Search from the Journals, Articles, and Headings
Advanced Search (Beta)
Home > Al-Milal: Journal of Religion and Thought > Volume 1 Issue 1 of Al-Milal: Journal of Religion and Thought

الرهبانية المسيحية والتصوف الإسلامي و تاثيرهما على الجوانب المختلفة للحياة الإنسانية: دراسة تحليلية من منظور إسلامي |
Al-Milal: Journal of Religion and Thought
Al-Milal: Journal of Religion and Thought

Article Info
Authors

Volume

1

Issue

1

Year

2019

ARI Id

1682060035210_493

Pages

134-145

PDF URL

http://al-milal.org/journal/index.php/almilal/article/download/25/12

Chapter URL

http://al-milal.org/journal/index.php/almilal/article/view/25

Subjects

‘Aqῑdᾱh Monasticism Practical Life Development Impact

Asian Research Index Whatsapp Chanel
Asian Research Index Whatsapp Chanel

Join our Whatsapp Channel to get regular updates.

مقدمة

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضّل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أمابعد

فإن الحياة الرهبانية التقشفية تُعدّ من أهم االممارسات التى نشرت فى العالم. والناس الذين يختارون هذا النمط للحياة، يسمون بأسماء مختلفة مثل الصوفياء أو المتصوفين أو الرهبان أو النساك. ومن أهم العناصر العقدية أو الفكرية للتمسك بمثل هذا الأسلوب من الحياة الدينية، الإنفصال عن العالم، وتعذيب النفس بالشدائد، وتخلى النفس لكثرة العبادة والرياضة. وهناك بعض الأسباب الداخلية والخارجية لدخول هذه الفكرة فى الإسلام. فعندما دخلت الأمم الأجنبية فى الإسلام، أحضرت معها عقائدها السابقة. فاشتهرت هذه الفكرة الرهبانية بإسم التصوف فى الإسلام، فسوف أناقش قضية ظهور التصوف و مدى تأثيره فيما يأتي حول إستخدام كلمتي التصوف والرهبانية ومدلولاتهما .

ويركز هذا البحث العلمي على نشأة العقيدة الرهبانية فى الميسيحية ثم تأثيرها فى التصوف الإسلامي عبر القرون المختلفة، وآثارها التى تترتب على الحياة الإنسانية، وتحليلها فى ضوء تعاليم الإسلام. فالمنهج الذى أستخدمه في كتابة هذا البحث العلمي فهو المنهج الوصفى والتحليلي بشرح مفهوم العقيدة الرهبانية وتطورها التاريخي، وإنعكاساتها فى الحياة الإنسانية، وتحليلها فى ضوء النصوص الشرعية. ویتكون البحث من مقدمة وأربعة مباحث- ثم الخاتمة.

المبحث الأول: نشأة الرهبانية فى المسيحية: رؤية تاريخية

الرهبانية هى المبالغة فى العبادة بمواصلة الصلوة، والصوم، ولبس المسوح، والتعبد في الصحراء والغابات، وترك الملاذ من النكاح، وأكل اللحم، والمطعم، والمشرب، والمسكن الحلال وغيرها. وابتدعوها النَّصارى من عند أنفسهم ولم يفرض أو يسنّ الله عليهم.

فكان أول السبب للرهبانبة، ظهور الجبابرة بعد عيسى عليه السلام وقتلهم الناس حتى يبقى القليل. فاختار الباقون الرهبانية بخوف الخلل فى دينهم وخالصوا أنفسهم للتعبّد منتظرين ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم التى وعد لهم سيدنا عيسى عليه السلام.

وكذلك رُوى بأن إذا غرق الفرعون مع جنوده فاستأذن من السحرة الذين آمنوا على يدي موسى عليه السلام وذهبوا على رؤوس الجبال. فهؤلاء الذين اختاروا الرهبانية أول مرة وبعد وفات موسى عليه السلام وإنقطعت هذه الرهبانية اليهودية بحيث لا نجد الرهبان اليهود بعد هذه الفترة وإبتدعها مرة أخرى أصحاب سيدنا عيسى عليه السلام ولكن مارعوها بسبب التثليث، والإتحاد، والكفر بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

يقول مقاتل: {فما رعوها حق رعايتها} أى عندما رُفع سيدنا عيسى عليه السلام، استضعفوا ولم يصبروا على الحلال ودخلوا فى الحرام كشرب الخمر، وأكل الخنزير مع الفساق، وسلكوا على طريق ملوكهم، إلا قليل منهم. ولذا قال تعالى: {فما رعوها حق رعايتها} ومنهم من رعوا وسلكوا طريقة الصالحين وآمنوا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فرعوا حق رعايتها كما قال سبحانه وتعالى: ﴿فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ﴾.[1]

قال تعالى: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾.[2]

يقول ابن كثير: {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} أى إبتدع النصارى الرهبانية وليست هى مشروعة لهم بل إلتزموها بأنفسهم عليهم. وقوله تعالى {إلا ابتغاء رضوان الله} أى كانوا يريدون رضوان الله سبحانه وتعالى بالرهبانية. قال قتادة وسعيد بن جبير وغيرهما: ما كتبنا عليهم الرهبانية ولكن كتبنا إبتغاء رضوان الله.وقوله سبحانه وتعالى {فما رعوها حق رعايتها} أى ماالتزموا ما كتبوا عليهم ففيه ذم من جهتين:

  1. الجهة الأولى فهى بأنهم إبتدعوا فى دين الله من عندهم مالم يشرع سبحانه وتعالى.
  2. والجهة الثانية فهى لم يلتزموا مازعموا بأنها وسيلة لقربة الله.[3]

واختلف البعض فيمن لم يرعوا الرهبانية،[4] فقال البعض: إنهم بدّلوا الدين ماجاء به عيسى عليه السلام وخالفوا تعاليمه.وقال البعض: إنهم رعواالرهبانية حق رعايتها ولكن لم يرعوا الذين جاءوا من بعدهم حق رعايتها وكفروا بها، فهؤلاء المنكرون الذين وصفهم سبحانه وتعالى {فما رعوها حق رعايتها}.يقول صاحب روح المعاني: المراد بنفى الرعاية من الرهبانية بأن مارعوها كلهم بل بعضهم كما ضُرب المثال عندما قتل واحد من بنى تميم، نقول قتل بنوتميم.[5]

وقوله تعالى {فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ } اى الذين آمنو بالنبي الآخر محمد صلى الله عليه وسلم مع إيمانهم بعيسى عليه السلام، فاستقاموا فى سبيل الله، وسيعطيهم الله أجرهم ولكن {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}.[6]

قال الزجاج أحسن القول عن قوله تعالى {فما رعوها حق رعايتها} فهى على ضربين.[7]

  1. أحدهما: أنهم لم يلتزموا ما إبتدعوا أى الرهبانية.
  2. ثانيهما: أنهم لم يؤمنوا بنبي الآخر عندما بعث، وعصوا عن طاعة سبحانه وتعالى فهذه مارعوها والدليل على ذلك قوله تعالى {فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ} بأن من آمن ورعى حق رعايتها وقوله تعالى{وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} عمن لم يؤمنوا أى لم يرعوا.

يقول صاحب روح المعاني: قال كبار من العلماء بأن كل ماابتدع من الحسنة فى الدين فهو داخل فى الشريعة. وأما قوله تعالى ورهبانية...إلخ ففيه ذم على عدم رعايتها وعدم الدوام على العمل فقط. واطلق عليه اسم البدعة خلاف أمة محمد صلى الله عليه وسلم[8] لأن قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَمِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لاَ يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَىْءٌ، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا كَانَ لَهُ وِزْرُهَا وَمِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَىْءٌ».[9]

ويدل ذلك أيضا على أن النبي صلى الله عليه وسلم أجازلنا البدعة الحسنة كما قاله صلى الله عليه وسلم سنة حسنة وجعل فيه أجرا لمبتدع وعامل عليه.[10]

قال البعض: كل ماابتدعه العلماء، والصوفياء، والأولياء، والعرفاء ومالم تصرحها الشريعة، لا تدخل فى البدع حتى خالفت السنة. فإن لم يخالف السنة فهو محمود كقلة الطعام، والمنام، وحلق الرأس، وكثرة الصلوة، والصوم، والعبادات الأخرى، ولبس المرقعات، ومواظبة الذكر، والجهر به. وذهب هؤلاء إلى القول بأن هذه نواميس الحكمة التى لم يتعارف النبي صلى الله عليه وسلم فى عامة الناس لأنها للخصوص وللسالكين على طريق الحق التى لا ترعاها الناس فلذا لا يجب عليهم. يبدوا بالصراحة من الأقوال المذكورة بأن ماذم الله سبحانه وتعالى على إبتداع الرهبانية مطلقا، والذى ذم الله سبحانه وتعالى عليه فهو عدم رعاياتها الذى ما التزموه على أنفسهم.[11]

وكذلك ظهرت الفتن بعد الخلافة الراشدة فى الأمة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك واشتد البلاء والمصائب على المؤمنين الكاملين، ورجم البيت بالمنجنيق، وشهادة عبدالله بن زبير، وقتال خير الأمة من السلمين، واستبيحت مدينة صلى الله عليه وسلم لثلاثة أيام، وقتل فيه عامة المسلمين. تحرّكت هذه الأسباب للمسلمين على العزلة فبنوا الرباط على ساحل البحر، واختاروا الفقر، وعالجوا أخلاقهم، وأخذوا الجهاد بالنفوس. وهؤلاء المؤمنون الصادقون تسمى الصوفية. إنهم تكلموا عن المقامات، والأحوال، والصدق، والورع، والتقوى وغيرها.[12]

فعندما نرى إلى منهجهم نجد بأنهم يستدلون بالقرآن والسنة وحياة النبي صلى الله عليه وسلم كما يقولون بأن الفتن نشرت فى الأرض وصار الإيمان فى عصر هذه الفتن غير محفوظ. فلا بد أن نذهب لسلامة الإيمان إلى الغابات والصحراء كما ذهب أصحاب الكهف إلى الغار لمحافظة إيمانهم. يبدوا من المنشور السابق أبرز النقاط فيما يلى:

  1. أوّل من ابتدع الرهبانية فهى النصارى وكانت نيتهم حسنة و إبتدعوها لإبتغاء رضوان الله تعالى.
  2. إن الرهبانية ليست ماشرعها سبحانه وتعالى لهم بل التزموا على أنفسهم لقربة الله.
  3. الرهبانية ليست مذمومة على الإطلاق ولكن اختلف فيه العلماء.
  4. إن الرهبان من النصارى كانوا فى طريق الله فى البداية ولكن دخلوا فى الحرام كشرب الخمر، وأكل الخنزير مع الفساق، والسلوك على طرق ملوكهم بمرور الزمن.
  5. والشيء المذموم فى الرهبانية هو عدم رعايتها. فأما الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم رعوا حق رعايتها وإلا فلا.
  6. ظهرت الميول الرهبانية فى المسلمين بسبب الفتن واختارها الصوفية لسلامة دينهم وللدفاع من الفتن.
  7. كل ماابتدعه العلماء والصوفياء والعارفون ومالم تصرحها الشريعة، فننظر إذا لم يكن مخالفا للسنة جائز-عند البعض- كقلة الطعام، والمنام، وحلق الرأس، وكثرة الصلوة، والصوم، والعبادات الأخرى، ولبس المرقعات، ومواظبة الذكر وغيرها.
  8. كانت الصوفية فى البداية على منهج أهل السنة والجماعة ولكن وقعت بعد ذلك فيها البدع الكثيرة كالحلول، والإتحاد، ووحدة الوجود بمرور الزمن.

المبحث الثاني: تأثير الرهبانية فى التصوف الإسلامي عبر القرون المختلفة

قبل ان أتحدث عن أنواع الرهبانية وحكمها فى ضوء تعاليم الإسلام ينبغي أن اذكر مدى تاثير الرهبانية في التصوف الإسلامي فيما يلي:

تأثيرالرهبانية فى التصوف الإسلامي في القرن الأول الهجري

عندما ننظر إلى تأثير الرهبانية أو الميول الفكرية الرهبانية فنجد أنه، لا توجد إسما ورسما، أوسلوكا فى عهد رسول الله وخلفاء الراشدين المهديين حتى وفاة سيدنا حسن بصرى رحمه الله (ت 111ه). وكانت التسمية المسلمين والمؤمنين أوالصحابة أو البدري أو أصحاب البيعة والتابعي. وفى هذا العهد ماكان الغلو العلمي أو العملي أو الاعتقادي إلا فى بعض النزعات الفردية كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشدد على النفس عندما سئل عن عبادته. ففى عهد الصحابة والتابعين وأتباعهم كان العلم والعمل معا والعبادة، والجهاد، والسعي للمال والنفس، ومنع عن البدع والأهواء كما منع ابن مسعود رضى الله عنه عن الذكر الجماعي فى مسجد الكوفة ومنع أصحاب معضّد بن يزيد الذين اتخذوا الجبال للعبادة. وهذه الأمثلة كانت قليلة جدا.[13]

تأثير الرهبانية في التصوف الإسلامي فى القرن الثاني الهجري

ظهرت الطائفة فى أخير القرن الأول وبداية القرن الثاني الهجري، التى اختارت الخلوة للعبادة وتركت التلقي مع الناس. وكان السبب لهذا الفعل الفتن الداخلية وقتل بعض الأشخاص الزكية. فهولاء الناس تركوا المجتمع لسلامة دينهم. عندما دخل الناس والأمم الأخرى فى الإسلام أتت معهم عقائدهم وأفكارهم البدع. وكذلك ظهرت جماعة إثر إستشهاد الإمام الحسين في الكوفة التي كانت تسمى التوّابين وبكّائين. إنهم كانوا قد خصصوا أنفسهم للعبادة واعتزلوا عن الأمور الدنيوية. عُرف هؤلاء الناس باسم عُبّاد وزُهّاد وقُرّاء وكان من أعلامهم: عامر بن عبد الله الزبير، عطاء السلمي، الأسود بن يزيد بن قيس، صفوان بن سليم، طلق بن حبيب العنزي، داؤد طائى وأصحاب حسن بصري.[14]

كانت طبيعة هذه الأفكار في البداية عبارة عن نزعة الزهد و العبادة لولكن تطورت فيما بعد و تحولت إلى نمط خاص من الحياة وتطوّر مفهوم الزهد أيضا. و ظهرت هناك ما يمكن أن يسمى بمدرسة الزهد و ظهر كثير من الزهاد فى القرن الثاني فى الكوفة والبصرة منهم: إبراهيم بن أدهم، وبشر حافي، ورابعة عدوية، ومالك بن دينار، وعبد الواحد بن زيد ونحوها. كما نجد أنهم أدخلوا فى مفهموم الزهد عقاب النفس، وأكل القليل، وعدم الزواج، وحرمة اللحم على أنفسهم، كما قال مالك بن دينار: لا يمكن الوصول لأحد إلى مرتبة الصديق حتى يترك زوجته أرملة. وكذلك في الكوفة، رفض معضد بن يزيد العجلي النوم وداوم على الصلوة. وأتبع كثيرون طريقهم وذهب بعضهم إلى الجبال على الرغم من رفض ابن مسعود رضى الله عىه. وكذلك عبّرت الرابعة العدوية بين العبد والمعبود تعبير الحب والعشق. أدت هذه الفكرة إلى عدم الرغبة إلى الجنة وعدم الخوف من الجهنم.

