Search from the Journals, Articles, and Headings
Advanced Search (Beta)
Home > Journal of Islamic and Religious Studies > Volume 1 Issue 2 of Journal of Islamic and Religious Studies

المجتمع في أدب المنفلوطي الإبداعي |
Journal of Islamic and Religious Studies
Journal of Islamic and Religious Studies

Asian Research Index Whatsapp Chanel
Asian Research Index Whatsapp Chanel

Join our Whatsapp Channel to get regular updates.

حياة مصطفى لطفي المنفلوطي

"ولد مصطفى لطفي بن محمد لطفي بن محمد حسن لطفي المنفلوطي عام 1289هـ الموافق 1886م من أسرة حسينية النسب مشهورة بالتقوى والعلم، نبغ فيها من نحو مئتي سنة قضاة شرعيون ونقباء أشراف" [1]، وقيل إن ولادته كانت عام 1877م [2]ببلدة منفلوط بمديرية أسيوط بمصر.

بدأ يختلف في أول حياته إلى الكتّاب، وأتم حفظ القرآن الكريم بمكتب جلال الدين السيوطي قبل أن يبلغ الحادية عشر من عمره ثم ذهب إلى القاهرة ليدرس بالأزهر وظل به عشر سنوات يدرس وينهل من معينه "ولكنه لم يجد فيه غنيته ولا طلبته، وضاق بعلومه وطريقة التدريس فيه ذرعا وكاد يهجره إلى غير رجعة لولا أن وجد به الأستاذ الإمام محمد عبده يفسر القرآن الكريم بأسلوب جديد ينفذ إلى القلوب والبصائر، ويدرّس لطلابه كتابي عبدالقاهر الجرجاني (أسرار البلاغة، ودلائل الإعجاز) فأعجب به ولزم درسه وانصرف عن دروس الأزهر". [3]

وقد تأثر تأثراً كبيرًا بتعاليم الإمام فعكف على كتاباته يعبّ منها وينهل، وقد كان الإمام يوليه اهتمامه الأكبر ويشجّعه على دراسة الأدب علّه يكون من خير المنتفعين بعلمه الناشرين لمبادئه وتعاليمه الإصلاحية. "وجدير بالذكر أن هذه الصلة المبكرة بالشيخ محمد عبده قد ساهمت في تشكيل صورة المنفلوطي الكاتب فيما بعد عند القراء، إذ نظروا إليه كتلميذ أثير للإمام الراحل، وأجلوه لإجلالهم إيّاه. [4]

وعن طريق الإمام محمد عبده اتصل المنفلوطي بسعد زغلول باشا [5]الزعيم المصري الكبير، وعن طريقهما اتصل بالشيخ علي يوسف صاحب صحيفة المؤيد، وكان لهؤلاء الثلاثة: أثر كبير في شهرة المنفلوطي.

بدأ ينشر مقالاته الأدبية بصحيفة المؤيد عام 1907م، تحت عنوان (الأسبوعيات) ثم (النظرات). يقول الدكتور ناجي نجيب: "وإليها إلى النظرات والمؤيد تعود شهرته السريعة الواسعة. تنقل المنفلوطي في وظائف حكومية عديدة حتى سنة 1921م. ولم يمد له في عمره طويلاً فلقد لبّى نداء ربه رحمه الله "يوم الخميس في 12 حزيران (يونيه) سنة 1924م (10 ذي الحجة 1342هـ) في اليوم نفسه الذي جرت فيه محاولة لاغتيال زعيم الوفد المرحوم سعد زغلول باشا.

مشكلة الفقر:

من أهم الموضوعات التي حظيت باهتمام المنفلوطي وعنايته، والتي حشد له كل عواطفه وطاقاته الإبداعية هو موضوع الفاقة والفقر؛ الذي كان يتردى فيها السواد الأعظم من الشعب.

يرى المنفلوطي أن سبب بؤس الفقير وشقائه هو استيلاء الغني على المال كله دون الفقير، واعتدائه على حقوقه المشروعة، واعتقاده أنه أولى بإحراز المال منه. يقول في مقاله "الغني والفقير": "ما ضنت السماء بمائها، ولا شحت الأرض بنباتها، ولكن حسد القوي الضعيف عليهما فزواهما واحتجنهما دونه، فأصبح فقيرًا معدمًا، شاكيًا متظلمًا، غرماؤه المياسير الأغنياء، لا الأرض والسماء. وليتني أملك ذلك العقل الذي يملكه هؤلاء الناس فأستطيع أن أتصور كما يتصورون، حجة الأقوياء في أنهم أحق بإحراز المال، وأولى بامتلاكه من الضعفاء." [6]

ويرى أن الغِنى الحقيقي هو غنى الروح والنفس، وليس المعيار كثرة المال والعتاد كما يعتقد كثير من الناس خطأ. يقول في مقاله (الناشئ الصغير) : "أحب أن يكون غنيًا بالمعنى الحقيقي، لا بالمعنى الاصطلاحي، أي أن يكون مستغنيًا بنفسه عن غيره. لا كثير المال والثراء، وما سمي المال غنى إلا باعتبار أنه وسيلة إلى الغنى وطريق إليه، وهو اعتبار خطأ ما في ذلك ريب." [7]

ويكاد يذوب حزنًا وأسفًا وهو يقرأ في إحدى الصحف أنه عُثر بجثة امرأة في جبل المقطم ماتت جوعا. وكأن البلاد أقفرت من الخبز والقوت، والقلوب من الرأفة والرحمة فغدت أصلب من الصخر، وأصمّ منه فلا يزعج أصحابَها أنَين جارهم في جوف الليل. ويرى أن سبب وقوع مثل هذه الحوادث المؤلمة هو تغاضي الإنسان وغفلته، وعدم قيامه بواجبه نحو بني جلدته. ويتساءل: "لِم ذهبت هذه البائسة المسكينة إلى جبل المقطم في ساعتها الأخيرة؟ لعلها ظنت أن الصخر ألين قلبًا من الإنسان فذهبت إليه تبثه شكواها... وأحسب لو أن الصخر فهم شكواها لأشكاها ... ألم يلتق بها أحد في طريقها فيرى صفرة وجهها وترقرق مدامعها وذبول جسمها فيعلم أنها جائعة فيرحمها." [8]

