Search from the Journals, Articles, and Headings
Advanced Search (Beta)
Home > Journal of Islamic and Religious Studies > Volume 1 Issue 1 of Journal of Islamic and Religious Studies

ألوان البدیع في سورة النجم |
Journal of Islamic and Religious Studies
Journal of Islamic and Religious Studies

Article Info
Asian Research Index Whatsapp Chanel
Asian Research Index Whatsapp Chanel

Join our Whatsapp Channel to get regular updates.

تمهيد

لایخفی أنّ القرآن الکریم مُعجز بألفاظه وکلماته مبانیا ً ومعانیاً کما لا یُنکر عن حقیقة حُسن صیاغة الحروف وصفاء الکلمات ورَوعة نظمها ونسقها، حتی لایُمکن أن أیّة لفظةٍ –دون لفظ القرآن- تسدّ مسد الأخریٰ ولو كان أحسن معنیً وأداءً، وأروع بیانا ًوطلاوةً من حیث الترادف ووحدة المعنی؛ بل هو مُخلّ في نظم الکلام ونسقه ،مُنحط عن درجة البلاغة فإذاً کیف یُعدّ أنه في غایة الإعجاز؟ ومن ذلك یقول الأستاذ محمّد محمّد أبو موسیٰ[1] بعد سَردِ آیة سورة النور-"مِشکاةٌ فیها مصباح المصباحُ في زُجاجةٍ"- کاشفاً عن قضیة بِنيةِ الکلام ونسجه:

"تجد الکلامَ بُني علی حذوٍ وترتیبٍ واحدٍ،وکأنّه من عَشیرةٍ وأُسرةٍ واحدة، وقد وجدتُ مِثلَ القرآن في حسن نظمه وترتيبه في قصائد الشعراء القدیمة کثیراً حتی تُریٰ أنّ کل قصیدةٍ بِنيَةٌ واحدة متمیّزة, تجری فيهاهذه التشابهات في نسجِ الکلام ،وهذامن أسرار الفن وخفاياالصنعة فيه" [2].

ولیست المعاني وحدها وجه الإعجاز لکتاب الله فحسب، بل المباني وألفاظ القرآن الکریم أبلغ غایة في إعجازه،فبوصل المباني مع المعاني یصل الکلام إلیٰ قِمّةِ الفصاحة وذِرْوةِ البلاغة حتی لایصل غایتَه أحدٌ؛لإعجازه المعجز,ولوأفصحُ من سحبان وأشعرمن لبید-رضي الله عنه-.

ولاغَرْوَ أنّ غیرَالمسجُوع من الکلام في القرآن الکریم إذاکان في غایةٍ من الأهمية والإعجاز ویصیرُ به کتابُ الله مُعجزاً من جمیع الوجُوه حتی لایُدرکه أحد،فکیف إذاً بالآیاتِ المسجّعة؟

أنظرإلی نظمها ونسقها،وحُسن ترتیبهاونسجها،وکیفية صوتها ورَوعة نَغْمها، وما هي إلّاآیاتٌ من أرفع مراتب الکلامِ وأعلاها،وأجلِّ البلاغة وأسناها.

ولایُوجد التسجیع وفنون أُخری-بدیعیّة-في القرآن فقط، بل المتقدمین وکلام الصحابة-رضي الله عنهم-وكلام التابعین خيرُشاهدٍ في نثر القدیم, لألوان البدیع وروائعه؛ لقرائحهم الخُلّصة وسجایاهم المطبوعة غیرمتصدّين لتلك النکت المزخرفة الطریفة، المموّهة المصنوعة،التي لاتوجدفیها روحُ المعاني، ولاحُسن المباني طبیعیاًبدیهياً کمایشاهد هذالأمر في کلام المحدَثین بکثرةٍ غیر قلیلةٍ حتی غلب علی نثرهم هذاالتطریز المموّه، بل صار نثرهم کشعرهم.

ولیست إلمامُنا بآیاتِ القرآنیة في هذه الدِّراسة المتواضعة إبرازَنکاتِ البدیعِ اللفظي المُزخرف فقط،بل نوَدُّ أن نُلفّت أنظارالقُراء المولعین إلیٰ ألوان البدیع الطبیعي ولوامِحه التي تُوجد في کتاب الله بکثیرة ، کمانستفید من دقائق معانیةٍ وأسراربیانیةٍ، ونقول أنها علی ذِروَةِ الفصاحة والبلاغة وقِمّة الإعجاز ولوالآیاتُ غیر مسجوعةٍ ، لاتُراعى المباني فيها،فإن یجد القاري اللمَّاحُ لطائفَ لفظیةٍ مُراعیاً حُسنَ ترتیبِ الآیاتِ ورِفعةِ النظم، فإذاً هذا يُعدّ من أعجز الإعجاز فيمایعتقد البُلغاء.

