Search from the Journals, Articles, and Headings
Advanced Search (Beta)
Home > Journal of Islamic and Religious Studies > Volume 4 Issue 1 of Journal of Islamic and Religious Studies

الخطاب الوسطي في الإسلام: قراءة في تحليل مقاصده و أسبابه ما بين الماضي والحاضر |
Journal of Islamic and Religious Studies
Journal of Islamic and Religious Studies

مقدِّمة:

الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:

 

لقد جعل الله عز وجل هذه الأمة خير الأمم، وآتاها من المناهج والشرائع خيرها وأبقاها، فكانت هي الأمة الوسط من بين الأمم، عقيدة وعلماً وعملاً وأخلاقاً ومواقف، وسط بين الغلو والتقصير وبين الإفراط والتفريط في سائر الأمور، قال سبحانه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[1]، وجاءت النصوص الكثيرة في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تأمرنا بالإستقامة على هذا المنهج الوسط، والذي لا انحراف فيه ولا شطط، وتنهانا عن الجنوح أو الميل عنه لسواه، سواء كان ذلك بغلو أو جفاء.

 

أهمية البحث:

إنَّ موضوع الوسطية في الإسلام اليوم هو موضوع الساعة، ومصطلح المرحلة، وهو في نظري أشد الموضوعات خطورة وأثراً، وأجدرها بالدارس المتأنِّي ذي النفس الطويل؛ وذلك لأنَّ مفهوم الوسطية يتم تداوله اليوم على معاني ودلالات شتَّى، بحيث يصوغه البعض وفق أجندات مختلفة بما يشيع البلبلة في أوساط الأمة، وهو ما يحتاج إلى تحديد وضبط دلالة المفاهيم والمصطلحات ومغازيها، فالحديث عن أي مصطلح أو معنى من المعاني يستوجب الوقوف والبحث للوصول إلى مفهوم دقيق لهذا المصطلح؛ وفق منهج علمي سليم، وقد بات هذا المصطلح لا سيما في السنوات الأخيرة مثارَ جدلٍ ومحطّ استعمال في كثير من الأطروحات الفكرية، وكثُر المنادون به لأسباب ودوافع مختلفة، وكلٌّ يدَّعِي وصله والأولوية به! ولذلك أحببتُ أن أكتب في هذا الموضوع لوضع النقاط على الحروف، من خلال تحرير هذا المصطلح وتوضيح معانيه ودلالاته ومراميه، وبيان أسباب السباق والهرولة لتبنّي هذا الخطاب والضجة الإعلامية التي أثيرت حوله.

 

أهداف البحث:

يمكن ذكر أهداف البحث في النقاط التالية:# بيان أصالة مفهوم الوسطية وعمق جذوره في الإسلام.

  1. التأكيد على شمولية مفهوم الوسطية وضرورة انتهاجه في حياة المسلمين.
  1. ضبط وتحرير مفهوم الوسطية حتى لا يبقى عرضةً للمتاجرة به من الأدعياء.
  1. توضيح أسباب الضجيج الإعلامي حول مصطلح الوسطية وتسابق الناس اليوم لرفع لوائه.
  1. إبراز حجم الهجمة على الإسلام ومخططات الأعداء لتشويه قيمه ومعالمه ومعتنقيه.
  1. التفريق بين العصور المتقدِّمة والعصور المتأخّرة من خلال تعاملهم مع مصطلح الوسطية.
  1. تسليط الضوء على من يستخدم الشعارات والمبادئ الإسلامية لمقاصد غير شرعية.

 

 

 

إشكالية البحث:

لا خلاف بين علماء الشريعة الإسلامية على أهمية مفهوم الوسطية وضرورة تقديمه كمنهج يسير المسلم على ضوئه وتوجيهاته، إلا أنه في هذا العصر استجدَّتْ بعض الإشكالات والتساؤلات التي اكتنفت هذا المفهوم، والتي تحتاج إلى إجابات شافية وفق أُسس علمية دقيقة، ومن هذه الإشكالات:

 

  • ما هو المعنى الدقيق والشامل لمفهوم الوسطية؟

 

  • ما سرّ هذه الهرولة تجاه مصطلح الوسطية، وما هي بواعث الافتخار والتباهي به؟

 

  • الضجّة الإعلامية المثارة حول مفهوم الوسطية، هل هي وليدة العصر، أم هي قديمة تاريخيّاً؟

 

  • ما هي الظروف والملابسات التي دفعت باتجاه تعويم هذا الخطاب وصدارته، وجعلت منه حديث الساعة والشغل الشاغل للعلماء والمفكرين والسياسيين وأصحاب الرأي؟

 

  • هل التبشير بالوسطية كما نراه اليوم شرقاً وغرباً، هو من باب الدعوة إلى الله تعالى ونشر مبادئ الإسلام وقيمه؟ أم هناك وراء الأكمة ما وراءها من أهداف ومصالح وغايات؟

 

وعلى نسج هذه الإشكالات وغيرها، يأتي هذا البحث محاولاً الإجابة عنها إن شاء الله تعالى.

 

الدراسات السابقة:

في الحقيقة يصعب حصر الدراسات والبحوث والمقالات التي تكّلمتْ عن الوسطية في الإسلام، تأصيلاً وتطبيقاً، وذلك لكثرتها مع احتياج المرحلة لها، وذلك لأنَّ حديث الوسطية هو حديث الساعة، فرضه الواقع والتحديات التي يتعرّض لها المسلمين على كافة المستويات وفي مختلف الميادين، إلا أنَّه-في حدود علمي- لم تفرد دراسة مستقلَّة في بيان أسرار وأسباب التهافت على الخطاب الوسطي والتسابق لاعتناقه كما هو حاصل في عالمنا اليوم، وكشف اللثام عن دوافع هذا الانخراط الواسع في هذه المنظومة والتناغم معها، مصحوباً بهذه الإثارة وهذا الكمّ الهائل من الترويج الإعلامي، ولذلك عزمت على إفراد هذه المسألة بالبحث وتسليط الضوء حولها.

 

منهج البحث:

نظراً لأنَّ البحث يدور حول بيان أسباب كثرة الحديث عن الوسطية في الإسلام وظروف وملابسات نشأته وتطوره، كان لا بدَّ من سلوك المنهج الاستقرائي، من خلال قراءة الواقع وتتبع هذه الأسباب واستنباطها من خطاب الوسطية السائد على ألسنة الناس اليوم، في ظل المتغيرات الحاصلة في العالم، وكذلك اعتمدتُ على المنهج المقارن في بيان الفرق بين العصور الأولى في الإسلام وعصرنا الحالي، ومدى ظهور مصطلح الوسطية فيهما، والأسباب الكامنة وراء ذلك، وكذلك تمّ التعرُّض للمنهج التحليلي في هذا البحث، وذلك من خلال تحليل شخصية المسلم الذي يتعرَّض لسيلٍ من التُّهم في سبيل تشويه صورته، وما نتج عن ذلك من شعوره بالضعف، مما دفعه لكثرة ترداد الحديث عن الوسطية؛ حتى يبرّئ ساحته من وصمة الإرهاب والتطرُّف.

 

خطّة البحث:

لقد قسّمت الحديث عن هذا الموضوع إلى أربع مباحث:

 

المبحث الأول: تحرير مصطلح الوسطية وتاريخ ظهوره.

 

المبحث الثاني: التأصيل الشرعي لمفهوم الوسطية.

 

المبحث الثالث: أسباب كثرة الحديث عن الوسطية وضجيجه الإعلامي في العصر الراهن.

 

المبحث الرابع: أسباب الإقلال من الحديث عن الوسطية في العصور المتقدِّمة.

 

المبحث الأول: تحرير مصطلح الوسطية وتاريخ ظهوره

إنَّ مبدأ الوسطية محلّ إجماع على صحته؛ ووجوب الانطلاق منه، باعتباره سمة من سمات هذه الشريعة الإسلامية الغراء، إلا أن ذلك لا يعني الخلاص من إشكالية تحديد المراد من هذا المفهوم تحديدا يرفع الخلاف، والمنهج العلمي الصحيح لتحديد المراد من هذا المصطلح هو ردّه للمعاني اللغوية والاستعمال الشرعي؛ بحسب وروده في النصوص والسياقات التي جاء فيها.

 

أولاً: معنى الوسطية في اللغة:

تأتي هذه الكلمة لمعان متقاربة أشهرها:

 

1-العدل:

قال ابن فارس: (وَسَطَ) الْوَاوُ وَالسِّينُ وَالطَّاءُ: بِنَاءٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى الْعَدْلِ وَالنِّصْفِ، وَأَعْدَلُ الشَّيْءِ: أَوْسَطُهُ وَوَسَطُهُ[2]، وقال في مختار الصحاح: "وَ(الْوَسَطُ) مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، أَعْدَلُهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً}[3] أي جعلناكم أعدل الناس وأخيرهم"[4]

 

2-الخِيار:

ومنه الحديث: "الوَالِد أَوْسَطُ أبواب الجَنَّةِ"[5] أي خَيْرُها، ويُقَالُ: هُوَ مِنْ أوْسَط قَومه: أَيْ خِيارِهِم[6]، وَقِيلَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ، ﷺ: إِنه كَانَ مِنْ أَوْسَطِ قومِه، أَي خِيارِهم، قال صاحب "الكشاف": "قيل للخيار: وسط؛ لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل والأوساط محوطة محمية"[7]، والعدل والخيار لفْظَانِ مُخْتَلِفَانِ والمَعْنَى وَاحِدٌ، لأَنَّ العَدْلَ خَيْرٌ، والخَيْرَ عَدْلٌ، وهما يعبِّران عن المعنى الخاص للوسط[8]، وقد تكون الأفضلية والجودة حسِّية، كما في قولهم: وَاسِطَةُ القِلادَةِ: أي الدُّرَّةُ الَّتِي فِي وَسَطِها، وَهِي أَنْفَسُ خَرَزِهَا، وَفِي الصِّحَاحِ: "واسِطةُ الْقِلَادَةِ: الجَوْهَرُ الَّذِي هُوَ فِي وَسطِها، وَهُوَ أَجودها"[9]، وقد تكون الأفضلية والجودة معنوية، كما في قول الله تعالى: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ}[10]، أي: أفضلهم وأرجحهم عقلاً[11].

 

3-التوسُّطُ بين طرفين مطلقاً:

ما له طرفان متساويا القدر، فمجرَّد التوسُّط بين شيئين مطلقاً معنوياً كان أو حسياً، يُسمَّى وسط، والتوسيط: هو قطع الشيء نصفين"[12]، وقال الفيومي: "وَحَقِيقَةُ الْوَسَطِ مَا تَسَاوَتْ أَطْرَافُهُ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَا يُكْتَنَفُ مِنْ جَوَانِبِهِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ تَسَاوٍ"[13].

