Search from the Journals, Articles, and Headings
Advanced Search (Beta)
Home > Al-Idah > Volume 31 Issue 2 of Al-Idah

تأثير الفقر على حياة الشاعر الجاهلي: دراسة تحليلية |
Al-Idah
Al-Idah

Article Info
Authors

Volume

31

Issue

2

Year

2015

ARI Id

1682060034497_633

Pages

240-252

PDF URL

http://www.al-idah.pk/index.php/al-idah/article/download/173/165

Chapter URL

http://al-idah.szic.pk/index.php/al-idah/article/view/173

Asian Research Index Whatsapp Chanel
Asian Research Index Whatsapp Chanel

Join our Whatsapp Channel to get regular updates.

المقدمة:

مما لا شك فيه أن الفقر يعد من كبرى الظواهر المدمرة لكيان المجتمع الإنساني كما أنه من إحدى العوائق التي تحول دون إطلاق مواهب الإنسان وقدرته على الابتكار والإبداع في بيئة مناسبة فالفقر يأتي بالتخلف والجهل والتوتر الاجتماعي والذهني ويحول بين الإنسان وبين تمكنه من بناء أسرته وبيئته ومجتمعه فهو يؤثر على حياة الإنسان تأثيرا سلبيا يدمر ذهنه وحياته ويسلب منه قدراته وصلاحياته ويجبره على ارتكاب الجنايات والمخالفات البشرية ونرى هذه الظاهرة قد أثرت على حياة الشاعر الجاهلي وأجبرته على الغارات والصعلكة

لذا حاولنا في هذا المقال إبراز مدى تأثير الفقر على حياة الشاعر الجاهلي في الفقرات التالية:

1-التمهيد

2-أهمية المال والغنى عند الشاعر الجاهلي

3-حسرات الفقر وآلامه

4-أسباب نشأة الصعلكة والأنفة العربية

5-التفاضل الاجتماعي في المجتمع الجاهلي

6-الفقر في حياة الصعاليك الاجتماعية

7-طرفة بن العبد ومعانات حياته

التمهيد:

الفقر ظاهرة اجتماعية اقتصادية موجودة في جميع المجتمعات ولها أسباب عدة منها الإنسان نفسه الذي يتقاعس عن العمل ويتهرب عن مسؤولياته ومنها ما يرتبط بالأوضاع الطبيعية الطقسية كما نرى أن حياة الشاعر الجاهلي القائمة على المراعي المنحصرة في قطاع الإبل والضأن والمعز كانت بأمس الحاجة إلى المطر لأنه ينبت الكلأ وتحيا به الأرض وتقوم عليه حياة الشاعر الجاهلي والماشية لذلك كان العرب يستبشرون بنزول المطر لأنه يؤذن بحياة الأرض وزوال القحط والجفاف وإليه قد أشار القرآن الكريم : "الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسط في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين فانظر إلى آثار رحمت الله كيف يحي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحي الموتى وهو على كل شيء قدير[1].

هذا وإلى جانب آخر فقد الشاعر الجاهلي الأمن في حياته وواجه قلة مصادر الرزق والتوتر الاجتماعي في بيئته فاتخذ الغزو والصعلكة وسيلة لعيشه ومصدرا من مصادر كسب الأموال لقضاء حاجاته فبدأ ينهب أموال القوافل التجارية ويسلب ما بحوزتها قسرا وعنوة ومن هنا قد انغرس في نفسه حب المخاطرة والمغامرة والقتل والحروب والاستيلاء على موارد مياه الآخرين والدفاع عن مواشيه ومراعيه وعيون مياهه فكان يعتز بالقوة وشدة البأس والدفاع عن قبيلته بسيفه ولسانه فتأثرت حياته تأثرا شديدا بالأوضاع المتوترة وبدت تباشير الفقر في حياته فجعل في نظره جميع وسائل كسب الأموال ومصادرها مشروعة ليحصل على المنزلة الرفيعة بين أفراد مجتمعه ويكسب حسن السيرة والثناء من أقرانه يقول عروة بن الورد في هذا المعنى[2]:

ذريني أطوف في البلاد لعلنيأخليك أو أغنيك عن سوء محضري

فإن فاز سهم للمنية لم أكنجزوعا وهل عن ذاك من متأخر

وإن فاز سهمي كفلكم عن مقاعدلكم خلف أدبار البيوت ومنظر

تقول لك الويلات هل أنت تاركضبوءا برجل تارة وبمنسر

ومستثبت في مالك العام أننيأراك على أقتاد صرما مذكر

فجوع لأهل الصالحين مزلةمخوف رداها أن تصيبك فاحذر

أبى الخفض من يغشاك من ذي قرابةومن كل سوداء المعاصم تعتري

ويقول أيضا في هذا المعنى[3]:

دعيني أطوف في البلاد لعلنيأفيد غني فيه لذي الحق محمل

أليس غريبا أن تلم ملمةوليس علينا في الحقوق معول

فإن نحن لم نملك دفاعا بحادثتلم به الأيام فالموت أجمل

-أهمية المال والغنى عند الشاعر الجاهلي:

جعل بعض الناس المال والغنى والثراء أساسا لحياتهم واتخذوا جميع الوسائل لكسب أموالهم ليقابل مظاهر الحفاوة والتكريم بينما أصبح الفقير في المجتمع محروما من كل أنواع التقدير والتكريم وأصبحت حياته عبأ عليه وصار ضائعا لا قيمة له في مجتمع إنساني مهما بلغ به النسب وامتد في العشيرة لأن الفقر في نظر الناس داء ومرض يفرون منه والفقير حقير في نظرة زوجه وذليل عند أبناء قومه صغارا وكبارا أما الغني فهو صاحب منزلة رفيعة ومكانة مرموقة في المجتمع وله صيت وصوت بين أفراد المجتمع وقوله حجة ورأيه رأي لا يعتريه الخطأ مهما عظم ذنبه وساء رأيه فله رب يغفر ذنوبه ويمحو زلاته وهذا ما يراه عروة قائلا[4].

دعيني للغنى أسعى فإنيرأيت الناس شرهم الفقير

وأبعدهم وأهوانهم عليهموإن أمس له حسب وخير

ويقصيه الندى وتزدريهحليلته وينهره الصغير

ويلغى ذو الغنى وله جلاليكاد فؤاد صاحبه يطير

قليل ذنبه والذنب جمولكن للغنى رب غفور

وهكذا يرى الشاعر الجاهلي أوس بن حجر أن الغني يصبح بماله سيدا ولو كان عبدا والفقير يصير ضائعا ولو كان ذا نسب وعشيرة فجعل الناس المال ميزانا لمعرفة منزلة الإنسان في المجتمع إذ يقول[5]:

بنى أم ذي المال الكثير يرونهوإن كان عبدا سيد الأمر جحفلا

وهم لمقل المال أولاد علةوإن كان محضا في العشيرة مخولا

فنظرا لأهمية المال وتأثيره في نفوس الناس تأثيرا عميقا تكالبوا على جمعه بمختلف الوسائل والطرق، وأكثر الشاعر الجاهلي من ذكر الغنى والثراء وأهمية المال للحصول على منزلته في المجتمع في أشعاره كما أكثر من ذكر مأساة الفقر وتأثيره سلبا في حياة الإنسان وصور هذه الظاهرة الاجتماعية بشتى الصور والتعابير وأجاز للناس أن يكسبوا الأموال بأية طريقة كانت حتى ولو احتاجوا إلى قطع صلات الرحم والقربى في سبيل جمع الأموال وكسبها يقول أحيحة بن الجلاح[6]:

استغن عن كل ذي قربى وذي رحم إن الغني من استغنى عن الناس[7]