تأثير الرهبانية في التصوف الإسلامي فى القرن الثالث والرابع الهجري

ظهرت ثلاث طبقات من الصوفية فى القرن الثالث والرابع الهجري:[15]

الطبقة الأولى: إشتهرت هذه الطائفة بسبب التقوى، وكثرة العبادة، والإنحراف عن الدنيا كما كان فى عهد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة. ومعظم هؤلاء الناس كانوا يعتصمون بالعقيدة الصحيحة وينصحون بإتباع منهج السلف الصالح على الرغم هناك بعض العبارات الصوفية التى ظهرت واشتهرت على يد هؤلاء المتصوفة والزهاد التي عبارة عن الإنحرافات الفكرية و لكنها اعتبرهاالعلماء من الشطحيات بحيث لا يمكن الاخذ بهذه المقولات و لا الجمع بينها و بين العقيدة الإسلامية السليمة. ورئيس هذه الطائفة كان جنيد بغدادي (ت 298ه) الذى كان إسمه ابو القاسم الخراز ولقُّب بسيد الطائفة. واعتمد الصوفياء على أقواله فى التوحيد والمعرفة والمحبة. تأثر الشيخ من ذوالنون المصرى (ت 245ه) وتأثر الشبلي من جنيد ولكن خالف نظرية الفناء للبسطامي (ت 231ه)، وذوالنون (ت 245ه)، والحلاج(ت 309ه).

وأشهر الشخصيات فى هذه الطبقة كانت: معروف الكرخى (ت 200ه)، وعبد الرحمن بن أحمد بن عطية العني (ت 205ه)، وأبو سليمان الداراني (ت 215ه)، وأحمد بن على الحوارى (ت 230ه)، وحسن بن منصور بن إبراهيم أبو على الشطوي الصوفي، وسرى السقطي (ت 253ه)، وسهل بن عبدالله تستري (ت 273ه)، ومحمد بن الحسن بن الفضل بن العباس أبو يعلى البصرى (ت 368ه)، وعبدالرحمن السلمي (ت 412ه)، ومحمد بن الحسين الأزدي السلمي (ت 412ه). ألفت كتب كثيرة فى هذه المرحلة الكتب المختلفة كقوت القلوب لأبى طالب مكي (ت 386ه)، وحلية الأولياء لأبى نعيم الأصبهانى(ت 486ه)، والنظر في محتواها تفيد بأن هذه الكتب تحتوي على كثير من الأحاديث الموضوعة والمنكرات والإسرائليات.

الطبقة الثانية: اختلط الزهد بالعبارات الباطنية فى هذه الفترة، وبدأ الكلام النظري وأصبحت المصطلاحات الكثيرة مثل الوحدة، والفناء، والكشف، والحلول، والأحوال، والمقامات، والسكر، والصحو، والبقاء، والمريد وغيرها وانفصل الشريعة عن الطريقة. وأبرز الشخصيات فى هذه الطائفة: أبو يزيد بسطامي (ت 263ه)، وذوالنون المصري (ت 245ه)، ومنصور حلاج (ت 309ه)، وابوسعيد خراز(ت 286ه)، وحكيم ترمذى (ت 320ه) وأبوبكر شبلي(ت 334ه) ونحوها.

الطبقة الثالثة: في هذه المرحلة اختلط التصوف بالفلسفة اليونانية وظهرت الفتن كالحلول، والإتحاد، ووحدة الوجود، ونظرية الفيض والإشراق. وهذه الفترة أخطر فترة فى التصوف التي ظهرت فيها كثيرا من البدع وخرج التصوف من الإسلام. و أعلام المتصوفين فى هذه الفترة هى: حلّاج (ت 309ه)، والسهروردي (ت 587ه)، وابن الفارض (ت 632ه)، وابن العربي (ت 638ه)، وابن سبعين (ت 667ه).

تأثيرالرهبانية فى القرن الخامس والسادس الهجري

امتدت فى نصف الأول من القرن الخامس الهجري الأفكار السابقة التى راجت من كتب أبي عبد الرحمن السلمي (ت 412ه) كما يقول الشيخ ابن تيمية رحمه الله: توجد فى مصنفاته الآثار الصحيحة والآثار السقيمة و توقف بعض الناس فى روايته.

أخذ التصوف المكانة الجديدة فى نصف الأخر من القرن الخامس وأوائل القرن السادس.فهذا العصر عصر حجة الإسلام أبو حامد غزالى الذى ترك الأثر الكبير على التصوف. كان هو ولد فى إيران وتعلّم علم الكلام والفلسفة والفقه وغيرها من العلوم العقلية والنقلية. ثم صار مدرّسا فى جامعة نظامية وبعده بدأ السير والسياحة بطريقة الصوفية وكتب كتبا جيدا كالمنقذ من الضلال، وإحياء علوم الدين والجام العوام عن علم الكلام، ومنهاج العابدين وغيرها. ورجع فى آخر عمره إلى طريقة السلف الصالح وبدأ مطالعة الصحيحين.

