Search from the Journals, Articles, and Headings
Advanced Search (Beta)
Home > Al-Idah > Volume 34 Issue 2 of Al-Idah

دور الفرد في مكافحة الجريمة الجنائية في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي |
Al-Idah
Al-Idah

Article Info
Authors

Volume

34

Issue

2

Year

2017

ARI Id

1682060034497_782

Pages

210-230

Chapter URL

http://al-idah.szic.pk/index.php/al-idah/article/view/76

Subjects

Aggression Offence Defence Islamic Law Law Quran Sunnah Retreat Aggression Offence Defence Islamic Law Law Quran Sunnah Retreat.

Asian Research Index Whatsapp Chanel
Asian Research Index Whatsapp Chanel

Join our Whatsapp Channel to get regular updates.


نحاول أن نعرض مشروعية دور الفرد في مكافحة الجريمة الجنائية من القرآن الكريم، والسنة النبوية، ومن النصوص القانون الوضعي واخيرا نعرض مقارنة مع الشريعة الاسلامية.

مشروعية دور الفرد في مكافحة الجريمة في الشريعة الإسلامية:

أباح الشارع للمجني عليه أن يدافع عن المجني، وفيه قوله عزوجل: "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين"[1].

قال العلماء أن هذه الآية دليل في مشروعية رد الاعتداء [2].

ورأي القرطبي بأن الاعتدء يحتوى يشمل كل التجاوز، قال الله سبحانه: "ومن يتعد حدود الله" أى من يتجاوز عن حدها [3]وأمكن معني الاعتداء وهو الظلم،الوثوب[4].

وأما قول الله سبحانه : ”واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين“بعد قول الله عز و جل: "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا بمثل ما اعتدى عليكم“ وأن الله عز وجل لما أجاز الدفاع بالمثل، يعني عن ذلك المنع عن التجاوز في الدفاع [5].

من السنة النبوية:

لقد أكدت السنة النبوية مشروعية رد الاعتداء أو بأسلوب آخر دور الفرد في مكافحة الجريمة الجنائية التي تقع على الأنفس والأعراض والأموال، وفيما يلي ذكر بعض الأحاديث التي تعتبر مصدراً لدور الفرد في مكافحة الجريمة الجنائية في السنة النبوية الشريفة.

1-وقول النبى عليه السلام: "من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد"[6].

2-و قال أبو هريرة: "جاء رجل فقال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي، قال فلا تعطه مالك، قال أرأيت إن قاتلني قال قاتله، قال أرأيت إن قتلني، قال فأنت شهيد، قال أرأيت إن قتلته، قال هو في النار رواه مسلم وأحمد[7].

3-حديث أبو هريرة أنه قال: "من أُريد مالهُ بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد"[8].

4-حديث سهيل بن سعد أن رجلا اطلع فى حجر في باب رسول الله عليه السلام ومع رسول الله عليه السلام مدرى يرجل بها رأسه، فقال له: لو أعلم أنك تنظر طفت به فى عينيك إنما جعل الاستئذان من أجل البصر[9].

5.وحديث أبو هريرة أنه عليه الصلاه والسلام قال: "لو أن رجلا اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح"[10].

7-وقوله عليه الصلاة والسلام: "من حمل علينا السلاح فليس منا"[11].

فهذه النصوص و أمثالها تحرم الصيال بجميع أنواعه لأنه ظلم وسعي بالفساد في الأرض. بل قد تقرر أن جميع الشرائع جاءت لحفظ الضروريات الخمسة من الدين والنفس والنسل والعقل والمال. وأجمعت على ذلك كافة الملل التي أريد منها إصلاح الخلْق فحرّمت الاعتداء على هذه الضروريات وكل ما يؤدي إلى اختلالها. وللدفاع الشرعي الخاص كسلطة وقاية، لدفع الأخطار عن النفس أو العرض أو المال، له أهمية كبرى إذ أن صيانة النفس والعرض والمال من مقاصد الشريعة الضرورية[12].

من القانون الوضعي:

وقد وضع معظم القوانين حق دفاع شخصي في مواد أسباب الإباحة، أما قانون الباكستاني ينصّ على حق الدفاع الشخصي في باب رابع لأسباب الإباحة[13]. وكذلك فعل القانون الهندي[14].

وورد حق دفاع شخصي مثل سبب من أسباب الاباحة في باب أول من كتاب ثالث خاص بالقتل والجرح والضرب في القانون المصري[15].

يرى بعض الشُّرّاح أن حق الدفاع الشخصي أحد سبب عدم المسؤولية الشخصية المسؤولية الشخصية اساسه على نظرية اكراه ادبي وحب البقاء على الحياة في الإنسان الذي يشجعه على الدفاع عن نفسه.

ولكن يعترض عليه بأن حق الدفاع مشروع يمكن حصوله بدون انفعال و اضطراب، وأن نظرية إكراه أدبي لا تجيز الدفاع الشرعي عن الغير۔

أما الشراح الآخرون يرون الدفاع الشرعي حق بل هو واجب أن يدفع عن نفسه و ماله اذا لم يتدخل السلطة الحكومية في الوقت المناسب۔ ، ثم لا تبقى مصلحة في العقاب لأنه ما ارتكب أي جريمة في استعمال حقه و هو الدفاع عن نفسه۔[16] .

وتدل المواد من 55 إلى 63 لدفاع شرعى ونصت "لا جريمة في فعل يقع عند استعمال حق الدفاع استعمالا مشروعا"[17].

No act is an offence which is done in the lawful exercise of the right of private defence"[18].

وتنص قانون عراقي في المواد من 42 إلى 46 علي أحكام الدفاع الشرعي، و تقول في مادة 42 "لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالا لحق الدفاع الشرعي" و تجيز القتل دفاعا عن النفس أو المال في المواد 44،43 [19].

والدفاع رخصة للمدافع يستعملها إذا شاء ولا تترب مسؤولية على عدم استعمالها، أما مأمور الضبط فهو مكلف بمنع الجريمة والنكول عن هذا الواجب يحمله مسؤولية. وسلطته في ذلك شاملة لكل الجرائم، بينما لا يباح الدفاع الشرعي إلا لمنع جرائم معينة، ثم أن الدفاع يجيز للمدافع أفعالا لا تباح لممثل السلطة وهو يؤدي الدفاع أعمال وظيفته، ومن ثم لا يعتبر التفويض أساساً للدفاع. لأن مقتضى الإنابة أن يكون للوكيل حقوق الأصيل وتكون عليه نفس التبعات، وليس الأمر كذلك على ما تقدم[20].