وقدّم في مقاله "مدينة السعادة" تصويرًا بديعًا لما يجب أن يكون عليه المجتمع الذي تتحقق فيه المساواة، ويسود فيه الأمن والطمأنينة، وهذا المجتمع المثالي الذي تخيله المنفلوطي في المريخ، لا يزال أهلها على الفطرة السلمية، لا يقبلون بالتفاوت بين الطبقات، بل لا طبقات أصلاً، فهم سواسية في المنازل والمراكب والمطاعم والمشارب والهيئآت والأزياء. ويعود في آخر المقال ويهجم مرة أخرى على نظام الإقطاع وفساده، ويُطلق على صاحب القصر المنيف لقب شرير طماع، لأنه خالف إرادة الله وحكمته فاحتجن دون عباده أرضهم ومالهم، واستأثر بالمال من دونهم.

يقول المنفلوطي في آخر المقال: "تلك هي مدينة السعادة التي يعيش أهلها سعداء، لا يشكون هماً لأنهم قانعون، ولا يمسكون في أنفسهم حقداً، لأنهم متساوون، ولا يستشعرون خوفًا، لأنهم آمنون". [9]ولعل المنفلوطي تأثر في تخيله هذه المدينة السعيدة بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف الذي يدعو إلى العدل والمساواة، فالناس سواسية في الحقوق والواجبات، ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى.

ثم يجنح إلى فكرة بالغة الخطورة وهي: أن لا عتب على اللص الذي يسرق من مال الأغنياء، فهو إن فعل ذلك إنما أخذ بعض حقه الذي حال الغني الجشع الطمّاع بينه وبينه. يقول في مقاله "الناشئ الصغير": "فلولا شحّ الأغنياء بأموالهم وكلبهم عليها وحيازتها عن الفقراء لما وجد في الأرض قاتل ولا سارق ولا قاطع طريق. ولا يسرق السارق، ولا يسلب السالب، ولا يلص اللص إلا جزءًا من حقه الذي كان يجب أن يكون له لو كان للمال زكاة، وللرحمة سبيل إلى الأفئدة والقلوب"[10]

مشكلة المرأة:

احتلت المرأة مركز الصدارة في مقالات المنفلوطي وقصصه الموضوعة والمترجمة بصورة عامة، يتعامل معها أمًّا وزوجةً وابنة، ويتابعها في تحولاتها الزمنية المختلفة من الطفولة، إلى الصبا، وإلى الشباب فالكهولة فالشيخوخة. ويتحدث عنها باقتضاب حينًا وبإطناب أحيانًا.

ويطرح العديد من القضايا التي تهمّ المرأة وتنفرد بها كالحجاب، وحقها في اختيار الزوج، والخيانة الزوجية؛ بالإضافة إلى القضايا المشتركة بينها وبين الرجل كالتعليم، والفقر، والاستغلال الاقتصادي، والجهل وما إلى ذلك.

يرى المنفلوطي أن للمرأة كياناً مستقلاً وحياة ذاتية فهي تفهم معنى الحياة كما يفهمها الرجل، فيجب أن يكون حظّها من الحياة مثل حظه منها، وأن تعيش حياتها بحرية كاملة لا أن تكون جارية مستعبدة للرجل، يملك عليها كل مادة من مواد حياتها، ويسدّ عليها كل منفذ حتى منفذ النظر والتفكير.[11]

ولكن المنفلوطي – وإن نادى بحرية المرأة، وأن يكون لها كيان مستقل- لا يرضى منها أن "تتخلع وتستهتر...وتهيم على وجهها في مجتمعات الرجال وأنديتهم، وتمزق حجاب الصيانة والعفة المسبل عليها". [12]ذلك أن احتجاب المرأة في نظره صون لعفافها وحفاظ لشرفها، وفيه وقايتها من أن تكون عرضة للرجال. وناقش هذه القضية قضية الحجاب بشيء من التفصيل في قصته المسماة بـ"الحجاب"[13] وانتصر لها أيما انتصار، وذلك في مناقشته صاحبه الذي عاد من الغرب بعدما عاش هناك ردحًا من الزمن، حيث انطبعت أخلاقه بأخلاق الغربيين، وتنكر لدينه ووطنه، وحاول المنفلوطي بوسائل شتّى أن يقنع صاحبه هذا على ضرورة تحجب المرأة والتزامها به، ويقول له: "فالشرف كلمة لا وجود لها في قواميس اللغة ومعاجمها، فإن أردنا أن نفتّش عنها في قلوب الناس وأفئدتهم قلّما نجدها.. وأُنكر وجودها عند الرجل القادر المختلب والمرأة الحاذقة المترفّقة إذا سقط بينهما الحجاب وخلا وجه كلٍّ منهما لصاحبه." [14]

وفي مقاله "البائسات" ينادي المنفلوطي بضرورة تعليم المرأة، فإن جهلها من أكبر أسباب بؤسها وشقائها، بَيد أن معنى التعليم يتوسع لديه ليشمل تعلم أنواع الحِرف والصناعات التي تستطيع المرأة أن تقتات منها، وترفّه بها عن نفسها عاديات الزمان. يقول: "إن المرأة المصرية شقية بائسة، ولا سبب لشقائها وبؤسها إلا جهلها وضعف مداركها، فإنها لا تحسن عملا ولا تعرف باب مرتزق، ولا تجد بين يديها سلعة تتجر بها وتقتات منها إلا قلب الرجل". [15]

