل السلام للصنعاني، ج4، ص27
  37. ان أبا حنیفة و محمد والشافعي رحمهم الله یعتبرون ردته ولکن صاحبهما أبو یوسف لا یعتبرها ردة
  38. الانصاف للمرداوی الحنبلي، ج10، ص330-331، المبسوط للسرخسي، ج10، ص122 تحفة الفقهاء (حنفي)، ج4، ص530، بدائع الصنائع، ج7، ص135
  39. المغني، ج8، ص551
  40. الطرق الحکمیة، ص 101-102
  41. العقوبة في الفقه الاسلامي: ص 202، التشریح الاسلامي 1،633
  42. الکهر: الزجر، وقیل: أن یستقبله بوجه عابس : المغرب للمطرزی 2،418، نشر الکتاب العربي - بیروت
  43. بدائع الصنائع في ترتیب الشرائع 7،64 ، العقوبة في الفقه الاسلامي 202
  44. الأحکام اللطانیة للماوردی : 204
  45. سورة عبس: 1
  46. المنجد في اللغة والا علام-
  47. أخرجه البخاری، کتاب الایمان، ج1، ص9، حدیث أباذر
  48. نیل الأوطار، ج7، ص138 کتاب حد شارب الخمر، معین الحکام: ص231، تبیین الحقائق للریلعي، ج3، ص208
  49. کشاف القناع عن متن الاقناع، 6، ص124-125
  50. الأحکام السلطانیة للما وردی: ص 204
  51. السیاسة الشرعیة لابن تیمیة، ص 112
  52. التعزیر، د. عبد العزیز عامر، ص 442، البدائع، ج7، ص64
  53. التعزیر: 443
  54. الأحکام السلطانیة للماوردی: ص 204
  55. مسند أحمد بن حنبل، ج1، ص207
  56. المغرب للمطرزی، ج2، ص499، نشر دار الکتاب العربي - بیروت
  57. سورة النساء: 34
  58. السیاسة الشرعیة لابن تیمیة، ص 112، فتح العلی المالک و بهامشه تبصرة الحکام، ج2، ص296
  59. سورة التوبة 118
  60. فتح العلي المالک و بهامشه تبصرة الحکام لابن فرحون، ج2، ص296
  61. التعریفات للجرجاني، ص 111
  62. حاشیة ابن عابدین، ج3، ص 193
  63. سورة النساء : 34
  64. التشریع الجنائی، ج1، ص146
  65. جاء في کتاب " المغرب" للمطرزی، ج1، ص67
  66. صحیح البخاری بمعنی هذا الحدیث، کتاب الحیل، ج1، ص1033
  67. التشریع الجنائي، ج1، ص704، وکشاف القناع عن متن الاقناع، ج6، ص125
  68. صحیح البخاری، کتاب الحیل، ج2، ص1033
  69. السیاسة الشرعیة لابن تیمیة، ص113
  70. المرجع السابق
  71. کشاف القناع، ج4، ص125، تبصرة الحکام لابن فرحون، ج2، ص382-383
  72. الهدایة، ج3، ص132
  73. المرجع السابق
  74. المغني، ج9، ص261

حوالہ جات

Loading...
Issue Details
Id Article Title Authors Vol Info Year
Id Article Title Authors Vol Info Year
Similar Articles
Loading...
Similar Article Headings
Loading...
Similar Books
Loading...
Similar Chapters
Loading...
Similar Thesis
Loading...

Similar News

Loading...