و يمكن القول الصحيح أنه رخصة من القانون للمدافع ۔

أركان دور الفرد في مكافحة الجريمة الجنائية

فيه مبحثان:

المبحث الأول: الاعتـداء:

الاعتداء هو الركن الأول والأساسي في دور الفرد في مكافحة الجريمة، إذ من البديهي أنه لا مشروعية لدفاع غير موجه لرد اعتداء، ويثير الاعتداء كركن أساسي لدور الفرد في مكافحة الجريمة والعديد من المسائل التي تتعلق بمعناه، وصوره وشروطه وموضوعه.

يشتمل هذا المبحث على مطلبين:

المطلب الأول: مفهوم الاعتداء وعناصره في الشريعة الاسلامية.

المطلب الثاني: مفهوم الاعتداء وعناصره في قانون وضعي.

المطلب الأول: مفهوم الاعتداء وعناصره في الفقه الإسلامي.

يمكن القول أن الاعتداء يأتي من قول أو فعل أو امتناع غير مشروع ممكن يلحق أذي بأي أحد من الناس ويشترط البعض أن يكون الصائل أهلا لتحمل المسؤولية، ونتناول العنصر المادي والعنصر المعنوي للاعتداء.

1-العنصر المادي:

المقصود بالعنصر المادي للاعتداء هو أن يبدأ في ارتكاب الركن المادي لجريمة من الجرائم، فالركن المادي للاعتداء في السرقة أن يبدأ الجاني في أخذ الشيء خفية[21] وهو ما يطلق عليه شراح القانون الوضعي الاختلاس[22] أو يوشك أن يبدأ في ذلك، ويكون للمصول عليه أن يدفع الصائل حتى يدخل المال المسروق في حيازة السارق فإذا لم يصدر أي نشاط عدواني لم نكن أمام حالة من حالات الدفاع الشرعي وليس للاعتداء حد معين فقد يكون بسيطا وقد يكون جسيما فكلاهما يبرر الدفاع طالما يتجاوز المدافع حدود الدفاع[23] هذا على خلاف حالة الضرورة التي لا تقوم إلا إذا كان الخطر جسيما[24].

2-العنصر المعنوي:

ويريد به العصيان أو نية الجنائ ، وهو قصد عمل الفعل غير مشروع أو ترك فعل المشروع [25]. هذا القانون في جرائم عمدية۔

والعنصر المعنوي محل خلاف بين الفقهاء فقد أوجب الأحناف عدا أبي يوسف الضمانَ لأن القتل أبيح للضرورة وهي لاتنافي الضمان حيث لا وجود للدفاع الشرعي[26] وذهب أبو يوسف أنه لا ضمان في قتل المجنون والصبيّ إذا صالا، وذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى عدم اشتراط أهلية الصائل[27].

أما إذا كان الصائل مسؤولا جنائيا، ولكنه لم يقصد الاعتداء وإنما قصد المزاح فوفقا للمذهب الحنفي والحنبلي والشافعي لا يتوفر العنصر المعنوي للاعتداء، فقد جاء في حاشية الطحاوي قوله "ولا يقتل من شهر سلاحا على رجل أي إذا لم يقصد المزاح فإن دل الحال على المزاح واللعب لم يجز قتله ولا يعتبر احتمال الجد واظهار المزاح للتمكن ولو دل الحال على الجد جاز قتله دفعا"[28] وجاء في شرح منتهى الإرادات "ومع مزح يحرم على دافع قتل ويقاد به لأنه لاحاجة إلى الدافع إذن[29] وجاء في كتابي أسنى المطالب: "ويحرم رمي من لم يقصد الاطلاع"[30].

وهذه الصور في الفقه الإسلامي التي نقصدها بالعنصر المعنوي في الاعتداء.

المطلب الثاني: مفهوم الاعتداء وعناصره في القانون الوضعي:

تجرى أغلب التشريعات على استعمال لفظ الاعتداء [31]"Assault" غير المشروع وبعبارة أخرى الاعتداء الذي يعتبر جريمة ومن هذه التشريعات القانون الباكستاني والقانون الهندي في المادة [32]351.

حيث استعمال لفظ Criminal trespass في القانون الباكستاني والقانون الهندي في المادة 441 نجده للاعتداء[33] وللاعتداء كركن في دفاع شرعي في قانون وضعي. كما سبق بيانه في الشريعة الاسلامية عنصران، عنصر مادي، وآخر معنوي.

1-العنصر المادي:

قد يكون الاعتداء جريمة تامة لم تنته وهي صورة الجريمة المستمرة، فيباح الدفاع لإنهاء حالة الاستمرار[34] وقد يكون المظهر المادي للاعتداء شروعاً أو مجرد أعمال تحضيرية، وإن لم يجرمه المشرع، وكذلك الشروع في جميع المخالفات، وأغلب الجنح، وبعض الجنايات فإن هذه الاعمال تعتبر اعتداء طالما أن من شأنها ـ إن لم تدفع إصابة الحق الذي يحميه القانون ويجيز الدفاع عنه، أما إذا لم يكن من شأن العمل أن يصيب هذا الحق كان العمل مشروعا [35].

ومن المسلم به أنه إن لم يكن هناك نشاط بالمرة فإن حالة الدفاع الشرعي لا تقوم، ولا يشترط في الاعتداء أن يكون جسيما فقد يكون بسيطا وإنما يقتضى قدراً من القوة لدفعه بشرط عدم تجاوز المدافع حدود الدفاع[36].

2-العنصر المعنوي:

كما أن العنصر المعنوي شرط لازم لقيام الجريمة فهو كذلك شرط لازم لقيام الاعتداء. هذا العنصر قد يتوافر بالقصد، أي إرادة إصابة الحق الذي يحميه القانون كانصراف الإرادة إلى إزهاق الروح في القتل أو المساس بسلامة جسم المدافع في الضرب أو انتزاع الحيازة بقصد التملك في السرقة، وما إلى ذلك، وقد يتوافر هذا العنصر من مجرد الخطأ فيجوز استعمال القوة ضد من يقود سيارة بحالة خطرة يخشى معها أن تتسبب في قتل أو إصابة أحد المارّة، ووفقا لهذا النظر لا يجوز الدفاع الشرعي ضد من تأثر إرادته بعيب من عيوب الأهلية كالإكراه فإذا ارتكب الفعل بتأثير أحد هذه الأسباب فإنه يفقد عنصر من عناصر الاعتداء ولا يجوز بالتالي دفعه بالجريمة[37].