ويُنهي المقال بهذا النداء المؤثّر: "علّموها لتجعلوا منها مدرسة يتعلم فيها أولادكم قبل المدرسة، وأدّبوها لينشأ في حجرها المستقبل العظيم للوطن الكريم." [16]

ولم يأت نداؤه هذا بضرورة تعليم المرأة ووجوبه عليها ناتجًا عن نزعة طارئة، أو فكرة عابرة، فقد عُني الرجل بتعليم بناته وتربيتهن بجانب اهتمامه بتعليم أبنائه "وقد أحضر لبناته بمنفلوط مدرسًا خاصًا، ولما أقام بالقاهرة أدخل ابنته "نجية" مدرسة خاصة هي الكلية الأمريكية، وحصلت ابنته الأخرى "زينب" على ليسانس آداب قسم الفلسفة، ثم على ليسانس الحقوق". [17]وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على إيمان الرجل وعنايته بتعليم المرأة وتربيتها.

ولم تقف عناية المنفلوطي بمشكلات المرأة واهتمامه بعلاجها إلى هذا الحدّ لكنه اقتحم معها غمار الحياة حيث نشر يراعه مدافعاً عن الآثمات ذائداً عنهن، ونادى المجتمع أن يساعدهن في إخراجهن من الهوّة السحيقة التي سقطن فيها، وأن يتبادر الرجال للزواج من بعض هؤلاء النسوة لينقذوهن من جحيم الانحراف. يقول: "إن أبى الرجل أن يتزوج المرأة بغيًا فليحل بينها وبين البغاء، ولا سبيل له إلى ذلك إلا إذا اعتبر الزواج بابًا من أبواب الإحسان، أي أنه يتزوجها لها أكثر مما يتزوجها لنفسه، وأحق النساء بالإحسان أولئك اللواتي سلبهن الله نعمة الجمال والمال..فإن أبى إلا أن يتزوج من المرأة السعيدة، فليذكر أنه هو الذي أخذ الشقية من يدها، وساقها بنفسه إلى مواطن الشقاء، ورماها بيده في هوّة الفسق والبغاء." [18]

ولكن إذا أتيحت للمرأة حياة العفاف والفضيلة، وتيسّر لها الشرف والطّهر، ثم نبذت ذلك كله وراءها، وهجرته إلى الفسق والبغي، فحينئذ ينقلب عليها المنفلوطي ويحرض عليها، كما فعل في قصته "الأجواء" وقصته"غدر المرأة".

العادات المستهجنة:

كان لنشأة المنفلوطي الدينية وتلمذته على الإمام محمد عبده، ودراسته لكتاباته وكتابات غيره من المصلحين الاجتماعيين الكبار، وما فطر عليها من الأخلاق الفاضلة أثرًا طيباً في أن يرفع علَمَ الإصلاح في مجتمعه.

ومن الموضوعات التي تناولها المنفلوطي بالنقد في هذا الصدد موضوع القمار وآثاره الضارة في المجتمع. فهو يرى أن المقامر لا يعدّ بأيّ حال من الأحوال من العقلاء المتبصرين، لاستحكام الغباوة والجهل في رأسه، فهو يتاجر بالأحلام في سوق الأوهام. يقول: "ما جلس المقامر إلى مائدة القمار، إلا بعد أن استقر في ذهنه أن الدرهم الذي في يده سيتحول بعد هنيهة من الزمن إلى دينار، ويعود به إلى أهله فرحًا مغتبطًا، وأحسب أن العقول العشرة مجتمعة ومتفرقة، تعجز عن إدراك هذه العقيدة ومثارها." [19]

وفي مقاله "الانتحار" يرى أن الانتحار نزعة فاسدة وعادة مستهجنة، وأقصى ما يصل إليه الإنسان من الجبن، وأنه لا يقدم عليه إلا من خلا رأسه عن ذرة من العقل والشعور. لأن حب النفس فطرة فطر الله عليها الإنسان لتكون يبنوع حياته.

ولا يجد أي عذر للمنتحر في انتحاره مهما طالت ليلة همومه وأحزانه، ومهما أصابته كوارث الدهر وأزمات العيش، لأنه لا نهاية لهموم الدنيا وأحزانها، وما زال الناس يتقلبون منذ آدم عليه السلام إلى يومنا هذا، بين صحة ومرض وسعادة وشقاء. يقول: "ما أكثر هموم الدنيا، وما أطول أحزانها، لا يفيق المرء فيها من همّ إلا إلى همّ، ...ولا يزال بنوها يترجحون فيها ما بين صحة ومرض، وفقر وغنى، وعز وذل، وسعادة وشقاء، فإذا صح لكل مهموم أن يمقت حياته، ولكل محزون أن يقتل نفسه، خلت الدنيا من أهلها."[20]

ثم يشير إلى طامة كبرى وهي إقدام طلبة العلم على الانتحار إثر سقوطهم في اختباراتهم، ويُرجع ذلك إلى المعلمين والأساتذة الذين لم يربّوا التلاميذ تربية دينية وأدبية، فإنهم إن فعلوا ذلك ما أقدم تلميذ على احتقار حياته الثمينة وازدرائها، ولما جنى على نفسه تلك الجناية. يقول: "في كل موسم من مواسم الامتحان المدرسي نسمع بكثير من حوادث الانتحار بين المتخلفين من التلاميذ والراسبين، ولو ربي التلميذ تربية دينية لما هان عليه أن يخسر سعادته الأخروية...ولما احتقر حياته الثمينة وازدراها ولوى وجهه عنها."[21]