انتقل التصوف فى نصف الآخر من القرن السادس من إيران إلى المشرق الإسلامي. أصبح شيخ عبد القادر جيلاني (ت 561ه) فى كيلان وأوجد مذهبه الخاص المسمى "القادرية" ونشرت تعاليمه فى عالم الإسلام. وبقوله حصل الخرقة من الحسن البصرى الذى أخذ من الإمام الحسن وهو من سيدنا على المرتضى رضى الله عنه. ومن أقواله مشهور بأن "قدمى هذا على رقبة كل ولي الله".

ثم ظهرت الطريقة الرفاعية الذى نُسب إلى الشيخ أحمد بن علي الرفاعي (ت 570ه) وهو كان قطب الأقطاب عند الصوفية. جاء من بعده علي بن عثمان (ت 584ه) وبعده عبدالرحيم بن عثمان (ت 604ه). وكذلك ظهرت فى هذا القرن الشطحيات والأفكار الإشراقية للسهروردي (ت 587ه) الذى أوجد فلسفة الإشراق بجمع آراء ديانات الفرس والفلسفة اليونانية كما يوجد فى مذهبه الفيض والظهور. ولذا كفّروه العلماء وأمر صلاح الدين أيوبي بقتله. وأهم كتابه حكمة الإشراق.

تأثير الرهبانية فى التصوف في القرن السابع الهجري

كذلك نجد إحياء الأفكار الصوفية لدى كل من ابن العربى (ت 638ه)، وابن الفارض (ت 632ه)، وابن سبعين (ت 669ه) التي كانت تشبه إلى حد كبير عقيدة ذوالنون وحلّاج وسهروردي في القرن السابع. دخل التصوف فى هذا القرن في الأندلس وظهر ابن العربي الذى كان لقّب بالشيخ الأكبر الذي جاء بفلسفة وحدة الوجود واختلف عنه صاحبه ابوالحسن الشاذلى (ت 656ه). كان الشاذلي يرجّح أفكار الغزالي فى الكشف ويرجّ ابن عربي أفكار الحلّاج وذوالنون. وأشهر تلاميذ أبى الحسن الشاذلي كانت ابو العباس المرسي (ت 686ه)، وإبراهيم الدسوقي (ت 696ه)، وأحمد البدوي (ت 675ه). وكذلك ظهر العلام الكبير مولانا جلال الدين الرومى (ت 672ه) الذى أوجد طريقة المولوي بتركيا.

تأثير الرهبانية فى التصوف في القرن الثامن والتاسع الهجري

ولد الشيخ بهاؤالدين نقشبند فى القرن الثامن (ت 791ه) وأوجد طريقة نقشبند. وفى هذين القرنين-الثامن والتاسع ألفت الشروح والتفريعات على كتب ابن العربي، وابن الفارض، والصوفياء الأخرى، ولم يظهر النظريات الجديدة فى التصوف. ودافع شيخ عبد الوهّاب شعرانى رحمه الله (ت 973ه) كتب وأفكار ابن عربي.

تأثير الرهبانية فى القرون المتأخرة

من خلال هذه الفترة، إختلط الأمر بين الصوفياء وبدأ الدراويش منهم ولقّبوا بالألقاب المختلفة كسجّادة، وخليفة، وشيخ المشائخ وغيرها. وشاع الطرق الصوفية فى شكل منظم فى جميع البلاد الإسلامية فى هذه العصور.

المبحث الثالث: إنعكاسات الرهبانية فى الأبعاد المختلفة للحياة الإنسانية

تؤثر الأفكار الرهبانية فى عدة مجالات من الحياة كالإعتقادات، والعبادات، والمعاملات، والأخلاق وغيرها. إن الذين يتبعون هذه الفكرة يعتقد-أكثرهم- عقائد المشركين، ويتمسكون بعبادات المخصوصة، والوظائف المخصوصة، ويتركون الدين الكامل. أن أصحاب هذه الفكرة أصحاب التقليد والجمود الذين لا يتفكرون ولايتدبرون. هذه الفكرة صالحة للملوك والحكومات لأنهم لا يخافون عنهم بأنهم لا يقومون لإقامة الدين.

ومن لوازم هذه العقيدة الخلوة، والذهاب إلى الكهوف، والغابات، والصحراء. وبما أن الناس الطيبين والصالحين يتفكرون عن آخرتهم و ينفصلون عن أمور الدنيا لخلاصهم. والنتيجة الأساسية لهذه الفكرة أن أرض الله تملئ بالأشرار والفاسقين و يملؤن هذه الفساق والأشرار الأرض من كل أنواع الفساد.و يصبح الأمر في أيدى الظالمين والفاسقين بسبب هذه الفكرة. ويستفيد أقوى الناس من المجتمع بهذا الاعتقاد كالملك، والحكام، والأمراء. وكذلك تشتاق الحكومات لتوزيع هذا الاعتقاد، لأنهم ينفعون من هذه الفكرة. وبهذا السبب لن يكون أتباع هذا العقيدة قادرين على القتال مع أي دين آخر والأفكار الفاسدة.