 

ولا يشترط في الطرفين أن يكونا مذمومين بناءً على هذا المعنى، فقد يكون أحد الأطراف جيداً والآخر رديئاً، قال الزبيدي: "ويُقَالُ: شَيْءٌ وَسَطٌ، أَيْ بَيْنَ الجَيِّدِ والرَّدِيءِ"[14]، وتارة يُطلق الوسط فيما له طرف محمود، وطرف مذموم كالخير والشّرّ، ويكنّى به عن الرّذل، نحو قولهم: فلان وَسَطُ من الرجال تنبيهاً أنه قد خرج من حدّ الخير[15]، وفي بعض الأحيان قد لا يتصف طرفي الوسط بمدح أو ذمٍّ، أو جودة أو رداءة، كما في تسمية صلَاة العصر بالصلاة الوُسْطَى؛ لأَنها وسَط بَيْنِ صلاتَيِ اللَّيْلِ وصلاتَيِ النَّهَارِ. [16]

 

وقد يأتي لفظ الوسَط بين طرفين محمودين، وتقومُ الدلالة هنا على الأخذ من كلِّ طرف بنصيب، دون امتناع الذهاب في كل طرف إلى أقصى مداه، ودون أن يعتديَ طرف على طرف، كالجمع بين العلم والعمل، أو بين الدِّين والعلم، وقد يُلتَمَس تغليب أحد الطَّرفين على الآخر بطلب شرعي لمصلحةٍ راجحة؛ كالجمع بين طلب الدنيا والآخرة، مع تغليب جانب الآخرة؛ لاعتبار الدنيا مزرعة لها، وجسراً إليها، وفي ذلك من النُّصوص الشرعية الشيء الكثير.

 

ومن الأمثلة على ذلك الجمع بين الرجاء والخوف، فهما طرفان محمودان، وعلى المسلم أن يجمع بينهما دون الذهاب مع كل طرف إلى حدِّه الأقصى، وقد يقتضي الحال أحياناً تغليب جانب الرجاء وأحياناً أخرى تغليب جانب الخوف، من أجل تحقيق مصلحة شرعية، قال أبو علي الروذاباري: " أبا علي الروذباري، يقول: "الخوف والرجاء هما كجناحي الطير، إذا استويا استوى الطير وتم طيرانه، وإذا نقص واحد منهما وقع منه النقص، وإذا ذهبا جميعاً صار الطائر في حد الموت "، لذلك قيل: " لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا"[17].

 

قال ابن عجيبة الحسني: "الرجاء إذا جاوز حدّه يكون أمناً، والخوف إذا جاوز حدّه يكون إياساً.... فيجب ألا يجاوز أحدهما حدَّه بل يكون كالطائر بين جناحيه، إلا في حالة المرض، فيغلب الرجاء، ليحسن ظنه بالله"[18].

 

4-التوسُّطُ بين طرفين مذمومين حصراً:

فيقال (وسط) لما له طرفان مذمومان، فالوسط السالمُ من الذمّ هو ما كان بينهما، قال الراغب الأصفهاني: "وتارة يُقال-يعني الوسط- لما له طرفان مذمومان[19]، ومثال ذلك: السّخاء وسط بين البخل والتّبذير، والشّجاعة وسط بين الجبن والتهوُّر، وهذا هو الاستعمال الغالب لمصطلح الوسط.

 

ثانياً: معنى الوسطية في الاصطلاح الشرعي:

لا يخرج المعنى الشرعي للوسطية عن المعنى اللغوي، فقد استعمل الشرع لفظ "الوسط" ومشتقاته في مناسبات متنوعة ومواقف متعددة، كلَّها لا تخرج عن المعاني اللغوية السابقة للفظ "الوسط"، ولكن الاستعمال الشرعي الغالب يتوافق مع المعنى اللغوي الخامس للفظ "الوسط"، وهو ما كان له طرفان مذمومان، حيث يأتي الوسط في مرتبة بين مرتبتي الإفراط والتفريط:

 

  • الإفراط: بمعنى الغلو، وهو تجاوز الحدِّ والقدْر في الأمور.

 

  • والتفريط: بمعنى الجفاء والتقصير والتواني والانحلال والتمييع والتفلُّت.

 

قال ابن الأثير: "كُلُّ خَصْلَة مَحْمُودَة فَلَها طَرَفَان مَذْمُومان، فإنَّ السَّخاءَ وَسَطٌ بَيْن البُخْل والتَّبْذير، والشَّجاعَة وَسَطٌ بَيْن الجُبن والتَّهَوُّر، والإنسانُ مأمورٌ أنْ يَتَجَنَّبَ كُلَّ وَصْفٍ مَذْموم، وَتَجَنُّبُه بالتَّعَرِّي مِنْهُ والبُعدِ عَنْه، فكُلَّما ازْدَادَ مِنه بُعْداً ازْدادَ مِنْهُ تَعَرِّياً، وأبْعَدُ الجِهات والمَقادِير والمَعانِي مِنْ كُلّ طَرَفَيْن وَسَطُهُما، وهُو غَايَةُ البُعْد عَنْهُمَا، فَإِذَا كَانَ فِي الوَسطَ فَقَد بَعُد عَن الأطْراف المَذْمومةِ بَقَدْر الإمْكان".[20]

 

* وقال ابن القيم: "وَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِأَمْرٍ إِلَّا وَلِلشَّيْطَانِ فِيهِ نَزْعَتَانِ: إِمَّا إِلَى تَفْرِيطٍ وَإِضَاعَةٍ، وَإِمَّا إِلَى إِفْرَاطٍ وَغُلُوٍّ، وَدِينُ اللَّهِ وَسَطٌ بَيْنَ الْجَافِي عَنْهُ وَالْغَالِي فِيهِ، كَالْوَادِي بَيْنَ جَبَلَيْنِ. وَالْهُدَى بَيْنَ ضَلَالَتَيْنِ، وَالْوَسَطِ بَيْنَ طَرَفَيْنِ ذَمِيمَيْنِ، فَكَمَا أَنَّ الْجَافِيَ عَنِ الْأَمْرِ مُضَيِّعٌ لَهُ، فَالْغَالِي فِيهِ: مُضَيِّعٌ لَهُ، هَذَا بِتَقْصِيرِهِ عَنِ الْحَدِّ، وَهَذَا بِتَجَاوُزِهِ الْحَدَّ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنِ الْغُلُوِّ بِقَوْلِهِ: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ}[21] ".[22]

 

المقصود بالوسطية:

يقصد بالوسطية العلاقة التجاذبيَّة بين الوسط وطرفيه؛ فالوسط شيء عزيز، يحتاج إلى جهد، وفقه، وعلم، وصبر، حتى يُنتَزَع من طرفيه، ويُسلَّ من متشابهاته، وفي ذلك من المعاناة والجَلَد والاصطبار ما يرتقي بصاحبه إلى ما يُمكن أن نسمِّيَه بـ "مقام الوسطية".

 

والوسطية بمفهومها الشامل -كما يقول الدكتور عصام البشير- تعني الخيرية والعدل والفضيلة، وأن يكون المسلم مرتبطاً بالأصل متصلاً بالعصر، بما يقدِّم الإسلام منهجاً هادياً للإنسان والزمان والمكان، موصولاً بالواقع مشروحاً بلغة العصر، جامعاً بين النقل الصحيح، والعقل الصريح، منفتحاً على الحضارات بلا ذوبان، مراعياً للخصوصيات بلا انغلاق، ميسِّراً في الفتوى، مبشِّراً بالدعوة، منفتحاً على الاجتهاد والتجديد لا على الجمود والتقليد، مستلهماً للماضي، معايشاً للحاضر، مستشرفاً للمستقبل، ثابتاً في الأصول والكليات، مرناً في الفروع والجزئيات، محافظاً على المقاصد والغايات، ومتطوِّراً في الآليات، منتفعاً بكل قديم صالح، ومرحِّباً بكلِّ جديد نافع، وعاملاً على تعزيز المشترك الإنساني. [23]

 

وخلاصة القول الوسطية هي حالة محمودة، تعصم الفرد من الميل إلى جانبي الإفراط والتفريط، أو هي التوازن والتعادل بين الطرفين، بحيث لا يطغى طرف على آخر، فلا إفراط ولا تفريط، ولا غلوّ ولا تقصير، وإنما إتِّباعٌ للأفضل والأعدل والأجود والأكمل، فهي حالة من التوازن الذي يعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، دون طغيان أو نقصان، أو وكَسٍ أو شطط، وهكذا نجد أنَّ الوسطية هي مركز الدائرة الذي ترجع إليها الأطراف المتباعدة، فهي حقٌّ بين باطلين، وصواب بين خطأين، وخير بين شرين، واعتدالٌ بين طرفين؛ ذلك أنها صراط الله المستقيم، وسبل الضلالة تتشعَّب عن يمينها وشمالها؛ فمَن كان على ذلك الصراط المستقيم فهو على الوسطية الربانية.

 

ثالثاً: مرحلة ظهور مصطلح الوسطية وظروفها وملابساتها:

رغم أصالة مفهوم الوسطية وعمق جذوره وتغلغل فروعه ومسائله في جسد الشريعة الإسلامية، إلا أنَّه كمصطلح مستقل وقائم بحدِّ ذاته يقول الدكتور عبد الرحمن الحاج: "لم يظهر-في حدود علمي ومعرفتي- إلا في مطلع الثمانينات (1982م) حيث بدأ بالظهور بشكل متدرج، وكانت بداية ظهوره في كتابات الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله تعالى، فهي الكتابات المؤسسة لهذا المصطلح، وخصوصاً كتاب "الصحوة الإسلامية" بين الجحود والتطرُّف" في هذا الكتاب يخصص فصلاً مختصراً بعنوان "دعوة الإسلام إلى الوسطية"، يتحدَّث فيه في بضعة سطور عن وسطية الإسلام، وأنها من إحدى الخصائص العامة للإسلام، ومنذ ذلك الوقت أخذ هذا المصطلح بالانتشار والتصاعد، ومن يقرأ ويتأمّل في الخطاب الإسلامي في حقبة السبعينات وما قبلها، فإنَّه يفتقد مصطلح «الوسطية»، ويكاد لا يعثر عليه البتة".[24]

 

وهكذا نرى أنَّ جذور الوسطية ممتدة في الدين الإسلامي، وأصَّل لها الشيخ القرضاوي مؤخراً واتّخذَ منها منهجاً واضح المعالم في خطابه وكتاباته، وأسس بناء على ذلك تياراً مستقلاً وخاصاً به، يمكن تسميته: بـ" التيار الوسطي أو الخطاب الوسطي" وفي ذلك يقول الشيخ القرضاوي: "الحمد لله الذي وفقني للوقوف في وجه تيار الغلو والتطرُّف، منذ أمسكتُ القلم لأدخل ميدان التأليف في أول كتاب لي، وهو كتاب "الحلال والحرام في الإسلام" 1960 م وأنا أتبنى تيار الوسطية والاعتدال، الذي يتميز بعدّة خصائص منها: التيسير في الفتوى والتبشير بالدعوة، والدعوة إلى الحوار والتسامح مع المخالفين، وتجسّد هذا النهج بوضوح أكثر حينما برزت (الصحوة الإسلامية المعاصرة) منذ أوائل السبعينات، ولمستُ حاجتها إلى التسديد والترشيد، حتى لا تحرفها موجات الغلو والتنطُّع، الذي اعتبره الإسلام من مهلكات الأمَّة".[25]

 

وهنا أدوّن ثلاث ملاحظات على سياق المرحلة الزمنية التي أبصر فيها هذا المصطلح النور:

 

الأولى:

المصطلح ظهر في سياق «مواجهة» التطرف والعنف الذي أصبح نهجاً للكثير من الحركات الإسلامية منذ منتصف السبعينات في مصر وسورية وفلسطين، وبدأ بجذب الشباب المتدينين في ظل حالة الاستعصاء السياسي والتعامل اليساري الأصولي أو الاستئصالي مع الحركات الإسلامية والنزوع الديني في العالم العربي مع موجة المد القومي والماركسي.