أما قصته "الهاوية" فيحارب فيها الخمر والقمار اللذان يؤديان في نهاية المطاف إلى انشقاق عروة الأسرة وشقاء أهلها، وانتثار عقدها المنظوم. وكيف أن الخمر يلعب بالعقول حتى يسلب الرجل غيرته واحتشامه، فلا يحفل بعرضه وشرفه، وقد صارا هدف المستهترين والأشرار. يقول على لسان زوجة سكير:"وأصبح ذلك الرجل الغيور الضنين بعرضه وشرفه لا يبالي أن يعود إلى المنـزل في بعض الليالي في جمع من عشرائه الأشرار، فيصعد بهم إلى الطبقة التي أنام فيها أنا وأولادي، فيجلسون في بعض غرفها، ولا يزالون يشربون ويقصفون حتى يذهب بعقولهم الشراب فيهتاجوا ويرقصوا...وربما حدّق بعضهم في وجهي، أو حاول نزع خماري على مرأى من زوجي ومسمع، فلا يقول شيئًا، ولا يستنكر أمرًا". [22]

ويرى أن الخمر أم المصائب والرزايا والموبقات، كما أنه مدعاة للفقر والفاقة وسوء العاقبة، فبعد أن ينفق المدمن ما لديه من المال والعتاد يستدين، ثم يرهن بعد أن تثقله الديون، فيعجز عن الوفاء فيضطر إلى بيع بيت سكناه، بل قد يبيع حلى زوجته وملابس أولاده، لتكون مِلْكًا للدائنين، وغنيمة للمقامرين. [23]

مفاسد المدنية الغربية:

حدّد المنفلوطي موقفه من المدنية الغربية في مقدمة كتابه النظرات فقال: "استطعت وقد غمر الناس ما غمرهم من هذه المدنية الغربية أن أجلس ناحية منها، وأن أنظر إليها من مرقب عال...فرأيت حسناتها وسيئاتها، وفضائلها ورذائلها، وعرفت ما يجب أن يأخذ منها الآخذ، وما يترك التارك، فكان من همّي أن أحمل الناس من أمرها على ما أحمل عليه نفسي، وأن أنقم من هؤلاء العجزة الضعفاء وتهالكهم لها"[24]

ويعجب من أولئك الذين إذا اعترض عليهم معترض أمرًا ما، أسرعوا في الاعتماد على الاحتجاج بالمدنية الغربية "وكأنما هي القانون الإلهي الذي تثوب إليه العقول عند اختلاف الأنظار..أو القانون المنطقي الذي توزن به التصديقات والتصورات لمعرفة صوابها وخطئها". [25]

ويحزن الحزن كله وهو يرى تقليد الغرب وقد تعشش في أذهان الكثيرين من الشرقيين حتى في العلم والأدب والفلسفة والشعر، وسمج في نظرهم علماء الشرق وشعرائه، بل افتخروا بجهلهم لهم، وجهل ما جادت به قرائحهم، وسطّره يراعهم. "حتى أصبح طريق المشرق وتاريخ علمائه وأدبائه وفلاسفته وشعرائه صورة من أقبح الصور وأسمجها في نظر كثير من الشرقيين: يفخرون بجهله إن جهلوه، ويراؤون بعلمه إن علموه." [26]

ثم نفذ إلى قضية هامّة وخطيرة، هي أن الرجل المصري لضعفه واستسلامه وجهله للمدنية الغربية، لا يأخذ منها إلا مساوئها ورذائلها، ويدَعُ محاسنها ومميزاتها، ويتلهى بقشورها عن لبّها وجوهرها. يقول: "لا يستطيع المصري، وهو ذلك الضعيف المستسلم أن يكون من المدنية الغربية..إلا كالغربال من دقيق الخبز، يمسك خُشاره ويفلت لبابه." [27]

ويتلخّص موقف المنفلوطي إزاء المدنية الغربية: أنه لم يكن يكره المدنية الغربية لذاتها، بل لمساوئها ورذائلها التي صحبتها، كما لم يكن يرى بأسًا في أخذ المفيد النافع والجيّد الممتع منها، بل قد يحثّ على أخذه ويدعو له، لكنه يحذّر حتى في أخذ هذا الصالح لأنه مختلط بشر كثير والنجاة غير ميسورة؛ فيجب على من أراد أن يأخذ شيئًا من هذه المدنية أن يتلطف في أخذه، ولا يندفع دون إعمال النظر والتفكير. بل إن إعجابه الشديد بالآثار الأدبية الغربية الرفيعة التي عرف بعضها عن طريق الترجمة، وأعاد كتابة بعضها، لدليل صارخ على أنه لا يرفض التأثر بالغرب فيما هو مفيد ونافع، ومن ثم فلا تناقض في موقفه من المدنية الغربية.

وقد زعم بعض المستشرقين، من أمثال كارل بروكلمان، وجب [28]، وكثير ممن تابعهم، وكتبوا عن المنفلوطي في العربية مقالات متفرقة، أنه كان عدوًا للمدنية الغربية، ويراها خطرًا دائمًا، يجب على الشرق الحذر منها. فمثلاً يقول الأستاذ بطرس البستاني: "كان المنفلوطي يمقت المدنية الغربية ويكرهها ويشوّه محاسنها، ولا ينظر منها إلا إلى ناحية العيوب والرذائل، وأنه يتغاضى عن محاسنها وجانب الصلاح فيها." [29]

ونرى أن الأستاذ بالغ فيما ذهب إليه، بدليل أن المنفلوطي كان يدعو للأخذ المفيد النافع والصالح الممتع في المدنية الغربية، كما كان يحثّ على الاستفادة من حستات تلك الحضارة ولاسيما في التقدم العلمي.