فلذلك قمنابتحلیل الآیات الکریمة خاصةً منهاآیاتِ"سورة النجم"،لکی نبرزَمنهاروائع البدیع وألواَنها لفظاً ومعنیً، وتُقدّم في الأسطرالقادمة استخدامُ ألوانه في ثوبٍ قشیبٍ رائعٍ وترتیبٍ أنیقٍ حسب التالي:

بدأنا أوّلاً بروائعٍ بدیعيّة معنویةٍ، حیث أنّ للمعاني مزیّةً راجحة وفضیلة بارزةً علی اللفظ والمباني حسبمااختاره الإمام عبدالقاهرالجُرجاني وآخرون, فمن ناحية المعنی في دِراستنا ألوان البدیع: الطباقُ و المقابلة و الإِرصادُ و الإِدماج و التفريع و حُسن التنكيت و الإِردافُ و التهكم و الالتفاتُ .

ثُمّ أوردنا نکت البدیع اللفظي من حیث: الجناسِ و السجعِ مع أقسامهما و الموازنةِ و لزومِ ما لا يلزمُ و ردِّ العجزِ على الصَّدر و ائتلافِ اللَّفظِ مع اللفظِ و التسميطِ و الانسجام.

المحسّنات المعنويّة

1-الطباق

"هو الْجَمْعُ في العبارة الواحدة بين معنَيْينِ متقابلين،على سبيل الحقيقة,أو على سبيل المجاز ولو إيهاماً،و التقابل تقابلِ التضاد أو الإيجابِ والسلب أو العدمِ والملَكة أو التضايف، أو ما شابه ذلك ولا يشترط كون اللّفظين الدَّالَّيْن عليهما من نَوْع واحدٍ كاسمين أو فعلين، فالشرط التقابل في المعنيَيْن فقط"[3].

والطباق في آية سورة النجم:

" أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى"واجتمع في الآية المذكورة الذكر والأنثى لأجل شبه التضاد فيما بينهما[4].

"ولم يؤت في هذه الجملة بضمير الفصل كما في اللتين قبلها لعدم الداعي إلى القصر إذ لا ينازع أحد في أن الله خالق الخلق وموقع جملة "وأنه خلق الزوجين" إلى آخرها كموقع جملة سورة النجم "وأن سعيه سوف يُرى(40 )"[5].

وأمّا حسن الطباق في قول الله تعالى في سورة النجم:

"وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60)" فهو ملحق بباب الطباق لا يصحّ أن يُجعله من الطباق ؛ لأنّ "تضحكون" المثبت, و ضده "تبكون المنفي"لا يُوجد بينهما التّضاد حقيقةً ؛ فلذلك ينبغي أن يُجعله من باب ملحقات الطباق,كما لا يخفى على المتأمّل[6].

الملاحظة حول الأشياء المتضادّة

"وقد يكون من عناصر الجمال الأدبي في الكلام الجمع بين الأشياء المتضادّة في صورة كلاميّة متناسقة؛ وذلك لأنَّ الأضداد سريعة التخاطر في الأذهان، فإيرادها قد يُحْدِثُ ارتياحاً جماليّاً في النَّفس وفي الصُّوَر الحِسِّية مشَاهِد للتضاد ،وفي أمثلة القادمة من سورة النجم- الجمع بين الأضداد التي تُحدث إعجاباً وارتياحاً في النفُّوس، ولا تُحدث نفوراً ولا انزعاجاً ولا تقزّزاً"[7].

ولاحظ تلك الأمثلة المتضادة مايلي:

"وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى (45) مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46)" .

ولاحِظْ الطباقَ في أحسنِ الصورة وأروعِها, طرافةً وطلاوةً,مع شدّة اختصارٍ و بالغِ الإيجاز في:

"وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا"فلاتجد مثله في كلام الخلق بل هذا من خصائص كلام الله المعجز [8].

2- المقابلة

"هي مواجهة اللفظ بما يستحقه في الحكم،وأصلها ترتيب الكلام على ما يجب؛ فيعطي أول الكلام ما يليق به أولاً،وآخره ما يليق به آخراً، ويأتي في الموافق بما يوافقه،وفي المخالف بما يخالفه[9] وأكثر ما تجئ المقابلة في الأضداد،كما في الآية القادمة:

"وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48)".

"فمعنى أغنى: جعل غنيا، أي أعطى ما به الغنى، و معنى أقنى: ضد معنى أغنى, رعيًا لنظائره التي زاوجت بين الضدين من قوله:" أضحك وأبكى , وأمات وأحيا ، والذكر والأنثى" كما تقدّم[10].

3- الإِرصادُ

"هوأن يُجْعَل قَبْل آخر العبارة الّتي لها حرْفُ رَوِيّ معروف-وهو آخر حرف يُبْنَى عليه نسقُ الكلام-ما يَدُلُّ على هذا الآخر, فقد يأتي به السامع قبل أن يَنْطِقَ به المتكلِم".