ومن هذا العرض لمعنى الاعتداء وعناصره في كل من الفقه الإسلامي والفقه الوضعي، يمكن القول أن العنصر المادي يميز الشريعة الغراء بأنها لم تقصره على أفعال معينة يجوز مواجهتها، بينما تجري غالبية التشريعات الوضعية على تحديد الجرائم التي يجوز دفع خطرها.

المطلب الثالث: شروط الاعتداء:

وفي الاعتداء الذي يمكن دفعه شرطان:

1-الاعتداء غير مشروع.

2-وأن يكون خطر هذا الاعتداء حالا.

ونخصّص لكل من هذين الشرطين فرعين على الوجه التالي:

الفرع الأول: عدم مشروعية الاعتداء.

الفرع الثاني: حلول خطر الاعتداء.

الفرع الأول: عدم مشروعية الاعتداء:

يشترط في الاعتداء الذي يمكن دفعه أن يكون غير مشروع، وهناك أخطار ولكنها مشروعة كتأديب الوالد ولده، وهناك أخطار غير مشروعة، فالدفاع الشرعي لا يباح إلا ضد الخطر غير المشروع. فالزوج إذا ضرب زوجته للتأديب والمعلم إذا أدّب الصبي، والجلاد حين يقطع رقبة المحكوم عليه أو يد السارق، كل هؤلاء لا يعتبر فعلهم عدواناً أو اعتداء، وإنما هو استعمال لحق أو أداء لواجب[38].

أما الاعتداء غير المشروع، فهو ما أهدر بغير حق، تحميه الشريعة الإسلامية، فلقد حرمت الشريعة الإسلامية الدماء، والأعراض والأموال لما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال في حجة الوداع: "فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا"[39].

واتفق جميع الفقهاء على عصمة الدماء والأعراض والأموال كما اتفقوا على أن الخطر الذي يهددها بغير وجه حق هو خطر غير مشروع، وذلك لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من جريمة الاعتداء عليها.

وليس للخطر حد مقرر، فيصح أن يكون الخطر جسيما ويصح أن يكون بسيطا وبساطة الخطر لا تمنع من الدفاع ولكنها تقيد المدافع بأن يدفع الاعتداء بالقوة اللازمة لدفعه، والفقهاء لم يضعوا حداً أدنى للاعتداء الذي ينشئ الخطر فعندهم الخطر غير مشروع وإن كان بسيطاً.

قال الحنفية: "إن استقبله اللصوص ومعه مال لا يساوي عشرة، حل له أن يقاتلهم، لقوله صلى الله عليه وسلم: "قاتل دون مالك" واسم المال يقع على الكثير والقليل"[40] "ويجوز أن يقاتل دون ماله وإن لم يبلغ نصابا"[41].

وقال المالكية: "وجاز دفع الصائل، أي سواء كان مكلفا أو صبيًا أو مجنوناً أو بهيمة والمراد بالصائل، مريد الصول ـ ... وأن الصائل إذا كان ممن يفهم فإنه يناشده أولاً ثم بعد المناشده يدفعه شيئا فشيئا أي يدفعه بالأخف فالأخف فإن أبى إلا الصول قتله وأما إن كان ممن لا يفهم كالبهيمة فإنه يعالجه بالدفع من غير إنذار ويدفعه بالأخف فالأخف فإن أبى إلا الصول قتله وكان هدرا"[42].

وقال الشافعية: "له ـ أي الانسان ـ دفع كل صائل مسلم وكافر وحر ورقيق، ومكلف وغير مكلف"[43] "وشمل قوله أو مال الكثير والقليل كدرهم"[44].

الفرع الثاني: حلول خطر الاعتداء:

يشترط أن يكون هذا الاعتداء غير المشروع له خطر حال، ونتكلم عن هذا على النحو التالي:

أولاً: حلول الخطر في الشريعة الاسلامية.

ثانيا: حلول الخطر في القانون الوضعي.

أولاً: حلول الخطر في الفقه الإسلامي:

لا يعتبر دفاعا مشروعا ما يقوم به المصول عليه بعد انتهاء العدوان لأن المقصود من الدفاع الشرعي هو الدفع وليس الثأر أو الانتقام فإذا لم يكن خطر الاعتداء حالاً كأن يكون الصائل في حالة لا يستطيع معها إيقاع الأذى بالمصول عليه في الحال فإن الفعل الذي يأتيه المصول عليه لا يكون من قبيل الدفاع المباح، وإنما هو في الواقع يشكل اعتداء غير مشروع وعبارات الفقهاء تؤكد وجوب حلول خطر الاعتداء ليكون الدفاع مشروعا، وأنه لا شرعية لما يأتيه المصول عليه من أفعال بعد انتهاء الاعتداء.

ذهب الحنفي إلى أنه لا يجوز الدفاع بعد انتهاء العدوان لأنه إذا انتهى الاعتداء عاد الصائل متمتعا بالعصمة التي بطلت بسبب عدوانه وفي هذا يقول الطوري صاحب كتاب تكملة لبحر الرائق: "ولو ضربه الشاهر فانصرف فقتله الآخر قتل القاتل معناه إذا شهر رجل سلاحا فضربه الشاهر فانصرف ثم أن المضروب وهو المشهور عليه ضرب الضارب وهو الشاهر فقتله فعليه القصاص لأن الشاهر لما انصرف بعد الضرب عاد معصوما مثل ما كان لأن حل دمه كان باعتبار شهره وضربه. فإذا رجع على وجه لا يريد ضربه ثانيا اندفع شره فلا حاجة إلى قتله لارتفاع شره بدونه فعادت عصمته، فإذا قتله بعد ذلك فقد قتل رجلا معصوما ظلماً"[45].

يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه معبرا عن صورة الخطر الحال، وبعبارة أخرى الخطر الوشيك الوقوع "وإن أراده وهو في الطريق وبينهما نهر أو خندق أو جدار أو مال يصل معه إليه لم يكن له ضربة ولا يكون له ضربة حتى يكون بارزا له مريداً له فإن كان بارزا له مريدا له ضربه حينئذ إذا لم ير أنه يدفعه عنه إلا الضرب[46].

ويعبر الإمام الشافعي عن عدم مشروعية أفعال المصول عليه بعد انتهاء العدوان[47].

وعند الحنابلة لا يجوز الدفاع بعد حصول المقصود منه وهو انتهاء الاعتداء۔[48].

والمالكية لا يجيزون الدفاع بعد انتهاء العدوان فقد جاء في تبصرة الحكام "أما لو كان قد تباعد، يعني السارق، منه، يعني المسروق منه ـ بهربه ولحق بالصحراء ولا متاع معه فاتّبعه حتى أدركه فواقعه السارق أو لم يواقعه السارق فقتله فعليه القود لأنه قتله على غير متاع كان له معه فأراد استنقاذه منه ولا خوف من عدوانه عليه"[49].