يقول المنفلوطي في مقاله المدنية الغربية: "لا مانع من أن يعرب لنا المعربون المفيد النافع من مؤلفات علماء الغرب، والجيّد الممتع من أدب كتّابهم وشعرائهم، على أن ننظر فيه نظر الباحث المنتقد لا الضعيف المستسلم، ولا مانع من أن ينقل إلينا الناقلون شيئًا من عادات الغربيين ومصطلحاتهم... على أن ننظر إليه نظر من يريد التبسط في العلم والتوسع في التجربة والاختبار."[30]

المحرمات الدينية:

كان المنفلوطي شديد التمسك بالدين الإسلامي والاهتمام به، ذائدًا عن حوزته، شديد الغيرة عليه، ويرجع اهتمامه هذا بالإسلام وتعاليمه إلى نشأته في بيت علم ودين والعمل في سلك القضاء، ودراسته بجامع الأزهر الذي حافظ على التراث الإسلامي والعربي نحو ألف عام، واتصاله بالإمام الشيخ محمد عبده.

يحمل المنفلوطي في مقاله "يوم الحساب" على أولئك الجهلة المخدوعين الذين يبررون أعمالهم الخاطئة بما تسمى بالحيل الشرعية، فيمنح أحدهم ماله لولد من أولاده على نيّة استرجاعه قبل أن يحول عليه الحول ليفرّ من أداء فريضة الزكاة، ويأتي آخر ويطلق زوجه ثلاثًا، ثم يندم على فعله فيجدّ في البحث عن محلل يحلل له زوجه ليعود إلى معاشرتها، أي أنهم يعمدون إلى الأحكام الشرعية فينـتزعون منها حكمها وأسرارها، ثم يرفعونها إلى الله قشورًا جوفاء مستندين في ذلك –حسب زعمهم- على تقليد إمام من الأئمة، أو فقيه من الفقهاء، وهم أجلّ قدرًا وأهدى بصيرة من أن يُتخذوا هزؤاً وسخرية.

وكان يتصدى بكل ما أوتي من قوة وبيان للخرافات والبِدع التي بدأت تدخل في عقائد بعض المسلمين في مصر وخارجها محاولًا قدر استطاعته توضيح الأمور وجلاء المواقف للناس. وكتب إليه أحد علماء الهند عن كتاب ظهر في الهند حول حياة السيد عبدالقادر الجيلاني وذكر مناقبه وكراماته، وفي الكتاب فصل يشرح فيه المؤلف كيفية زيارة قبر السيد عبدالقادر فيقول: "أول ما يجب على الزائر: "أن يتوضأ وضوءاً سابغًا، ثم يصلي ركعتين بخشوع واستحضار، ثم يتوجه إلى تلك الكعبة المشرفة.. وبعد السلام على صاحب الضريح المعظم يقول: يا صاحب الثقلين أغثني وأمدني بقضاء حاجتي وتفريج كربتي". [31]

وقد فصّل المنفلوطي في الردّ على هذا الكتاب وبيّن عقيدة التوحيد وبطلان توجّه السائل في دعائه إلى غير الله، أو وصف العباد بأوصاف رب العباد، والسجود بين يدي الأضرحة والقبور، وغير ذلك من الخرافات التي احتواها الكتاب، والتي لا تمتّ إلى العقيدة الإسلامية السليمة بصلة، وأوضح أن المؤمن لا يملك إلا أن يأسف باكيًا على حال هؤلاء. يقول: "أي عين يجمل بها أن تستبقي في محاجرها قطرة واحدة من الدمع أمام منظر أولئك المسلمين وهم ركع سجد على أعتاب قبر... وأي قلب يستطيع أن يستقر بين جنبي صاحبه ساعة واحدة حينما يرى المسلمين أصحاب دين التوحيد أكثر من المشركين إشركًا بالله، وأوسعهم دائرة في تعدد الآلهة وكثرة المعبودات!". [32]

ويرى كل الفضائل التي تحلّت بها العصور الإسلامية الأولى من الشرف والغيرة والأنفة والحمية أثرًا من آثار عقيدة التوحيد الخالصة من جميع الشوائب والخرافات، ويرجع ذلّ الرقاب وفتور الهمم والنفوس في هذه الأيام إلى دخول كثير من الزيف والشرك إلى هذه العقيدة، وهو سبب غلبة أعداء المسلمين على أمرهم، ولن يستطيع المسلمون أن يعيدوا مجدهم الغابر، إلا بنبذ اللجوء والتضرع في حاجاتهم ومطالبهم إلى الراقدين في الأضرحة والقبور. يقول المنفلوطي في ذلك: "والله لن يسترجع المسلمون سالف مجدهم إلا إذا استرجعوا قبل ذلك ما أضاعوه من عقيدة التوحيد، وأن طلوع الشمس من مغربها، أقرب من رجوع الإسلام إلى سالف مجده، ما دام المسلمون يقفون بين يدي الجيلاني كما يقفون بين يدي الله، ويقولون للأول كما يقولون للثاني: أنت المتصرف في الكائنات، وأنت سيد الأرضين والسموات".[33]

ويرى أنه ليس كل من أطال لحيته وحرّك مسبحته ووسّع جبّته وكوّر عمامته، ولكن خلت نفسه من كل منفذ ينفذ إليها شعاع من أشعة الرحمة، أو نسمة من نسمات الإحسان، يُعدّ من الأتقياء، ذلك أنّ التقوى شيء أبعد بكثير من هذه العناوين الكاذبة. يقول المنفلوطي: "فلن يؤمن المؤمن حتى يبذل في سبيل الله، أو في سبيل الجماعة من ذات نفسه، أو ذات يده، ما يشقّ على مثله الجود بمثله، أما الجود بالشِّفاه للهَمْهَمَة، والأنامل للمسبحة، فعمل لا يتكلف صاحبه له أكثر مما يتكلف لتقليب ناظريه، وتحريك هدبيه، وهل خُلقت الشِّفاه إلا للتَّحريك، والأنامل إلا للتَّقليب".[34]

وكان يتصدى لهجمات الطاعنين على الإسلام ومزاعمهم الفاسدة ضد الإسلام والمسلمين، فردّ على اللورد كرومر[35] ما زيّن له خياله السقيم في كتابه "مصر الحديثة" من أن الدين الإسلامي أضيق من أن يتسع للمدنية الإنسانية، كما لا يصلح نظاماً اجتماعيًا، بخلاف الدين المسيحي الذي يتسع لكل ذلك ويصلح له، ثم شرع يستدل على الإسلام بالمسلمين، وعلى المسيحية بالمسيحيين.