 

الثانية:

المصطلح مشحون بالانشغال السياسي، فهو عملياً نشأ من رحم المواجهة السياسية، وظهر ليكون جزءاً من مواجهة سياسية فكرية محتدمة.

 

الثالثة:

إن مصطلح الوسطية لم يحمل في كتابات القرضاوي الأولى معنى التوسُّط بين شيئين (الإفراط والتفريط) بقدر ما كان يحمل معنى مواجهة التطرف الحركي والعنف، ويكاد معناه ينحصر في الدعوة إلى التعقل والتراجع إلى العمل السياسي السلمي. لا يعني هذا ان القرضاوي نفسه في ما بعد نحا بها منحى فكرياً مع كثرة تداول هذا المصطلح وميله الى التعميم والدخول في مختلف الحقول التي يغطيها الفكر الديني ومعارفه.

 

وعلى رغم أن لحظة نشوء المصطلح تشي بالكثير من المسوغات السياسية لظهوره، وتطبع السياسة بصماتها عليه بشكل واضح، إلا أن الكتابات في ما بعد حاولت نفي الارتباط بين ظهور مصطلح الوسطية والعنف الذي مارسته بعض حركات الإسلام السياسي، والتي باتت توسَمُ بـ«الأصولية»؛ وتمدد مفهوم الوسطية ليشغل مساحات أوسع في الفكر الإسلامي، وفي شكل خاص المساحة المعرفية والاجتماعية والأخلاقية، وبعد ذلك بدأت الصراعات والتجاذبات، بين التيارات والحركات الإسلامية وغيرها، حول تبنّي هذا المصطلح والتمدُّح بالانتساب إليه. [26]

 

المبحث الثاني: التأصيل الشرعي لمفهوم الوسطية

عندما نحاول التأصيل الشرعي لمفهوم أو مصطلحٍ ما، لا بدَّ من الرجوع إلى المصادر الأساسية في الشريعة الإسلامية ونصوصها، وتلمُّس هذه المعاني واستجلاء هذه المصطلحات والمفاهيم من خلالها، حتى تكتمل الصورة، وتتضح الحقيقة التي نريد التأصيل لها.

 

أولاً: مفهوم الوسطية في القرآن الكريم:

إنَّ الخطاب الإلهي خطاب ثابت في منطوقه، متحرك في دلالته، وبالتالي ضرورة إنتاج قراءة جديدة تنتقد شروط القراءة القديمة للخطاب الديني وتتوافق مع المتطلبات العصرية والحضارية. فمن تأمل المنهج الذي جاء به القرآن الكريم وتتبع أحكام الشريعة الإسلامية يجد معالم هذا الخطاب الوسطي في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

 

1- قال الله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُورًا}[27].

 

وجه الاستدلال بالآية الكريمة:

لقد أمرنا الله عز وجل بالاعتدال في الإنفاق فلا إسراف ولا تقتير، وهذا يعني أنه يجب على الإنسان أن يسلك في النفقة مسلك الوسط، وأنه المنهج الحق الذي يجب الالتزام به والسير فيه، فالإنفاق فيه ثلاثة مراتب: طرفان وهما التقتير والإسراف، وهما مذمومان، والرتبة الوسط، هي الاقتصاد والاعتدال في الإنفاق، وهذا هو المطلوب، قال الشيخ متولِّي الشعراوي في تفسير هذه الآية: " أي: لا تُمسك يدك بُخْلاً وتقتيراً، فتكون ملُوماً من أهلك وأولادك، ومن الدنيا من حولك، فيكرهك الجميع، وكذلك لا تبسط يدك بالإنفاق بَسْطاً يصل إلى حَدّ الإسراف والتبذير، فيفوتك تحقيق الآمال وتتحسَّر حينما ترى المقتصِد قد حقَّق ما لم تستطع أنت تحقيقه من آمال الحياة، وترقّى هو في حياته وأنت مُعْدم لا تملك شيئاً، فكان عليك أن تدّخر جُزْءاً من كَسْبك يمكنك أن ترتقي به حينما تريد".[28]

 

2-قال الله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً}[29].

 

وجه الاستدلال بالآية الكريمة:

لقد نهى الله تعالى عن الغلو في الدعاء، مع أنَّ الدعاء هو العبادة، حيث أمر بالتوسط فيه دون الجهر وفوق المخافتة، والأمر بابتغاء السبيل بين ذلك، يعني: أن يكون الدعاء تضرعاً دون الجهر وفوق السرِّ، فهذا مظهر من مظاهر الأمر بالتوسُّط، قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: "نَزَلَتْ-هذه الآية- وَرَسُولُ اللهِ ﷺ مُتَوَارٍ بِمَكَّةَ، فَكَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ، فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ ﷺ: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ}، «فَيَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ قِرَاءَتَكَ» {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}، «عَنْ أَصْحَابِكَ أَسْمِعْهُمُ الْقُرْآنَ وَلَا تَجْهَرْ ذَلِكَ الْجَهْرَ» {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً}، «يَقُولُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ».[30]

 

وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَرَجَ لَيْلَةً، فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُصَلِّي يَخْفِضُ مِنْ صَوْتِهِ، قَالَ: وَمَرَّ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَهُوَ يُصَلِّي رَافِعاً صَوْتَهُ، قَالَ: فَلَمَّا اجْتَمَعَا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تُصَلِّي تَخْفِضُ صَوْتَكَ»، قَالَ: قَدْ أَسْمَعْتُ مَنْ نَاجَيْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَقَالَ لِعُمَرَ: «مَرَرْتُ بِكَ، وَأَنْتَ تُصَلِّي رَافِعًا صَوْتَكَ»، قَالَ: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُوقِظُ الْوَسْنَانَ[31] وَأَطْرُدُ الشَّيْطَانَ-زَادَ الْحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ:- فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «يَا أَبَا بَكْرٍ ارْفَعْ مِنْ صَوْتِكَ شَيْئاً»، وَقَالَ لِعُمَرَ: «اخْفِضْ مِنْ صَوْتِكَ شَيْئاً»[32]، واكتفي بهذا القدْر من النصوص القرآنية خشية الإطالة.

 

ثانياً: مفهوم الوسطية في السنَّة النبوية الشريفة:

إنَّ القارئ المتأمِّل لما دعا إليه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في كل مجالات الحياة، يجد الاعتدال واضحاً، فقد كان عليه الصلاة والسلام يتمثَّل الوسطية والاعتدال في شخصيته وسماته وأفعاله فكان حليماً، لكن الحلم الذي لا يصل إلى الضعف، فإن تطلَّب الأمرُ قوة وشجاعة كان كذلك، وكان كريماً سخيّاً، لكن الكرم والسخاء لا يقوده إلى التبذير والإسراف، وكان حييّاً شديد الحياء، لكن الحياء لا يمنعه من الجرأة في تعليم الناس أمور دينهم، وهكذا سائر الخصائص والسمات، ونلمس معاني الوسطية في مواضع لا تكاد تحصى من سيرته عليه الصلاة والسلام، وفي توجيهاته وأقواله وأفعاله، نذكر فيما يلي بعضاً منها:

 

1- عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُصَلِّي بِنَا الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَلَا يُطِيلُ فِيهَا، وَلَا يُخِفُّ، وَسَطاً مِنْ ذَلِكَ".[33]

 

وجه الاستدلال بالحديث:

لقد كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو القدوة الحسنة، يصلِّي بأصحابه صلاة وسطاً، لا تطويل فيها ولا تخفيف، يعلِّم بذلك أصحابه منهج الوسطية والاعتدال، قال الحافظ المناوي: "يُندب للإمام التخفيف مع التمام، لا كما يصنعه الناس في هذه الأزمنة من المسارعة في الركوع والسجود حتى يعجز المؤتمُّ عن متابعة إمامه، فلا حول ولا قوة إلا بالله".[34]

 

2- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذاً إِلَى الْيَمَنِ، كان فيما أوصاه: «فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ».[35]

 

وجه الاستدلال بالحديث:

لقد حذَّر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم معاذ بن جبل من التطرُّف في التعامل مع الناس، وذلك بتعمُّد أخذ كرائم أموالهم في الزكاة، بل ينبغي الأخذ من الوسط، قال ابن حجر العسقلاني: " وَالْكَرَائِمُ جَمْعُ كَرِيمَةٍ، أَيْ نَفِيسَةٍ، فَفِيهِ تَرْكُ أَخْذِ خِيَارِ الْمَالِ؛ وَالنُّكْتَةُ فِيهِ: أَنَّ الزَّكَاةَ لِمُوَاسَاةِ الْفُقَرَاءِ فَلَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ الْإِجْحَافَ بِمَالِ الْأَغْنِيَاءِ، إِلَّا إِنْ رَضَوْا بِذَلِكَ"[36]، قال ابن الأثير: "لا شبهة أن حق الفقراء إنما هو في النمط الأوسط من المال، فإذا أخذ خيارها جحفَ بأربابها، وإذا أخذ شراره بخس المستحقين".[37]

 

ولذلك أورد البغوي هذا الحديث في "بَابُ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنَ الْوَسَطِ"[38]، وأورده البيهقي في "بَابُ تَرْكِ التَّعَدِّي عَلَى النَّاسِ فِي الصَّدَقَةِ"[39]، والنكتة في ذلك هي اعتباره عدم الالتزام بالوسط نوعاً من التعدِّي والظلم.

 

3- عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ ﷺ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَداً، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَداً، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي».[40]

 

وجه الاستدلال بالحديث:

لقد دلَّ هذا الحديث على أنَّ المنهج النبوي هُوَ الِاقْتِصَادُ فِي الْعِبَادَاتِ دُونَ الِانْهِمَاكِ وَالْإِضْرَارِ بِالنَّفْسِ، وَهَجْرِ الْمَأْلُوفَاتِ كُلِّهَا، وَأَنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ مَبْنِيَّةٌ شَرِيعَتُهَا عَلَى الِاقْتِصَادِ وَالتَّسْهِيلِ وَالتَّيْسِيرِ وَعَدَمِ التَّعْسِيرِ، وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم الحنيفية السمحة فيفطر ليتقوى على الصوم وينام ليتقوى على القيام ويتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل[41]، واكتفي بهذا القدْر من الأحاديث النبوية التي تتحدَّث عن مفهوم الوسطية خشية الإطالة.

 

ثالثاً: مفهوم الوسطية في منهج السلف الصالح وأقوالهم:

  • قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «خَيْرُ النَّاسِ هَذَا النَّمَطُ الْأَوْسَطُ يَلْحَقُ بِهِمُ التَّالِي , وَيَرْجِعُ إِلَيْهِمُ الْغَالِي»[42]، والنَّمَط يعني الطريقة.