والخلاصة أن الفقه الإسلامي يشترط في خطر الاعتداء أن يكون حالا أي وشيك الوقوع، أو أن يكون قد بدأ ولكنه ما زال مستمرا، فيكون الدفاع بقصد إنهائه، أما إذا انتهى اعتداء الصائل، فإن ما يأتيه المصول عليه بعد ذلك يكون من قبيل العدوان غير المشروع.

ثانيا: حلول الخطر في القانون الوضعي:

يشترط أن يكون الخطر حالا، وإذا كان المعتدي قد بدأ في الاعتداء، فإنه يشترط لإباحة الدفاع، أن يكون العدوان مازال مستمرا إذ يكون خطر الاعتداء مازال قائما، فإذا كان الاعتداء قد انقضى بإتمام الجريمة أو بانتهاء العدوان سواء بدفعة من المعتدى عليه أو غيره أو بتوقف المعتدى عنه، فإن الدفاع بعد ذلك يكون من قبيل الانتقام غير المشروع[50].

"It is only present and imminent danger which will give rise to the right. It is a right of defence in cases immediate danger, and not a right of prevention of future danger. The causing of hurt, therefore, to persons who do not cause a reasonable apprehension of an imminent danger is not justified."[51]

والخطر الذي يبرر الدفاع يجب أن يكون قائماً بالفعل، وليس الخطر المستقبل كذلك، فهو خطر محتمل، يمكن تداركه بالالتجاء إلى السلطات العامة في الوقت المناسب[52].

وتحديد الوقت الذي ينتهي فيه الخطر يختلف باختلاف الجرائم وظروف ارتكابها، فقد ينتهي الخطر قبل إحداث الضرر، طوعية من المعتدي أو جبراً من الغير[53]. وقد ينتهي الخطر بعد إحداث الضرر بالفعل.

فالجريمة الوقتية تتم وتنتهي في لحظة واحدة، فالضرب يتم وينتهي بإصابة جسم المجنى عليه، وعندئذ تنتهي حالة الدفاع بالنسبة لماتم[54].

المبحث الثاني: الـــــدفاع:

الدفاع هو الركن الثاني لدور الفرد في مكافحة الجريمة، وليس معنى أن الاعتداء غير مشروع، وخطره حال أو على وشك الوقوع، أن يباح للمصول عليه رد الاعتداء كيف شاء لأن المقصود من إباحة الدفاع مجرد درء العدوان.

وإذا كان من إباحة الدفاع هو مجرد درء الاعتداء فإنه يجب أن تكون الأفعال التي يأتيها المصول عليه لازمة لتحقيق هذا الهدف، فإذا كان من الممكن تجنب الاعتداء دون إيقاع أذى بالمعتدي فإنه لا يباح للمعتدى عليه ارتكاب أي فعل عدواني ضد الصائل وإلا اعتبر معتديا.

ولذلك يشترط في الفقه الإسلامي أن يكون الدفاع لازما لرد الاعتداء، وأن تتناسب أفعال الدفاع مع الاعتداء وفيه مطلبان علي النحو التالي:

المطلب الأول: لزوم الدفاع

المطلب الثاني: تناسب الدفاع

المطلب الأول: لزوم الدفاع

الفرع الأول: لزوم الدفاع في الفقه الإسلامي:

يؤكد الفقهاء وجوب أن يكون فعل الدفاع هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن للمعتدى عليه أن يتخلص من العدوان.

ففي المذهب الحنفي: جاء في (حاشية ابن عابدين): "وإن علم المسروق منه أنه لو صاح عليه طرح ماله فقتله مع ذلك. وجب القصاص لقتله بغير حق كالمغصوب منه إذا قتل الغاصب فإنه يجب القود لقدرته على دفعه بالاستغاثة"[55].

كما جاء في (الدر المختار شرح تنوير الأبصار) عند تناول موضوع دفع الصائل وإباحة قتله ... هذا إذا لم يعلم أنه إن صاح عليه طرح ماله، وإن علم ذلك فقتله مع ذلك وجب عليه القصاص لقتله كالمغصوب منه إذا قتل الغاصب، فإنه يجب عليه القود لقدرته على دفعه بالاستغاثة بالمسلمين والقاضي"[56].

وفي المذهب الشافعي، جاء في الأم "فمن أريد ماله في مصر فيه غوث أو صحراء لاغوث فيها، فالاختيار له أن يكلم من يريده وسيتغيث، فإن منع أو امتنع لم يكن له قتاله، وإن أبى أن يمتنع من أراد ماله أو قتله أو قتل بعض أهله أو دخولا على جريمة ... فله أن يدفعه عن نفسه وعن كل ماله دفعه عن نفسه فان لم يندفع عنه، ولم يقدر على الامتناع منه إلا بضربه بيدٍ أو عصاً أو سلاح حديدٍ أو غيره فله ضربه"[57].

وجاء في المهذب: "إذا أمكنه الدفع بالصياح والاستغاثة لم يدفع باليد. فإن لم يندفع إلا بإتلاف عضو دفعه بإتلاف العضو فإن لم يندفع إلا بالقتل دفعه بالقتل"[58].

وعند الحنابلة جاء في المغنى: "أن الرجل إذا دخل منـزل غيره بغير إذنه فلصاحب الدار أمره بالخروج من منزله سواء كان معه سلاح أو لم يكن؛ لأنه معتد بدخول ملك غيره فكان لصاحب الدار مطالبته بترك التعدّي كما لو غصب منه شيئا، فإن خرج بالأمر لم يكن له ضربه"[59].

وذهب المالكية على وجوب مناشدة المصول عليه للصائل، بأن يقول له "أناشدك الله أن تتركني ومالي أو أن تدع لي مالي، ونحو ذلك فإذا لم يستجب الصائل وأصر على عدوانه كان للمصول عليه أن يدفعه بأيسر ما يمكن دفعه به، فإذا لم يندفع بغير القتل كان للمصول عليه أن يقتل الصائل[60].

الهرب كوسيلة لرد الاعتداء:

تحدث الفقهاء عن هرب المعتدى عليه، كوسيلة من وسائل دفع الاعتداء. وقد ذكروا له أحكاماً مختلفة، وذلك تبعاً لاختلاف أحوال الهرب.

قال المالكية: "ولو قر المصول عليه على الهروب من غير مضرة تلحقه تعيّن، ولم يجز له الدفع بالجرح، وإلا فله الدفع بما قدر عليه"[61].