وصنعة الإِرصادِ محمودٌ؛لأنّ من فضيلة الكلام وخيريّته ما دلّ بعضه على بعضٍ,وبعضٌ من الأُدباء يطلقون عليه التّسْهِيم" ([11])ومثال الإِرصادِ في سورة العنكبوت قوله تعالى:

"وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون".

وأمّا أمثلة الإِرصادِ في سورة النجم فالآيات التالية المخطوطة:

"ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (30)".

"فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)".

"وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40)".

"فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54)".

4- الإِدماج

"هو إدْخال فِكْرةٍ في فكرة، أو غرضٍ بلاغيّ في غرضٍ آخر، أو وَجْهٍ من وُجُوه الْبَدِيع في وجه منه آخر، بأسلوب من الكلام لا يظهرُ منه إلاَّ إحْدَى الفكرتين، أو أَحَدُ الغرضين، أو أَحَدُالْوَجْهَين، فإذا تأمّل المتفكِّرُ ظهَرَ لَهُ الْمُدْمَجُ وسَرَّهُ هذا الإِدماج".

كأن يُوجَّه الكلام في القرآن لوعد الرسول والمؤمنين بالنصر والتأييد من الله عزّ وجلّ، ويُدْمَج فيه وَعِيدُ الكافرين بالهزيمةِ والانكساروالذّلّة والخذلان من الله عزّ وجلّ [12]".

والإدماج هنا في الآية القادمة:

"وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31)".

فأُدْمِج جزاء السيئةِ "لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا" بجزاء الحُسْنَى- وهوقطعةٌ أُخرى للآية المذكورة أي"يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى".

5- التفريع

"هو ثبوت حكم لمتعلّق أمرٍ، بعدإثباته لمتعلق آخر لذلك الأمر ,ولا يخفى أنّ كون الشيء فرعاً لآخر ينتج عن ارتباطه بهذا الشئ مثل ارتباط الفرع بالأَصْل"[13].

وأمثلة التفريع في سورة النجم الآيات التالية:

"فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)".

ففي آية:

"فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى" مسافة جبريل على قدر قوسين منه -صلى الله عليه وسلّم- بدلالة التفريع القادم في قوله: "فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) "، فالنبي -صلى الله عليه وسلّم- بعيدٌ عنه,والحكمة فيه أنّ بدء زمن الوحي كان النبي صلى الله عليه وسلّم لايعتاد بتحمّل الوحي,واتصاله بقوّة الملَكية غيرالمعتادة مباشرةً,ترحّما ورِفْقاً عليه -صلى الله عليه وسلّم-

بأن لا يشُقّ عليه[14]" كما عُبّر هذا التّحمّل بلفظ "الغط"كما رُوي عنه--صلى الله عليه وسلّم-: « فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ »[15].

"وقوله:- أو أدنى-"فكلمة "أو" فيه للتخيير هنا، كما هو مستعمل في التقريب،فمعناه أنه مخيّر بين أن يجعل هذه المسافة- قاب قوسين أو أدنى-، أي لا أزيد إشارة إلى أن التقدير لا مبالغة فيه[16]".

"وتفريع فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى" على قوله: "فتدلى" "فكان قاب قوسين" المفرع على المفرع على قوله:"علمه شديد القوى"، وهذا التفريع هو المقصود من البيان وما قبله تمهيد له، وتمثيل لأحوال عجيبة بأقرب ما يفهمه الناس لقصد بيانِ إمكانِ تلقي الوحي عن الله تعالى , وهذه كيفية من صور الوحي".

وأمّا تفريع في آية:

" مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12)".

وفي حديث صحيح البخاري أنّ جبريل يتمثّل للنّبيّ صلى الله عليه وسلّم في صورة إنسانٍ-وهودِحية الكلبي-كما وصفه عمر رضي الله بقوله:

« إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ.... وأن النبيء صلى الله عليه وسلم قال لهم بعد مفارقته:يا عمر! أتدري من السائل؟ ثُمّ قال: «فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ»"[17].

و التفريع في:

"أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59)" تفريع على "هذا نذير من النذر الأولى(56 )" وما عطف عليه وبيّن به من بيان أو صفة، فرع عليه استفهام إنكار وتوبيخ".

وورد لفظ الحديث في آيةٍ هنا,فمعناه:الخبروالكلام -وفيه إشارةٌ إلى الإنذارالمذكور بأخبار المكذّبين للرُّسلهم-يعني بعض القرآن.

والعجب في قوله:

"أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ"هو الاستبعاد أو الانكار كنايةً كما في سورة هود "أتعجبين من أمر الله"[18].

وتفريع في قوله تعالى:

"فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)" تفريعٌ على الإنكار والتوبيخ المفرعين على الإنذار بالوعيد، فرّع عليه أمرهم بالسجود لله؛ لأن ذلك التوبيخ من شأنه أن يعمق في قلوبهم فيكفهم عما هم فيه من البطر والاستخفاف بالداعي إلى الله ومقتضى تناسق الضمائر أن الخطاب في قوله:"فاسجدوا لله واعبدوا" موجه إلى المشركين[19]".