 

  • ورُويَ عن أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى، المعروف بـ" ثعلب"، أنه قال: "لَا أعلم فِيمَا رُوِيَ فِي التَّوَسُّط أحسن من قَول أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: عَلَيْكُم بالنمرقة الْوُسْطَى، فإليها يرجع الغالي وَبهَا يلْحق التَّالِي".[43]

 

  • عَنْ وَهْبٍ بن أُمَيَّةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ طَرَفَيْنِ وَوَسَطاً، فَإِذَا أُمْسِكَ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ مَالَ الْآخَرُ، وَإِنْ أُمْسِكَ بِالْوَسَطِ اعْتَدَلَ الطَّرَفَانِ، وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْأَوْسَاطِ مِنَ الْأَشْيَاءِ".[44]

 

  • عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: تَعَبَّدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُطَرِّف بْنِ الشِّخِّيرِ، فَقَالَ لَهُ مُطَرِّفُ: " يَا عَبْدَ اللهِ الْعِلْمُ أَفْضَلُ مِنَ الْعَمَلِ، وَالْحَسَنَةُ بَيْنَ السَّيِّئَتَيْنِ، وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُها، وَشَرُّ السَّيْرِ الْحَقْحَقَةُ".[45]

 

والْحَقْحَقَةُ هي المتعِبُ من السَّيْرِ، أو أن تَحِمِلَ الدابَّةَ على ما لا تُطيقُهُ، والقصد بها الإشارة إلى الرفق في العبادة، وعدم إجهاد النفس في المشقَّة فيها.

 

ومن هنا قيل: "الوسط فضيلة بين رذيلتين، وحسنةٌ بين سيئتين"، فَمَا جَاوَزَ التَّوَسُّطَ خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْفَضِيلَةِ، فَقَدْ جَعَلَ مُطَرِّف بْنِ الشِّخِّيرِ الْغُلُوَّ فِي العبادة سَيِّئَةً، وَالتَّقْصِيرَ سَيِّئَةً، والحسنة التي بينهما هي: القصد والتوسُّط، قال الحافظ المناوي: "المتديّن ينبغي أن يكون سائساً لنفسه مدبِّراً لها، فإنَّ للنفس نفوراً يُفضي بها إلى التقصير، ووفُوراً يؤول إلى سَرَفٍ، وقيادَها عَسِرٌ، ولها أحوال ثلاثة: فحالُ عدلٍ وإنصاف، وحالُ غلوٍّ وإسراف، وحالُ تقصيرٍ وإجحاف".[46]

 

**ويروى أنه دخل عمر بن عبد العزيز على عبد الملك بن مروان، فقال له: كيف نفقتك في أهلك؟ فقال له: حسنة بين سيئتين يا أمير المؤمنين، يشير إلى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامَاً}[47] .[48]

 

  • ويروى أنَّ أَعرابِيَّاً قال للحَسَن البصري: "يا أَبا سَعِيدِ: عَلِّمْني دِيناً وَسُوطاً، لَا ذاهِباً فُرُوطاً، وَلَا ساقِطاً سُقُوطاً" أَي: دِيناً مُتَوَسِّطاً لَا مُتَقَدِّماً بالغُلُوِّ، وَلَا مُتَأَخِّراً بالتُّلُوِّ، قَالَ لهُ الحَسَنُ: أَحْسَنْتَ يَا أَعْرابِيُّ، "خيرُ الأُمورِ أَوْساطُها"، فإِن الوَسُوط هاهنا: المُتَوَسِّطُ بَيْنَ الْغَالِي والتَّالي.[49]

 

  • وقال الأوزاعي: "مَا أَمَرَ اللَّهُ بِأَمْرٍ إِلَّا وَلِلشَّيْطَانِ فِيهِ نَزَعَتَانِ، إِمَّا إِلَى تَفْرِيطٍ، وَإِمَّا إِلَى مُجَاوَزَةٍ، وَهِيَ الْإِفْرَاطُ، وَلَا يُبَالِي بِأَيِّهِمَا ظَفَرَ: زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ".[50]

 

رابعاً: مفهوم الوسطية في أقوال الحكماء والشعراء:

  • يروى أنَّ حكيماً من الحكماء قَالَ لِلْإِسْكَنْدَرِ: أَيُّهَا الْمَلِكُ عَلَيْك بِالِاعْتِدَالِ فِي كُلِّ الْأُمُورِ، فَإِنَّ الزِّيَادَةَ عَيْبٌ وَالنُّقْصَانَ عَجْزٌ.[51]

 

  • وقال بعضهم:

 

حبُّ التناهي غَلَطْ خَيرُ الأمورِ الوَسَطْ[52]

 

  • وَقَالَ الشَّاعِرُ:

 

وَلَا تَغْلُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَمْرِ وَاقْتَصِدْ كِلَا طَرَفَيْ قَصْدِ الْأُمُورِ ذَمِيمُ[53]

 

  • وفي هذا المعنى يقول الراجز:

 

لَا تَذْهَبَنَّ فِي الْأُمُورِ فَرَطَا لَا تَسْأَلَنَّ إنْ سَأَلْت شَطَطَا

 

وَكُنْ مِنْ النَّاسِ جَمِيعاً وَسَطَا[54]

 

  • وَقَالَ آخرُ:

 

عَلَيكَ بِأَوسَاطِ الأُمُورِ فَإِنَّها نَجاةٌ وَلَا تَركَب ذَلُولاً وَلَا صَعبَا[55]

 

  • قال الشاعر أبو تمَّام الطائي:

 

كانَتْ هِيَ الوَسَطُ المَحْمِي فَاكْتَنَفَتْ بهَا الحَوَادِثُ حَتَّى أَصْبَحَتْ طَرَفَا"[56]

 

فالآفات كما يقول ابن القيّم إنما تتطرَّق إلى الأطراف، لِأَنَّ طَرَفَ الشَّيْءِ أَضْعَفُ مِنْ قَلْبِهِ وَوَسَطِهِ، والأوساط محمية بأطرافها، فخيار الأمور أوساطها.[57]

 

المبحث الثالث: أسباب كثرة الحديث عن الوسطية وضجيجه الإعلامي في العصر الراهن

لقد شاع في هذا الزمان الحديث عن الوسطية في الإسلام، في المقالات والكتب، وعلى شاشات التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي، وعلى المنابر والمنتديات العلمية والثقافية والاجتماعية، ولقد تصدَّر هذا الحديث المحافل الدينية وكذلك المحافل السياسية، وهناك عدة أسباب تقف وراء انتشار هذا الحديث وشيوعه وانتشاره في البلاد الإسلامية والضجيج الإعلامي الذي أُثيرَ حوله، ولابد من الإشارة هنا إلى أنني لا أتكلَّم عن أسباب الابتعاد عن الوسطية والوقوع في الغلوِّ والتطرُّف، ولكنني أتكلَّم عن الأسباب الكامنة وراء كثرة الحديث عن الوسطية وتكراره على مرِّ الساعات في هذه الأيام، ولعلَّ من أبرز هذه الأسباب:

 

1-انزلاق بعض شباب المسلمين بشكل فعليّ في مهاوي التطرُّف والغلو:

فقد رأينا في هذا العصر فئةً من الشباب المسلمين انحرفوا عن جادة الوسطية، ووقعوا في فخّ الغلوّ والتطرُّف، ومن هؤلاء الشباب من سار في هذا الطريق عن قناعة، وذلك بسبب جهله وقلَّة زاده العلمي، وقسمٌ كبير منهم اختار طريق التطرُّف والإرهاب كردَّة فعل على الواقع المؤلم الذي يعيشه المسلمون والظلم الذي يتعرّضون له من جهتين:

 

الأولى: ظلم بعض الأنظمة الحاكمة في البلاد الإسلامية، والتي تمارس بحقِّ شعوبها، وخصوصاً الشباب المتدين منهم، أبشع أنواع القهر والقمع والاستبداد، وهذا ظلم على المستوى الداخلي.

 

الثانية: ظلمُ القوى العالمية الكبرى، وخصوصاً الغربية منها، التي تشنّ الحروب وترتكب المجازر في بلاد المسلمين، وتنهب خيراتها وثرواتها دون أي رادع، ومن هذا الظلم ما تمارسه المؤسسات الدولية، كالأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وما انبثق عنهما، والتي تقف ضد حقوق المسلمين وتمارس في حقّهم التمييز، وسياسة الكيل بمكيالين، وهذا ظلمٌ على المستوى الخارجي.

 

وكنتيجة لهذا الظلم والاضطهاد الذي يتعرَّض له المسلمون، داخلياً وخارجياً، فقد ازدادت نسبة الشباب الذين مالوا إلى منهج الغلوّ والتطرُّف، مما استدعى تدخُّل العلماء والمصلحين، من مواقعهم ومنابرهم الإعلامية، ليخاطبوا هؤلاء الشباب بخطاب الوسطية، ويبيّنوا لهم محاسنه ومزاياه، ليقبلوا عليه منهجاً، ويعتنقوه سلوكاً، وهنا- كما نلاحظ - كان الحديث عن الوسطية هدفه وقصده الدعوة إلى الله تعالى، من خلال إصلاح سلوك هؤلاء الشباب.

 

2-الهجمة الشرسة التي يتعرَّض لها الإسلام والمسلمين من قبل أعدائهم:

يتعرَّض المسلمون اليوم لحملة شرسة على أصعدة مختلفة، ثقافياً وإعلامياً واقتصادياً وسياسياً وعسكريا، وأبرز أهداف هذه الحملة تشويه معالم هذا الدين ونعتِه بالتطرُّف والغلو، وتقديم انطباع عن المسلمين بأنهم هواة ذبحٍ وقتلٍ، وسفكٍ للدماء وقطع للرؤوس، ومن أجل تحقيق هذا الهدف تمَّ تسخير وسائل إعلام عالمية، من شاشات فضائية ومجلات وصحف، والتي كانت تضخَّ هذا الخطاب عن المسلمين في الليل والنهار.

 

وعندما نتكلَّم عن شراسة هذه الهجمة ضد الإسلام والمسلمين فإننا نرى مظاهرها ونعايش آثارها على أرض الواقع، وكلامنا عنها ليس من نسج الخيال أو مما يمكن أن يتهمنا به البعض من وقوعنا تحت تأثير نظرية المؤامرة، ولعلَّ من أبرز وأوضح الأدلَّة على حقيقة هذه الحملة الهجومية وآثارها، هو انتشار ما يسمَّى بــ "الإسلاموفوبيا"[58] في العالم عموماً، وفي المجتمعات الغربية خصوصاً، والتي أصبحت تنظر إلى المسلمين عموماً بأنهم دعاةُ قتلٍ وإرهابٍ وتطرُّف، وبأنهم يثيرون الرعب والخوف، بسبب ديانتهم فحسب.

 

وظاهرة الإسلاموفوبيا هي في الواقع ظاهرة قديمة جديدة، قديمة قِدَم رسالة الإسلام، وإن كانت قد تصاعدت حدتها في عالم اليوم، وأصبحت ظاهرة منظَّمة ومدروسة بعد أن كانت عشوائية في القديم، وازدادت حدّتها وتنظيمها خاصة في دول الغرب بعد التفجيرات الشهيرة التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية في الحادي عشر من أيلول عام 2001، التي تبنَّاها تنظيم القاعدة.

