Search from the Journals, Articles, and Headings
Advanced Search (Beta)
Home > Al-Idah > Volume 35 Issue 2 of Al-Idah

ابتكارات العلامة الزمخشري في علم المعاني خلال أسلوب السؤال والجواب في تفسيره الكشاف |
Al-Idah
Al-Idah

Article Info
Authors

Volume

35

Issue

2

Year

2017

ARI Id

1682060034497_403

Pages

214-238

PDF URL

http://www.al-idah.pk/index.php/al-idah/article/download/51/45

Chapter URL

http://al-idah.szic.pk/index.php/al-idah/article/view/51

Asian Research Index Whatsapp Chanel
Asian Research Index Whatsapp Chanel

Join our Whatsapp Channel to get regular updates.

ترجمة العلامة الزمخشري:

هو أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الحنفي المعتزلي الملقب بجار الله، لُقّب بذلك لجواره مكة المكرمة([1]).

ولد الزمخشري بزمخشر وهى قرية من قرى خوارزم يوم الأربعاء السابع والعشرين من شهر رجب عام سبع وستين وأربعمائة (467هـ).

نشأ العلامة الزمخشري في بيت علم ومعرفة واستفاد من شيوخ عصره ومنهم أبو الخطاب بن البطر، وأبو السعيد القاني، وشيخ الإسلام أبو المنصور الحارثي، واجتمع بالفقيه الحنفي الدامغاني.

جهوده العلمية:

العلامة الزمخشري أفاد المكتبة الإسلامية، وأمدها بفيض من المؤلفات النافعة، في مجال التفسير والبلاغة واللغة، والنحو والأدب والترجمة والفقه والحكم والأمثال العربية والزهد والجغرافيا وغير ذلك من الفنون ([2]).

قال عنه ياقوت الحموي: "أبو القاسم الزمخشري جار الله كان إماماً في التفسير والنحو واللغة والأدب، واسع العلم كبير الفضل متفنِّنا في علوم شتى" ([3]).

وقال عنه ابن خلكان: "أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي الزمخشري، الإمام الكبير في التفسير والحديث والنحو واللغة وعلم البيان، كان إمام عصره غير مدافع، تشد إليه الرحال في فنونه"([4]).

ومن أهم مؤلفاته: تفسيره "الكشاف عن حقائق التنــزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل"، إذ انصهرت فيه علوم الزمخشري، وبرزت فيه مواهبه ومعارفه، فهو بحق الكتاب المعبر عن علمه ومكانته في عالم الفكر والمعرفة .

وفاته:

وبعد جواره الثاني لبلد الحرام عاوده الحنين إلى بلده، وفي طريقه إليه مر ببغداد سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، وقرأ بعض كتب اللغة على أبي منصور الجواليقي، وعندما بلغ وطنه وافته منيته بجرجانية وهي قرية من قرى خوارزم سنة 538هـ - رحمه الله - بعد حياة حافلة بالعلم والجهد ([5]).

إن اللغة العربية تُعَدُّ لغةً ذات أصالة وريادة، وهذا الفضل يعود إليها بلا منازع، والسبب الحقيق في ذلك هو نزول القرآن الكريم بها، قال الله –تعالى-: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ"([6]) إن الرسول هو النبي الخاتم -عليه الصلاة والسلام-، واللسان هو اللسان العربي، والقوم يوحي بالأنداد والأشراف والعظماء في القبائل والعشائر والبطون، ومن الطبيعي أن الإبلاغ والإبانة يتحقق حينما يعيَ السامع مراد المتكلم ويفهمه فلا يبقى له مجال شك أو سهو. وقد بلغ هذا الأمرُ مبلغَه في حق الخطاب المبين لكونه عربيا، ونزوله على النبي الأمي العربي القرشي -عليه الصلاة والسلام-، والقوم الذي نزل فيه هذا الكلام الخالد كان له سؤدد وشرف في متصرَّفات الكلام وإدارته حسب أهوائه وأشواقه حتى نالوا سمعة طيبة في قطر الجزيرة كلها من أجل قدرتهم على تصريف الكلام وتَفَنُّنِهِمْ في مذاهب القول. فالقرآن الكريم نزل بلغة أولئك المصاقع.

من المحقق لولا نزل القرآن الكريم بالعربية لماتت العربية برمتها أو على الأقل تملصت عن حقيقتها الأولى، فالذي يجعل العربية أم اللغات الحية الناضجة هو فصاحتها وبلاغتها، وكلتاهما كامنتان في الثالوث اللساني: المعاني والبيان والبديع، وهذه العلوم لها دور رئيسى في فهم كلام الله العليم القدير، وقد نص على ذلك العلامة الزمخشري مقسما علوم البلاغة على قسمين أساسيين، أحدهما: علم المعاني، والآخر: علم البيان، يقول العلامة الزمخشري: "ثم إن أمْلأ العلوم بما يغْمُرُ القرائحَ، وأنهضَها بما يبهُرُ الألبابَ القوارحَ من غرائب نُكَتٍ يلطُف مسلَكُها، ومستودعاتِ أسرارٍ يدق سِلْكُها علم التفسير الذي لا يتم لتعاطيه، وإجالة النظر فيه كلُّ ذي علم، كما ذكر الجاحظ في كتابه "نظم القرآن"؛ فالفقيه وإن برَّز على الأقران في علم الفتاوى والأحكام، والمتكلم وإن بزّ أهل الدنيا في صناعةِ الكلام، وحافظ القصص والأخبار وإن كان من ابن القِرِّيّة ([7]) أحفظ، والواعظ وإن كان من الحسن البصري أوعظ، والنحوي وإن كان أنحى من سيبويه، واللغوي وإن علك اللغاتِ بقوة لحييه لا يتصدى منهم أحدٌ لسلوك تلك الطرائق، ولا يغوصُ على شيءٍ من تلك الحقائق إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن وهما: علم "المعاني" وعلم "البيان". ([8])

صرح العلامة الزمخشري بعلمي؛ المعاني والبيان، وأكد على ضرورة مطلبهما في فحوى الكلام وجوهر القول، ولم يذكر أصلا علم البديع بصفته أحد الأصول الثلاثة، وهذا ما دفع كثيرا من العلماء إلى الظن بأن العلامة الزمخشري هو أول من قسم علوم البلاغة إلى قسمين: علم المعاني، وعلم البيان، وجعل علم البديع ذيلاً لهما، فكأنه غير مسبوق في اكتشاف علوم البلاغة بحجة ما قاله مرة أخرى في مقدمة الكشاف: "ولقد رأيتُ إخواننا في الدين من أفاضل الفئة الناجية العدلية، الجامعين بين علم العربية والأصول الدينية - كلما رجعوا إلىّ في تفسير آية، فأبرزت لهم بعض الحقائق من الحجب أفاضوا في الاستحسان والتَعَجُّبِ، واستُطيروا شوقاً إلى مصنَّفٍ يضُمُّ أطرافاً من ذلك، حتى اجتمعوا إليّ مقترحين أن أُمْلِيَ عليهم "الكشف عن حقائق التنــزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل" فاستعفيتُ، فأبوا إلا المراجعة والاستشفاع بعظماء الدين وعلماء العدل والتوحيد، والذي حداني على الاستعفاء على علمي أنهم طلبوا ما الإجابة إليه عليَّ واجبة؛ لأن الخوض فيه كفرض عين - ما أرى عليه الزمان من رثاثة حاله وركاكة رجاله، وتقاصر هممهم عن أدنى عُدد هذا العلم، فضلاً أن تترقَّى إلى الكلام المؤسَّس على علمي "المعاني" و"البيان". ([9])

الزمخشري وإن ذكر هذا التقسيم الثنائي لعلوم البلاغة ولكنه لم يطبقه في كتابه الموسوم بالكشاف، إنه استخدم مصطلح "البيان" - وهو موضوع لمسائل علم البيان - لباب الفصل والوصل، وهذا أحد أبواب علم المعاني، مثلا يقول في تفسير آية من سورة يس"قِيلَ ادْخُلْ الْجَنَّةَ"([10]): "فإن قلت: كيف مخرج هذا القول في علم البيان؟ قلت: مخرجه مخرج الاستئناف؛ لأن هذا من مظان المسألة عن حاله عند لقاء ربه؛ كأن قائلاً قال: كيف كان لقاء ربه بعد ذلك التصلب في نصرة دينه والتسخي لوجهه بروحه؟ فقيل: "قِيلَ ادْخُلْ الْجَنَّةَ" "([11]). فالاستئناف هو أحد أشكال الفصل، وهو أحد مسائل المعاني، ورغم ذلك إنه أسمى المسائل بعلم البيان. وهكذا سار مسار الأمر نفسه في باب الاختصاص وهو من أبواب المعاني في معرض تفسير قوله تعالى: "قُلْ لَوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ". ([12]) وفي ختام الحديث عن وجوه الإعراب في الآية يقول: "فأما ما يقتضيه علم البيان فهو أن "أنتم تملكون" فيه دلالة على الاختصاص وأن الناس هم المختصون بالشّح المتبالغ" ([13]).