وتمكّن المنفلوطي بكل جدارة من أن يبددّ مزاعم اللورد كرومر الفاسدة، وأن يستدل على المسيحية بالمسيحيين كما فعل الأول، فذكر المعارك الدموية التي اندلعت بين الأرثوذكس والكاثوليكية تارة، وبين الكاثوليك والبروتستانت تارة أخرى، كما ذكر الجهل الذي كان يخيم بأجنحته السوداء على الأمة المسيحية، حيث كان يحرم الكاهن على المسيحيين النظر في غير الكتاب المقدس، أو أن يتلقى أحدهم علما في مدرسة غير مدرسة الكنيسة،ثم ذكر الحادثة التي أحرق فيها الشعب المسيحي فتاة حسناء لأنها كانت تشتغل بعلوم الرياضة والحكمة، وذكر غير ذلك من الأحداث الجسام والجرائم الكبرى في تاريخ المسيحية والمسيحيين.

ثم انثنى بذكر المدنية الإسلامية التي طلعت مع الإسلام في سماء واحدة، كان الناس في ظلها متصافون وأصدقاء متحابون مهما تباينت ألوانهم وألسنتهم وأوضاعهم الاجتماعية، "فالمتعبد في مسجده، والفقيه في درسه، والرياضي في مدرسته، والكيميائي في معمله، والقاضي في محكمته والخطيب في محفله.. إخوة متصافون وأصدقاء متحابون لا يختصمون ولا يقتتلون، ولا يبغي أحد منهم على أحد". [36]

ولم يكن المنفلوطي على شدة اهتمامه بالدين الإسلامي والذود عنه متعصبًا، ولم يكن يحمل بين جنبيه كراهية ما للأديان الأخرى وأتباعها، فقد انطلق في كل ما كتبه عن فهم ثاقب وفكر سليم، وما إعجابه بكثير من أعلام ونوابغ المسيحيين والاعتراف بفضلهم كما في مختاراته ثم رثائه لبعض أدبائهم كجورجي زيدان [37]إلا شاهد صدق على عدم تعصبه وحقده.

التعليم والتربية:

يقول الدكتور شوقي ضيف مبينًا حالة العقم والجمود التي سادت المناهج التعليمية في المدارس والمؤسسات التي كانت تُعنى بالتعليم والثقافة في تلك الفترة في مصر، وعلى رأسها الأزهر الشريف: "وتتراجع النهضة الذهنية، حتى تصبح شيئًا ضئيلاً جدًّا لا نكاد نتبينه إلا في متون وملخصات يبدئ فيها الأزهريون ويعيدون، وكل ما يستطيعون عمله أن يشرحوها، وقد يشرحون الشرح وقد يعلقون عليه، وهم بذلك لا يضيفون إلى العلم شيئًا ذا خطر، بل عقّدوا العلم تعقيدًا بكثرة متونهم وشروحهم وتقريراتهم وتعليقاتهم وما حشدوا فيها من عُقد وألغاز". [38]

ظلّ المنفلوطي بالأزهر قرابة عشر سنوات يدرس وينهل من عيونه، ولكن يبدو أنه في النهاية ضاق به ذرعًا، ولم يطق صبرًا على تلك الطريقة العقيمة في تدريس العلوم والمعارف، وكاد يهجره إلى غير رجعة كما هجره قبله الإمام محمد عبده، والشيخ علي يوسف صاحب صحيفة المؤيد حيث انصرف كل منهما عن التعليم بالأزهر. وكانت هذه الظاهرة منـتشرة بين كثير من شباب مصر آنذاك.[39]

ولعل السبب الأساسي في كراهيته لطريقة التعليم الأزهري وتبرمه به، هو ذلك الأسلوب الجامد العقيم في تعليم العلوم وتدريسها، والذي كان يقف عند القشور دون الانتفاع بالجوهر واللب. وفي مقاله "زيد وعمرو" تناول قضية بالغة الأهمية؛ وهي وقوف المعلمين في مدرسة الأزهر على الأمثلة والشواهد البالية التي سطّرها يراع الأقدمين، وعدم تجاوز حدودها، حتى وإن لم تواكب العصر ولم تلائمه، فليس هناك مطابقة ولا صلة لا من قريب ولا من بعيد بين هذه الأمثلة الحافلة بالحوادث الدموية بين زيد وعمرو، وخالد وبكر، وبين واقع المتعلم وعمله.

ثمّ رأى أن علاج هذه الظاهرة التي انتشرت في المدارس والمعاهد الدينية بما فيها الأزهر الشريف، هو أن تُتْرَكْ هذه الشواهد الدموية البالية غير الملائمة إلى أمثلة جديدة مستطرفة تسكن إليها نفوس المتعلمين وتذهب بها وحشتهم، وأن تكون هناك علاقة وطيدة ومطابقة قوية بين الأمثلة وبين قواعد العلم التي يريد المتعلم حصولها، حتى تكون العلاقة قريبة بين العلم والعمل.