فجمع الأموال عند الشاعر الجاهلي أغلى من صلات القربى والرحم لأن صاحبه يحترم ويكرم لذا يحثه ويحرضه على جمع الأموال فالثري عنده كريم على الإخوان فهو يخجل بجميع النداءات إلا نداء الأموال فهو لا يخذله يقول[8]:

واستغن أو مت ولا يغررك ذونشب من ابن عم ولا عم ولاخال

يلوون ما لهم عن حق أقربهم وعن عشيرتهم والحق للوالي

فاجمع ولا تحقرن شيئا تجمعه ولا تضيعنه يوما على حال

إني إقليم على الزوراء أعمرهاإن الكريم على الإخوان ذو مال

حسرات الفقر وآلامه:

فالعار هو عار الفقر ويزداد خذلان الإنسان ويتضاعف عند ما تطلب زوجته الطلاق لفقره مع أنه من خيار قومه فتزداد حسرة الفقير ويتضاعف ألمه حينما يرى نفورا من أقرانه وأقربائه فهو ذو المال ومحضر كل سر عند الناس ويوثق به في كل أندية وتحترمه زوجته يقول زيد بن عمر بن نفيل شاكيا عن طلب زوجته من الطلاق لأجل الفقر والحاجة[9]:

تلك عرساي تنطقان على عمـــــد لي اليوم قول زور وهتر

سالتاني الطلاق أن رأتامالي قليلا قد جئتماني بنكر

فلعلى إن يكثر المال عنديويعرى من المغارم ظهري

وترى أعبد لنا وأواقومنا صيف من خوادم عشر

وي كأن من يكن له نشب يحبــــــب ومن يفتقر يعش عيش صر

ويجنب سر النجي ولكنأخا المال محضر كل سر

وهكذا يشكو ذو الخرق الطهوي[10] من زوجته التي طالبت فراقه عند ما افتقر فهو يتعجب من أنها لا تكلمه، يقول[11]:

ما بال أم حبيش لا تكلمنالما افتقرنا وقد نثرى فنتفق

تقطع الطرف دوني وهي عابسةكما تشاوس فيك الثائر الحنق

لما رأت إبلي جاءت حمولتهاغرثي عجافا عليها الريش والخرق

قالت ألا تبتغي مالا تعيش بهمما تلاقي وشر العيشة الرمق

فيئى إليك فأنا معشر صبرفي الجذب لا خفة فينا ولا ملق

أسباب نشأة الصعلكة والأنفة العربية:

ولما فقد الشاعر الجاهلي الفقير مكانته في المجتمع وأهمل وجرد من كل معاني الشرف ولم يشعره أحد بقيمته الإنسانية في مجتمعه فبدأ يشعر شعورا حادا بالانتقام من الأغنياء ووجدت نتيجة لهذه الظاهر الاجتماعية طائفة من الشعراء الفقراء باسم الصعاليك وهم الشعراء الذين عانوا من الفقر في المجتمع وضاقت عليهم الأرض وأصبحت حياتهم حياة الجهد والمعاناة والنهب والهجوم على الأموال الأغنياء ونرى هذه الصفات والألوان في أشعارهم بارزة لكنهم ليسوا وحدهم الذين عانوا من الفقر وجنى عليهم المجتمع بل نجد هناك عددا من الشعراء الفقراء الذين لم يفصحوا في أشعارهم عن فقرهم بل اختار التعفف كما يقول عنترة العبسي بقوله: [12]:

وأيسر من كفى إذا ما مددتهالنيل عطاء مد عنقي لذابح

وقوله أيضا:[13]

ولقد أبيت على الطوى وأظلهحتى أنال به كريم المأكل

وقد امتدح القرآن الكريم هذا الصنف من الفقراء المتعففين من المسلمين فقال تعالى:

(للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا)[14].