ومن هذا المنحى أدخل العلامة الزمخشري مسألتي علم المعاني وهما: الفصل والوصل (الاستئناف)، والاختصاص في البيان، فإما أنه كان يَعُدُّ بعض مسائل المعاني من باب البيان، أو أطلق على بعض مسائل المعاني مسمى البيان توسعا ومجازا.

وكذلك أطلق "علم البيان" على "الالتفات" وهو أحد مسائل علم المعاني في تفسير قوله –تعالى: "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ"([14]) يقول العلامة الزمخشري: "فإن قلت: لم عُدِلَ من لفظ الغيبة إلى لفظ الخطاب؟ قلت: هذا يسمى الالتفات في علم البيان..إلخ" ([15]).

ونرى العلامة الزمخشري يطلق مسمى علم البيان على بعض مسائل علم البديع أيضا، وهذا إما أن يكون من باب التوسع أو المجاز، أو لأن أبواب كل علم من هذه العلوم الثلاثة لم تكن واضحة في ذهنه. يقول في تحليل اللف والنشر في قوله تعالى: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"([16])"فقوله "وَلِتُكْمِلُوا"علة الأمر بمراعاة العدة، "وَلِتُكَبِّرُوا" علة ما علم من كيفية القضاء والخروج من عهدة الفطر، و"لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" علة الترخيص والتيسير، وهذا نوع من اللّف لطيف المسلك لا يكاد يهتدي إلى تبيُّنه إلا النّقّاب المحدث من علماء البيان" ([17]).

وهذا التداخل بين مصطلحات العلوم البلاغية الثلاثة لم يقف لهذا الحد عند العلامة الزمخشري بل تجاوز ذلك، كان العلامة الزمخشري يطلق مسمى البيان على العلوم الثلاثة؛ المعاني والبيان والبديع مرة، وعلى علم البديع مرة أخرى، ويمكن أن يلاحَظ ما جاء به في تفسير قوله تعالى: "أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى"([18])يقول: "فإن قلت: هب أن شراء الضلالة بالهدى وقع مجازاً في معنى الاستبدال، فما معنى ذكر الربح والتجارة كأن ثم مبايعة على الحقيقة؟ قلت: هذا من الصنعة البديعة التي تبلغ بالمجاز الذروة العليا، وهو أن تُساق كلمة مساق المجاز، ثم تقفى بأشكال لها وأخوات إذا تلاحقن لم تر كلاماً أحسن منه ديباجة، وأكثر ماءً ورونقاً، وهو المجاز المرشح..إلخ" ([19]).

وقد يستعمل مصطلح "علم البديع" لبعض أنواعه من باب ذكر الكل وإرادة الجزء، مثلا يقول في تفسير ظاهرة الجناس في قوله–تعالى-: "وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ"([20]): "وقوله:"مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ" من جنس الكلام الذي سماه المحدثون البديع، وهو من محاسن الكلام الذي يتعلق باللفظ بشرط أن يجيء مطبوعا أو يصنعه عالم بجوهر الكلام يحفظ معه صحة المعنى وسداده، ولقد جاء ههنا زائداً على الصحة فحسن وبَدُع لفظاً ومعنى؛ ألا ترى أنه لو وضع مكان (نبأ) بخبر لكان المعنى صحيحاً، وهو- كما جاء - أصح لما في النبأ من الزيادة التي يطابقها وصف الحال" ([21]).

كذلك يقول في تفسير قوله –تعالى-: "وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي"([22]) "ولما ذكرنا من المعاني والنكت استفصح علماء البيان هذه الآية، ورقصوا لها رؤوسهم، لا لتجانس الكلمتين وهما قوله " ابْلَعِي، وأَقْلِعِي"، وذلك وإن كان لا يُخلي الكلام من حسن فهو كغير الملتفت إليه بإزاء تلك المحاسن التي هي اللبُّ وما عداها قُشور" ([23]).

ويقول في تفسير وقوع التجانس على سبيل الطبع، بعيد التكلف في إحدى الآيات من سورة يوسف:"وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ"([24])ما يجعل الآية ذات رونق وبهاء لحسن الانسجام وعمدة الاتزان من أجل التوافق بين المقال والمقام فيها، فيقول: "والتجانس بين لفظتي الأسفِ ويوسفَ مما يقع مطبوعا غير متعمَّل، فيملُح ويبدع، ونحوه "مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الْآخِرَةِ"([25]) و"وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ"([26]) و"وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا"([27]) و"مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ"([28])" ([29]).

ذكر العلامة الزمخشري مصطلحات عديدة للظاهرة بعينها، فمرة يطلق عليها "المزاوجة" من أجل التزاوج والتلاصق والتداخل بين أركان الآية ومكوناتها، وأحيانا "المقابلة" لوقوع بعضها في وجه بعض آخر، كقوله في معنى قوله –تعالى-: "وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ"([30])"سمى الفعل الأول باسم الثاني للمزاوجة" ([31])وقوله في معنى قوله –تعالى-: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا"([32])"فجاءت على سبيل المقابلة وإطباق الجواب على السؤال، وهو فن من كلامهم بديع، وطراز عجيب، منه قول أبي تمام:

من مبلغ أفناء يعـرُبَ كـلَّـهاأني بنيتُ الجارَ قبل المنـزل([33])" ([34])

فالبديع عند العلامة الزمخشري عبارة عن تحسين وضع الكلام وتزيينه وترقيته وإصلاحه على وجه يعجب به كل ناظر إليه، شريطة أن يكون جانب الطبع معادلا لجانب الصنعة فيه، وهذا ما يقول عنه: "وأن ما سماه الناس البديع من تحسين الألفاظ وتزيينها بطلب الطباق فيها والتجنيس والترصيع والتسجيع، لا يمُلح ولا يُبرع حتى يوازي مصنوعه مطبوعه، وإلا فما قلق في أماكنه ونبا عن مواقعه فمنبوذ بالعراء، مرفوض عند الخطباء والشعراء" ([35]).

ثبت مما تقدم أن العلامة الزمخشري وإن صرَّح بتقسيم علوم البلاغة أكثر من مرة في المقدمة إلا أنه لم يطبقه في تفسيره أصلا فلا يقال أنه أول قاسم لعلوم البلاغة، وهذا الذي يقول عنه صاحب "النظم القرآني في كشاف العلامة الزمخشري": "والعلامة الزمخشري وإن ذكر "البديع" عند ذكر بعض ألوانه التي عرض لها - كما سبق- فإنه لم يذكر ولو مرة واحدة اسم "علم المعاني" على مسألة بلاغية من المسائل التي تنطوي تحته على كثرة ما عرض لها منها.

فالأمر لا يعدو أن يكون مجرد تسمية جرت من العلامة الزمخشري في مقدمة الكشاف دون أن يفرق من الناحية العلمية التطبيقية في صلب الكشاف بين مباحث علم المعاني، ومباحث علم البيان على نحو ما فعل السكاكي فيما بعد في كتابه "مفتاح العلوم"([36]).

وكثير من العلماء يرون أن أول قاسم لعلوم البلاغة هو السكاكي حيث قسَّمَ علومَ البلاغة؛ المعاني والبيان والبديع فنقَّحَها فهذَّبَها فبَوَّبَها، يقول الدكتور شوقي ضيف عن هذا التطور اللاحق للعلوم البلاغية على يد السكاكي: "وهذه هي أول مرة يلقانا هذا التمييز بين العلمين الأساسيين للبلاغة، وكان عبد القاهر كما أسلفنا يسمي العلم الأول علم النظم أو الأسلوب، وكان الزمخشري المعتزلي رأى أن يعدل عن هذا الاصطلاح، لتنازع المعتزلة والأشعرية في مدار الإعجاز وهل هو النظم أو الفصاحة على نحو ما مرّ بنا في صدر هذا الفصل، فوضع هذا الاسم الجديد للعلم حتى يخرج به عن مجال هذا النـزاع. وكانت كلمة البيان كما قدمنا قد ترددت على لسان عبد القاهر في فاتحة كتابه "أسرار البلاغة" فاتخذها العلامة الزمخشري عَلَماً على مباحثه فيه، ونقل عنه السيد الجرجاني أنه لم يكن يعد البديع علما مستقلاً بل كان يراه ذيلا لعلمي المعاني والبيان، وسنرى السكاكي يتأثر به في ذلك، وكأنه هو الذي ميّز لأول مرة بين علوم البلاغة الثلاثة، وإن كنا سنجد بينها شيئاً من التداخل يلقانا في الحين بعد الحين"([37]).