يقول: "فلا ينال المتعلم حظه من العلم إلا إذا استطاع تطبيقه على العمل والانتفاع به في مواضعه ومواطنه التي وضع لأجلها، ولن يستطيع ذلك إلا إذا استكثر له معلمه من الأمثلة والشواهد الملائمة لقواعد ذلك العلم، وافتن في إيرادها افتنانًا يقرّب إلى ذهنه تلك الصلة من العلم العمل، وإن أكثر المتعلمين في مدرسة الأزهر أبعد الناس عن القدرة على تلك المطابقة، لما حال بينهم وبين ذلك من الوقوف عند المثل الواحد لكل قاعدة من قواعد العلم... وما دامت مدرسة الأزهر على هذه الحال من أسلوب العقيم فليس بمقدور لها في مستقبل الأيام أن ينبغ منها العلماء الذين تستطيع أن نتفع بهم الأمة انتفاع أمثالها بأمثالهم في مشارق الأرض ومغاربها، فويل للعلم من العلماء".[40]

هكذا كان المنفلوطي ينظر إلى التعليم في الأزهر الذي كان يمثل التعليم الديني في مصر آنذاك، ويتناول العقم والجمود الذي عمّ مناهجه التعليمية، وطرائقه التدريسية بالنقد، ويعمل قدر إمكانه أن يلفت أنظار العاملين والمسؤولين إلى إصلاح الأزهر وتطوير مناهجه التعليمية، فصلاحه يعني صلاح الأمة ومجده يعني مجدها.

أما التعليم المدني الحديث فجلّه كان مستوردًا من الخارج أو بالأحرى من الدول الاستعمارية، وكان هذا التعليم يغفل الإهتمام بمقدسات الأمة الإسلامية ويطعن في ثوابتها، محاولاً قطع الصلة بين الأمة الإسلامية وتراثها العريق .

يقول الدكتور جميل عبدالله محمد المصري: "والواقع أن الاستعمار كان حريصًا على توجيه التعليم لتخريج طائفة من المتعلمين يخدمون مصالح الحكومة والشركات، ويهدف أساسًا إلى القضاء على الثقافة الإسلامية بالطعن وإثارة الشكوك من حولها والشبهات في أعماقها فقد استطاع أن ينـزع من برامج التعليم الديني وروح الأدب العربي وتاريخ الإسلام وصلة مصر بالعرب والعربية، ثم أدخل في برامج المدارس أن مصر فرعونية".[41]

وما دام التعليم المدني الحديث على هذه الحال من محاربة الدين، وإفساد العقائد، والنيل من مقدسات الأمة، فلا غرو أن يتقدم المنفلوطي مناديًا بضرورة تمسك الطلاب بالدين ومقوماته الأساسية، وحاملاً على تلك المدارس التي لا همّ لها إلا محاربة اللغة العربية والدين الإسلامي. يقول في مقال له بعنوان "أمس واليوم" عن رجل مصري ألحق أولاده مدارس مدنية حديثة مختلفة تعلمّوا فيها لغات مختلفة الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، ثم تخرّجوا، وقد فقدوا العناية بدينهم والاعتزاز بوطنهم، أما الدين فلأن هذه المدارس تؤمن بالمادية المحضة ولا مجال للدين في شأن من شؤونها، وأما الوطن فلأن المدارس تديرها أيد أجنبية تعمل جاهدة إضلال الجيل المصري الجديد وغوايتهم، حتى يستخدموهم فيما بعد في تحقيق مصالحهم ومنافعهم في هذه البلاد. يقول المنفلوطي عن خريجي هذه المدارس:"خرجوا من المدارس بلا دين ولا وطن، أما الدين فلأن أكثر مدارسنا حتى الأهلية منها مادية محضة لا تعلق للدين بشأن من شؤونها، والدين خلق شأنه كبقية الأخلاق، لا يرسخ في النفس إلا بتكرار الصور الدينية وتداولها عليه.. وأما الوطن، فلأن المدارس عندنا تديرها من وراء ستار أيد أجنبية تربي التلاميذ لها لا لأوطناهم".[42]

نتائج البحث:

وفي نهاية هذا البحث توصلنا إلى النتائج التالية: * اتخذ المنفلوطي الحياة الاجتماعية لبيئته ينبوعا لأفكاره، وتحول فيها بتأثير أستاذه الإمام محمد عبده إلى مصلح اجتماعي، يحاول أن يخفف من حدة المشاكل الاجتماعية، ويدعو إلى التمسك بالفضائل، ويندد بالشرور والآثام.

  • يعتبر أدب المنفلوطي الاجتماعي مرآة واضحة لروح العصر الذي كان يعيش فيه، فلقد كان ذلك العصر يعاني عللا اجتماعية وأمراضا.
  • عالج المنفلوطي مشكلة العدالة الاجتماعية، وحاول أن يسدّ الهوة التي تفصل بين حياة الأغنياء والفقراء، وكتب عن المشاكل الأسرية وسقوط الفتيان والفتيات في مهواة الرذيلة، وحذر الناس من موبقات المدنية الغربية، وندد بالمحرمات الدينية، ونادى بأن التعليم حق جميع أفراد المجتمع، دون تفريق بين الطبقات الغنية والفقيرة.
  • يمثّل المنفلوطي في الأدب العربي الحديث قمة الاتجاه الذي ظهر فيه النثر العربي المصفّى، متحررا من قيود الصنعة والضعف الذي لحق به في العهود الأخيرة.

بالغ المنفلوطي في تجسيم بعض الأمراض الاجتماعية والأوبئة الخلقية كما فعل في مقاله "أين الفضيلة" بحيث يوحي المقال بأن المجتمع فاسد جملة واحدة في كل طوائفه، ولعلّ سبب هذا التهويل والمبالغة هو حرص المنفلوطي الشديد على ألاّ يشاهد أيّ انحراف مهما صغر شأنه عن جادة الصواب في المجتمع.