فإذا ما حدث أن أعرض الشاعر الفقير عن السؤال، فإن ذلك يرجع إلى الأنفة العربية التي تمنعه من الشكوى والسؤال، لكن الصعاليك تمردوا على المجتمع وقيمه، وأصبح هدفهم السعي وراء الغنى، واغتصاب الأموال.

وهذه المعاني التي يتحدث عنها الشعراء الفقراء فيما يتعلق بمكانة الفقير في المجتمع الجاهلي من خلال نظرة المجتمع له، إنما هي سياط تنصب على الفقراء، تجول في نفوسهم جميعاً، وقد عبروا عنها في أشعارهم بمثل قول مالك ابن حريم[15]، الذي يرى أن المال يرفع الخسة ويجعل الذميم محمودا بينما الفقر مذلة لصاحبه بين الناس[16]:

أنبيك والأيام ذات تجاربوتبدي لك الأيام ما لست تعلم

بأن ثراء المال يرفع ربهويثنى عليه الحمد وهو مذمم

وإن قليل المال للمرء مفسديحز كما حز القطيع المحرم

يرى درجات المجد لا يستطيعهاويجلس وسط القوم لا يتكلم

وقد صور مالك بن الحارث الهذلي[17] العلاقة بين الأغنياء والفقراء في مجتمعه فقال[18]:

رأيت معاشرا يثنى عليهمإذا شبعوا وأوجههم قباح

يظل المصرمون لهم سجوداولو لم يسق عندهم ضياح[19]

التفاضل الاجتماعي في المجتمع الجاهلي

ولا شك أنها علاقة نفعية لا تخضع إلى حد كبير إلا للمال، وقد عكست هذه النصوص الشعرية التي أوردناها ذلك التفاضل الاجتماعي بين الأغنياء والفقراء في المجتمع الجاهلي، فصاحب المال الكثير محمود حتى لو كان غير أهل للحمد، أما الفقير فحظه الحرمان المحض، وليس له من سبيل إلى الحديث وسط القوم مهما كان نسبه.

لقد أدى الفقر بكثير من الشعراء إلى تشردهم في الأرض سعيا وراء الغنيمة، وبذلك كانوا عرضة للجوع والمسغبة، تقطعت بهم السبل لا أحد يدري أين وجهتهم[20]:

وسائلة أين الرحيل وسائلومن يسأل الصعلوك أين مذاهبه

مذاهبه أن الفجاج عريضةإذا ضن عنه بالفعال أقاربه

ولسنا هنا بصدد الحديث عن الصعاليك في العصر الجاهلي كمنهج، لأن الذي يعنينا من أمرهم شعرهم الشاكي، وأسباب هذه الشكوى، ولعمري إن شكوى الصعاليك مؤثرة لصدقهم في معاناتهم، فلقد كانوا عرضة للجوع الذي كان من أقوى الدوافع التي آلت بهم إلى سلوك التشرد، والإغارة، وهو سلوك منحرف خلعتهم قبائلهم بسببه، فخرجوا مشردين عن الأحياء على ما في ذلك من التذمر والتألم[21]، فكثرت شكواهم من الفقر والجوع والتشرد، ومع هذا فإننا قد نجدهم يمزجون شكواهم تلك شيئا من الفخر الذاتي، فقد وجدنا الشنفري يصور جوعه، وتصبره عليه، وهو يظل يبحث عن القوت القليل كما يبحث الذئب عن فريسته، وليس الجوع وحسب الذي يعانيه بل إن الهموم والآلام كانت تحالفه وتعاوده معاودة الحمى الشديد، وهو يحاول ردها فلا يستطيع يقول[22]:

أديم مطال الجوع حتى أميتهوأضرب عنه الذكر صفحا فأذهل ا

وأستف ترب الأرض كيلا يرى لهعلى من الطول امرؤ متطول

ولا اجتناب الذأم لم يلف مشرب يعاش به إلا لدي ومأكل

ولكن نفسا مرة لا تقيم بي على الذام إلا ريثما أتحول

وأطوي على الحمص الحواياكما انطوت خيوطه ماري تغار وتفتل

وأغدو على القوت الزهيد كما غدا أزل تهاداه ا لتنائف أطحل

وإلف هموم ما تزال تعوده عيادا كحمى الربع أو هي أثقل

إذا وردت أصدرتها ثم إنها تثوب فتأتي من تحيت ومن عل

لقد كتب الشقاء نتيجة للفقر وما ارتبط به من الجوع والمسغبة على كثير من هؤلاء الصعاليك، ونجد أبا خراش الهذلي في جاهليته كان من الصعاليك الذين اكتووا بنار الجوع وتجرعوا مراراته كثيرا، فلقد قست عليه الحياة فلم يجد ما يأكل إلا بمشقة بالغة، وليس من عجب أن يشكو من ذلك قائلا[23]:

وإني لأثوى الجوع حتى يملنيفيذهب ولم يدنس ثيابي ولا جرمي

وقد يكون خلف تصبره على الجوع عزة قعساء تمنعه من سؤال الناس وتكففهم، وهو يشكو من زوجته التي سئمت منه نتيجة فقره، وتعلقت بآخر من الموسرين يقول[24]:

لقد علمت أم الأديبر أننيأقول لها هدى ولا تذخري لحمي

فإن غدا إن لا نجد بعض زادنانفيء لك زادا أو نعدك بالازم

رأت رجلا قد لوحته مخامصوطافت برنان المعدين ذي شحم

غذي لقاح لا يزال كأنه حميت بدبغ عظمه غير ذي حجم

تقول فلولا أنت أنكحت سيداأزف إليه أو حملت على قرم

أثر الفقر في حياة الصعاليك الاجتماعية

إن المتتبع لشعر هؤلاء الصعاليك الشاكين، وما يفصحون عنه من الجوع والفقر يجدهم يسعون دائما للحصول على المال، يسدون به رمقهم وخاصة أهلهم، وأن الواحد منهم قد تأخذه غيبة في الصحراء فيذكر أولاده وأهله وعندئذ يتقطع قلبه حسرة عليهم ويشكو فقرهم وبؤسهم مصورا حالتهم ورجاءهم، وهم بالعراء لا يملكون شيئا، يرزحون في فقر شديد لا يعطف عليهم أحد، ولكنهم مع ذلك ينظرون إلى من عسى أن يأتيهم بشيء يسد بعض حاجتهم يقول الأعلم الهذلي[25]:

وذكرت أهلي بالعراءوحاجة الشعب التوالب

المصرمين من التلاد اللامحين إلى الأقارب

وبجانبي نعمان قلــــــت ألن تبلغني مآرب

لقد عاش هؤلاء الصعاليك حياة اقتصادية مزرية، يعانون مرارة الفقر بعد أن تمردوا على مجتمعهم فنبذهم فكان الفقر عقدة العقد في حياتهم، تحدثوا عنه في شعرهم مظهرين تمردهم وشكواهم المريرة من هذا الوضع الاقتصادي الهابط في مجتمع توزعت فيه الثروة توزيعا غير عادل فتذمروا من فقرهم وهوانهم، وسوء حالهم، وضربوا في الأرض سعيا وراء الغنى في محاولة لتجاوز واقع البؤس والحرمان وحتى لا يكونوا من شرار الناس كما بين ذلك زعيمهم عروة بن الورد، الذي أحس بالفردية الاجتماعية وتخلخل المجتمع بنظامه القبلي، كما أحس بالتفاوت بين أفراد المجتمع في الثروة، والجنس، واللون، وشعر بالظلم الذي يتعرض على الفقر، ولذلك رأيناه يتوجه باللوم للفقراء الذين يرضون بفتات الأغنياء بينما يثني على الصعلوك الفقير الذي يشق طريقه في الحياة عزيزا غازيا، فالسعي من أجل العزة أفضل من الخنوع والفقر، وإلا فالموت في سبيل العزة والكرامة خير من العيش في ظل الذل والمهانة[26]:

إذا المرء لم يبعث سواماً ولم يرحعليه ولم تعطف عليه أقاربه

فللموت خير للفتى من حياتهفقيرا ومن مولى تدب عقاربه

وهو يحمل على الصعلوك الكسول، فيصفه بأرذل الصفات بينما يثني على الآخر الثائر الغازي الذي يكسب رزقه بقوة سيفه وسطوة يده فيقول[27]:

لحى الله صعلوكا إذا جن ليلةمضى في المشاش آلفا كل مجزر

يعد الغنى من نفسه كل ليلةأصاب قراها من صديق ميسر

ينام عشاء ثم يصبح طاويايحت الحصى عن جنبه المتعفر

قليل التماس الزاد إلا لنفسهإذا هو أمس كالعريش المجور

يعين نساء الحي ما يستعنهويمسى طليحا كالبعير المحسر

ولكن صعلوكا صحيفة وجههكضوء شهاب القابس المتنور

مطلا على أعدائه يزجرونهبساحتهم زجر المنيح المشهر

إذا بعدوا لا يأمنون اقترابهتشوف أهل الغائب المتنظر

فذلك إن يلق المنية يلقهاحميدا وإن يستغن يوما فأجدر

إنهما صورتان مختلفتان للصعلوك المثابر، وآخر للخامل الكسول، فإما أن يكون خاملا يتكفف الناس، وإما أن يكون ثائرا عزيزا يكسب رزقه بقوته وبأسه وذاك في نظر عروة الأفضل وهو الشجاع دائما.

لقد كانت الشكوى من الفقر مدوية عند هؤلاء الصعاليك، فهذا صخر الغي يشكو من فقره وضيق ذات يده فيقول[28]:

إني بدهماء قل ما أجدعاودني من حبابها زود

ومثل هذه الشكوى نجدها عند عمرو بن براق في قوله أيضا[29]:

وكيف ينام الليل من جل مالهحسام كلون الملح أبيض صارم

وفي إشارته هنا إلى السيف دليل على غزوه المستمر، فسيفه جل ماله وهو ما يعتمد عليه لعيشه.

طرفة بن العبد ومعاناة حياته

أما طرفة بن العبد فإنه ليس من هؤلاء الصعاليك لكن الفقر قد مضه فتجلت الحقيقة المرة عنده في خلو يده من المال بعد أن حرم الولد فعبر عن هذا الوضع الذي يعيشه بمرارة قاسية، فلو شاء الله وهبه الولد فكان كقيس بن خالد، ولو شاء وهبه المال فكان كعمرو بن مرثد، ولأقبل كرام الناس وساداتهم يعودونه ويخطبون وده، ويأتي تعبيره عنه هذه الحقيقة في أسلوب شكائي متألم من كبوة الحظ، وعثرة الأيام لا بنون لديه ولا مال[30]:

فلو شاء ربي كنت قيس بن خالدولو شاء ربي كنت عمرو بن مرثد

فأصبحت ذا مال كثير وعادنيبنون كرام سادة لمسود

والسليك بن السلكة يشكو من عجزه عن مساعدة خالاته اللواتي يمتهن من قبل الأغنياء لكن ماله يعجز عن مساعدتهن، وليته يكفيه، وهو لا يقصد خالاته في النسب وإنما النساء الإماء اللواتي يشاركنه في اللون والفقر يقول[31]:

أشاب الرأس أني كل يوم أرى لي خالة وسط الرحال

يشق علي أن يلقين ضيماويعجز عن تخلصهن مالي

إن من الأمور التي تنتج عن الفقر شدة الجوع الذي يتعرض له الفقراء، وما ينشأ عن ذلك من ضعف وهزال ونحول الأجسام، وقد اشتكى الفقراء من هذه المظاهر المؤلمة، ومنهم تأبط شرا، فهو يشكو من قلة زاده، وضعف جسمه ونتوء عظامه حتى التصقت أمعاؤه [32]