6-حُسن التنكيت

"هو أن يقصد المتكلّم إلى كلمةٍ أو كلامٍ بالذكر دون غيره ممّا يسُدُّ مَسَدَّه؛ لأجل نُكْتَةٍ في المذكور تُرَجِّعُ مجيئه على سواه فهو التنكيت" كمافي الآية القادمة:

"وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49)" ففيه تنكيتٌ وهو يُعدُّ من محاسن علم البديع.

"وأمّاالشِّعْرَى:فهو نجم يقالُ له الشِّعْرَى الْعَبُور، وهو نجم نَيّرٌ يَطْلُع عنْدَ شدّة الحرّ، ولشِعْرَى العَبُور أخْتٌ يُقالُ لها: الشِّعْرَى الغُمَيْصَاء، قالوا: وهما أخْتا نَجْم سُهَيْل[20]".

7- الإِرداف

"هو مثل التنكيت إلاَّ أنّ الإِرداف يُتْرَكُ فيه اللّفظُ الذي يُدَلُّ به عادة على المعنى،و يُسْتَخْدَمُ تعبير غيره لتحقيق أغراضٍ فكريَّة ومعاني لا تُؤَدَّى بالتعبير المتروك" كما في الآية القادمة:

"وَلِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض لِيَجْزِيَ الذين أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِيَ الذين أَحْسَنُواْ بالحسنى(31)".

"قدجاء في الجملة الأولى: "لِيَجْزِيَ الذين أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ" فاختير فيها التعبير بعبارة: "بِمَا عَمِلُواْ" دون عبارة: "بالسُّوأى", مع ما في هذه العبارة من مقابلةٍ عَكْسِيَّة لعبارة "بالحسنى" في الجملة الثانية يتحقق بها الطباق، لتأدية معاني لا تؤدّى بعبارة: بالسوأى، أو بالسّيئة، ومن هذه المعاني: أنَّ الجزاء على السيئة يكون بمِثْلِها تماماً، وهذا المعنى تؤدّيه عبارة "بِمَا عَمِلُواْ" أداءً وافياً، أمّا عبارة: "بالسُّوأَى"، فهي غير صالحة؛ لأن لفظ السُّوأى مؤنَّثُ أسْوء، والله لا يجزي على السَّيئة بالأسُوَءِ منها.

وأمّا عبارة: بالسيئة، فهي عبارة عامّة لا تَدُلُّ على المماثلة؛إذْ قد تكون سيئة الجزاء أكثر من سيّئة العمل، وهذا أمْرٌ غير مُراد, مع ما في عبارة: "بِمَا عَمِلُواْ" من البُعْدِ عن نسبة فعْلِ السيئة إلى الله ولو كانت على سبيل الجزاء[21].

8- التهكم

"إن كان الخطاب بلفظ الإجلال في موضع التحقير,والبشارة في التحذير,وكذا الوعد في الوعيد يُقال له التهكّم".[22]

فالخطاب بلفظ الإجلال في مكان التحقير كما جآء في آية: "ذق إنك أنت العزيز الكريم".

وأمّا مثال التهكم ههنا في سورة النجم فالآيتين التاليتين:

"إنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27) وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28)".

"فالموصولية -إن الذين-هنا مستعملة في التحقير والتهكم كما ورد نظيره في آية سورة الحجر: "وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون( 6)".

"فالتهكم في آياتنا هو تهكم المحق بالمبطل ؛لأن مضمون الصلة ثابت لهم,والتسمية مطلقة هنا على التوصيف؛ لأن الاسم قد يطلق على اللفظ الدال على المعنى وقد يطلق على المدلول المسمى ذاتا كان أو معنى[23]".

9- الالتفات

"الالتفات مأخوذ من التفات الإنسان من يمينه إلى شماله،ومن شماله إلى يمينه، وهو عند الجمهور:التعبير عن معنى بطريق من الطرق الثلاثة، أعني: التكلم والخطاب والغيبة، بعد التعبير عنه بطريق آخر منها".[24]

وأمثلة الالتفات في سورة المذكورة فالآيات التالية:

"إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43)".

ففي آية:

"إنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى " تحويل عن خطاب المشركين الذي كان ابتداؤه من أول السورة وهو من ضروب الالتفات، وهو استئناف بياني فضمير "يتبعون" عائد إلى الذين كان الخطاب موجها إليهم.