حوالہ جات

  1. الحواشي والمصادر (References) . الأعلام، لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة السادسة، الجزء السابع، ص:239-240.
  2. . الفضيلة، لبرناردين سان بيير، تعريب مصطفى لطفي المنفلوطي، دراسة وتقديم الدكتور جبرائيل سليمان جبّور، منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت، الطبعة الأولى 1982م، ص: 15.
  3. . نشأة النثر الحديث وتطوره، عمر دسوقي، دار الفكر العربي، القاهرة، ص: 184.
  4. .كتاب الأحزان فصول في التاريخ النفسي والوجداني والاجتماعي، د. ناجي نجيب، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى1983م. ص: 191.
  5. . ولد سعد زغلول في إبيانة بمصر، درس علوم الدين واللغة في الأزهر، واتصل بالسيد جمال الدين الأفغاني، عين محررا في "الوقائع المصرية" ثم ناظرا لقلم قضايا الجيزة، وفي سنة 1906م عين ناظرا للمعارف العمومية، فناظرا للحقانية، ورأس الوفد الذي ذهب لمطالبة حقوق المصرين إلى باريس سنة 1919م، تولى رياسة الوزارة سنة 1924م ثم اعتزلها وتولى رياسة مجلس النواب، وظل فيها حتى وفاته سنة 1927م . تاريخ الأدب العربي، للزيات، ص: 492 .
  6. . النظرات، مصطفى لطفي المنفلوطي، دار ومكتبة الهلال، بيروت، الطبعة الأولى 200م، الجزء الأول، ص: 51.
  7. . نفس المرجع، الجزء الثالث، ص: 12-13.
  8. . نفس المرجع: "قتيلة الجوع" الجزء الثالث، ص: 19.
  9. . نفس المرجع، ص: 57 .
  10. . النظرات، الجزء الثالث، ص: 16.
  11. . نفس المرجع، ص: 76.
  12. . نفس المرجع، ص: 77.
  13. . العبرات، مصطفى لطفي المنفلوطي، الدار النموذجية للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى 2004م، ص: 42.
  14. . نفس المرجع، ص: 45.
  15. . النظرات، الجزء الأول، ص: 187.
  16. . نفس المرجع، ص: 189.
  17. . مصطفى لطفي المنفلوطي حياته وأدبه، د. أبو الأنوار، مكتبة الشباب بالمنيرة، مصر، الجزء الأول، ص: 51 .
  18. . النظرات، المقال بعنوان "الإحسان في الزواج" الجزء الأول، ص: 165.
  19. . نفس المرجع، الجزء الثاني، ص: 88 .
  20. . نفس المرجع، ص: 118.
  21. . النظرات، المقال بعنوان "الانتحار" الجزء الأول، ص: 119.
  22. . نفس المرجع، ص: 80 .
  23. . العبرات، ص: 80-81 .
  24. . النظرات، الجزء الأول، ص: 20-21.
  25. . نفس المرجع، ص:21.
  26. . نفس المرجع .
  27. . نفس المرجع، "المدنية الغربية"، الجزء الأول، ص: 101.
  28. . سير هاملتون الكساندر روسكين جب (1895-1967م) يعد امام المستشرقين الانكليز المعاصرين، استاذ اللغة العربية في جامعة لندن سنة 1930م، واستاذ في جامعة أكسفورد منذ سنة 1937م، وعضو مؤسس في المجمع العلمي المصري، تفرغ للأدب العربي وحاضر بمدرسة الشرقيات بلندن. إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز، لبديع الزمان النورسي، تحقيق: إحسان قاسم الصالحي، دار سوزلر للنشر- استانبول، الطبعة الثالثة 1999م، ص: 278 .
  29. . أدباء العرب في الأندلس وعصر الانبعاث، لبطرس البستاني، دار نظير عبود، بيروت، الطبعة الأولى1997م ص: 380.
  30. . النظرات، "المدنية الغربية"، الجزء الأول، ص: 103-104.
  31. . نفس المرجع، "دمعة على الإسلام" الجزء الثاني، ص: 47.
  32. . نفس المرجع، ص: 48.
  33. . نفس المرجع، ص: 49.
  34. . نفس المرجع، "خداع العناوين" الجزء الثاني، ص: 53.
  35. . معتمد إنجليزي، عمل في مصر نحو ربع قرن من سنة 1883 إلى 1907م، وكانت سنواته سنوات إرهاب وطغيان لا تنسى، ولا سيما ما فعله بأهالي قرية دنشواي.
  36. . النظرات، "الإسلام والمسيحية" الجزء الأول، ص: 142.
  37. . هو جرجي بن حبيب زيدان (1861-1914م) ولد وتعلم ببيروت، ورحل إلى مصر، فأصدر مجلة "الهلال"، وله من الكتب: "تاريخ مصر الحديث"، و"تاريخ التمدن الإسلامي"، و"تاريخ اللغة العربية"، وتوفي بالقاهرة. الأعلام، للزركلي، الجزء الثاني، ص: 108-109 .
  38. . الأدب العربي المعاصر في مصر، دكتور شوقي ضيف، دار المعارف، مصر، الطبعة العاشرة، ص: 19-20.
  39. . مصطفى لطفي المنفلوطي حياته وأدبه، د. محمد أبو الأنوار، الجزء الأول، ص: 153.
  40. . النظرات، الجزء الثاني، ص: 12.
  41. . حاضر العالم الإسلامي وقضاياه المعاصرة، د. جميل عبدالله محمد المصري، مكتبة الآداب بمصر، الطبعة الأولى 1989م، الجزء الأول، ص: 145.
  42. . النظرات، الجزء الثالث، ص: 123-124.
Loading...
Issue Details
Id Article Title Authors Vol Info Year
Id Article Title Authors Vol Info Year
Similar Articles
Loading...
Similar Article Headings
Loading...
Similar Books
Loading...
Similar Chapters
Loading...
Similar Thesis
Loading...

Similar News

Loading...