وفقا لهذا الاعتقاد أن العالم ليس دار العمل، بل هو دار العذاب. و من هذه الوجهة ليس البشر خليفة الله على وجه الأرض. ويرى الإنسان بأنه لم يأت فى الدنيا للعمل، ولكنه ألقى فى النجاسة والتي يجب أن تدار وتخلص عنها. وبهذا السبب يهرب من المسؤوليات بدلا من قبول المسؤوليات. والشريعة عنده لا معنى لها، لأن فكره يدور حول الوظائف, والأوراد، والعبادات المخصوصة المعدودة المحددة. ويعتقد أن الأذكار والتسبيحات المخصوصة تكتفى للنجاة والخلاص.وكذلك الذين يعتقدون بهذه الفكرة فهم أصحاب الجمود والتقليد لأنهم لايعقلون ولا يتفكرون و ليس لديهم القدرة على حل المشاكل الرئيسية للحياة البشرية.

إن العقيدة الرهبانية تؤثر فى مجال الديني والدنيوي بحيث ينظر الصوفي و يحلل جميع العقائد والأحكامات الدينية من وجهة نظره الخاص به كالتوحيد، والنبوة، والمعاد، والعيش فى الدنيا، والأكل، والشرب، واللبس، والنكاح وغيرها. وكذلك يفسر الأمور الدنيوية بأسلوبه فيعتقد الصوفية لتطهير النفس ضروريا أن يتعلق البشر بهذا العالم المادي على الأقل، لأن هذه العلاقة مع الدنيا والأشياء المادية يغفل الإنسان عن خالقه، وتجعل الروح شقية و يستحق الإنسان العقاب. فإن حالة الخلاص الوحيدة هي أن يترك الإنسان هذا الدنيا و يذهب إلى الكهوف والغابات. هذه الفكرة أيضا تخالف القرآن والسنة؛ لأن سبحانه وتعالى لا يمنع عن حصول الدنيا كما قال تعالى: ﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾.[16]

وقال تعالى: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.[17]

وكذلك تحرّم الصوفية الحلال على أنفسهم كاللحم، والنكاح، واللبس بالثوب الجيد. نهى الله سبحانه وتعالى عن هذه الأمور كما قال فى سورة الأعراف: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾.[18]

وكذلك بعض الصوفية كأهل وحدة الوجود يعتقدون بأن كل شيء حلال لهم؛ لأن لها أصل واحد. وعلى هذا يجوز لهم الزنا، واللوطية ونحوها. وأنهم يرون بأن الله تعالى أسقط عنهم العبادات وأحل جميع الأشياء لهم.[19] نعوذ بالله من ذلك.

وأما العبادات، فيرى الصوفية بأن هذا العالم وهذا الوجود المادي للإنسان دار العذاب أصلا. والروح كسجن في الجسد. والغرض الحقيقي من الحياة المادية تنقية الروح من رذائل الأخلاق واتصافة بالأخلاق الفاضلة. عندما تطهر الروح ، تتصف بالخصائل الحميدة وتحصل لهاالقوة. إن الروح ضد النفس كما تهدى النفس إلى السيئات والروح تهدى إلى الحسنات. و يقطع الرغبات والشهوات عن دبره ولاينتهي رغبات النفس على أي حال، لأنها هو عدو أصلى للانسان و تلقيه فى الانحراف عن العبادة. ولابد أن يعد الانسان نفسه للمجاهدات، والطاعات، والرياضات فى كل حين و يجعلها مطيعا و يركب عليها ويصل إلى معرفة الله تعالى. ويخالف الإنسان النفس إلى حد بأن يتغلب عليها الروح. عندما تتغلب الروح على النفس، فإن النفس ستحصل الخلاص و الروح ستتكئ على أعلى منصب للإخلاص وهي إصالة وهدف الكمال لحياة الانسان.

المبحث الرابع: تحليل الرهبانية فى ضوء تعاليم الإسلام وحكمها الشرعي

عندما نرى إلى ممارسة الرهبانية فى ضوء تعاليم الإسلام نجد بأن الذين مالوا إلى الرهبانية على طائفتين:

فالطائفة الأولى فيها الناس الذين اختاروا الرهبانية وعزلوا عن الدنيا لسلامة دينهم واجتنابهم عن الفتن ولكن لم يقعوا فى الخرافات والمعتقدات الفاسدة؛ لأنهم تمسكوا القرآن والسنة فى أيديهم وكانوا على منهج السلف الصالح فى الإعتقاد والعمل أى الأصول والفروع وكانت المخالفة القليلة فى بعض المظاهر من التعبد والسلوك فقط.[20]

هناك بعض الصوفيا الذين يسلكون على الطريق الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. هذا هو طريق الزهد من الدنيا والإحسان. وأعلام هذه الطائفة حسن بصري، وداؤد طائى، وإبراهيم بن أدهم ، وبشر حافي، ومالك بن دينار، وجنيد بغدادي ونحوها. حيث أنهم فضّلوا على المؤمنين بسبب كثرة العبادة، والرياضة، والتقوى، والإجتناب عن المعاصى حتى الصغائر أخلصوا دينهم لله، والتمسك بالتقوى والأعمال الصالحة. هذه الطائفة ممدوحة فى القرآن والسنة ولهم أعلى درجات عندالله سبحانه وتعالى لأنهم لزموا التقوى والورع كما قال سبحانه وتعالى فى صفاتهم: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾.[21]