 

قال الكاتب "ستيفن شيهى": قد لا يدهش المرء من الهستيريا العنصرية الجماعية والعنف الذي مورسَ ضد المسلمين والعرب، والتحرُّش بهم، والإيقاع بهم في أعقاب 11/9، لكن غالبية الأمثلة التي أوردتها حدثت مؤخراً، غالباً ما يبرر مناخ الترويع الذي يحيط بالعرب والمسلمين، المواطنين منهم أو المهاجرين القانونيين، على أنه ردود أفعال وضربات ثأرية، مصدرها الإحباط وما لحق بالأمريكيين من أذى، بيد أنني أجزم في هذا الفصل بأنَّ الهيئة التنفيذية والكونجرس ووزارات الأمن الداخلي والخارجية والدفاع والعدل تعمل بتناغم لغرس ثقافة القمع ورعايتها وتنظيمها، على أساس شيطنة العرب والمسلمين".[59]

 

يقول الكاتب إحسان سيّد: "صار مصطلح "الوسطية" متداولاً بقوة في وسائل الإعلام المختلفة؛ حيث تُعقد له المؤتمرات في البلاد العربية والإسلامية، وخارجها، للدعوة إليها كفكرة وسلوك وعمل في صفوف المسلمين، أو مخاطبة غير المسلمين لتعريفهم بوسطية الإسلام، ولقد ازدادت أهمية هذا النشاط الإعلامي والحراك الفكري عقب العديد من الأحداث التي شهدها العالم في مرحلة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، والتي أُلصقت بالإسلام زوراً وبهتانا، في ظل حملات تشويه متعمدة جانبها الصواب تربط الإسلام بكل ما هو ومَن هو "متطرّف" أو "متعصّب أو "إرهابي"، أذكتها آلة إعلامية على صلة بالحركة الصهيونية العالمية، وبالمشروع الاستعماري الأميركي الغربي في العالم، وزاد من مساحة تأثير هذه الحملات مواقف كبار الساسة في الغرب، وكذلك مواقف بعض الجماعات ورموز الإسلام السياسي وحركاته على الجانب الآخر في عالمنا العربي والإسلامي".[60]

 

ومنذ ذلك الحين أصبح المسلم- وخصوصاً الملتزم بأحكام الشريعة- يستشعر دائماً بأنه متَّهَم وموضوع داخل "قفص الاتهام"، وهذا الحال استدعى كثرة الحديث عن الوسطية للتبرؤ من هذه التهمة، وللخروج من هذا القفص الظالم، الذي تمَّ نسجه وصناعته من الحاقدين على الإسلام، صار مصطلح "الوسطية" متداولاً بقوة في وسائل الإعلام المختلفة؛ حيث تُعقد له المؤتمرات في البلاد العربية والإسلامية، وخارجها، للدعوة إليها كفكرة وسلوك وعمل في صفوف المسلمين، أو مخاطبة غير المسلمين لتعريفهم بوسطية الإسلام.

 

3-حرص بعض الحكَّام المسلمين على تقديم أنفسهم للغرب كممثلين للإسلام الوسطي المعتدل إرضاءً للغرب؛ وذلك من أجل تثبيت عروشهم والاستمرار في حكمهم:

فمَن يتأمَّل واقع البلاد الإسلامية وحكَّامها وولاة أمورها اليوم، لا يبقى عنده مجال للشك بأنَّ بعض هؤلاء لا يعدو كونه أداة بيد القوى الكبرى المسيطرة في العالم، تمَّ تنصيبه حاكماً على المسلمين بعد أن قدَّمَ أوراق اعتماده لأسياده في الغرب، ولولا ذلك لما تربَّع على عرش السلطة حُقباً زمنية متطاولة، وخصوصاً من جاءَ منهم عن طريق الانقلابات العسكرية وعلى ظهور الدبَّابات الأجنبية، هذا الحال جعل الحكَّام من هذا النوع يلهثون وراء استرضاء الغرب وتنفيذ أجندتهم ومطالبهم للاستمرار في الحكم، وكان من جملة ما يستنزلون ويستدرُّون به رضا القوى الغربية المسيطرة في العالم: هو تركيزهم على الوسطية والاعتدال وتقديم الإسلام كما يحبُّ الغرب أن يراه، الإسلام الوادع المسالم، الذي يرفض الحديث عن الجهاد والدفاع عن الكرامة والحقوق والمقدّسات، هذا هو الإسلام الوسطي في نظرهم، وهنا قد ينزل مستوى الخطاب الوسطي إلى درجة تمييع أحكام الإسلام والتنازل عن المبادئ والثوابت من أجل تحقيق مكاسب سياسية تحت مسمَّى "الخطاب الوسطي أو الإسلام الوسطي".

 

ولذلك تجد هذا النوع من السلاطين والحكَّام في البلاد الإسلامية يطلبون بشكل مستمر ومتكرِّر من المؤسسات الدينية، ومن الأئمة والخطباء على المنابر، ومن أذرعهم ووسائلهم الإعلامية، تناول موضوع الوسطية وتجديد الخطاب الديني في الصباح والمساء، في كافة المحافل واللقاءات والندوات، كلّ ذلك ليس من باب الدعوة إلى الله تعالى وحرصهم على تبليغ هذا الدين ونشر أحكامه، بل لتحسين صورتهم وتلميعها أمام هذه القوى التي تقود العالم، وتقديم أنفسهم على أنهم النموذج الإسلامي الوسطي المعتدل المأمون الجانب مهما كانت الظروف والوقائع، ليتحوَّل الحديث عن الوسطية بيد هذه الطغمة إلى أداةٍ ووسيلةٍ إعلامية، لا أقلّ ولا أكثر، ويستخدمون بعض المنتسبين للعلم في ترويج هذا الخطاب الذي يوافق أهوائهم، يقول الإمام القرافي رحمه الله تعالى: "لا ينبغي للمفتي إذا كان في المسألة قولان: أحدهما فيه تشديد، والآخر فيه تخفيف، أن يفتي العامة بالتشديد، والخواصّ من ولاة الأمور بالتخفيف، وذلك قريب من الفسوق والخيانة في الدين والتلاعب بالمسلمين، ودليل على فراغ القلب من تعظيم الله تعالى وإجلاله وتقواه، وعمارته باللعب وحُبِّ الرياسة والتقرُّب إلى الخلق دون الخالق، نعوذ بالله من صفات الغافلين".[61]

 

4--شعور المسلمين بالضعف أمام أعدائهم ومحاولتهم الدائبة في تبرئة أنفسهم من تهمة التطرُّف والإرهاب:

وهذا السبب يأتي كنتيجة للسببين السابقين، وهو سبب نفسي بخلاف ما سبقه، ففي ظلِّ الهجمة العنيفة التي يتعرَّض لها الإسلام على كافة الأصعدة من جهة، ومن جهة أخرى ظهور بعض القيادات والحكَّام في الدول الإسلامية، الذين اتبعوا سياسة الانبطاح ونهج الإذعان أمام القوى الغربية المتنفّذة على الصعيد الدولي، وسعيهم الحثيث لاسترضائهم واستعطافهم، كنتيجة لذلك تسلل الضعف والوهن إلى نفوس الكثيرين من أبناء الإسلام، حيث وجدوا أنفسهم في موقف المغلوب الضعيف، الذي يحتاج للدفاع عن نفسه وحرية معتقداته ومبادئه، فمرجع هذا الضعف كما هو واضح وجلي ليس لذات الدين الإسلامي ومبادئه وتشريعاته، فالإسلام يملك من عناصر القوة والثبات والمنطق ما يجعله قادراً على الاستمرار والثبات إلى قيام الساعة، في كل زمان ومكان، ولكن مرجع هذا الضعف يرجع إلى المسلمين أنفسهم، بسبب تشتتهم وتفرّقهم وبُعْدِهِم عن الالتزام بدِينِهم، وكان من جملة وسائلهم في الدفاع عن أنفسهم "كثرة الحديث عن الوسطية".

 

وهكذا نجد أنَّ الحديث عن الوسطية انتشر وكثُر في زمن ضعف المسلمين، وجذور هذا الأمر ترجع إلى شعور الضعيف بعقدة النقص أمام القوي، فرداً كان أم جماعة، مما يجعل الضعيف منقاداً للقوي، سائراً في ركابه، باحثاً عن مرضاته، معايشاً له وفق شروطه ورغباته، يقول فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي: "إن نفراً من قومنا يعانون ما يسمونه (عقدة النقص) تجاه الغرب وحضارته وفكره، ويعتبرون الغرب إماماً يجب أن يُتَّبَع ومثالاً يجب أن يحتذى، وما كان من أفكارنا وقيمنا وتقاليدنا ونظمنا مخالفاً للغرب اعتبروا ذلك عيباً في حضارتنا، ونقصاً في شريعتنا، ما عليه الغرب إذًا هو الصواب، وما يخالفه هو الخطأ!" .[62]

 

وإلى هذا أشار عالم الاجتماع ابن خلدون، حيث عقد فصلاً في "مقدَّمته" بعنوان: "المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده"، وكان من جملة ما قاله:

 

"ولذلك ترى المغلوب يتشبّه أبداً بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه، في اتّخاذها وأشكالها، بل وفي سائر أحواله، وانظر ذلك في الأبناء مع آبائهم، كيف تجدهم متشبّهين بهم دائماً وما ذلك إلّا لاعتقادهم الكمال فيهم، وانظر إلى كلّ قطر من الأقطار كيف يغلب على أهله زيّ الحامية وجند السّلطان في الأكثر؛ لأنّهم الغالبون لهم، حتّى أنّه إذا كانت أمّة تجاور أخرى ولها الغلب عليها، فيسري إليهم من هذا التّشبّه والاقتداء حظّ كبير... وتأمّل في هذا سرّ قولهم: "العامّة على دين الملك" فإنّه من بابه، إذ الملِكُ غالبٌ لمن تحت يده، والرّعيّة مقتدون به؛ لاعتقاد الكمال فيه اعتقاد الأبناء بآبائهم، والمتعلّمين بمعلّميهم، والله العليم الحكيم، وبه سبحانه وتعالى التّوفيق".[63]

 

وهكذا يتضح لنا أنَّ الحديث عن الوسطية في عالمنا الإسلامي اليوم أصبح كسلاحٍ بيد الضعفاء للدفاع عن أنفسهم من تهمة التطرُّف والإرهاب، وليس معنى هذا أنَّه لا يجب علينا إظهار سمات ومعالم الوسطية في الدين الإسلامي وإيضاحها وتجليتها ودعوة الناس إليها، الصغير والكبير، العالم والجاهل، القريب والبعيد، العدو والصديق، ولكن ما أريد قوله أنَّ هناك فرقاً كبيراً بين أن يكون كلامنا عن الوسطية في الإسلام من باب الدعوة إليها وتحبيب الناس بها وتقريبهم من مسالكها ومعانيها، وبين أن يكون كلامنا عن الوسطية من باب الدفاع عن النفس، وذلك للتخلُّص من تهمة تلاحقنا ونقيصةٍ تطاردنا، ألا وهي "تهمة الإرهاب والتطرُّف"، أو أن يتم توظيف الحديث عن الوسطية لخدمة جهات حكومية لتحقيق مصالح سياسية ضيّقة لا علاقة لها بالدعوة أو خدمة الإسلام، فهناك عدة اتجاهات تكتنف الحديث عن الوسطية في الإسلام:

 

1-اتجاه ينادي بالوسطية تحت تأثير عقدة النقص والضعف التي يشعر بها، هذا لا علاقة له بالدعوة إلى الله تعالى، ولكنه يستخدم هذا الخطاب لجلب مصلحة أو درء مفسدة تخصُّه.

 

2-اتجاه يعتبر الحديث عن الوسطية نوعاً من أنواع التحضُّر والرقي والانفتاح ومواكبة العصر ليس إلَّا، واستخدام هذا الصنف للحديث عن الوسطية هو تماماً كاستخدام المرأة لمساحيق التجميل، وهذا الاتجاه يتفق مع الاتجاه الذي قبله؛ وكلاهما مرفوضان؛ لأنَّ كليهما يعبٍّران شخصية ضعيفة ومهزومة نفسياً.