أعقب نفي أن تكون لهم حجة على الخصائص التي يزعمونها لأصنافهم ,أو على أن الله سماهم بتلك الأسماء بإثبات أنهم استندوا فيما يزعمونه إلى الأوهام وما تحبه نفوسهم من عبادة الأصنام ومحبة سدنتها ومواكب زيارتها، وغرورهم بأنها تسعى في الوساطة لهم عند الله تعالى بما يرغبونه في حياتهم, فتلك أوهام وأماني محبوبة لهم يعيشون في غرورها".[25]

والالتفات في:

"وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42)" التفات من الغيبة إلى الخطاب, والمخاطب غير معين فكأنه قيل: "وَأَنَّ إِلَى رَبِّه الْمُنْتَهَى" ، وقد يكون نظيرها من كلام إبراهيم ما حكاه الله عنه بقوله في سورة الصافات: "وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين(99)". [26]

وفي آية:

"وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43)" انتقال من الاعتبار بأحوال الآخرة إلى الاعتبار بأحوال الحياة الدنيا وضمير "هو" عائد إلى ربك من قوله: "وأن إلى ربك المنتهى(42)".

"والضحك: أثر سرور النفس، والبكاء: أثر الحزن، وكل من الضحك والبكاء من خواص الإنسان وكلاهما خلق عجيب دال على انفعال عظيم في النفس. وليس لبقية الحيوان ضحك ولا بكاء وما ورد من إطلاق ذلك على الحيوان فهو كالتخيل أو التشبيه".[27]

المحسّنات اللفظيّة

1- الجناسُ التامُّ

" هو ما اتفقَ فيه اللفظانِ المتجانسانِ في أربعة أشياءَ: نوعُ الحروف، وعددُها، وهيئاتهُا الحاصلة ُ منَ الحركاتِ والسكناتِ، وترتيبُها مع اختلاف المعنَى.وينقسمُ بدوره إلى ثلاثةِ أقسام ", ونحن نتصدّى هنا إلى قسمين -المماثلُ والمستوفي -.

2 - الجناسُ المماثلُ

"هو ما كان ركناهُ من نوع ٍواحدٍ من أنواعِ الكلمة اسمينِ أو فعلينِ أو حرفين([28])" .ِ

الجناسُ بينَ فعلينِ ،أو اسمين ككلمات المخطوطة في الآيات التالية :

"فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)".

"إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16)".

"وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28)".

" فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54)".

"هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56)".

3- الجناسُ المستوفي

"هو ما كانَ ركناه ُمن نوعين مختلفينِ من أنواع الكلمةِ بأنْ يكون أحدُهما اسماً والآخرُ فعلاً ، أو بأنْ يكونَ أحدُهما حرفاً والآخرُ اسماً أو فعلاً".[29]

وأمثلةُ الجناس المستوفي الآياتُ المخطوطةُ التالية:

" إنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)".

"إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27)".

"ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (30)".

"وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ".

" أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38)".

"ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)".

"أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57)".

4- جناس شبه التام

"هوما لايوجد فيه مايوجد في الجناسِ التامّ ورد في صفة النبي صلى الله عليه وسلم «أنه يمزح ولا يقول إلا حقا»[30]وهنا تم إبطال قولهم فحسن الوقف على قوله: "وما ينطق عن الهوى".وبين "هوى والهوى" جناس شبه التام".[31]

5-جناسُ الاشتقاقِ

" وهو توافقُ ركنيهِ في الحروف وترتيبِها, وجمعَهما اشتقاقٌ"[32] كما في الآيات المخطوطة:

"إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)".

"إذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16)".

"إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27)".

" ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (30)".

"وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ".

6-أجناس التجنيس

"للتجنيس ثمانية أجناس، فمنها التجنيس المغاير، وهو أن تكون الكلمتان اسماً وفعلا"[33] مثل قول الله عزّ وجلّ في الآيات المخطوطة:

" إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)".

" إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27)".

" أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38)".

" ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)".

" أزفت الآزفة (57)".

7- السجع

"السجع فى كتاب الله تعالى أكثر من أن يعد ويحصى، وهويُوجد فى النثر مثل التقفية فى الشعر، ويرد في السورة المختلفة تارة طويلا، ومرة قصيرا، وأُخرى على جهة التوسط، فهذه ثلاثة وجوه" [34].

وأكثر أسجاع سورة النَّجْمِ يعد من قسم المتوسط,كما يُلاحظها في الآيات القادمة:

"وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى"

8- أحسن السجع

"أحسن السجع عند علماء البديع ما تساوت قرائنه أو ما طالت قرينته الثانية"[35].

فههنا في سورة النجم:

"وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى, مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى" مثال- لِمَا طالت قرينته الثانية- .

وينقسمُ السَّجعُ كذلكَ إلى ثلاثةِ أقسامٍ :

9 - السَّجعُ المطرَّفُ

"وهو ما اختلفتْ فاصلتاهُ في الوزنِ، واتفقتا في الحرفِ الأخيرِ"[36]

نحو قوله تعالى في سورة النَّجْمِ:

"وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (25) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33)وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34)".

10- السَّجَعُ المرصَّعُ

"وهوأن تكون أوزانها مُستويةَ وأعجازها متفقة أو متقاربة"[37] كما في الآيات التالية المخطوطة.

"وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)".

"مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12)".

"عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) ".

"وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21)".

"أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34)".

"وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40)".

"وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46)".

"وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48)".

"وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51)وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى(52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى(53)".

"أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58)".

" أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61)".

11 - السَّجَعُ المتوازي

"وهو اتفاقُ الأسجاع في الكلمتينِ الأخيرتينِ"[38] نحو قوله تعالى:

"وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)".

"وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21)".

"وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46)".

12 – الموازنةُ

"هي تساوي الفاصلتينِ في الوزنِ دونَ التقفية"[39] نحو قوله تعالى :

"وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2)"

فإنَّ هَوَى وغَوَى مُتَّفقتانِ في الوزنِ، دون التّقفيةِ.

ولاحظ اتفاق الوزن - الموازنة – في آيات سورة النجم التالية:

"وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12)".

"لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40)".

"وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49)وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53)".

13 - لزومُ ما لا يلزمُ

"وجودُ الفاصلةِ قبل حرفِ الرَّويِّ، أو ما في معناهُ ، وهو غيرلازمٍ في التّقفيةِ، ويُلتزم في بيتينِ أو أكثر نظما أو في فاصلتينِ أو أكثر نثرا "[40].

نحو قوله تعالى في الآيات التالية:

"أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60)".

14- ردُّ العجزِ على الصَّدر

"هو أن يُجعلَ أَحدُ اللّفظينِ، المكررينِ، أو المتجانسينِ، أو الملحَقينِ بهما بأنْ جمعهُما اشتقاقٌ أو شبهُهُ في أول الفقرةِ، ثم تعادُ في آخرها".[41]

نحو قول الله عزّوجل في آيات سورة النجم التالية:

"إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)".

"إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16)".

"إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27)".

"وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28)".

"ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (30)".

"وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ".

"أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38)".

"ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)".

"فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54)".

"هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56)".

" أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57)".

15 - ائتلافُ اللَّفظِ مع اللفظِ

"هو كونُ ألفاظ ِالعبارة من وادٍ واحدٍ في الغرابةِ والتأملِ"[42] مثل قوله سبحانه في سورة النجم:

" أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22)".

اعلم أن لاستعمال الألفاظ العربية أسرارًا لم تقف عليها سِوى عالمٍ فذٍّ كما في لفظة "ضيزى" فإنِّها لا يَسُدُّ غيرها مسدَّها، مع أنّ السورة النجم كلها مسجوعة على حرف اليا، كماوجدنا في "هَوَى"، "وَغَوَى"و "الهَوَى"، وكذلك إلى آخر السورة فلما ذكر الله الأصنام وقسمة الأولاد وما كان يزعمه الكفار بقوله: "أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى، تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى" فجاءت اللفظة على الحرف المسجوع الذي جاءت السورة عليه،وغيرها لا يمكن أن يسد مسدها في مكانها.

وإذا جئنا بلفظة أخرى بمكانها لأداء المعنى المقصود, وقلنا: قسمة جائرة أو ظالمة, مع أن"جائرة" أو"ظالمة" أحسن من "ضيزى"، إلّا أنَّا إذا نظمنا الكلام قلنا:" ألكم الذكر وله الأنثى تلك قسمة ظالمة" لم يكن نظم الكلام كالنظم الأول وصار الكلام كالشيء المعوَّز الذي يحتاج إلى تمام، كمالا يخفى على من له ذوق ومعرفة بنظم الكلام.

لَما أتى ب"ضِيزَى" التي هي أغربُ- و لا يعاب استعماله عند العرب؛ لأنه لم يكن عندهم وحشيًّا، وهو عندنا وحشيّ ،- أتى ب"قِسْمَةٌ" وغرابتها من أشد الأشياء ملاءمةً لغرابة تلك القِسمة التي أنكرها النظم الكريم". [43]

16- التسميطُ

"هو أن يجعل الشاعر كل بيت بسمطه أربعة أقسام,ثلاثة منها على سجع واحد، بخلاف قافيةالبيت"([44]).

وههنا يُلاحظ الآية الأخيرة في سورة المذكورة:

"أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)".

فقافية آخرالآية في "وَاعْبُدُوا" حرف "وا" وهو خلاف ما نجد في الآيات الثلاثة قبل ذلك في "تَعْجَبُونَ و تَبْكُونَ وسَامِدُونَ" يعني قافية تلك الثلاثة "ن".

17 - الانسجامُ أو السهولةُ

"هو سلامة ُالألفاظِ، وسهولةُ المعاني مع جزالتهِما وتناسُبهِما ,وإذا قوي الانسجامُ في النَّثْر جاءتْ قراءتُه موزُونة ترقُّبٍ ولا قَصْدٍ ولا تكَلُّفِ، بل يَنْدَفع بتِلْقائيَّة الذوقِ الأدبي، والحسّ الجماليّ المرهف ,والقرآن المجيد كُلُّه مُنْسَجم،كما يسَّرَهُ الله للذِّكر، وكذلك تُوجد فيه فقرات موزونة وزناً شعريّاً، وفي الحقيقة أنها ليْسَتْ بشعر"([45]).