قليل ادخار الزاد إلا تعلةوقد نشز الشر سوف والتصق المعي

يبيت بمغنى الوحش حتى ألفنهويصبح لا يحمي لها الدهر مرتعا

ونحن إذ نأتي إلى نهاية هذا المقال نود أن نقول: بأن الفقر مجمع العيوب وهو مَحلُّ البلاء [33]، وقد استعاذ الرسول – صلى الله عليه وسلم – من شر فتنة الفقر فقال: (أعوذ بك من شر فتنة الفقر)[34] وقال: (إني أعوذ بك من الكفر والفقر)[35] وقال بعضهم: (ما ضرب العباد بسوط أوجع من الفقر)[36] فلا غرابة أن نجد صيحات الشكوى من الفقر عند الشعراء في العصر الجاهلي بل وفي سائر العصور اللاحقة، فقد وجدناهم تارة يشكون من الفقر المدقع وأنه لا يوجد عند بعضهم غير سلاحه يعتمد عليه، وأحيانا أخرى نجدهم يشكون من الجوع الناتج عن الفقر، وأحيانا نجدهم كذلك يشتكون من نحول الأجسام، والضعف المتناهي، ويصورون في شكواهم تلك حالتهم وما يعانونه من ذل وهوان، بل نجدهم كذلك لا ينسون أن يفتخروا بشجاعتهم، وسرعة عدوهم، ومرافقتهم لحيوانات الصحراء.

وخلاصة القول:

إن المجتمع الجاهلي لم يكن متماثلا في توزيع الثروة فلم يكن هناك ما يؤخذ من الأغنياء فيرد على الفقراء كما حدث في الإسلام من أمر الزكاة، لكن الأموال تركزت حينذاك عند بعض الناس في مناطق معينة قد يكون منها مكة والمدينة، وبعض مناطق اليمن، والطائف، بينما ظل عرب البادية يحسون بضراوة الجوع ووطأة الفقر، وشدة المعاناة نتيجة لتعرض باديتهم للجدب وعدم نزول الأمطار بشكل مستمر، ومن هنا فإن أغلب الفقراء كانوا من عرب البادية الذين قاموا بزعزعة الأمن ونشر الفوضى في محاولة منهم لمشاركة الأغنياء في شرائهم، والتخلص من شبح الفقر، والجوع، وإن كان بعضهم قد أخذ ظاهرة الصعلكة عن رغبة وقناعة لا يستطيع منها فكاكا كما عبر عن ذلك الأحيمر السعدي[37] عند ما حاول التوبة في آخر حياته فكان يغالب نفسه مغالبة شديدة حينما تمر به القوافل التي كانت لا تنجو منه قبل ذلك فنجده يشكو صبره عن سلبها ويحن لتلك الأيام السالفة[38]:

أشكو إلى الله صبري عن زواملهموما ألاقي إذا مرت من الحزن

لكن ليالي نلقاهم فنسلبهمسقيا لذاك زمانا كان من زمن

وربما كان ذلك محاولة منهم لمجاراة الأغنياء في الكرم، والبذل فالعربي بطبعه كريم سخي، أو أن جودهم المفرط كان سببا في إتلاف ما في أيديهم فهم كرماء لا يحبون البخل[39]:

وقد علمت سليمى أن رأييورأي البخل مختلف شتيت

وأني لا يريني البخل رأيسواء إن عطشت وإن رويت

ولعل هذا أيضا من الأسباب التي أدت بعروة وغيره إلى الجود فأتلفت

أموالهم وعندئذ اتجهوا إلى حياة الصعلكة.