 

3-اتجاه يبشّرُ بالوسطية ويدعو إليها لخدمة أصحاب السلطة لتثبيت حكمهم وتلميع صورتهم أمام القوى الدولية، وهذا مرفوض؛ لأنَّه من غير المقبول شرعاً أن يصبح مبدأ الوسطية والاعتدال مفهوماً يُعْرض للمتاجرة السياسية وغيرها، فمبادئ الإسلام الثابتة وخصائصه السامية أرفع وأنزه من أن تكون موضوع مخططات نفعية رخيصة.

 

4-اتجاه يكثرُ من الحديث عن الوسطية من باب الدعوة إلى الله تعالى، خدمةً للأمَّة، وطمعاً في نشر الوعي وتحصين الشباب من الوقوع في براثن الغلوّ والتطرُّف، وهذا هو الاتجاه المحمود، وسرُّ هذا التجاذب لمصطلح الوسطية يعود لدلالتها اللغوية التي تعني حالة الوسط بين أمرين، وبناء على ذلك فقد حدّد كل امرئ مسافة الوسط وفق مقاييسه الخاصة، وأسقط عليها مفهومه عن المصطلح، حتى وقع المصطلح أسير هذا التوسُّط، فانقسمت الوسطية إلى وسطيات كما نسمع اليوم عن «وسطية إسلامية» و«وسطية مستنيرة» و«وسطية مظلمة» و«وسطية علمانية».

 

المبحث الرابع: أسباب الإقلال من الحديث عن الوسطية في العصور المتقدِّمة

لم تظهر الحاجة للحديث عن الوسطية في العصور الذهبية التي عاشها المسلمون، ولم يأخذ هذا الحديث صدىً إعلامياً وصخباً في المحافل والمناسبات كما هو في واقعنا اليوم، وأنا هنا لا أنفي الحديث عن الوسطية على الإطلاق في العصور الأولى، ولكنني أشير إلى ندرته وقلَّته مقارنةً بالمساحة التي يؤخذها الحديث عن الوسطية في العصور المتأخِّرة، فقد كانت تتم الإشارة إلى هذا المنهج والمبدأ والتنويه بمكانته وأهميته في حياة المسلم، ولكن لم تُعقد له الندوات والمؤتمرات، ولم تثَر حوله كل هذه السجالات والحوارات، بالإضافة إلى أنه لم تتسع دائرة الاهتمام به على مستوى العلاقات الدولية بين المسلمين وغيرهم من الأمم، ولعلَّ هذا الأمر يرجع لسببين:

 

السبب الأول: أنَّ الوسطية ومعالمها ومظاهرها كانت واقعاً معاشاً في المجتمع المسلم منذ نشأته الأولى في مجتمع الرعيل الأول، بسبب معايشتهم وتلقّيهم الإسلام من مصدره الأساسي وينبوعه الصافي، المتمثِّل بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم والصحابة والتابعين وتابعي التابعين، والعصور الذهبية التي شهدت صعود المسلمين وتفوقهم في كافة المجالات، حيث ظهرت معالم هذه الوسطية في عقائدهم عباداتهم ومعاملاتهم، فلم يكونوا بحاجة إلى إظهار هذه الصورة من الوسطية والتحدُّث عنها بأقوالهم وكلامهم ولكنهم عبّروا عنها بسلوكهم وأفعالهم.

 

السبب الثاني: أنهم كانوا في موضع القوة والصدارة بين الأمم والشعوب، فقد كانوا أقوياء في عقيدتهم وإيمانهم، أقوياء في ثقافتهم وأخلاقهم، وكنتيجة لذلك أصبحوا أقوياء سياسياً وعسكرياً، ولذلك لم يكونوا بحاجة إلى كثرة الحديث عن الوسطية بين الأمم والمجتمعات في أقوالهم وندواتهم؛ لأنهم كانوا في المقدِّمة، فلم يجرؤ أحد على اتهامهم بأوصاف ليست فيهم، من الإرهاب والتطرُّف، ولم يكونوا كذلك بحاجة إلى استرضاء القوى الكبرى، من خلال تقديم صورة ناعمة عن الإسلام، تتوافق مع أهواء تلك القوى، وأسرد لكم فيما يلي نموذجين من خطاب المسلمين في هذه العصور الذهبية مع القوى المسيطرة في العالم في ذلك الوقت:

 

النموذج الأول: خطاب الصحابي الجليل ربعي بن عامر حين أرسله سعد بن أبي وقَّاص إلى رستم ملك الفرس، فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَقَدْ زَيَّنُوا مَجْلِسَهُ بِالنَّمَارِقِ الْمُذَهَّبَةِ وَالزَّرَابِيِّ الْحَرِيرِ، وَأَظْهَرَ الْيَوَاقِيتَ وَاللَّآلِئَ الثَّمِينَةَ، وَالزِّينَةَ الْعَظِيمَةَ، وَعَلَيْهِ تَاجُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْتِعَةِ الثَّمِينَةِ، وَقَدْ جَلَسَ عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَدَخَلَ رِبْعِيٌّ بِثِيَابٍ صَفِيقَةٍ وَسَيْفٍ وَتُرْسٍ وَفَرَسٍ قَصِيرَةٍ، وَلَمْ يَزَلْ رَاكِبَهَا حَتَّى دَاسَ بِهَا عَلَى طَرَفِ الْبُسَاطِ، ثُمَّ نَزَلَ وَرَبَطَهَا بِبَعْضِ تِلْكَ الْوَسَائِدِ، وَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ سِلَاحُهُ وَدِرْعُهُ وبيضته عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالُوا لَهُ: ضَعْ سِلَاحَكَ، فَقَالَ: إِنِّي لَمْ آتِكُمْ، وَإِنَّمَا جِئْتُكُمْ حِينَ دَعَوْتُمُونِي، فَإِنْ تَرَكْتُمُونِي هَكَذَا وَإِلَّا رَجَعْتُ، فَقَالَ رُسْتُمُ: ائْذَنُوا لَهُ، فَأَقْبَلَ يَتَوَكَّأُ عَلَى رُمْحِهِ فَوْقَ النَّمَارِقِ فَخَرَّقَ عَامَّتَهَا، فَقَالُوا لَهُ: مَا جَاءَ بِكُمْ؟ فَقَالَ: "اللَّهُ ابْتَعَثْنَا لِنُخْرِجَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ، وَمِنْ ضيق الدنيا إلى سِعَتِهَا، وَمِنْ جَوْرِ الْأَدْيَانِ إِلَى عَدْلِ الْإِسْلَامِ، فَأَرْسَلَنَا بِدِينِهِ إِلَى خَلْقِهِ لِنَدْعُوَهُمْ إِلَيْهِ، فَمَنْ قَبِلَ ذَلِكَ قَبِلْنَا مِنْهُ وَرَجَعْنَا عَنْهُ، وَمَنْ أَبَى قَاتَلْنَاهُ أَبَداً حَتَّى نُفْضِيَ إِلَى مَوْعُودِ اللَّهِ"، قَالُوا: وَمَا مَوْعُودُ اللَّهِ؟ قَالَ: الْجَنَّةُ لِمَنْ مَاتَ عَلَى قِتَالِ مَنْ أَبَى، وَالظَّفَرُ لِمَنْ بَقِيَ".[64]

 

النموذج الثاني: خطاب هارون الرشيد الخليفة العبَّاسي مع النَّقْفُور ملِك الروم، وكان النَّقْفُور يومئذٍ قد وجَّهَ كتاباً إلى هارون الرشيد جاء فيه: "مِنْ نَقْفُورَ مَلِكِ الرُّومِ إِلَى هَارُونَ مَلِكِ الْعَرَبِ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْمَلِكَةَ التي كانت قبلي أَقَامَتْكَ مُقَامِ الرُّخِّ[65]، وَأَقَامَتْ نَفْسَهَا مُقَامِ الْبَيْدَقِ[66]، فَحَمَلَتْ إِلَيْكَ مِنْ أَمْوَالِهَا مَا كُنْتَ حَقِيقًا بحمل أمثاله إليها، وذلك مِنْ ضَعْفِ النِّسَاءِ وَحُمْقِهِنَّ، فَإِذَا قَرَأْتَ كِتَابِي هذا فاردد إليَّ ما حملته إليك من الأموال وافتدِ نفسك به، وإلا فالسيف بيننا وبينك.

 

فلما قرأ هارون الرشيد كتابه أخذه الغضب الشديد حتى لم يتمكَّن أحد أن ينظر إليه، ولا يستطيع مخاطبته، وأشفق عليه جلساؤه خوفاً منه، ثم استدعى بِدَوَاةٍ وَكَتَبَ عَلَى ظَهْرِ الْكِتَابِ:

 

"بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ هَارُونَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى نَقْفُورَ كَلْبِ الرُّومِ، قَدْ قَرَأْتُ كِتَابَكَ يَا بن الْكَافِرَةِ، وَالْجَوَابُ مَا تَرَاهُ دُونَ مَا تَسْمَعُهُ، والسلام".[67]

 

وهكذا نجد أنَّ كثرة الحديث عن الوسطية والاعتدال وتكراره في أيامنا هذه يأتي كنتيجة لضعف المسلمين وغطرسة أعدائهم، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام:

 

لماذا لا نسمع الحديث عن الوسطية عند المسيحيين في أمريكا والمجتمعات الغربية؟ ولماذا لا نسمع الحديث عن الوسطية على شاشات التلفاز ووسائل الإعلام عند اليهود في إسرائيل؟

 

على الرغم من أنَّ آفة التطرُّف موجودة عند بعض الناس في كل مجتمع، وفي كلِّ بلد، وفي كلّ ديانة، نعم، هم ليسوا بحاجة للحديث عن الوسطية؛ لأنهم في موقع القوة والتحكُّم بمفاصل السلطة في العالم، إذ يستطيعون من خلال موقعهم وقوتهم قلب الموازين وتشويه الحقائق، يمارسون التعتيم على تطرفهم وإرهابهم، وإظهار الجلَّاد بمظهر الضحية، والضحيَّة بمظهر الجلَّاد، فيجعلوا الباطل حقَّاً، والحقّ باطلاً، بينما نراهم يضعون البلاد الضعيفة تحت المجهر ويحاسبونهم على الصغيرة والكبيرة، ويطبِّلون ويزمِّرون بالحديث عن الإرهاب والتطرُّف شرقاً وغرباً، ويهاجمون البلاد ويقتلون العباد تحت هذه الذريعة، وهذا هو منهج الطغاة والمجرمين على مرِّ العصور، قال الله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[68]

 

ولكم أن تتخيّلوا على سبيل المثال لو أنَّ ما يحصل اليوم في ميانمار على يد المتطرفين البوذيين، من تقتيل المسلمين وتحريقهم وتقطيع أوصالهم وأشلائهم ودفنهم تحت الأرض وهم أحياء، لا يفرِّقون بين رجل وامرأة، بين صغير وكبير، يرتكبون أبشع الجرائم وأقذرها كلُّ ذلك تحت مرأى العالَم وسمعهم، ما يمارسه البوذيون بحق أقليَّة "الروهينغيا" المسلمة في إقليم أراكان في ميانمار من إبادة جماعية[69] لا أجد له مثيلاً إلا ما قصَّه لنا القرآن الكريم من الجرائم التي ارتكبت بحق أصحاب الأخدود، قال الله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}.[70]

 

والآن لكم أن تتخيلوا لو كانت هذه الجريمة في "ميانمار" معكوسة، وأن مَن يقوم بهذه الأفعال والجرائم هم مسلمون، تخيّلوا ردَّة فعل المجتمع الدولي لو كان القاتل مسلماً والمقتول يهودياً أو نصرانياً أو بوذيَّاً أو ... ؟؟؟

 

بالتأكيد لو كان الأمر كذلك، لقامت الدنيا ولم تقعد، ولهبَّت الجيوش وتحرَّكت القواعد العسكرية من شرق الأرض وغربها "للقضاء على المتطرِّفين ومكافحة الإرهابيين"، فقط إذا كانوا مسلمين، هذه هي سياسة المعايير المزدوجة، وسياسة الكيل بمكيالين، وخلاصة القول في هذه القضية أنَّ كثرة الحديث عن الوسطية في عصرنا الحاضر تحرّكه عدّة أسباب، قد تكون هذه الأسباب دعوية إصلاحية، وقد تكون وراءه أسباب نفسية دفاعية، فرضها واقع المسلمين من التشرذم والضعف، وقد تكون أسباب سياسية نفعيّة لبعض الحكَّام وولاة الأمور.