رأى صاحب "النظم القرآني في كشاف الزمخشري" أن الزمخشري قد عَمَّمَ مصطلح "علم المعاني"، فأطلقه على علوم البلاغة؛ المعاني والبيان والبديع، فلم يخصص المصطلح لبيان مسائل علم المعاني بل جاء بالمصطلح نفسه لبيان مسألة علم البيان في وقت، والبديع في وقت آخر، نحو قوله عند استبانة مسألة "المبالغة" في قوله –تعالى-: "لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا"([38])"فإن قلت: من أين دلَّ قوله "وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ" على أن المعنى ولا من فوقه؟ قلت: من حيث إن علم المعاني لا يقتضي غير ذلك، وذلك أن الكلام إنما سبق لرد مذهب النصارى وغلوهم في رفع المسيح عن منزلة العبودية، فوجب أن يقال لهم: لن يترفع عيسى عن العبودية، ولا من هو أرفع منه درجة، كأنه قيل: لن يستنكف الملائكة المقربون من العبودية فكيف بالمسيح؟! ويدل عليه دلالة ظاهرة بينة تخصيصُ المقربين؛ لكونهم أرفع الملائكة درجة وأعلاهم منـزلة، ومثاله قول القائل:

وما مثلُه ممن يجاوَدُ حـاتِمٌولا البحرُ ذو الأمواجِ يَلْتَجُّ زاخِرُه([39])

لا شبهة في أنه قصد بالبحر ذي الأمواج ما هو فوق حاتم في الجود، ومن كان له ذوق فليذق، مع هذه الآية قوله "وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى"([40]) حتى يعترف بالفرق البين"([41]).

بعد هذا وذاك يمكن القول إن العلامة الزمخشري هو أول من أشار إلى قسمي علوم البلاغة الأساسيين؛ المعاني والبيان وجاء بالثالث؛ البديع ذيلا لهما، إلا أنه لم يتعرض أصلا لتحديد أبواب المعاني أو البيان أو البديع، فكأنه سلك مسلك الإمام عبد القاهر الجرجاني في تناول مسائل علوم البلاغة ونهجه في علاج المعاني والبديع في مؤلفيه العظيمين؛ أسرار البلاغة،ودلائل الإعجاز، فاكتفى بما جاء به الإمام، ثم الذي كان العلامة الزمخشري بصدد شرحه وتفسيره هو كتاب الله العلي القدير، ومن مقتضى المقام أن كان قد اكتفى قدر ما جاء به، ففعل ذلك على وجه أدق وأبلغ، وحينما جاء السكاكي انتهج منهج العلامة الزمخشري في جانب ومنهج الإمام عبد القاهر الجرجاني في جانب آخر فألف بينهما، فوعى واستخرج وأضفى وزاد حتى بَيَّنَ أبواب العلوم الثلاثة على حدة في كتابه الموسوم بـ "مفتاح العلوم".

والموضوع الرئيس الذي صار الأمر منوطا به في صفحات هذا البحث هو ابتكارات العلامة الزمخشري في علوم البلاغة؛ وتحديداً بابتكاراته في علم المعاني، نبدأ بالقضية التي نال إعجاب كثير من المفتنين بعلم البلاغة، ألا إنه قضية التقديم والتأخير.

فالتقديم على نوعين؛ أحدهما: التقديم في الرتبة النحوية، والآخر: التقديم في الذكر.

الأول: التقديم في الرتبة النحوية، والمراد منه تقديم اللفظ في الرتبة قبل رتبته الأصلية أو بعدها لنكتة بلاغية كتقديم المسند على المسند إليه نحو "رجل في الدار"، وتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي نحو "خالد ذهب"، وتقديم بعض المتعلقات على بعض نحو قوله –تعالى-: "وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"([42]).

الثاني: التقديم في الذكر، والمراد منه تقديم بعض الصفات على بعضها لنكتة بلاغية، حيث لولم يقدَّم بعضُها على بعض لما تغير المعنى، أو تقديم بعض الألفاظ المقترنة على الأخرى في الذكر كتقديم أحد المعطوفين بالواو على الآخر، وتقديم أحد الأخبار المترادفة على الآخر، وهذا النوع من التقديم هو ما عناه ابن الأثير بقوله: "والثاني يختص بدرجة التقديم في الذكر لاختصاصه بما يوجب له ذلك، لو أخر لما تغير المعنى" ([43]) كقوله –تعالى-: "هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ"([44]).

قصر الإمام عبد القاهر الجرجاني الحديثَ في التقديم والتأخير على النوع الأول من التقديم وهو التقديم في الرتبة النحوية، أي: لِمَ قُدِّمَ الفاعل وأُخِّرَ المفعول أو العكس بأن قُدِّمَ المفعول وأُخِّرَ الفاعل وهكذا جرى الأمر في باب المبتدأ والخبر حيث أُخِّرَ الأول لاقتضاء المقام وقُدِّمَ الآخر لاقتضاء الحال، ولم يتعرض للنوع الثاني وهو التقديم في الذكر، لأنه واضح، ومن ثم ظهر للباحثين في دلائل الإعجاز أن الإمام عبد القاهر الجرجاني بذل جهده في الإبانة عن الخفي المشكل فبَيَّنَ تفاصيلَه وأظهَرَ جزئياتِه وكشَفَ دقائقَها بالإسهاب والبسط والشرح والتحليل.

ومن المحقق أن الخفاء وعدمه ليسا سببين رئيسيين لاختيار الإمام عبد القاهر الجرجاني أحدَ النوعين وتركه الآخر، وهذا ما أَيَّدَه الأستاذ الدكتور عادل محمد محمد الأكرت مفصلا القول في المسألة قائلا: "وقد قصر الإمام عبد القاهر حديثه في التقديم والتأخير على النوع الأول – أي التقديم على أساس الرتبة النحوية، ولم يتعرض للنوع الثاني، فلم أجد في كتابه أي إشارة من قريب أو بعيد إلى هذا النوع. وهذا ما جعلني أبحث عن سبب عدم تعرضه لهذا النوع، هل لأن الأمر فيه ظاهر واضح لا يحتاج إلى بحث ودراسة، والإمام من عادته ترك الحديث عن الواضح البين ويوجه كل جهده نحو الخفي المشكل؟ في الحقيقة أن هذا النوع من التقديم غني بالدقائق التي لا تظهر إلا بتأمل السياق ومعرفة قرائن الأحوال حتى يتكشف السر في ذكر هذه الكلمة قبل الأخرى، ناهيك عن الكشف عن أسرار تقديم الكلمة في موضع وتأخيرها في موضع آخر، وهذه أمور أدق وأخفى من التقديم على أساس الرتبة النحوية؛ لأن التقديم على أساس الرتبة له علامة يعرف بها، وقواعد تدل عليها، ولا نجد شيئاً من هذه القواعد في التقديم في الذكر ترشدنا إلى مكان التقديم حتى نتعرف على سره، ولهذا لست مقتنعا بأن يكون هذا هو السبب عند الإمام.

فبحثت عن سبب آخر أكثر إقناعاً في هذا الموضوع، وهو أن الإمام جعل النظم أساس المزية في الكلام ومرجع الحسن فيه، والنظم- كما هو معروف- قائم على معاني النحو، حيث قال في تعريفه: "توخي معاني النحو وأحكامه فيما بين الكلم". وقال كذلك:"وإنه على الجملة بحث ينتقى لك من علم الإعراب خالصه ولبه"، فقصر الإمام حديثه على التقديم في الرتبة؛ لأنه معنى من معاني النحو الذي على أساسه يبنى النظم، وترك الحديث عن تقديم بعض الكلمات على بعض في الذكر؛ لأنه ليس من معاني النحو، فالتقديم فيه ليس على أساس الرتبة النحوية، وبالتالي لا يعد من مسائل النظم التي هي محور الكتاب عند الإمام" ([45]).

فذلك القول أن الإمام عبد القاهر الجرجاني أسهب الكلام في تناول أحد نوعي التقديم وهو التقديم في الرتبة النحوية في كتابه: دلائل الإعجاز، ولم يتعرض إلى النوع الثاني أصلا([46])، بينما العلامة الزمخشري - ما يقال عنه أنه أول من طَبَّقَ بلاغة الإمام عبد القاهر الجرجاني في تفسيره الموسوم بالكشاف - فاهتم اهتماما بالغا بالنوع الآخر من التقديم وهو التقديم في الذكر، وتناوله على وجه بسيط في التفسير؛ الكشاف، ولأبرهن قولي آتي بأنموذجين من التفسير.

الأنموذج الأول: يتعلق بالتقديم في الرتبة النحوية، يقول العلامة الزمخشري في تفسير قوله –تعالى-: ""هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ"([47]) فإن قلت: المبتدأ النكرة إذا كان خبره ظرفا وجب تأخيره، فلم جاز تقديمه في قوله "وَأَجَلٌ مُسَمًّى"؟ قلت: لأنه تخصص بالصفة، فقارب المعرفة؛ كقوله "وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ"([48]): فإن قلت: الكلام السائر أن يقال عندي ثوب جيد ولي عبدٌ كيّسٌ، وما أشبه ذلك. فما أوجب التقديم؟ قلت: أوجبه أن المعنى: وأيُّ أجلٍ مسمى؛ عنده تعظيما لشأن الساعة، فلما جرى فيه هذا المعنى وجب التقديم"([49]).