ومن هذه الفقرات الموزونة يجد القارئ في الآيات التالية من سورة النجم:

" وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى".

"(11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17)".

انظر إلى انسجام آياتها وعذوبة كلماتها,من بداية السورة إلى نهايتها مع فقراتٍ موزونةٍ وزناً شعريّاً لكنّها ليستْ بشعرٍ,كما لايخفى.

الخاتمة

و في خاتمة هذه الدِّراسةِ المتواضعة بعد فحْص سورةِ النجم تدبُّرا و إمعانا لآياتِه الكريمة يُمكن لنا أخذُ أهمِّ النتائجِ التاليةِ:

أ-يجد الباحث أثناء مطالعة القرآنيّة بعد أنظاره المتأنّية على آيات كتاب الله ألوان البديع بكثرةٍ كاثرةٍ,خاصةً في آيات سورة الذاريات,والطور,والنجم,والقمر,والرحمن,والواقعة وما إليها فاخترنا منها النجم وقدّمنا روائعها نموذجا للطلبة والدارسين.

ب-ليس هدفنا من هذه الدِّراسةِ المتواضعة إبرازَمحسّنات لفظيةٍ ونِكاتٍ بديعيّةٍ فقط,ولايحتاج دِراسات القرآنيّة إليها,بل هدف أساسنا هنا لوامحُ البديع ولطائف المشيرة إلى إعجاز اللفظي وِفْق القواعد المقرّرة معجزةٌ مثل إعجازالقرآن بالنظم والمعاني, بل يزيد بها بهجته و بهائه فيما نعتقد.

ج-المحسّنات البديعيّة تُوجد في كلام المحدَثين وشعر شُعرائهم بكثيرةٍ مصنوعةٍ غير مطبوعةٍ ,وأمّا جميع محسّنات كتاب الله عامةً وفي سورةِ النجم خاصةً بعيدةٌ عن تلك الألوان غير طبيعيّة مسجوعةٌ.

د-وعُصارة القول: يتّضح لنا بعدالفحصِ و التدبُّرِ في سورةَ النجم أنّ لها أهميّةٌ ومنزلةٌ في الرّوائعِ البديعيّةِ كلّها؛لانّها قد استُخدمت فيها لأهدافٍ ساميةٍومقاصدَبارزةٍ ,ماشاهدنا خِلال الفحْص والتتبُّعِ في الرّوائعِ- اللّفظيةِ والمعنويّة -مثلَ الطباقِ والتفريعِ والالتفاتِ,والجناسِ والسّجعِ وما إلي ذلك, مايزيد في معاني القرآنِ الكريمِ حُسْنا ورونَقاً ومباني آياته روعَةً وجمالاًمع إبقاء أساليبه المعجزةِ والمبدعة ممّا لا مزيدَ عليه,كما يُقال إنّ الكلام المسجّع أفصح وأبلغ من غير المسجع.

 