References

  1. . سورة الروم الآيات: 48 - 50
  2. . ديوانه: 67 - 70
  3. . ديوانه: 131
  4. . ديوانه: 91 - 92
  5. . ديوان أوس بن حجر / تحقيق الدكتور محمد يوسف نجم، دار صادر بيروت، ط (3)، 1399هـ/ 1979م، ص: 91
  6. . أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جحجبي بن كفلة بن عوف بن عمرو بن مالك بن الأوس كان من سادات قومه الأوس في الجاهلية، وقيل أنه اشتهر بالبخل الشديد، خزانة الأدب: 3/357 – 359.
  7. . ديوانه/ دراسة وجمع وتحقيق الدكتور حسن باجودة – مطبوعات نادي الطائف الأدبي 1399هـ ص: 26.
  8. . المصدر نفسه: ص 78 - 79
  9. . البيان والتبين: 1/235، عيون الأخبار: 1/242، خزانة الأدب 6/410.
  10. . ذو الخرق: لقب لثلاثة شعراء كلهم من بني طهية أحدهم قائل هذا الشعر وهو خليفة بن حمل بن عامر بن حميري، وكان من فرسانهم، خزانة الأدب. 1/42
  11. . الأصمعيات/ تحقيق أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون. طبعة دار المعارف، ط: (5)، ص: 124، وخزانة الأدب: 1/43
  12. . ديوانه: 40
  13. . نفس المصدر: 124.
  14. . سورة البقرة الآية: 273
  15. . مالك بن حريم بن دالان الهمداني، شاعر جاهلي فحل وهو شاعر همدان وفارسها وصاحب مغازيها.
  16. . نفس المصدر: 300
  17. . التعريف به في الشعر والشعراء: 2/666، والأصابة: 10/5 وغيرها.
  18. . ديوان الهذليين، القسم الثالث: 82
  19. . شعراء صدر الإسلام وتمثلهم للقيم الاجتماعية/ للدكتور وفاء فهمي السنديوني دار العلوم، الرياض: 1403هـ / 1983م، ص: 251.
  20. . ديوان عروة بن الورد: 29
  21. . الشعر الجاهلي/ بطرس البستاني، دار المعلم بطرس البستاني 1965م، ص: 78
  22. . مختارات ابن الشجري: 83
  23. . شرح أشعار الهذليين: 3/1199
  24. . ديوان الهذليين القسم الثاني: 125 - 129
  25. . شرح أشعار الهذليين: 1/315
  26. . ديوان عروة بن الورد: 29
  27. . ديوان عروة بن الورد: 70 - 73
  28. . ديوان الهذليين القسم الثاني: 57
  29. . أمالي القالي: 2/122
  30. . ديوانه: 51
  31. . شعر بني تميم في العصر الجاهلي: 56
  32. . ديوان تأبط شرا وأخباره / جمع وتحقيق وشرح على ذو الفقار شاكر، دار العرب الإسلامي – الطبعة الأولى 1404هـ / 1984م، ص: 115
  33. . التمثيل والمحاضرة / للثعالبي، تحقيق عبد الفتاح محمد الحلو، مطبعة الحلبي القاهرة 1381هـ / 1961م، ص: 395.
  34. . مسند الإمام أحمد: 6/57 (طبعة المكتب الإسلامي)
  35. . المصدر نفسه: 5/36.
  36. . اللطائف والظرائف للمقدسي: 39
  37. . التعريف به كاملا في أشعار اللصوص وأخبارهم/ جمع وتحقيق عبد المعين الملوجي، منشورات دار أسامة – دمشق ط (1) ص: 99-113
  38. . المصدر نفسه: 113
  39. . ديوان عروة بن الورد: 35
Loading...
Issue Details
Id Article Title Authors Vol Info Year
Id Article Title Authors Vol Info Year
Similar Articles
Loading...
Similar Article Headings
Loading...
Similar Books
Loading...
Similar Chapters
Loading...
Similar Thesis
Loading...

Similar News

Loading...