وفي مذهب الشافعية: يقول الشيخ القليوبي: "ولو أمكن المصول عليه خلاص نفسه بهرب أو غيره وجب عليه وحرم عليه المقاتلة". وجاء في حاشية الشيخ عميرة "وأما إذا أمكن الهرب فإنه يجب ويحرم الثبات"[62].

وجاء في أسنى المطالب: "ومتى أمكنه الهرب أو التخلص بنحو تحصن بمكان حصين أو التجاء إلى فئة لزمه ذلك لأنه مأمور بتخليص نفسه بالأهون فالأهون، قال الزركشي وقضيته أنه لو قاتله حينئذ فقتله فعليه القصاص، وقضية كلام البغوي المنع فإنه قال تلزمه الدية قال تبعاً للأذرعي وكلامهم يقتضي أن وجوب الهرب إنما هو فيما إذا دافع عن نفسه لاعن ماله ولا عن جريمة إلا أن يمكنه الهرب يهن"[63].

وقد صور جلال الدين المحلي هاتين الروايتين بقوله "فإن أمكن هرب فالمذهب وجوبه وتحريم قتال، والقول الثاني لا يجب والفريق الثاني حمل نص الهرب على من تيقن النجاة به ونص عدمه على من لم يتيقن"[64].

وقال الحنابلة: "من أريدت نفسه أو حرمته أو ماله فله الدفع عن ذلك بأسهل ما يعلم دفعه به ... وقيل له الدفع عن ذلك بأسهل ما يغلب على ظنه أنه يندفع به وهذا هو المذهب"[65].

وخلاصة القول أن الفقه الإسلامي يشترط أن تكون أفعال الدفاع لازمة لرد الاعتداء، فوجوب الهرب يكون حين يجب حفظ المعصوم من الخطر ويتعذر الدفع واستعمال القوة، وعندئذ لامجال للوقاية من الخطر إلا بالهرب، ومثاله أن يعجز الانسان عن حقن دمه، ويستطيع الهرب من أمام من أراد قتله، وجواز الهرب يكون حين يمكن النجاة بالهرب وبالدفاع عند ما يكون الخطر المتوقع من الهرب كالخطر المهدد ومثاله الدفاع عن المال حين يتعذر حمله والهرب به كما يتعذر الدفع عنه وحرمة الهرب ووجوب الدفاع حين يمكن الدفع ودرء الخطر عما يجب الدفاع عنه ومثال ذلك كمن يعتدى على عرضه ويستطيع درء الخطر المهدد والحفاظ على العرض بقليل جهد وعناء.

الفرع الثاني: لزوم الدفاع في القانون الوضعي:

يشترط أن تكون أفعال الدفاع لازمة لدرء خطر الاعتداء ويستوجب أن تكون أفعال الدفاع موجهة إلى مصدر الخطر، لأن توجيه هذه الأفعال لغير مصدر الخطر يعني أنها غير لازمة لرد العدوان[66]. ومن ثم لا يمكن اعتبارها دفاعا وإنما هي في الواقع اعتداء غير مشروع، ومثال ذلك، أن يعتدي بعض الأشخاص على المجنى عليه فيدافع عن نفسه ضد من لم يوجه إليه الاعتداء[67].

نص القانون الباكستاني يجعل شرط اللزوم لازماً وضرورياً لإباحة الدفاع حيث جاء في الفقرة الثالثة من المادة (99) من قانون العقوبات الباكستاني:

"There is no right of private defence in cases in which there is time to have recourse to the protection of the public authorities" [68].

"لا يقوم حق الدفاع الشخصي الخاص في الحالات التي يمكن فيها الاستعانة بالحكام لرد الاعتداء".

وقد نصَّالقانون المصري على هذا الشرط في المادة 246ع في فقرتها الأولى الخاصة بالدفاع عن النفس بقوله "حق الدفاع الشرعي عن النفس يبيح للشخص .... استعمال القوة اللازمة لدفع كل فعل ..." وفي فقرتها الثانية الخاصة بالدفاع عن المال بقولها "حق الدفاع الشرعي عن المال يبيح استعمال القوة اللازمة لرد كل فعل...."

فيجب أن يكون استعمال القوة المادية لازماً وضرورياً لرد الاعتداء فإذا لم تكن القوة لازمة لرد الاعتداء واستخدمها الشخص كان فعله اعتداء لعدم وجود حق الدفاع[69].

والقوة لا تكون لازمة إذا كان من الممكن دفع الاعتداء بوسيلة أخرى كاللجوء إلى رجال السلطة العمومية، فقد نصت المادة 247ع على أنه "ليس لهذا الحق وجود متى كان من الممكن الركون في الوقت المناسب إلى الاحتماء برجال السلطة العامة"[70].

الهروب كوسيلة لرد الاعتداء:

و قد يكون المدافع في حالتين اما يهرب أو اما يدافع عنه بالقوة، و في كل الحالتين هو حر أن يختار أي حالة، ولكن القانون لا يشجع أي أحد بالهروب من الجاني بل يتصور هذا بالجبن ولاضعف وهو خلاف الكرامة الانسانية [71].

ونصت المادة (100) من قانون العقوبات الباكستاني على أنه لايباح الدفاع بالقتل إلا إذا قام للمعتدي عليه احتمال وقوع أذى جسيم على نفسه أو عرضه أو ماله ولم يكن له مجال للهرب للتخلص من الخطر وصار قتل المعتدي لازماً لرد الاعتداء والعدوان.

والقانون الباكستان لا يقرر الهرب كواجب مطلقاً إذا كان للمعتدى عليه مجال الدفاع سواء أكان الاعتداء واقع على النفس أو العرض أو المال[72].

وجاء في شرح قانون العقوبات الهندي[73].

"Law does not require a person whose properly is forcibly tried to be occupied by trespassers to run away and seek the protection of the authorities. The right of private defence serves a social purpose and that right should be liberally construed. Such a right not only will be a restraining influence on bad characters but it will encourage the right spirit in a free citizen. There is nothing more degrading to the human spirit than to run away in the face of peril".

ولا تكون القوة لازمة وضرورية إذا أمكن الإنسان اللجوء إلى الهرب في الأحوال التي لا يعتبر فيها ذلك مشينا كالهرب من اعتداء صادر من مجنون أو غير مميز أو أب. ولكن إذا كان الهرب مشيناً فإن له أن يستعمل القوة دون اللجوء إليه. لأن القانون لا يطالب الإنسان أن يهرب عند الخوف، من العدو ويتصور الجبن وهذا خلاف الكرامة الإنسانية[74].