الأنموذج الثاني: يتعلق بالتقديم في الذكر، يقول العلامة الزمخشري في تفسير قوله –تعالى-:" "فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا"([50]) فإن قلت: لم قدمت الوصية على الدين، والدين مقدَّم عليها في الشريعة؟ قلت: لما كانت الوصية مشبهةً للميراث في كونها مأخوذة من غير عوض كان إخراجها مما يشقُّ على الورثة، ويعظم عليهم، ولا تطيبُ أنفسهم بها، فكان أداؤها مظنَّة للتفريط بخلاف الدين، فإن نفوسهم مطمئنة إلى أدائه؛ فلذلك قدمت على الدين بعثا على وجوبها والمسارعة إلى إخراجها مع الدين؛ ولذلك جيء بكلمة "أو" للتسوية بينهما في الوجوب، ثم أكَّد ذلك، ورُغِّبَ فيه بقوله "آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ" إلى آخر السؤال وهو في الحقيقة الأقرب الأدنى" ([51]).

ذكر العلامة الزمخشري جميع المعارف في تفسيره؛ الكشاف في سؤاله وجوابه، جاء بالمعرَّف بـ "أل"، واسم الموصول، واسم الإشارة، والإضافة وهلم جرا، وأردف تلك الأنواعَ بالأسرار البلاغية، وعالج "اللام" بكل صورها وأشكالها، سواء اللام للماهية أو العهد الشخصي أو الاستغراق أو العهد الذهني، ثم أتبع كل نوع من أنواع معاني اللام بحكم بلاغي، فكأنه مزج بين النحو الأصيل الفاعل في كيان التركيب والبلاغة الفاعلة في إضفاء التناسق والتناسب والتلاقي في إحكام أجزائه.

فاللام إذا كانت للجنس تدل على معنى الماهية أو يلاحظ فيها معنى الأفراد وحينئذ تكون للاستغراق، وقد تأتي اللام للدلالة على معنى العهد الحضوري، أي: الشيء المعهود ذكرا أو تقديرا، وقد توحي بالعهد الذهني وحينئذ يضعف أثر التعريف فيها فتصير الكلمة المعرفة باللام في حكم الكلمة المنكَّرة، وعندئذ يجوز أن يعرب ما بعدها إن لم يكن مسندا له حالا راعيا تعريفه، أو صفة ملاحظا فيها معنى النكرة.

يقول العلامة الزمخشري في تفسير قوله تعالى: "مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"([52]) "فإن قلت: يَحْمِلُ ما محله؟ قلت: النصب على الحال أو الجرُّ على الوصف؛ لأن الحمار كاللئيم في قوله: ولقد أمر على اللئيم يسبني" ([53]).

كذلك يميز بين وظيفة اللام الداخلة على المفرد واللام الداخلة على الجمع، استوضح العلامة الزمخشري عن المسألة نفسها قائلا: "فإن قلت: أيُّ فرق بين لام الجنس داخلةً على المفرد وبينها داخلة على المجموع؟ قلت: إذا دخلت على المفرد كان صالحاً لأنْ يراد به الجنس إلى أن يُحاط به، وأن يراد به بعضُه إلى الواحد منه، وإذا دخلت على المجموع صلح أن يراد به جميع الجنس وأن يراد به بعضُه لا إلى الواحد منه؛ لأن وزانه في تناول الجمعية في الجنس وزان المفرد في تناول الجنسية والجمعية في جُمَلِ الجنس لا في وحدانه؛ فإن قلت: فما المراد بهذا المجموع مع اللام؟ قلت: الجملة من الأعمال الصحيحة المستقيمة في الدين على حسب حال المؤمن في مواجب التكليف" ([54]).

تناول العلامة الزمخشري مسألة اللام ومعانيها بكل تفصيل، بحثها وحققها ودققها وطبقها، ولم يترك لمن خلفه في ذلك أن يأتي بما هو جديد، فالذين جاءوا بعده إنهم عالة عليه في باب معاني اللام ودلالاتها.

درس العلامة الزمخشري - أيضا - مواطن العدول من ظاهرة لظاهرة وأشار من خلال شرح العدول إلى أسراره في الجملة الشريفة فكأنه ينكت في الكلام ويستملحه ليستزيد القارئَ. هذا العدول قد يكون لبيان العلة، وقد يكون للمدح والتعظيم، وقد يكون للاستهزاء والتهكم وقد يكون للذم والتوبيخ، يقول العلامة الزمخشري في تفسير إحدى آيات المائدة:"وَمِنْ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى"([55]) "فإن قلت: فهلا قيل من النصارى؟ قلت: لأنهم إنما سمَّوا أنفسهم بذلك ادِّعاءً لنصرة الله، وهم الذين قالوا لعيسى: نحن أنصار الله، ثم اختلفوا بعد: نسطوريةً ويعقوبيةً وملكانيةً([56]) أنصاراً للشيطان" ([57]). فالعدول في الآية من شبه الجملة المباشرة إلى الاسم الموصول والصلة من أجل مذمة القائلين: إنا نصارى، لانحرافهم عن جادَّة الصواب وحيادهم عن الطريق المستقيم وانعطافهم من السير على الحق. فالآية تحمل - لحد ما - معنى التعريض، ففيها إشارة إلى مسيرهم على الباطل.

وكذلك فسَّر السر البلاغي في العدول من "ما" الموصولة إلى "من" الموصولة في تفسير آية سورة النحل:"أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ"([58])قائلا: "فإن قلت: "من لا يخلق" أريد به الأصنام، فلم جيء بـ "من" الذي هو لأولي العلم؟ قلت: فيه أوجه: أحدها: أنهم سمَّوها آلهة، وعبدوها، فأجروها مجرى أولى العلم. ألا ترى إلى قوله على أثره: "وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ"، ([59]) الثاني: المشاكلة بينه وبين من يخلق، الثالث: أن يكون المعنى أن من يخلق ليس كمن لا يخلق من أولى العلم، فكيف بما لا علم عنده؛ كقوله: "أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا"، ([60]) يعني أن الآلهة حالهم منحطَّةٌ من حال من لهم أرجلٌ وأيدِ وآذان وقلوبٌ؛ لأن هؤلاء أحياء، وهم أموات فكيف تصح لهم العبادةُ، لا أنها لو صحت لهم هذه الأعضاء لصحّ أن يعبُدوا" ([61]).

وجاء بمثال معاكس على شاكلة المثال السابق حيث وضَّح ظاهرة العدول عن "من" الموصولة إلى "ما" الموصولة في تفسير آية من سورة البلد:"وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ"([62])قائلا: "فإن قلت: هلا قيل ومن ولد؟ قلت: فيه ما في قوله: "وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ"([63])أي بأي شيءٍ وضعت يعني: موضوعاً عجيب الشأن"([64]). فالعدول ههنا للدلالة على معنى الاستعجاب الناجم عن معنى العظمة.

إنه حلَّل السر البلاغي الذي يظهر من تعريف المسند إليه باسم الإشارة، فقال إن مفاده هو توكيد استحقاق المبتدأ للخبر، وقد يقصد باسم الإشارة الواقع مسندا إليه إحلال الشيء غير الملموس والمرئي محل الملموس والمرئي، فكأنه حاضر، وهذا ما يوضحه العلامة الزمخشري في تفسير قوله –تعالى-:"هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ"([65])فيقول: "فإن قلت: "هذا" إشارة إلى ماذا؟ قلت: قد تصوَّر فراق بينهما عند حلول ميعاده على ما قال موسى - عليه السلام –"إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي"([66]) فأشار إليه وجعله مبتدأ وأخبر عنه، كما تقول: هذا أخوك، فلا يكون هذا إشارة إلى غير الأخ" ([67]).

وقد يقصد باسم الإشارة التعظيم والتنويه، والتفخيم والتبجيل، وقد يقصد به المعنى المعاكس وهو الاستهانة والاحتقار والإذلال وغير ذلك.

بيَّنَ العلامة الزمخشري كذلك أن الإضافة تفيد معان كثيرة نحو تعظيم المضاف وتفخيمه، أو توبيخ المخاطب واحتقاره واستهزائه، وإثارة الشفقة والخوف والرحمة والعطف والحنان وغيرها. يقول العلامة الزمخشري في شرح قوله –تعالى-: "لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا"([68]) "فإن قلت: كيف قيل: بولدها وبولده؟ قلت: لما نُهيت المرأة عن المضارّة أضيف إليها الولد استعطافاً لها عليه، وأنه ليس بأجنبيٍّ منها؛ فمن حقها أن تشفق عليه، وكذلك الوالد" ([69]).