حوالہ جات

  1. المصادر والمراجع(Refrences) (1) الأستاذ الدكتور محمّدمحمّد أبوموسیٰ:كان عالماكبيرا وإمام البلاغة في الديار المصريّة,ومن مؤلفاته القيّمة دلالات التراكيب,وخصائص التراكيب,و كان شارحا لكُتب عبد القاهر الجُرجاني ,ومتمسّكا بمذهبه طِوْلةَ حياته, وهذا الإمام الجهبذ قد انتقل إلى رحمة الله سنة سالفةً-2015م- رحمه الله رحمة واسعة.
  2. (2) أبوموسیٰ(محمّدمحمّد) دراسة في البلاغة والشعر ص35،مكتبة وهبة،القاهرة مصر1991 م.
  3. (3) علوم البلاغة- البيان، المعاني، البديع- ص320 لأحمد بن مصطفى المراغي.
  4. (4) ابن عاشور (محمد الطاهر بن محمد التونسي)، التحرير والتنوير27/145،الدار التونسية للنشر – تونس.
  5. (5) التحرير والتنوير27/147.
  6. (6) البلاغة،,البيان والبديع ص357،مناهج جامعة المدينة العالمية، الناشر: جامعة المدينة العالمية.
  7. (7) الميداني (عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة)، البلاغة العربية،1/ 69،دار القلم، بيروت،الطبعة: الأولى، - 1996 م.
  8. (8) العسكري) أبو هلال الحسن بن عبد الله(،الصناعتين ص260،المكتبة العنصرية –بيروت، عام النشر: 1419 هـ.
  9. (9) القيرواني ( أبو على الحسن بن رشيق الأزدي) العمدة في محاسن الشعر وآدابه2 / 15،دار الجيل .
  10. (10) التحرير والتنوير،27/ 149.
  11. (11) البلاغة العربية،2 /385.
  12. (12) نفس المصدر،2 /427.
  13. (13) نفس المصدر،2 /425.
  14. (14) التحرير والتنوير،27/7.
  15. (15) البخاري (محمد بن إسماعيل أبو عبدالله الجعفي) صحيح البخاري 6 /173،دار طوق النجاة،و الصحيح لمسلم بن الحجاج النيسابوري 1 /139،دار إحياء التراث العربي – بيروت.وصحيح ابن حبان لمحمد بن حبان أبو حاتم، الدارمي، البُستي1 /217 , مؤسسة الرسالة بيروت.
  16. (16) التحرير والتنوير27/97.
  17. (17) و الصحيح لمسلم بن الحجاج النيسابوري 1 /36، دار إحياء التراث العربي – بيروت، و سنن أبي داود لأبي داود سليمان بن الأشعث الأزدي السِّجِسْتاني 4 /223،المكتبة العصرية، صيدا – بيروت. السنن الصغرى للنسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني، 8 /97تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة ,مكتب المطبوعات الإسلامية – حلب.
  18. (18) نفس المصدر27/97.
  19. (19) نفس المصدر27/161 .
  20. (20) البلاغة العربي،1/825.و الشيزري )أبو المظفر أسامة بن مرشد الكلبي(،البديع في نقد الشعرص151،الجمهورية العربية المتحدة - وزارة الثقافة والإرشاد القومي - الإقليم الجنوبي - الإدارة العامة للثقافة.
  21. (21) البلاغة العربية،2/481.
  22. (22) أنوار الربيع في أنواع البديع لابن معصوم ص121.
  23. (23) التحرير والتنوير،27/115.
  24. (24) أنوار الربيع في أنواع البديع لابن معصوم 73 .
  25. (25) التحرير والتنوير،27/109 .
  26. (26) نفس المصدر27/140.
  27. (27) نفس المصدر27/ 142.
  28. (28) الشحود (علي بن نايف)، خلاصة في علوم البلاغة ص57 دار الفكر العربي،بيروت / لبنان.
  29. (29) حامد عونى المنهاج الواضح للبلاغة ،المكتبة الأزهرية للتراث و الخلاصة في علوم البلاغة ص83.
  30. (30) نسخة نبيط بن شريط الأشجعي (نبيط بن شريط: له صحبة)المؤلف (رواية) 1/125 أَحْمَدُ بنُ القَاسِمِ بنِ كَثِيْرِ بنِ صدقَةَ بنِ الرَّيَّانِ المِصْرِيُّ اللُّكِّيُّ، نَزِيْلُ البَصْرَةِ دار الكتب العلمية،الطبعة: الأولى، 2002 م.
  31. (31) التحرير والتنوير،27/93.
  32. (32) الهاشمي ( سيّد أحمد بن إبراهيم بن مصطفى) ،جواهرالبلاغة ص326،المكتبة العصرية، بيروت.
  33. (33) الشيزري )أبو المظفر مؤيد الدولة مجد الدين أسامة بن مرشد بن علي الكلبي(،البديع في نقد الشعر ص12،الجمهورية العربية المتحدة - وزارة الثقافة والإرشاد القومي - الإقليم الجنوبي - الإدارة العامة للثقافة.
  34. (34) الحسيني)يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم(، الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز2/ 197، المكتبة العنصرية – بيروت.
  35. (35) التفتازاني (سعد الدين) مختصر المعاني ص279 , دار الفكر بيروت – لبنان.و السيوطي( جلال الدين) معترك الأقران في إعجاز القرآن ص41،دار الكتب العلمية - بيروت – ،الطبعة: الأولى 1408 هـ - 1988 م.
  36. (36) جواهرالبلاغة، ص330.
  37. (37) السكاكي (يوسف بن أبي بكربن محمد السكاكي الحنفي أبو يعقوب) مفتاح العلوم ص187،دارالكتب العلمية، بيروت لبنان.
  38. (38) البلاغة العربية، 2 /842.
  39. (39) نفس المصدر 2 /512.
  40. (40) نفس المصدر 2 /532.
  41. (41) جواهرالبلاغة، ص333.
  42. (42) خلاصة في علوم البلاغة ص89.
  43. (43) ابن الأثير (ضياء الدين) المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر 1/176-177دار نهضة القاهرة للطبع والنشر،مصر.
  44. (44) الحموي (ابن حجة، تقي الدين أبو بكر بن علي) خزانة الأدب وغاية الأرب 2/ 431،مكتبة الهلال-بيروت، الطبعة الأخيرة 2004م.
  45. (45) البلاغة العربية، 2 /518.
Loading...
Issue Details
Id Article Title Authors Vol Info Year
Id Article Title Authors Vol Info Year
Similar Articles
Loading...
Similar Article Headings
Loading...
Similar Books
Loading...
Similar Chapters
Loading...
Similar Thesis
Loading...

Similar News

Loading...