المطلب الثاني

الشرط الثاني: تناسب الدفاع:

يشترط الفقه الإسلامي، وشراح القانون الوضعي، أن تتناسب أفعال الدفاع مع الاعتداء. وأن تتوافر شروط الاعتداء، وشرط لزوم الدفاع لرد الاعتداء لا يعني إباحة أفعال الدفاع التي يقوم بها المعتدى عليه، بلا حدود وإنما يشترط أن تكون هذه الأفعال بالقدر المناسب لدرء خطر الاعتداء.

الفرع الأول: تناسب الدفاع في الفقه الإسلامي:

إن الله تبارك وتعالى يشترط تناسب الدفاع مع الاعتداء ويقول سبحانه وتعالى: "فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوْا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوْا اللّهَ وَاعْلَمُوْا أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ"[75].

فالله سبحانه وتعالى قد أباح الدفاع بالمثل، ولما كان من شأن النفس البشرية حب المبالغة في الانتقام من المعتدي. فقد نهى سبحانه وتعالى المؤمنين عن تجاوز الحد الذي بيّنه لهم بقوله تعالى: "واتقوالله".

لقد اهتم الفقهاء ببيان تناسب الدفاع ومن عباراتهم يتبين أنهم اعتمدوا في تحديد المعيار على الوسيلة المستخدمة في الدفاع، فإذا كانت الوسيلة التي استخدمها المصول عليه تتناسب مع الوسيلة التي يستخدمها الصائل في صياله توافر شرط تناسب الدفاع مع الاعتداء، فإن لم يتحقق التناسب بين الوسيلتين كأن يحاول الصائل أن يضرب المصول عليه باليد أو بعصا، فيبادره هذا الأخير بإطلاق النار ـ كان المصول عليه مسؤولا عن تجاوز حدود الدفاع المشروع.

ففيالمذهب الحنفي يقول الكاساني: "والأصل في هذا أنمن قصد قتل الإنسان ينهدر دمه ولكن ينظر إن كان المشهور عليه يمكنه دفعه عن نفسه بدون القتل فلا يباح له القتل، وإن كان لا يمكن الدفع إلا بالقتل يباح له لأنه من ضرورات الدفع، فإن شهر عليه سيفه يباح له أن يقتله لأنه لا يقدر على الدفع إلا بالقتل، ألا ترى أنه لو استغاث الناس لقتله قبل أن يلحقه الغوث إذ السلاح لا يلبث ... وكذا إذا شهر عليه العصا ليلا لأن الغوث لا يلحق بالليل عادة ... وإن أشهر عليه نهاراً في المصر لايباح قتله لأنه يمكنه دفع شره بالاستغاثة بالناس ولو يكون فى المغارة قتله مباح وفيه هذه الحالة الاستغاثة لا يمكن "[76].

ويرى المالكية وجوب الإنذار أولاً يقول صاحب شرح منح الجليل: "ويجب الإنذار في كل دفع"[77].

والإنذار كما جاء في حاشية الدسوقي وهو التخويف بوعظه وزجره وإنشاد الله عليه لعله ينكف[78] فإذا استمر الصائل في صياله بعد الإنذار كان للمصول عليه أن يدفعه بأيسر ما يندفع به. يقول الشيخ الدسوقي "والحاصل أن الصائل إذا كان ممن يفهم فإنه يناشده أولا ثم بعد المناشدة يدفعه شيئا فشيئا، أي يدفعه بالأخف فالأخف فإن أبى إلا الصول قتله"[79].

ويشترط المذهب الشافعي أن يكون الدفع بالوسيلة الأخف وهو الكلام، الصياح ولاستغاثة بالناس، الضرب ، ويراعى بالترتيب[80].

وعند الحنابلة يقول ابن قدامة: "وإذا دخل منزله بالسلاح فأمره بالخروج فلم يفعل فله أن يضربه بأسهل ما يخرجه به... فإن لم يخرج بالأمر فله ضربه بأسهل ما يعلم أنه يندفع المقصود دفعه فإذا اندفع بقليل فلا حاجة إلى أكثر منه فإن علم أنه يخرج بالعصا لم يكن له ضربه بالحديد لأن الحديد آلة للقتل بخلاف العصا"[81].

وحاصل القول أن الفقه الإسلامي يشترط أن يكون الدفاع متناسباً مع الاعتداء.

الفرع الثاني: تناسب الدفاع في القانون الوضعي:

يجب على المدافع أن يدفع عن نفسه وماله إذا كان هناك اعتداء حال بقدر القوة المادية ولا تتجاوز ولا بد أن يكون الدفاع مساويا مع الاعتداء ولكن لا يعني هذا التكافؤ الحقيقي الكامل، ويمكن القوة مستعملة للدفاع زيادة من الاعتداء، ولكن هذه الزيادة تكون معقولة وتتصور متناسبة وتقدير ذلك مرجع الى محكمة الموضوع[82] .

فنصت المادة (99) في الفقرة الرابعة من قانون العقوبات الباكستاني والهندي على:

"The right of private defence in no case extends to inflicting of more harm than it is necessary to inflict for the purpose of defence"[83].

"أن لا يمتد حق الدفاع في أي حال من الأحوال إلى إيقاع أشد مما يلزم من الضرر والأذى لأجل الدفاع".

وقضت في ما إذا ضرب الشخص المتوفي المتهم ضرباً خفيفاً بالعصا فانتزع المتهم سكيناً وضرب بها المتوفي ثمانية ضربات، تكفي خمسة منها لموته، فحكم على أن المتهم لم يدافع بحسن نية ولا بإرادة وإصابة الضرر الضروري والمناسب لدفع الاعتداء[84]. وإذا وقع القتال بين شخصين وكان مع أحدهما سلاح مميت، والآخر بدون سلاح فليس لحامل السلاح حق الدفاع بالسلاح ضد الآخر[85].

فالمادة 249 تنص على استعمال القوة اللازمة لدفع الجريمة، والمادة 251 تشير إلى الضرر الذي يستلزمه الدفاع، وليس في النصين ما يحتم أن يكون هذا الضرر مساوياً للضرر المهدد به المدافع. فكل ما يشترط أن يكون بالقدر اللازم للدفاع، وهو يكون كذلك متى كان نتيجة لاستعمال الوسيلة الوحيدة التي كانت في متناول المدافع أو متى كان من غير الممكن رد الاعتداء بوسيلة دونها تأثيرا أو بقدر أقل مما حدث[86].

والقاعدة أن الدفاع يجب أن يكون متناسبا مع التعديّ، فلا تستعمل مع امرأة أو شيخ هرم أو رجل سكران مثلاً نفس القوة التي تستعمل مع رجل قوي البنية، وإذا كان الشخص مهدداً تضرر تافه فلا يجوز له أن يلجأ إلى القتل[87].