وقد تأتي الإضافة لبيان معنى الاستحقاق، أي: المعنى الذي يطرأ على المضاف إليه من أجل المضاف، يقول العلامة الزمخشري في تفسير قوله تعالى: "إِذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا"([70])"فإن قلت: ما معنى "زلزالها" بالإضافة؟ قلت: معناه زلزالها الذي تستوجبه في الحكمة وهو مشيئة الله، وهو الزلزال الشديد الذي ليس بعده، ونحوُه قولك: أكرِم التقيَّ إكرامه وأهن الفاسق إهانته. تريد ما تستوجبانه من الإكرام والإهانة، أو زلزالها كلَّه وجميع ما هو ممكن منه" ([71]).

وشرح - أيضا - المعاني التي يدل عليها التنكير، فذكر أنه قد يدل على معنى الوحدة، وقد يفيد معنى الإبهام، وقد يأتي للدلالة على معنى النوعية أو التعظيم أو التكثير أو التقليل، وكذلك قد يأتي للدلالة على معنى قلة الالتفات والاستهزاء وعدم الاهتمام والاعتناء، مثل يقول في تفسير آية من سورة سبأ:"هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ"، [72]"فإن قلت: كان رسول الله مشهوراً علماً في قريش وكان إنباؤه بالبعث شائعا عندهم، فما معنى قوله "هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ"؟ فنكَّروه لهم وعرضوا عليهم الدلالة عليه كما يدل على مجهول في أمر مجهول؟ قلت: كانوا يقصدون بذلك الطنـز والسخرية، فأخرجوه مخرج التحلي ببعض الأحاجي التي يتحاجى بها للضحك والتلهي متجاهلين به وبأمره" ([73]).

فالعلامة الزمخشري - كما سبق - سار مسار الإمام عبد القاهر الجرجاني ونهل مَعِيْنِ علمه واستقى من فيض خاطره، وبالرغم من ذلك إنه بسط المسألة وأسهب فيها، وأطال وكشف عن آفاقها الجديدة أمام القارئ، وهذا البسط والتفصيل في مسائل البلاغة القرآنية تدل على قدرة العلامة الزمخشري الخارقة وبراعته التامة في اكتشاف معنى - لا يبلغه كل قاصد إليه - دال على إعجاز النص القرآني. وهذا ما يحسب من ابتكارات العلامة الزمخشري في الباب.

بسط العلامة الزمخشري القولَ في مسألة خروج الكلام على خلاف مقتضى المقام والظاهر بجميع أنواعه، ومن الأنواع الرئيسة في الباب هو "الالتفات"، تفرد العلامة الزمخشري في قضية "الالتفات" برأي أخذه عنه السكاكي وعرف باسمه، والسبب الحقيق هو أن القزويني قد أولى بالالتفات الذي جرى على قلم العلامة الزمخشري في طوايا الكشاف فنسبه إلى السكاكي الذي ارتضى مقدَّما ما جاء به العلامة الزمخشري، أخذه وشرحه وفسره حتى نال المصطلحُ القبولَ بانتمائه إلى السكاكي، يقول الخطيب القزويني: "والمشهور عند الجمهور أن الالتفات هو التعبير عن معنى بطريق من الطرق الثلاثة بعد التعبير عنه بطريق آخر منها وهذا أخص من تفسير السكاكي؛ لأنه أراد بالنقل أن يُعبَّر بطريق من هذه الطرق عما عُبِّر عنه بغيره، أو كان مقتضى الظاهر أن يُعبّر عنه بغيره منها، فكل التفات عندهم التفات عنده من غير عكس" ([74]). والواقع إنه ليس بمذهب السكاكي وحده، بل هو مسلك العلامة الزمخشري الذي اختاره في تفسيره الكشاف، رضي به السكاكي وأخذه متأثراً به، وقد صرح بذلك الدكتور محمد محمد أبو موسى قائلا: "وجرت كتب المتأخرين في دراسته على مذهبين في الالتفات، مذهب الجمهور، ومذهب السكاكي. والواضح أن المذهب المنسوب إلى السكاكي هو طريقة العلامة الزمخشري وارتضاها السكاكي وسار عليها" ([75]).

نلاحظ العلامة الزمخشري مفسرا ظاهرة "الالتفات" في تفسير آي القرآن الكريم، يقول: "فإن قلت: ولم عدل عن لفظ الغيبة إلى لفظ الخطاب؟ قلت: هذا يُسمى الالتفات في علم البيان، قد يكون من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة، ومن الغيبة إلى التكلم، كقوله -تعالى-: "حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ"، ([76]) وقوله –تعالى-: "وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ"، ([77]) وقد التفت امرؤ القيس ثلاث التفاتات في ثلاثة أبياتٍ:

تَطَاوَلَ لَيْلُكَ بالأثْمُدِونَامَ الخَلِيُّوَلَ مْتَرْقُدِ

وبَاتَوبَاتَتْ لَهُ لَيْلَةٌكَلَيْلةِ ذِيْ العَائِرا لأرْمَدِ

وَذَلِك َمِنْ نَبإٍ جاءَنِيْوخُبِّرْ تُهعَنْ أَبِي الأَسْوَدِ([78])

وذلك على عادة افتتانهم في الكلام وتصرفهم فيه؛ لأن الكلام إذا نقل من أسلوبٍ إلى أسلوبٍ كان ذلك أحسن تطرية لنشاط السامع، وإيقاظاً للإصغاء إليه من إجرائه على أسلوبٍ واحد، وقد تختص مواقعه بفوائد. ومما خُصَّ به هذا الموضع أنه لما ذُكر الحقيق بالحمد، وأجرى عليه تلك الصفات العظام تعلَّق العلمُ بمعلوم عظيم الشأن، حقيق بالثناء، وغاية الخضوع والاستعانة في المهمات، فخوطب ذلك المعلوم المتميز بتلك الصفات، فقيل "إياك" يا من هذه صفاته نخص بالعبادة والاستعانة: لا نعبد غيرك، ولا نستعينه؛ ليكون الخطابُ أدلّ على أن العبادة له؛ لذلك التميُّزِ الذي لا يُحقُّ العبادةُ إلا به" ([79]).

هذه الأبيات تحمل في أحضانها حزنا وكآبة أصيب بها الشاعر من أجل مقتل أبيه على يد بني أسد، ذكر الليلة الليلاء الحزينة، تقرحت العين من أجل السهاد طوال الليل كما تتقرح عينا من يصيبه الرمد. ففي الأبيات ثلاثة التفاتات، الأول:العدول من التكلم إلى التخاطب في البيت الأول حيث قال: "تطاول ليلك"، والمقام يقتضى أن يقول: "ليلي" بياء المتكلم لأنه يتحدث عن نفسه ليس عن غيره. الثاني: العدول من الخطاب إلى الغيبة في البيت الثاني حيث قال: "وبات وباتت له ليلة"، أي: من الخطاب في البيت الأول إلى الغيبة في البيت الثاني. الثالث: العدول من الغيبة إلى التكلم في البيت الثالث حيث قال: "جاءني" وفيه التفات من الغيبة إلى التكلم.

بينما ذهب الجمهور إلى عدم الالتفات في البيت الأول، لأن الالتفات يعني الانتقال من طريق إلى طريق آخر، ولا يوجد هذا الانتقال والتحول والعدول في البيت الأول، إذ لا يوجد فيه هذا العدول فلا يقال على علاته أن فيه "التفات". وفي البيت الثاني "التفات" وفي الثالث "التفاتان" عند الجمهور.

فقيل عن التفاتين في البيت الثالث أنهما موجودان في كلمة "جاءني" باعتبار الانتقال والتحول من الخطاب الوارد في البيت الأول والغيبة الواردة في البيت الثاني إلى التكلم. وقيل عن ذينك الالتفاتين أنَّ أحدَهما موجود في اسم الإشارة المبدوء به البيت؛ وذلك من نبأ جاءني إلخ. ففيه التفات من الغيبة إلى الخطاب أي الكاف في اسم الإشارة؛ ذلك للخطاب، والآخرَ في الفعل الآتي في مختتم البيت الأول؛ وذلك من نبأ جاءني، ففيه التفات من الخطاب إلى التكلم.

رد العلامة التفتازاني كلا التوجيهين للالتفات، وفضَّل الرأي الأول فيه وهو وجوده في الأبيات الثلاثة، وبهذا يثبت أنه كان - أيضا - من مؤيدي الرأي الأول في الباب الذي وضع العلامة الزمخشري حجرَه الأساسيَّ فبنى عليه السكاكيُّ وأخذ عنه اللاحقون. يقول العلامة التفتازاني: (فالجواب عن الأول أن الانتقال إنما يكون في شيءٍ حاصل واقع عليه أسلوب الكلام، وبعد الانتقال من الخطاب في (ليلك) إلى الغيبة في (بات) قد اضمحل الخطاب، وسار الأسلوب أسلوب الغيبة فلا يكون الانتقال إلى التكلم في "جاءني" إلا من الغيبة وحدها، وعن الثاني أنا لا نسلم أن الكاف في (ذلك) خطاب لنفسه حتى يكون المعبر عنه واحداً، بل هو خطاب لمن يتلقى منه الكلام كما في قوله تعالى: "ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ"، ([80]) و"ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ"([81]) حيث لم يقل من بعد ذلكم، وقوله:

هل تزجُرنَّكم رسالةُ مرسـلأم ليس ينفعُ في أولاكَ الوَكُّ([82])

حيث لم يقل (أولاكم)، وقوله:

بَكِّرَا صَاحِبَيَّ قَبْلَ الهَجِـيرِإِنَّ ذاكَ النَّجَــاحَ فِي التَّبْكِـيرِ([83])

حيث لم يقل ذاكما" ([84]).