وقال سبحانه وتعالى لأوليائه:

﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾.[22]

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ))«إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله وصالح المؤمنين»((.[23]

وقال صلى الله عليه وسلم فى شأن الأولياء فى يوم القيامة: «إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء، ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة، بمكانهم من الله تعالى» قالوا: يا رسول الله، تخبرنا من هم، قال: «هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم على نور لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس» وقرأ هذه الآية {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}.[24]

كما أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكد أن يكون الإنسان الوسطية في سائر عباداتهم ،كما ورد عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نَهَى عَنِ الْوِصَالِ، قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ، قَالَ: ))«إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى»((.[25]

والطائفة الثانية التى دخلت فيهم الرهبانية من الأديان الأخرى كالنصارى والهنود وسلكو على طريقتهم. وحتى القرن الثالث، ظهرت فيهم البدعات والخرافات الكثيرة فى التعبد كالسماع، والنظر الحرام، والطرقية، وطقوس المربين، والشطحات، والعبارات والكلمات التى كانت تخلّ عقيدة التوحيد والقدر.[26] وفى نهاية القرن الثالث تطورت البدعة الكثيرة وصارت مأوى لكل فرقة ضالة ولكل مذهب مضلة ودخلت فيهم عقائد مذاهب وأديان شتى: كاليهود، والنصارى، والفرس، والهنود، والمجوس، والملاحدة، والصابئة، والدهرية، والفلاسفة، والقدرية، والباطنية، والجبرية، والمرجئة، والشيعة ونحوها. وفى النهاية صارت مذهب أهل البدع والأهواء حتى تغلغل في هذه الطائفة الإلحاد والزندقة كما نرى فى شكل الإتحاد ووحدة الوجود والحلول وغيرها.[27] وبعد هذه العصور لاتوجد النظريات الجديدة فى التصوف سوى الشروح وأفكار الدفاع عن الأكابرين. وطلائع هذه الطائفة ابن عربي، وابن سبعين، وابن الفارض، والحلاج، والسهردوردي المقتول وغيرها.

يبدوالنا من المنشور السابق بأن التصوف الإسلامي على ثلاثة أنواع: الشرعي والبدعي والكفري. فالتصوف الشرعي وهو إتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهج السلف الصالح. وكذلك كل ماابتدعه العلماء، والصوفياء، والأولياء، والعرفاء ومالم تصرحها الشريعة، لا تدخل فى البدع حتى خالفت السنة. فإن لم يخالف السنة فهو محمود كقلة الطعام، والمنام، وحلق الرأس، وكثرة الصلوة، والصوم، والعبادات الأخرى، ولبس المرقعات، ومواظبة الذكر، والجهر به. وهذه نواميس الحكمة التى لم يتعارف النبي صلى الله عليه وسلم فى عامة الناس لأنها للخصوص وللسالكين على طريق الحق التى لا ترعاها الناس فلذا لا يجب عليهم. ويدخل فى التصوف البدعي الإنفصال عن المجتمع، وتعذيب النفس بالشدائد، وتخلى النفس لكثرة العبادة والرياضة فى الغابات والصحراء، وترك الحلال، وترك النكاح وغيرها. والتصوف الكفري فيدخل فيه البدع الكثيرة كالحلول، والإتحاد، ووحدة الوجود وغيرها.

النتائج

إن الرهبانية ابتدعها النَّصارى من عند أنفسهم لإبتغاء رضوان الله تعالى-ولم يفرض أو يسنّ الله عليهم- ولكن مارعوها بسبب التثليث، والإتحاد، والكفر بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وإشتهرت الرهبانية فى الدين الإسلامي بإسم التصوف. ومن المنظور الإسلامي أن أصحاب الرهبانية على نوعين: فالأول على منهج الصحابة وأهل السنة فى الأعتقاد والعمل والأصول والفروع فهذه الطائفة الناجية وأما الثاني فعقائدهم تشتمل على الخرافات والأوهام والكفر والإلحاد والزندقة. وأمثلة هذا نظام العقيدة معروف بأشكال وسمات مختلفة كوحدة الوجود، والإتحاد، والفناء، والحلول،[28] واليوجا، والأفلاطونية الجديدةـ والتصوف المسيحي، والتصوف الاسلامى والبوذية وغيرها.