يتضح من خلال عرضنا لشروط تناسب الدفاع في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي، أنها نفس الشروط بصورة عامة ولا يوجد بينهما اختلاف كبير فإذا كانت الشريعة الإسلامية قد شرطت للدفاع ضرورة اللزوم والتناسب فقد حدث ذلك أيضاً في القانون الوضعي إلا أنه من الناحية التطبيقية فقد شمل الدفاع في الشريعة الإسلامية النفس والعرض والمال ولكن القانون قد أنفل العرض من نصوصه وجعله من جرائم الاعتداء على النفس.

حوالہ جات

  1. ۔ سورة البقرة 2، الآية: 194.
  2. .الرملي: شمس الدين محمد بن شهاب الدين أحمد الرملي، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، ص23، طبعة بولاق، 1292هـ، مطبعة الحلبي بمصر، 1967، وأسنى المطالب، لأنصاري، المرجع السابق، ج 4، ص 166.
  3. .القرطبي: أبو بكر عبدالله محمد بن أحمد الأنصارى الحرزجي القرطبي: الجامع لأحكام القرآن؛ مطبعة دارالكتب العربي، 1967م، جزء 2، صفحة 360۔
  4. .تفسير الطبري تفسير الطبرى، المرجع السابق، ص 199-200.
  5. .النيسابوري: العلامةنظام الدين الجحش بن محمد ابن حسين اللقمى النيساپورى، تفسي غرائب القرآن ورغائب الفرقان، بهامش الطبرى ، طبعة 1323ه، جزء ثانى ، صفحة 232، التفسير المنار، للشيخ رشيد رضا، جزء 2، ص 313۔
  6. . المباركفوري: أبو العلي محمد عبد الرحمن ابن عبدالرحيم، 1353هـ، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، الطبعة الثالثة، 1979م، دار الفكر بيروت، لبنان، رقم الحديث 1440، جزء 4، صفحة 681، ونيل الأوطار من أحاديث سيد الأخبار، شرح منتفى الأخبار، محمد ابن علي ابن محمد الشوكانى، طبعة دار الجيل، 1973م، بيروت لبنان، ج 6، ص 74.
  7. .الشوكاني : محمد ابن علي ابن محمد ، نيل الأوطار، ج 4، ص 40.
  8. .صحيح مسلم بشرح النووي، ج 14، ص 138.
  9. البخاري: الجامع الصحيح، الباب الاستئذان من أجل البصر، رقم 5772، ص 19/259، الشوكاني: نيل الأوطار، جزء سابع، ص 29، صحيح مسلم، جزء ثانى، بدون التاريخ، ص 264.
  10. . البخاري: الجامع الصحيح، الباب من اطلع في بيت قوم ففقئوا عينه.. رقم الحديث: 6393، ص 21/211، المسلم: الجامع الصحيح، الباب تحريم النظر في بيت غيره، رقم الحديث: 4017، ص 11/116، العسقلاني: فتح البارى، ج 12، ص 243.
  11. . البخاري: الجامع الصحيح، ج 8 ص 90، كتاب الفتن، رقم الحديث: 6544، ط. المكتبة الإسلامية إستانبول، الترمذي: السنن، الباب ما جاء فيمن شهر السلاح، رقم الحديث: 1379، ص 5/381.
  12. .الشاطبي: الموافقات، ج 2، ص 8.
  13. .Shahid Hussain Qadri- Pakistan Penal Code, 1986 ch- 4, Sec. 96, Mansoor Book House Lahore,
  14. .I.P.C. (XLV 1860) Ed. 3rd, Vol- 1, P-532, Sec. 96
  15. .عوض: محمد محي الدين، القانون الجنائي، ص 590، ط. المطبعة العالمية بالقاهرة.
  16. .جارسون مادة 328 ن 5 إلى 8، وجارو 2 ن 438، نقلا عن الموصوعة الجنائي لجندي عبد الملك، ج 1، ص 517.
  17. .عوض: محي الدين، القانون الجنائي، ص 26، (The Law of homicide in the Sudan by Krishna Vasdev).
  18. Sec 55, Sudan Penal Code, (We must bear in mind that the right accorded by section 55 is exercised in relation to the defence of the body or property).
  19. .محمد عبد الرحيم: الموسوعة الشاملة للقانونية في مصر، جزء 1، الطبعة الأميرية، 1972م، ص 21.
  20. .محمود محمود مصطفى: شرح قانون العقوبات، الطبعة السادسة، 1964م، دار ومطابع الشعب، ص 178.
  21. عبد القادر عودة: التشريع الجنائي الإسلامي، الجزء الثاني، الطبعة المؤسسة الرسالة بيروت، 1413هـ، ص 518.
  22. محمود مصطفى: شرح قانون عقوبات، طبعة سابعة، الجامعة القاهرة، 1975م، صفحة 442.
  23. عبد القادر عودة: الشتريع الجنائي الإسلامي، ج 1، ص 479.
  24. محمود محمود مصطفي: شرح قانون العقوبات، المرجع السابق، ص 184.
  25. عبد القادر عودة؛ التشريع الجنائي الإسلامى جزء 1 ،ص 409.
  26. الزيلعي: تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق، طبعة سنة 1315هـ، الجزء السادس، ص 110، البحر الرائق، الطبعة الأولى، الجزء الثامن، ص 344.
  27. ابن فرحون: تبصرة الحكام، طبعة 1302هـ، الجزء الثاني، ص 250، أسنى المطالب، الجزء الرابع، ص 166، قليوبي: حاشية على شرح منهاج الطالبين، الجزء الرابع، ص 206، المهذب لشيرازي، الجزء السادس، ص 243، كشاف القناع، الجزء الثاني ص 92، الأم، الجزء السادس، ص 172.
  28. حاشية الطحاوي، الجزء الرابع، ص 265.
  29. البهوتي: شرح منتهى الإرادات، مطبعة أنصار السنة 1369هـ/1947م، ص 328.
  30. الأنصاري: أسنى المطالب، الجزء الرابع، ص 170.
  31. An assault is an offence against the human body.
  32. قانون العقوبات الهندي، ج 3، ص 595،IPC. Page 595, 3rd, Ed. WW. Chitaley.
  33. قانون الجرائم (قانون العقوبات الباكستاني المادة 441،
  34. شرح قانون العقوبات، القسم العام، محمود محمود مصطفى، ص 182).
  35. محمود محمود مصطفى: شرح قانون العقوبات، ص 182 (نقض 27 نوفبر سنة 1939م مجموعة القواعد القانونية، ج 5، رقم 13، ص 18 و يناير سنة 1959م القضية رقم 1626، ص 28 قضائية).
  36. محمود محمود مصطفى: شرح قانون العقوبات، القسم العام، ص 184.