 

الخاتمة:

من أبرز وأهمّ النتائج التي خلصتُ إليها في نهاية مطاف هذا البحث:# الاستعمال الغالب لمصطلح الوسطية هو التوسُّطُ بين طرفين مذمومين حصراً، فهو فضيلة بين رذيلتين.

  1. الاستعمال الشرعي لمصطلح الوسطية يتوافق مع المدلول اللغوي.
  2. الوسطية في الإسلام كمفهوم وسلوك وقيمة رافقت الإسلام منذ أن نزل الوحيُّ بكلمة (إقرأ) ولكنها تبلورت كمصطلح في مطلع الثمانينات، على يد الشيخ يوسف القرضاوي.
  3. تأثُّر مصطلح الوسطية عند ظهوره بالتجاذبات السياسية في مطلع الثمانينات، مما يمكن القول بأّنه ولدَ من رحِم السياسة.
  4. ازدياد حدّة الاستقطاب حول تبني مصطلح الوسطية وارتفاع وتيرة حضوره الإعلامي في جميع مفاصل الحياة في هذا العصر.
  5. ليس كلّ مَن نادَى بالوسطية قصد بها مفهومها الإسلامي، فالشعار واحد ولكن الضوابط والغايات والمقاصد مختلفة، ولقد قيل قديماً: "ليس كلُّ ما يلمع ذهباً".
  6. السبب الأبرز لانتشار مصطلح الوسطية بين المسلمين، هو مواجهة الهجوم الذي يتعرَّضون له ومحاولات الغرب لشيطنتهم وقولبتهم ضمن قالب الإرهاب والتطرُّف.
  7. تسرُّب مرض الغلوّ والتطرف إلى أذهان بعض الشباب المسلمين، سببه إمَّا الجهل وإما الظلم الذي يعانون منه، داخلياً أو خارجيَّاً.
  8. نقد الضجيج الإعلامي المثار حول الوسطية ليس لذات المصطلح، ولكن للتوظيف الرخيص وللمفاهيم المغلوطة والمزيّفة التي يتمَّ الترويج لها باسم الوسطية وتحت ستاره.

 

 

 

التوصيات:

بعد الانتهاء من إعداد هذا البحث فإنني أوصي بما يلي:# أوصي بزيادة الاهتمام بدراسة الشريعة الإسلامية، في المساجد والمدارس والجامعات؛ على يد المتخصصين من العلماء الثقات؛ لأنَّ العلم الشرعي الحقيقي يثمر وسطية واعتدالاً في سلوك الشخص وفكره، وما نمى وترعرع مرض الغلوّ إلا من خلال أخذ العلم عن المجاهيل، علماً وعدالةً.

  1. تكثيف الجهود للعمل على وحدة الأمَّة وجمع كلمتها؛ لأنَّ التشتت والتشرذم سبب الضعف، ومن كان ضعيفاً كان فريسةً سهلة أمام عدوّه، لتشويه صورته وتصنيفه وشيطنته.
  2. ضرورة الاهتمام بالفضاء الإعلامي ووسائله وتقنياته في هذا العصر؛ وذلك لأهميته وحجم تأثيره في توجيه المصطلحات وتكييفها، وجذب الناس لها، وتسويقها بين الأمم والشعوب.
  3. العمل الدؤوب على كافة المستويات لبث خطاب الثقة والاعتزاز بالإسلام وتشريعاته وأحكامه؛ وذلك للخروج من حالة الهزيمة النفسية وخانة الاتِّهام، التي يحاول الإعداء وضع المسلمين بها.
  4. أهمسُ في أُذُن الخائضين في غمار السياسة بضرورة تقوى الله تعالى ومراقبته في السرّ والعلَن، وأنّ لا يجعلوا الدين ومصطلحاته ومفاهيمه مطيَّة وخادماً لتحقيق مطامع ومكاسب سياسية شخصيّة ضيّقة، بل ينبغي أن تكون السياسة خادماً للدين الإسلامي ورهنَ إشارته.

 

 

 

وختاماً، هذا جهدي ومستطاعي، فما فيه من صواب فمن الله وحده، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان، وأستغفر الله من ذلك وأتوب إليه، وأسألُه الفرج والنصر والتأييد العاجل لهذه الأمَّة، والحمد لله الّذي بنعمته تتم الصالحات وصلّى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً.

 