مجمل القول إن العلامة الزمخشري أول من صرح بهذا النوع من "الالتفات" فأخذ عنه من جاء بعده، فبعضهم اختاروا مذهبه وطبقوه فلم يذكروا من القائل بذلك، وكان على رأس هذه الطائفة السكاكيُّ، فنسب إليه هذا المعنى الحيادي للالتفات البلاغي، وفُهِمَ من ذلك أنه أول من أرسى دعائم هذا "الالتفات"، والأمر لم يكن على ذلك. وهذا الذي يتحدث عنه الدكتور محمد محمد أبو موسى فيقول: "والبلاغيون قد درسوا هذا الباب وتنبهوا له منذ زمن بعيد، والواقع أنه لم ينبه أحد إلى قيمته البلاغية بالطريقة المفصلة الواضحة التي درسه بها الزمخشري" ([85]).

ثمة أنماط عديدة عند صاحب الكشاف لخروج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر، نحو وضع المضمر موضع المظهر أو العكس؛ وضع المظهر موضع المضمر، يقول العلامة الزمخشري في تفسير آية سورة الأعراف: "قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِ وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"([86]) "فإن قلت: هلا قيل: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وبي بعد قوله: "إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ؟ قلت: عدل عن المضمر إلى الاسم الظاهر لتجري عليه الصفات التي أجريت عليه، ولما في طريقة الالتفات من مزية البلاغة وليُعلم أن الذي وجب الإيمان به واتباعه هو هذا الشخص المستقل بأنه النبي الأميُّ الذي يؤمن بالله وكلماته كائنا من كان أنا أو غيري إظهاراً للنصفة وتفاديا من العصبية لنفسه" ([87]).

ومن أنماط خروج الكلام على مقتضى الظاهر استبدال الماضي بالمضارع عند العلامة، والسر البلاغي في ذلك هو استحضار الصورة وتذكُّرُها، يقول العلامة الزمخشري في تفسير آية من سورة فاطر: "وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ"([88])"فإن قلت: لم جاء "فَتُثِيرُ" على المضارعة دون ما قبله وما بعده؟ قلت: ليُحكى الحال التي تقع فيها إثارة الرياح السحاب، وتُستحضر تلك الصورة البديعةُ الدالة على القدرة الربانية، وهكذا يفعلون بفعل فيه نوع تمييز وخصوصية بحال تُستغرب أو تَهُمُّ المخاطبَ أو غيرِ ذلك كما قال تأبَّطَ شرا: ([89])

بأني قد لقيتُ الغولَ تهـويبسهبٍ كالصحيفة صَحْصَحانِ

فأضربُها بلا دَهَش فخرَّتْصـريعـا لليـدينِ وللجـرانِ([90])

لأنه قصد أن يصور لقومه الحالة التي تشَجَّع فيها بزعمه على ضرب الغول؛ كأنه يبصِّرهم إياها، ويطلعُهم على كنهِها مشاهدةً للتعجيب من جرأته على كلِّ هول، وثباته عند كل شدة، وكذلك سَوْقُ السحاب إلى البلد الميت وإحياءُ الأرض بالمطر بعد موتها، لما كانا من الدلائل على القدرة الباهرة قيل: "فسقنا" و"أحيينا" معدولاً بهما عن لفظ الغيبة إلى ما هو أدخل في الاختصاص و أدل عليه"([91]).

ومن أنماط الخروج عنده استخدام الماضي في موضع المضارع المستقبل للدلالة على تحقيق وقوع الأمر، يقول العلامة الزمخشري في تفسير آية سورة النمل: "وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ"([92]) "فإن قلت: لم قيل "ففزع" دون فيفزع؟ قلت: لنكتة وهي الإشعار بتحقق الفزع وثبوته وأنه كائن لا محالة واقع على أهل السموات والأرض؛ لأن الفعل الماضي يدل على وجود الفعل وكونه مقطوعاً به" ([93]).

ومن تلك الأنماط التغليب، يقول العلامة الزمخشري عنه في تفسير آية من سورة النمل: "بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ"([94]) "فإن قلت: "تَجْهَلُونَ" صفةً لقوم والموصوف لفظه لفظُ الغائب، فهلا طابقت الصفة الموصوف، فقرئ بالياء دون التاء؟ قلت: اجتمعت الغيبة والمخاطبة فغلبت المخاطبة؛ لأنها أقوى وأرسخُ أصلاً من الغيبة". ([95])تحدث العلامة الزمخشري بكل بسط وتفصيل عن أبعاد خروج الكلام عن مقتضى الظاهر وأنماطه وصوره وأشكاله، فالذين جاءوا بعده لم يضيفوا إلى ما تقدم، أخذوه واكتفوا به. وهذا ما يؤيد ابتكاراته في علم المعاني.

ومن ابتكاراته - أيضا - أنه وقف وقفة متأنية أكثر من مرة عند تحديد معاني الحروف الواردة في كلام الله -جل وعلا-، إنه فسرها وشرح المراد منها وحدد دلالاتها حسبما يقتضيها المقال والمقام. واستفاد في الباب عينه من النحاة الأوائل، وأضفى على ما سبق من اللطائف التي تلوح للفهم ولا تسعها العبارة، مثلا يقول في تفسير آية من سورة الأنعام: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ"([96])شارحا ومبينا معنى "ثُمَّ" فيها: "فإن قلت: فما معنى "ثم"؟ قلت: استبعاد أن يعدلوا به بعد وضوح آيات قدرته، وكذلك "ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ"([97]) استبعاد لأن يمتروا فيه بعد ما ثبت أنه محييهم ومميتهم وباعثهم" ([98]).

وكذلك فَسَّرَ السرَّ البلاغيَّ في "ما" الواقعة في إحدى آي سورة يس موضحا الفروق الدقيقة بينها وبين أخواتها، يقول مثلا في قوله –تعالى-:"بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ"([99])"فإن قلت: "ما" في قوله –تعالى-: "بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي" أيُّ الماءات هي؟ قلت: المصدرية أو الموصولة، أي بالذي غفره لي من الذنوب، ويحتمل أن تكون استفهامية يعني: بأي شيءٍ غفر لي ربي؟ يريد به ما كان منه معهم من المصابرة لإعزاز الدين حتى قُتل إلا أن قولك بم غفر لي بطرح الألف أجود وإن كان إثباتها جائزاً، يقال قد علمت بما صنعت هذا، أي بأيِّ شيءٍ صنعتَ؟ وبم صنعت؟" ([100]).

إنه لا يكتفي بالحروف عند البحث عن الفروق الدقيقة فيها بل يتناول جنبا إلى جنب الأفعال العربية أيضا، ويشرح الفروق الغامضة فيها ولاسيما إذا كان الفعل معدّى بالصلة وقد جاز استعماله بدون الصلة نحو قوله في تفسير آية من سورة الصافات: "لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ"([101]) فإن قلت: أيُّ فرق بين "سمعت فلاناً يتحدث" و"سمعت إليه يتحدث" وسمعت حديثه وإلى حديثه؟ قلت: المعدَّى بنفسه يفيد الإدراكَ والمعدَّى بإلى يفيد الإصغاءَ مع الإدراك" ([102]).

قارن العلامة الزمخشري بين المعنيين اللتين تَنِمَّان عن تعدية الفعل وعدم تعديته، فالفعل المعدَّى؛ "لا يَسَّمَّعُوْنَ" بحرف الجر؛ "إلى" في الآية يدل على أكثر من معنى يدل عليه الفعل المعدَّى بدون الصلة، لأن الفعل المعدَّى يدل على الإدراك مع الإصغاء، والفعل غير المعدَّى على الإدراك فحسب، والمقصود من الإتيان به متعديا بحرف الجر؛ "إلى" في الآية هو "المبالغة" أي: معنى "الإدراك مع الإصغاء" مقارنة مع الدلالة على معنى"الإدراك" فقط.

ابتكر العلامة الزمخشري في باب الفصل والوصل، ووقف وقفة طويلة عند الجملتين المختلفتين خبراً وإنشاءً، مبرهنا بما فيه الكفاية على عدم صحة عطف الخبر على الإنشاء أو عطف الإنشاء على الخبر، يقول في تفسير آية سورة فاطر: "وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ"([103]) "فإن قلت: علام عُطف "وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ" قلت: على معنى "أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ"؛ لأن لفظه لفظ استخبار ومعناه معنى إخبار؛ كأنه قيل قد عمّرناكم وجاءكم النذير" ([104]).