  37. محمود محمود مصطفى: المرجع السابق، ص 184.
  38. عبد القادر عودة: التشريع الجنائي الإسلامي، ج 1، ص 479.
  39. النووي: صحيح مسلم بشرح النووى ج 11، ص 169، ط: دار الفكر بيروت، الإمام أحمد: المسند، ج 3، ص 491.
  40. ابن عابدين: رد المختار على الدر المختار، ج 6، ص457.
  41. المرجع السابق، ج 6، ص 547، الزيلعي: تبيين الحقائق ج 6، ص110، الطوري: محمد بن حسين بن علىالطوري، تكلمة البحر الرائق، ج 8، ص 302، الكاساني: بدائع الصنائع، المرجع السابق، ج 7، ص 93.
  42. الدسوقي: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، ج 4، ص 357.
  43. الشربيني: مغنى المحتاج، ج 4، ص 194، نهاية المحتاج، الرملي، ج 8، ص 21، 22.
  44. المرجع السابق، ج 4، ص 194.
  45. الطوري: محمد بن حسين بن على، تكملة البحر الرائق، الجزء الثامن، ص 344، نفس المعنى في شرح در المختار، محمد علاء الدين الحصكفي، مطبعة صبيح، الجزء الثاني، ص 444، وشرح العناية على الهداية، محمد بن محمود البابرتي، طبعة 1328هـ، ص 269.
  46. للشافعي: الأم، طبعة الشعب، 1968، الجزء السادس، ص 27.
  47. للشافعي: الأم، الجزء السادس، ص 27.
  48. البهوني: شرح منتهى الإرادات، طبعة 1366هـ/1947م، ص 378.
  49. ابن فرحون: تبصرة الحكام بهامش فتح العلى المالك، طبعة الحلبي، 1958، الجزء الثاني، ص 186.
  50. محمود محمود مصطفى: المرجع السابق، القسم العام، ص 193، وفي القانون الباكستاني.
  51. Cite error: Invalid tag; no text was provided for refs named ftn52
  52. محمود محمود مصطفى: شرح قانون العقوبات، ص 193.
  53. محمد محي الدين عوض: القانون الجنائي، ص 601، محمود محمود مصطفى: شرح قانون العقوبات، ص 194.
  54. محمود محمود مصطفى: القانون الجنائي، المرجع السابق، ص 194.
  55. ابن عابدين: حاشية ابن عابدين على الدر المسماة رد المختار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، الجزء الخامس، ص 383.
  56. الحصكفي: محمد علاء الدين، شرح الدر المختار شرح تنوير الأبصار، الجزء الثاني، طبعة صبيح، ص 444.
  57. الشافعي: الأم، الجزء السادس، ص 27.
  58. الشيرازي: المهذب، الجزء الثاني، ص 225.
  59. ابن قدامة: المغنى، طبعة المنار، 1367هـ ، الجزء الثاني، ص 327.
  60. الدردير: أبو البركات سيدى أحمد، الشرح الكبير، حاشية الدسوقي، الجزء الرابع، ص 357.
  61. ابن فرحون: تبصرة الحكام، الجزء الثاني، ص 357.
  62. المحلي: جلال الدين محمد بن أحمد المحلي، حاشيتي قليوبي وعميرة على شرح المحلي، مطبعة الحلبي، 1956م، ج 4، ص 206-208.
  63. الأنصاري: أسنى المطالب، المطبعة الميمنية بمصر، 1312هـ، ج 4، ص 167.
  64. المحلي: شرح منهاج الطالبين للنووي، الطبعة الثالثة، 1375هـ/1956م، ج 4، ص 207-208.
  65. المرداوي: الإنصاف، ج 1، ص 303، وحاشية ابن قدامة على المقنع، ج 3، ص 505.
  66. محمود نجيب حسنى: القانون الجنائي ، المرجع السابق، ص 223.
  67. نقض 16 دسمبر 1958م ، مجموعة أحكام النقض، السنة التاسعة، رقم 265، رقم 109.
  68. The Law of Crimes (PPC) by Iqbal Mahmood Awan, page 154, sec. 99, "The right of private defence
  69. محمد محي الدين عوض، القانون الجنائي، الطبعة العالمية، بالقاهرة، ص 604.
  70. محمد محي الدين عوض، القانون الجنائي، ص 605.
  71. رؤوف عبيد: مبادئ القسم العام من التشريع العقابي المصري، طبعة أولى، 1962 ص 428.
  72. شاهد حسين قادري: شرح قانون العقوبات الباكستاني، ص 99.
  73. IPC, see 96 page 535, Ud-1, by W.W. Chitaley, Ed. 3rd 1980.
  74. محمد محي الدين عوض، القانون الجنائي، ص 605.
  75. سورة البقرة 2، الآية: 194.
  76. الكاساني: الامام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الطبعة الأولى، 1328هـ/ 1910م، مطبعة الجمالية ، الجزء السابع، ص 92- 93.
  77. عليش: الشيخ محمد، شرح منح الجليل على مختصر خليل، الطبعة العامرة، 1294، ص 561.
  78. الدسوقي: حاشية الدسوقي، ج 4، ص 357.
  79. المرجع السابق
  80. الأصفهاني: كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، طبعة الحلبي، 1356هـ/1937م، ج 2، ص 120، وراجع نهاية المحتاج، ج 8، ص 31.
  81. ابن قدامة: المغني، المرجع السابق، الجزء الثامن، ص 329-330، وابن نجار: منتهى الإرادات، المرجع السابق، القسم الثاني، ص 493.
  82. محمد محي الدين عوض، القانون الجنائي، ص 609.
  83. قانون العقوبات الباكستاني والهندي، المادة 99(4)(PPC. Sec. 99, Clause 4, IPC. Sec. 99 Clause 4).
  84. شاهد حسين قادري، شرح قانون العقوبات الباكستاني، ص 97.
  85. شاهد حسين قادري، شرح قانون العقوبات الباكستاني، ص 97.
  86. محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات، ص 204-205، والقانون الجنائي، محمد محي الدين عوض، ص 610.
  87. جندى عبد الملك، الموسوعة الجنائية، جزء 1،صفحة 530.
Loading...
Issue Details
Id Article Title Authors Vol Info Year
Id Article Title Authors Vol Info Year
Similar Articles
Loading...
Similar Article Headings
Loading...
Similar Books
Loading...
Similar Chapters
Loading...
Similar Thesis
Loading...

Similar News

Loading...