حوالہ جات

  1. == الهوامش(References) == سورة البقرة: 143 Surah al Baqarah, 143
  2. انظر: معجم مقاييس اللغة لأحمد بن فارس القزويني، 6:108 . Al Qazwīnī, Aḥmad bin Fāris, Mu’jam Maqāyis al Lughah, 6:108
  3. سورة البقرة:143 Surah al Baqarah, 143
  4. انظر: مختار الصحاح للرازي، ص:338 Al Rāzī, Mukhtār al Ṣiḥāḥ, p:338
  5. رواه الإمام أحمد، عن أبي الدرداء، رقم الحديث 27552، ورواه الترمذي، رقم الحديث 1900، وقال هذا حديث صحيح. Aḥmad, Musnad, Ḥadīth # 27552, Al Tirmadhī, Al Sunan, Ḥadīth # 1900
  6. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير الجزري، 5:184 Ibn al Athīr Al Jazarī, Al Nuhayah fī Ghārīb al Ḥadīth wal Athar, 5:184
  7. انظر: الكشَّاف عن حقائق غوامض التنزيل للزمخشري، 1:198 Al Zamakhsharī, Al Kashāf ‘An Ḥaqa’iq Ghawāmiḍ al Tanzīl, 1:198
  8. انظر: لسان العرب لابن منظور، 7:430 Ibn Manẓuwr, Lisān al ‘Arab, 7:430
  9. انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري، 3:1167 Al Jawharī, Al Ṣiḥāḥ Tāj al Lughah wa Ṣiḥāḥ al ‘Arabiyyah, 3:1167
  10. سورة القلم: 28 Surah al Qalam, 28
  11. انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، 18:244 Al Qurṭabī, Al Jāmi’ Li Aḥkām al Qur’ān, 18:244
  12. انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري، 3:1167 Al Jawharī, Al Ṣiḥāḥ Tāj al Lughah wa Ṣiḥāḥ al ‘Arabiyyah, 3:1167
  13. انظر: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للفيومي، 2:658 Al Fayūmī, Al Miṣbāḥ al Munīr fī al Sharḥ al Kabīr, 2:658
  14. انظر: تاج العروس من جواهر القاموس لمرتضى الزبيدي، 20:167 Al Zubaidī, Murtaḍa, Tāj al ‘Urūs min Jawāhir al Qāmūs, 20:167
  15. انظر: المفردات في غريب القرآن للأصفهاني، ص: 869. Al Aṣphanī, Al Mufradāt fī Ghārīb al Qur’ān, p:869
  16. انظر: لسان العرب لابن منظور، 7:430 Ibn Manẓuwr, Lisān al ‘Arab, 7:430
  17. رواه البيهقي في "شعب الإيمان"، رقم الأثر: 996 Al Bayhaqī, Shu’ab al ‘Iīmān, Ḥadith # 996
  18. انظر: البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، لابن عجيبة الحسني 5:57 Al Ḥusainī, Ibn ‘Ujaybah, Al Baḥr al Madīd fī Tafsīr al Qur’ān al Majīd, 5:57
  19. انظر: المفردات في غريب القرآن للأصفهاني، ص: 869 Al Aṣphanī, Al Mufradāt fī Ghārīb al Qur’ān, p:869
  20. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، 5:184 Al Nuhayah fī Ghārīb al Ḥadīth wal Athar, 5:184
  21. سورة المائدة: 77 Surah al Mā‘idah, 77
  22. انظر: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين لابن القيم الجوزية، 2:464 Ibn al Qayyim al Jawziyyah, Madārij al Sālikīn, 2:464
  23. انظر: ملامح المشروع الوسطي "تأصيلاً وتنزيلاً"، ص:28، وهي ورقة عمل تقدَّم بها الدكتور عصام البشير في مؤتمر الإصلاح السابع، في نسخته الثالثة، والذي تقيمه جمعية الإصلاح في مملكة البحرين 22-23-يناير 2016م. ‘Iṣām al Bashīr, Malamiḥ al Mashru’ al Wasaṭī: Ta’ṣīlan wa Tanzīlan, (Baḥrain: Jami’ah al Iṣlāh, 22-23 January 2016, p:28
  24. انظر: الوسطية في الخطاب الإسلامي المعاصر، دراسة تحليلية مقارنة لكتابات سيّد قطب ويوسف القرضاوي وحسن حنفي، للدكتور سيكو مارافا توري، ص: 236، وهو بحثٌ محكَّم، منشور في مجلة جامعة المدينة العالمية، العدد الرابع عشر، أكتوبر 2015- وانظر: انبعاث الوسطية الإسلامية وتجاذباتها، لعبد الرحمن الحاج، وهي مقالة منشورة على موقع "الملتقى الفكري للإبداع" (http://almultaka.org ). Dr. Seiko Marava Torre, Al Wasaṭiyyah fil Khīṭāb al Islāmī al Mu’āṣir: Dirasah Taḥlīliyyah Muqaranah Li Kitābāt Sayyid Qutab wa Yūsuf al Qaraḍāwī Wa Ḥasan Ḥanafi, (Journal of International Islamic University, Madina, Vol. 14, October 2015), Al Ḥājj, ‘Abdul Raḥmān, Inba’āth al Wasaṭiyyah al Isl ā miyyah Wa Tajazābātuha
  25. انظر: خطابنا الإسلامي في عصر العولمة للدكتور يوسف القرضاوي، ص:9 Dr. Yūsuf al Qaraḍāwī, Khīṭābunā al Islāmī fī ‘Aṣr al ‘Awlamah, p:9
  26. انظر: انبعاث الوسطية الإسلامية وتجاذباتها، لعبد الرحمن الحاج، وهي مقالة منشورة على موقع "الملتقى الفكري للإبداع" (http://almultaka.org ) Al Ḥājj, ‘Abdul Raḥmān, Inba’āth al Wasaṭiyyah al Isl ā miyyah Wa Tajazābātuha
  27. سورة الإسراء: 29 Surah al A’srā‘, 29
  28. تفسير الشعرواي (الخواطر) ، 13:8164 Tafsīr al Sha’rāwī, 13:8164
  29. سورة الإسراء: 110 Surah al A’srā‘, 110
  30. رواه البخاري، كتاب تفسير القرآن، بَابُ {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا}(الإسراء: 110) رقم الأثر 4722، ورواه مسلم، كتاب الصلاة، بَابُ التَّوَسُّطِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ، إِذَا خَافَ مِنَ الْجَهْرِ مَفْسَدَةً، رقم الأثر 446، واللفظ لمسلم. Ṣaḥīḥ Al Bukhārī, Ḥadīth # 4722, Ṣaḥīḥ Muslim, Ḥadīth # 446
  31. الْوَسْنَانَ: النَّائِمَ الَّذِي لَيْسَ بِمُسْتَغْرِقٍ فِي نَوْمِهِ.
  32. رواه أبو داود، واللفظ له، كتاب الصلاة، بَابٌ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، رقم الحديث 1329، ورواه الترمذي، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقِرَاءَةِ بِاللَّيْلِ، رقم الحديث 447، قال البيهقي في شعب الإيمان، 4:188: "هَذَا مُرْسَلٌ، وَقَدْ رُوِّينَاهُ مَوْصُولاً مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ". Sunan Abī Dāwūd, Ḥadīth # 1329, Sunan al Tirmadhī, Ḥadīth # 447, Al Bayhaqī, Shu’ab al I’mān, 4:188
  33. رواه الإمام أحمد، 20826، ورواه الطبراني في المعجم الكبير، 2055، الحديث حسن، وهذا إسناد ضعيف لضعف أيوب بن جابر- وهو ابن سَّيار السحيمي- لكن تابعه أبو عوانة الوضّاح بن عبد الله اليشكري كما جاء في صحيح مسلم 643 قال: وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ نَحْواً مِنْ صَلَاتِكُمْ، وَكَانَ يُؤَخِّرُ الْعَتَمَةَ بَعْدَ صَلَاتِكُمْ شَيْئًا، وَكَانَ يُخِفُّ الصَّلَاةَ». Aḥmad, Musnad, Ḥadīth # 20826, Al Ṭabrānī, Al Mo’jam al Kabīr, Ḥadīth # 2055
  34. انظر: التنوير شرح الجامع الصغير للصنعاني، 8:304 Al Ṣan’ānī, Al Tanwīr Sharḥ al Jami’ al Ṣaghīr, 8:304
  35. رواه البخاري، واللفظ له، كتاب الزكاة، باب أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنَ الأَغْنِيَاءِ وَتُرَدَّ فِي الفُقَرَاءِ حَيْثُ كَانُوا القصد، رقم الحديث 1496، ورواه مسلم، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، رقم الحديث19. Ṣaḥīḥ Al Bukhārī, Ḥadīth # 1496, Ṣaḥīḥ Muslim, Ḥadīth # 19
  36. انظر: فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني، 3:360 Ibn Ḥajar al ‘Asqalānī, Fatḥ al Bārī, 3:360
  37. انظر: الشَّافِي فيْ شَرْح مُسْنَد الشَّافِعي لابْنِ الأثِيرْ الجزري، 3:49 Ibn al Athīr al Jazarī, Al Shāfī fī Sharḥ Musnad al Shafa’ī, 3:49
  38. انظر: شرح السنَّةـ لأبي محمد، الحسين بن مسعود البغوي، 6:65 Al Baghwī, Ḥusain bin Muḥammad, Sharḥ al Sunnah, 6:65
  39. انظر: السنن الكبرى للبيهقي، 4:265 Al Bayhaqī, Al Sunan al Kubra, 4:265
  40. رواه البخاري، واللفظ له، كتاب النكاح، بَابُ التَّرْغِيبِ فِي النِّكَاحِ، رقم الحديث 5063. Ṣaḥīḥ Al Bukhārī, Ḥadīth # 5063
  41. انظر: فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني، 9:105 Ibn Ḥajar al ‘Asqalānī, Fatḥ al Bārī, 9:105
  42. رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، رقم الأثر 34498، قال زين الدين العراقي: "ورجال إسناده ثقات إلاَّ أن فيه انقطاعاً". انظر: المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار، ص:96 . Ibn Abī Shybah, Al Muṣannaf, Ḥadīth # 34498, Al Mughnī ‘An Ḥaml al Asfār fil Isfār fī Takhrīj mā fil Iḥya’ min al Akhbār, p:96
  43. انظر: جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري، 1:20 Al ‘Askarī, Abī Hilāl, Jamhurah al Amthāl, 1:20
  44. رواه أبو يعلى الموصلي، رقم الأثر6115، قال السخاوي في "المقاصد الحسنة" ص: 332: رجاله ثقات. Abū Ya’la al Muṣalī, Ḥadīth # 6115, Al Sakhāwī, Al Maqāṣid al Ḥasanah, p:332
  45. رواه البيهقي في شعب الإيمان، رقم الأثر 3605 . Al Bayhaqī, Shu’ab al I’mān, Ḥadīth # 3605
  46. انظر: فيض شرح الجامع الصغير للحافظ المناوي، 4:385 Ibid.
  47. سورة الفرقان:67 Surah al Furqān, 67
  48. انظر: البصائر والذخائر لأبي حيان التوحيدي، 9:79 Al Tawḥīdī, Abī Ḥayān, Al Baṣā‘ir wal Dhakhā‘ir, 9:79
  49. انظر: مجمع الأمثال للنيسابوري، 1:243، تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي، 19:527 Al Nishāpurī, Majma’ al Amthāl, 1:243, Al Zubaidī, Tāj al ‘Urūs Min Jawahir al Qāmūs, 19:527
  50. انظر: المقاصد الحسنة للحافظ السخاوي، ص:332، مدارج السالكين لابن القيم الجوزية، 2:108 Al Sakhāwī, Al Maqāṣid al Ḥasanah, p:332, Ibn al Qayyim al Jawziyyah, Madārij al Sālikīn, 2:108
  51. انظر: أدب الدنيا والدين للماوردي، ص: 24 . Al Māwardī, Adab al Dunyā wal Dīn, p:24
  52. لم يُنسَب هذا البيت لأحد ولم يُعرَف قائله رغم شهرته، انظر: المقاصد الحسنة للحافظ السخاوي، ص: 332. Al Sakhāwī, Al Maqāṣid al Ḥasanah, p:332
  53. هذا البيت لأبي سليمان حمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الخطَّابي، انظر في كتابه "العزلة"، ص: 97 . Al Khiṭābī, Ḥamd bin Muḥammad bin Ibrāhīm, Al ‘Azlah, p:97
  54. لا يُعرفُ قائلها، انظر: أدب الدنيا والدين للماوردي ص:24، البيان والتبيين للجاحظ، 1:213 Al Māwardī, Adab al Dunyā wal Dīn, p:24, Al Jāḥiẓ, Al Ba n wal Tabyīn, 1:213
  55. لم يُنسَب هذا البيت لأحد، انظر: الدرُّ الفريد وبيت القصيد للستعصمي، 7:246 Al Sata’ṣamī, Al Durr al Farīd wa Bayt al Qaṣīd, 7:246
  56. انظر: الكشَّاف عن حقائق غوامض التنزيل للزمخشري، 1:198 Al Zamakhsharī, Al Kashāf ‘An Ḥaqa’iq Ghawāmiḍ al Tanzīl, 1:198
  57. انظر: إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان لابن القيم الجوزية، 1:182 Ibn al Qayyim al Jawziyyah, I’ghāthah al Lahfān Min Maṣāyid al Shayṭān, 1:182
  58. الإسلاموفوبيا: هو مصطلح ظهر حديثاً في المجتمعات الغربية معناه : التحامل والكراهية تجاه المسلمين، أو الخوف منهم؛ كذلك يشير المصطلح إلى الممارسات العنصرية ضد المسلمين في الغرب، ويُعَرفه البعض على أنه تحيُّز ضد المسلمين أو شيطنة للمسلمين، وترتبط الظاهرة بنظرة اختزالية للإسلام كدينٍ في مجموعة محدودة وجامدة من الأفكار التي تحضُّ على العنف والنظرة السلبية للآخر وترفض العقلانية والمنطق والوسطية وحقوق الإنسان، وانطلاقاً مما سبق يرى المصابون بالإسلاموفوبيا أنَّ العداء للإسلام والمسلمين والتحيُّز ضدهم أمر طبيعي وردّ فعل تلقائي على طبيعة المسلمين الشريرة، لذا فهم يساندون التمييز ضد المسلمين وحشد قوى الغرب في حرب ضد الإسلام وأتباعه. انظر: بحث "ظاهرة الإسلاموفوبيا قراءة تحليلية، للباحث خالد سليمان، ص 1، والبحث منشور في مجلة "ثقافتنا"، العدد 12، عام 1427ه . Khalid Sulaimān, "Ẓāhirah al Islām Phobiya: Qirā‘ah Taḥlīliyyah", Thāfatunā, )1427(, Vol. 12, p:1
  59. انظر: الإسلاموفوبيا الحملة الإيدلوجية ضد المسلمين، للكاتب ستيفن شيهى، ص: 244 . Stephan Shayhī, Islamphobia Al Ḥamlah Al I’idilogiyyah Ḋidd al Muslimīn, p:244
  60. كلام مقتبس من مقالة للكاتب إحسان سيّد، عنوانها: "الوسطية في التصوّر الإسلامي" والمقالة منشورة على موقع الجزيرة نت، (http://www.aljazeera.net) بتاريخ 3/10/2012م .
  61. انظر: الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام لشهاب الدين القرافي، ص: 250 . Al Qarāfī, Shahāb al Dīn, Al I’ḥkām fī Tamyīz al Fatāwa ‘An al Aḥkām, p:250
  62. انظر: الفتوى بين الانضباط والتسيُّب، د. القرضاوي، ص: 84 . Dr. Al Qarḍāwī, Al Fatwa Byn al Inḍibāṭ wal Tasayyub, p:84
  63. انظر: ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، المعروف بـ"مقدمة ابن خلدون"، 1:184 Ibn Khaldūn, Muqaddimah Ibn Khaldūn, 1:184
  64. انظر: البداية والنهاية لابن كثير، 7:47 Ibn Kathīr, Al Bidāyah wal Nihāyah, 7:47
  65. الرخّ: أقوى قطع الشطرنج، وأصلُ هذه الكلمة: طائر كبير يرتفع في السماء .
  66. البيدق: أضعف قطع الشطرنج، وقد استعمل العرب كلمة «بيدق» للدلالة على الرجل القصير القامة. فوصفَ ملكُ الرومِ الخليفةَ الرشيد بالرّخّ، وهو طائر ضخم قويّ، والملكة بالبيدق الرجل القصير الضعيف.
  67. انظر: البداية والنهاية لابن كثير، 10:209 Ibn Kathīr, Al Bidāyah wal Nihāyah, 10:209
  68. سورة القصص: 4 Surah al Qaṣaṣ, 4
  69. انظر: شهادة أحد الفارين من مجازر ميانمار ضد مسلمي الروهينغا، وذلك في مقال نشره موقع عربي21 .
  70. سورة البروج: 4-8 Surah al Burūj, 4-8
Loading...
Issue Details
Id Article Title Authors Vol Info Year
Id Article Title Authors Vol Info Year
Similar Articles
Loading...
Similar Article Headings
Loading...
Similar Books
Loading...
Similar Chapters
Loading...
Similar Thesis
Loading...

Similar News

Loading...