ما أجاز العلامة الزمخشري أصلا عطف الخبر على الإنشاء أو الإنشاء على الخبر، وقول الذين زعموا أن العلامة الزمخشري قد أجاز ذلك مدفوع.

ثمة أبواب أخر في علم المعاني نحو باب الذكر والحذف والقصر، ما وجدت فيها من ابتكارات العلامة الزمخشري ولعل السبب الرئيس في ذلك هو أن العلامة الزمخشري كان من أتباع الإمام عبد القاهر الجرجاني في مذهب البلاغة العربية، والإمام نفسه قد أحاط بكل شيء في البابين، فلم ير العلامة الزمخشري من الإنصاف أن يأتي بما هو دون إضافة، ولم يجد ما يضيف إليهما من عنده، فتركهما مكتفيا بما ورد في كتاب "دلائل الإعجاز".

نتائج البحث:

من خلال هذا البحث وصلت إلى نتائج من أهمها:

  1. العلامة الزمخشري أول من قسم علوم البلاغة في مقدمة الكشاف، ولكنه ما طبق هذا التقسيم في صلب الكشاف، وكذلك ما بوَّب لها أبواباً؛ لأنها لم تكن واضحة في عصره، والعلامة السكاكي أول من بوَّب لها أبوابا وهذبَّها ونقَّحها، وطبقها في كتابه "المفتاح" من أجل هذا يعد أول قاسم لعلوم البلاغة.
  2. العلامة الزمخشري أول من تناول كلا نوعي التقديم ألا وهما التقديم في الرتبة النحوية، والتقديم في الذكر في تفسيره الكشاف، رغم أن الإمام عالج في دلائل الإعجاز النوع الأول من التقديم وهو التقديم في الرتبة النحوية، ولم يتعرض للثاني، وهو التقديم في الذكر، والعلماء المتقدمين من الإمام وعلى رأسهم الإمام الطبري، والإسكافي تناولوا التقديم في الذكر فقط.
  3. العلامة الزمخشري تناول جميع أنواع المعارف وخاصة "أل" في تفسيره الكشاف بأسلوب السؤال والجواب، وبين أسرارها البلاغية.
  4. هو أول من صرَّح وبيَّن السر البلاغي للعدول من "ما" الموصولة إلى "من" الموصولة، وبالعكس في الآيات القرآنية بأسلوبه الرائع ألا وهو أسلوب السؤال والجواب.
  5. بيَّن العلامة الزمخشري أن الإضافة تفيد معانٍ كثيرة، نحو تعظيم المضاف وتفخيمه، توبيخ المخاطب واحتقاره واستهزائه، إثارة الشفقة، والخوف، والرحمة، والعطف، والحنان، وغيرها، وأشار إلى وجودها في تحليل الآيات القرآنية في تفسيره الكشاف .
  6. المراد من الالتفات عند العلامة الزمخشري الانتقال عما يقتضيه ظاهر المقام من أحد الطرق الثلاثة إلى واحد منها، أو الانتقال عما يقتضيه ظاهر السياق (سواء اقتضاه ظاهر المقام أو لا) إلى غيره منها، وهذا هو الرأي الذي نسب إلى السكاكي، ولكنه لم يكن مذهبه بل تأثر فيه بالعلامة الزمخشري وسار مسيره.
  7. هو أول من تناول في تحليل الآيات القرآنية العدول عن الماضي إلى المضارع، وعكسه وعالج أسراره البلاغية ألا وهي استحضار الصورة وتذكرها، وتحقيق وقوع الأمر.
  8. هو في تفسيره الكشاف وقف وقفة متأنية أكثر من مرة عند تحديد معاني الحروف الواردة في كلام الله –جل وعلا- فسرها، وشرح المراد منها، وحدد دلالاتها حسبما يقتضيها المقال والمقام، ولم يكتف بها عند البحث عن الفروق الدقيقة فيها بل يتناول جنباً إلى جنب الأفعال العربية أيضاً، ويفسر الفروق الغامضة فيها، ولاسيما إذا كان الفعل معدّى بالصلة وقد جاز استعماله بدون الصلة.
  9. لا يجوز عطف الإنشاء على الخبر، والخبر على الإنشاء عند العلامة الزمخشري، وقول الذين إن العلامة الزمخشري قد أجاز ذلك مدفوع بأسلوب السؤال والجواب أورده في تحليل آية من سورة يس .
  10. العلامة الزمخشري كان متأثرا بالإمام عبد القاهر الجرجاني في العلوم البلاغية فطبق كل ما أشار إليها الإمام في كتابيه الجليلين "دلائل الإعجاز" و "أسرار البلاغة" في تفسيره الكشاف وتحليل الآيات القرآنية، فهو من هذه الناحية أول من طبق العلوم البلاغية في تفسير النص القرآني، وأصبح من مؤسسي التفسير البياني .