عندما نرى إلى ضلالتهم واختلافهم عن عقيدة أهل السنة والجماعة، نجد عدة وجوه كإختلاف فى مصادر التلقي أى المصادر المعرفية. تثبت العقيدة الإسلامية بالقرآن والسنة ولكن المتصوفين يأخذون العقيدة بالوحى، والإلهام، والكشف، والرؤية، وبعروج الروح إلى السموات، وبالفناء فى الله، وبإتصال بالجن والأولياء، وبربط القلب بالرسول. ونرى بأن معظم وسائلها لأخذ العقيدة تتعلق بالغيب. وإذا كانت المصادر للعقيدة شتى فالعقيدة مختلفة بل متناقضة بين الصوفية أيضا. وبعضهم يعتقدون بشيء والآخرون ينكرونها ولا يسلمونها. وسبب الإختلاف هو بأن كل منهم يزعم بأنه ألهمه هذه العقيدة الرسول أو الملك أو الروح أو أخذ من اللوح المحفوظ وغيرها. وكذلك يفسرون الصوفية القرآن تفسيرا باطنيا ويسمونها التفسير الإشاري. وأنهم يعتقدون بأن حروف القرآن لها معان خاص التى لا يطلع عليها إلا الصوفى الكامل وتكشف هذه المعاني على قلبه. فبهذه الوجوه تختلف العقيدة الصوفية عن العقيدة الإسلامية ودينهم عن الدين الإسلامي فى المسائل الأصولية والفرعية. ولذا توجد عندهم التصورات المختلفة عن العقيدة الإسلامية فى التوحيد، والنبوة، والآخرة، والجنة، والنار، وإبليس وفرعون وغيرها من المفاهيم العقدية.[29]

التوصیات

أذكر بعض التوصيات فى ضوء البحث المذكور فيما يلي:

  • لا بد أن تفرق بين الرهبانية المسحية والتصوف الإسلامي لأنهما مختلفتان فى الأسس، والمصادر، والمناهج.
  • ينبغى أن يفرق العلماء بين التصوف الحقيقي والتصوف المروّج وينشر تعاليم الصوفياء عن مصادر الأصلية.
  • ينبغى أن ينشر العلماء التصوف الإسلامي فى صورته الحقيحقية لكي ينتفى الناس به ويزكي أنفسهم.

  1. إسماعيل حقى ، روح البيان( بيروت: دار الفكر ،س ن)، 9:382-386.
  2. القرآن 57:27
  3. إسماعيل بن عمرابن كثير، تفسير القرآن العظيم، المحقق۔سامي بن محمد سلامة (الرياض: دار طيبة للنشر والتوزيع، 1420ه- 1999 م)، 8:29.
  4. محمد بن جريرالطبري،جامع البيان عن تأويل آي القرآن، المحقق۔ أحمد محمد شاكر(بيروت: مؤسسة الرسالة، 1420ه-2000م)، 23:203.
  5. شهاب الدين محمود الألوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، المحقق۔ علي عبد الباري عطية(بيروت: دار الكتب العلمية، 1415 ه)، 14:191.
  6. عبد الرحمن بن ناصرالسعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، المحقق۔ عبد الرحمن بن معلا اللويحق (بيروت:مؤسسة الرسالة، 1420ه-2000م)، 842.
  7. الألوسي، روح المعاني، 14:191.
  8. حقى، روح البيان، 9:382-386.
  9. أبو بكر أحمدالبيهقي، السنن الكبرى وفي ذيله الجوهر النقي(حيدر آباد: مجلس دائرة المعارف النظامية الكائنة في الهند، 1344ه)، حديث: 7993، 4:176.
  10. حقى، روح البيان، 9:382-386.
  11. الألوسي، روح المعاني،14:191.
  12. حقى، روح البيان، 9:382-386.
  13. مانع بن حماد الجهنى، الموسوعة الميسرة فى الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة(: الرياض: دارالندوة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، 2014م)، 1:249.
  14. مانع بن حماد الجهنى، الموسوعة الميسرة فى الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، 1:250.
  15. أيضا.، 1:252.
  16. القرآن 28:77
  17. القرآن 2:102
  18. القرآن 7:32
  19. عبد الرحمن بن عبد الخالق، الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة، (الكويت: مكتبة ابن تيمية، 1406 هـ - 1986 م)، 13.
  20. ناصر بن عبد الكريم العقل، دراسات فى الأهواء والفرق والبدع وموقف السلف منها(ریاض: دار كنوز أشبيليا للنشر والتوزيع، 2011م)، 1:185.
  21. القرآن 62-63
  22. القرآن 2:257
  23. أحمد بن حنبل، المسند، محقق۔ شعيب الأرنؤوط وآخرون( بيروت: مؤسسة الرسالة، 1420ه- 1999م)، حدیث: 17804، 29:340.
  24. سليمان بن الأشعث السِّجِسْتاني، السنن، كتاب السنة، باب فى القدر، المحقق۔ محمد محيي الدين عبد الحميد (بيروت: المكتبة العصرية)، حدیث : 3527، 3:288.
  25. مسلم بن الحجاج النيسابوري،الجامع الصحيح، كتاب الإيمان، باب شعب الإيمان، المحقق۔محمد فؤاد عبد الباقي( بيروت: دار إحياء التراث العربي)،حدیث: 1102، 2:774.
  26. العقل، دراسات فى الأهواء والفرق والبدع وموقف السلف منها، 1:185.
  27. أيضا.، 1:185.
  28. الجهنى، الموسوعة الميسرة فى الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، 270.
  29. عبد الرحمن بن عبد الخالق، الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة، 13.
Loading...
Issue Details
Id Article Title Authors Vol Info Year
Id Article Title Authors Vol Info Year
Similar Articles
Loading...
Similar Article Headings
Loading...
Similar Books
Loading...
Similar Chapters
Loading...
Similar Thesis
Loading...

Similar News

Loading...