حوالہ جات

  1. -وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان، تحقيق: الدكتور إحسان عباس، الطبعة الأولى، عام1968م، دار صادر، بيروت-لبنان، ج 5، ص169. وانظر: البلاغة القرآنية في تفسير الزمخشري وأثرها في الدراسات البلاغية ، ص23.
  2. -منهج الزمخشرى في تفسير القرآن، مصطفى الصاوى الجوينى، الطبعة الثالثة، (ب.ت)، دار المعارف، القاهرة –مصر، ص49.
  3. -معحم الأدباء إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب، ياقوت الحموي، الطبعة الأولى، عام1411ه/1991 م، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، ج5، ص489.
  4. -وفيات الأعيان، ج5، ص 168.
  5. -منهج الزمخشري في تفسير القرآن، ص42.
  6. -سورة إبراهيم، الآية: 4.
  7. -ابن القرية بكسر القاف وتشديد الراء المكسورة، أحد حفاظ العرب وفصحائهم، واسمه أيوب، والقرية اسم أمه.
  8. -الكشاف عن حقائق التنـزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، جار الله محمود بن عمر الزمخشري، شرح وضبط: يوسف الحمادي، الطبعة الأولى، (ب.ت)، مكتبة مصر، القاهرة- مصر، ج 1، ص 8-10.
  9. -الكشاف، ج 1، ص 8-10.
  10. -سورة يس، الآية: 26.
  11. -الكشاف، ج 3، ص 648.
  12. -سورة الإسراء، الآية: 100.
  13. -الكشاف، ج 3، ص 43.
  14. -سورة الفاتحة، الآية: 4.
  15. -الكشاف، ج 1، ص 19.
  16. -سورة البقرة، الآية: 185.
  17. -الكشاف، ج 1، ص 208.
  18. -سورة البقرة، الآية: 16.
  19. -الكشاف، ج 1، ص 69.
  20. -سورة النمل، الآية: 22.
  21. -الكشاف، ج 3، ص 144.
  22. -سورة هود، الآية: 44.
  23. -الكشاف، ج 2، ص 406.
  24. -سورة يوسف، الآية: 84.
  25. -سورة التوبة، الآية: 38.
  26. -سورة الأنعام، الآية: 26.
  27. -سورة الكهف، الآية: 104.
  28. -سورة النمل، الآية: 22.
  29. -الكشاف، ج 2، ص 490.
  30. -سورة النحل، الآية: 126.
  31. -الكشاف، ج 2، ص 610.
  32. -سورة البقرة، الآية: 26.
  33. -جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، أحمد بن إبراهيم بن مصطفى الهاشمي، ضبط وتدقيق: الدكتور يوسف الصميلي، (ب.ط.ت)، المكتبة العصرية، بيروت- لبنان، ص 309. هذا البيت لأبي تمام، وفيه يتحدث عن بناء الدار واختيار الجار، ولكنه يجعل اختيار الجار بناء ليشاكل ببناء الدار، ويجب أن ينشر ذلك في أبناء يعرب كلهم .
  34. -الكشاف، ج 1، ص 107.
  35. -مقامات الزمخشري، أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري، منشورات محمد علي بيضون، الطبعة الثالثة، عام 1425هـ، 2004م،دار الكتب العلمية، يبروت- لبنان، ص 8.
  36. - النظم القرآني في كشاف الزمخشري، الدكتور درويش الجندي، دار نهضة مصر للطبع والنشر، 1969، ص 26.
  37. -البلاغة تطور وتاريخ، الدكتور شوقي ضيف، الطبعة الرابعة عشرة، (ب.ت)، دار المعارف، القاهرة- مصر، ص 221- 222.
  38. -سورة النساء، الآية: 172.
  39. -يرفع الشاعرممدوحه فوق كلما سواه، فوق حاتم الذي يطمح الطامحون إلىمباراته في الجود، بل فوق البحر المتلاطم الأمواج، الذي لا يباري في عطائه. والشاهد فيه أنه فوق البحر، فهو بالتالي فوق حاتم، وعلى هذا النحو لا يستنكف الملائكة المقربون من العبودية لله الأعلى والأعظم، فأولى بالمسيح وهو دونهم ألا يستنكف منها، وبذلك لا يكون مثله إلها.
  40. -سورة البقرة، الآية: 120.
  41. -الكشاف، ج 1، ص 515.
  42. -سورة الحديد، الآية: 3.
  43. -المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، ضياء الدين نصرالله بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبدالكريم بن الأثير الجزري، تحقيق وتعليق: كامل محمد محمد عويضة، (ب.ط.ت)، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، ج2، ص 384 .
  44. -سورة الحديد، الآية: 3.
  45. -قراءة في التقديم والتأخير عند الإمام عبد القاهر الجرجاني،الدكتور عادل محمد محمد الأكرت، مجلة الجامعة الإسلامية العالمية، العدد العشرون، 1433هـ، ص 2012م، ص 2.
  46. -ليس المراد مما ذكر مقدما أن التقديم في الذكر لم يتناوله أحد من العلماء قبل الزمخشري، بل المراد من ذلك أن الإمام عبدالقاهر الجرجاني لم يذكر هذين النوعين معا، بل إنه اكتفى بذكر النوع الأول وأضرب عن الآخر، فلم يتعرض له إجمالا ولا تفصيلاً. ومن هنا تضاربت آراء العلماء في ذكر نوعي التقديم لدى الإمام، هل تعرض لهما أو اكتفى بأحدهما دونما الآخر؟ فتقسموا وصاروا طائفتين: طائفة تميل إلى تعرض الإمام للنوعين، وطائفة تميل إلى اكتفاء الإمام بأحد النوعين دونما الآخر. والصواب أنه لم يتعرض للنوع الثاني ألا وهو التقديم في الذكر؛ لأنه بنى التقديم على "النظم" فما كان متماسكا به ذكره نحو التقديم في الرتبة النحوية، وما لم يكن متماسكا به فلم يذكره أصلا. فالنوع الثاني للتقديم وهو التقديم في الذكر ما كان بينه وبين "النظم" اتصالا دقيقاً لدى الإمام فتركه. أما العلامة الزمخشري فقد كان متأثراً بالإمام عبدالقاهر الجرجاني فطبق ما أشار إليه الإمام في تفسيره "الكشاف" إلا أنه قد أضاف النوع الثاني من التقديم كذلك، وهذا ما يعدُّ من ابتكاراته في البلاغة والبيان؛ لأن معالجة العلماء السابقين من الزمخشري للتقديم في الذكر ما كانت معالجة بلاغية محضة؛ لأن هذين المصطلحين: أي التقديم في الرتبة النحوية، والتقديم في الذكر لم يكن واضحين في زمنهم. والإمام كان منتبها لكلا النوعين، ومع ذلك اهتم بأحدهما وغفل عن الآخر، والعلامة الزمخشري تعرض لكليهما تعرضا بلاغيا فهو أول من تناولهما من ناحية البلاغية وهذا هو المراد من الابتكار في هذا المجال.
  47. -سورة الأنعام، الآية: 2.
  48. -سورة البقرة، الآية: 221.
  49. -الكشاف، ج 2، ص 79.
  50. -سورة النساء، الآية: 11.
  51. -الكشاف، ج 1، ص 422- 423.
  52. -سورة الجمعة، الآية: 5.
  53. -الكشاف، ج 4، ص 392. والبيت الكامل: ولقد أمر على اللئيم يسبني = فمضيت ثمت قلت: لا يعني، وفيه يزهى الشاعر بص مته عن شتم اللئيم وعدم رد إساءته بمثلها، والشاهد فيه "يسبني" التي وقعت حالا أو ص فة بعد لفظة "اللئيم".
  54. -الكشاف، ج 1، ص 100.
  55. -سورة المائدة، الآية: 14.
  56. _ النسطورية: أتباع نسطور الحكيم وقد ظهر في زمن المأمون، وادّعى أن الله واحد ذو أقانيم ثلاثة، والعاقبة فرقة من النصارى أتباع يعقوب البرازعي، يقولون: بأن اللاهوت والناسوت اتحدا في طبيعة واحدة تمثلت في المسيح عليه السلام، أما الملكانية كالنسطورية تقول بالطبعتين المتميزتين للمسيح عليه السلام، اللأهوتية والناسوتية، ولكنها تختلف معها في التفاصيل، وهي كثيرة.
  57. -الكشاف، ج 2، ص 16.
  58. -سورة النحل، الآية: 17.
  59. -سورة النحل، الآية: 20.
  60. -سورة الأعراف، الآية: 195.
  61. -الكشاف، ج 2، ص 575.
  62. -سورة البلد، الآية: 3.
  63. -سورة آل عمران، الآية: 36.
  64. -الكشاف، ج 4، ص 594.
  65. -سورة الكهف، الآية: 78.
  66. -سورة الكهف، الآية: 76.
  67. -الكشاف، ج 3، ص 81.
  68. -سورة البقرة، الآية: 233.
  69. -الكشاف، ج 1، ص 253.
  70. -سورة الزلزلة، الآية: 1.
  71. -الكشاف، ج 4، ص 620.
  72. -سورة سبأ، الآية: 7.
  73. -الكشاف، ج 3، ص 594.
  74. -الإيضاح في علوم البلاغة ، جلال الدين محمد بن عبدالرحمن بن عمر بن أحمد بن محمد الخطيب القزويني، تحقيق: الدكتور أحمد شتيوي، الطبعة الأولى، عام 1435هـ/ 2014م، دار الغد الجديد، القاهرة- مصر،ص 94- 95.
  75. -البلاغة القرآنية في تفسير الزمخشري وأثرها في الدراسات البلاغية، محمد محمد أبو موسى، الطبعة الثانية، عام 1408هـ/1988م، مكتبة وهبة، القاهرة- مصر، ص 443.
  76. -سورة يونس، الآية: 22.
  77. -سورة فاطر، الآية: 9.
  78. -شرح شواهد المغني، عبدالرحمن بن أبي بكر جلال الدين السيوطي، تعليق: أحمد ظفر كوجان، (ب.ط)، عام 1386هـ/ 1966م، لجنة التراث العربي، بيروت- لبنان، ج2، ص 731.
  79. -الكشاف، ج 1، ص 19- 20.
  80. -سورة البقرة، الآية: 52.
  81. -سورة البقرة، الآية: 64.
  82. -أنوار الربيع في أنواع البديع، صدر الدين المدني، علي بن أحمد بن محمد الحسني الحسيني، (ب.ط.ت)، ص 78. الوك: الدفْع.
  83. -أساليب بلاغية، أحمد مطلوب أحمد الناصري الصيادي الرفاعي، الطبعة الأولى، عام 1980م، وكالة المطبوعات، الكويت، ص 101.
  84. -المطول، سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني، تحقيق: الدكتور عبدالحميد هنداوي، الطبعة الثالثة، عام 1434هـ/2013م، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، ص 289.
  85. -البلاغة القرآنية في تفسير الزمخشري وأثرها في الدراسات البلاغية، ص 443.
  86. -سورة الأعراف، الآية: 158.
  87. -الكشاف، ج 2، ص 209.
  88. -سورة فاطر، الآية: 9.
  89. -يصور تأبط شرا في البيت حالة عجيبة بديعة من عجائب جرأته، يقول: إنه صادف غولا تهوى من علٍ في سهب كأنما هو الصحيفة المستوية، فلم يهملها، ولم يتراجع أو يتخاذل أمامها، بل اندفع بضربها في قوة وفي غير دهش أو اضطراب حتى سقطت في يده صريعة على يديها وصدرها، والشاهد فيه هذه الحالة العجيبة والعلامة الزمخشري يربطها بقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ﴾ [سورة فاطر، الآية: 9].
  90. -بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح، عبد المتعال الصعيدي، الطبعة السابعة عشر، عام 1426هـ/ 2005م، مكتبة الآداب، القاهرة- مصر، ج1، ص181.
  91. -الكشاف، ج 3، ص 624.
  92. -سورة النمل، الآية: 87.
  93. -الكشاف، ج 3، ص 429.
  94. -سورة النمل، الآية: 55.
  95. -الكشاف، ج 3، ص 416.
  96. -سورة الأنعام، الآية: 1.
  97. -سورة الأنعام، الآية: 2.
  98. -الكشاف، ج 2، ص 79.
  99. -سورة يس، الآية: 27.
  100. - الكشاف، ج 3، ص 649.
  101. -سورة الصافات، الآية: 8.
  102. -الكشاف، ج 3، ص 671.
  103. -سورة فاطر، الآية: 37.
  104. -الكشاف، ج 3، ص 637.
Loading...
Issue Details
Id Article Title Authors Vol Info Year
Id Article Title Authors Vol Info Year
Similar Articles
Loading...
Similar Article Headings
Loading...
Similar Books
Loading...
Similar Chapters
Loading...
Similar Thesis
Loading...

Similar News

Loading...