Search from the Journals, Articles, and Headings
Advanced Search (Beta)
Home > Journal of Islamic and Religious Studies > Volume 1 Issue 2 of Journal of Islamic and Religious Studies

ملامح البديع و البيان في آيات سورة الرحمن |
Journal of Islamic and Religious Studies
Journal of Islamic and Religious Studies

Article Info
Authors

Volume

1

Issue

2

Year

2016

ARI Id

1682060030498_1194

Pages

61-76

DOI

10.36476/JIRS.1:2.12.2016.11

PDF URL

https://jirs.uoh.edu.pk/index.php/JIRS/article/download/155/74

Chapter URL

https://jirs.uoh.edu.pk/index.php/JIRS/article/view/155

Subjects

Rhetorical Aspects Sūrah Al-Rahmān Rhetorical aspects Sūrah Al-Rahmān

Asian Research Index Whatsapp Chanel
Asian Research Index Whatsapp Chanel

Join our Whatsapp Channel to get regular updates.

التمهيد

"و لقد أنعم اللهُ تعالى على الإنسان ما ألهمه من الفصاحة والبيان حتى وَصَل إلى أوج الكمالِ بقُدرةٍ تامّةٍ على التعبير عمّا يرُيد من معانٍ ذهنية و خواطرَ و مَشَاعر نفسيّةٍ بطرُقٍ متعدَّدةٍ دُون طريقِ الأوضاع اللغويّة للكلمات والمفردات؛ لدلالةٍ مباشرةٍ عليها، فهو يحتال للتعبير عمّا يريد التعبير عنه من خِلال ما تُسعفه به ذاكرتُه من كلماتٍ وعبارات بواحدٍ فأكثرَ من الطُرُقِ الأربعة، وهي:طريقُ التّشبيه والتمثيلِ، وطريق الاستعارة، وطريق الكناية والتعريضِ، وطريق المجاز، ويُبحث عن هذه الطرق كُلّها في علم البيان، وغرض المتكلّم و مقصده من استخدام الكلام بطُرقٍ متعدّدةٍ هو إفهامُ المتلَقِّي من كلامه، أو إمتاعُه بصُوَرٍ جماليّةٍ رَشيقةٍ يحتوي عليها الكلام، ولهذا الإمتاع شأنٌ في قلوب الناس وأثرٌ كبيرٌ فى النفوس ([1]).

ولا يخفى أنّ معرفةَ كلام الله أعلى منـزلةً، وأرفع مكانةً لايمكن فهمُ حقائق كلماته ودقائقِ كلامه لكلّ من يقرأه قرأةً عابرةً بل يَتطلّب قرأةً متأنّيةً يَتسلّح صاحبُها بعلوم العَربيّةِ ومنها علمُ البيان، والوقوف على أساليبه وملامحه متأمّلا متأنّيا في فهم كلماته وعباراته؛ لأنّه "أشرفُ العلوم منقبةً، وأعلاه مرتبةً، وأنوره سراجا وأوضحه منهاجًا، وأجمعه للفوائد، وأحواه للمحامد"([2])بل" هو أرسخ أصلا، وأبسَقُ فرعا، وأحلى جنى، وأعذَبُ وردا، وأكرم نِتاجًا، وأنور سراجا"([3]).

كما أسلفنا أنّ لملامح البيان أهميّةً كبيرةً في الدِّراساتِ البلاغيّةِ فكذلك تُوجد ملامحُه بكثرةٍ كاثرةٍ في الدِّراسات القرآنيّة عامةً وآياتِ سورة الرحمن خاصةً,و لعلماء الأمّة جهوداً تأصيليّة مقدّرةً في مجالات العلم و الدِّراسات القرآنيّة البلاغيّة لكن رغمَ ذلك لم أقف على دراسةٍ بلاغيّةٍ وافيّةٍ لهذه السورة الكريمة.

فمن هذا المنطلق وجّهتُ عِنان الدّراسة والتّحليلِ إلى جانب ملامح سورة الرحمن بيانا وبديعاً,لأكونَ خيرَ مسهمٍ في مجالِ تلك الدراسات الأنيقةِ, فقدّمتُ هذه الدّراسة الوجيزةَ مُحليّةً ببعض ملامحٍ جماليّةٍ من صُوَرِ علم البيان ما وجدتُ أثناء البحث والدِّراسةِ من حيثُ التشبيهِ المجْمل والمُرسلِ, وتشبيهِ المعقول بالمحسوس,و التشبيهِ التمثيلي,و التشبيه البليغِ,والمجازِ العقلي,و الجمعِ بين الحقيقةِ والمجاز,و المجازِ المرسل,و الاستعارةِ التصريحيّةِ التبعيِّة,و الاستعارةِ الأصليّة التصريحيّةِ,و الاستعارةِ التمثيليّةِ ,و المبالغةِ على طريقة الكناية.ثُمّ أردفتُه بملامح البديع وجمالِه ؛وذلك لأنّ لألوان البديع وصُوَرِه دوراً كبيرا في مجال المحسّناتِ الجماليّة في كلام اللهِ,ومحاولتُنا بملامح البديع في دراستنا روائعُه الذاتيُّة ومحسّناتُه الأصليّةُ دون العرضيّة المموّهةِ بأصباغٍ متكلّفةٍ مصنوعةٍ,كما انتشرت في زمن الخلفاء العباسييّن وما بعده,وأمّا كلام الله فهو بمعزلٍ عن تلك التمويهات والزّخارف,فهي لا تليق بمنزلة كتابِ الله.

و أردفتُ ملامح البديع وجمالِه بعد ذكر محاسن البيان؛لأنّها متقدّمة عليها رُتبةً,فأردفتها متأخرةً حسب ترتيب البلاغيين,وأمّا محسَّناته- البديع - في دِراستنا فهي محتويّةٌ على قسمين رئيسين: معنويّةٍ ولفظيّةٍ,ومن المعنويّة: توريّةٌ ظاهرة,و فنُ الافتنان,و الطباق,و مشاكلةٌ ضديّة وإيهامُ طباق,و مقابلة,و مراعاة النظيرو إيهام التناسب و فنُ التوهيم.

و من اللفظيّة : الجناس المطلق, والسجعُ المطرّف ,والسَّجْعُ المرصَّع ,و الموازنة ,و مراعاة الفواصل و فن الاتساع,و التفنُّن,و براعةُ استهلالٍ.

وهاذا أنا أبدأ أوّلاً من مباحث البيان وأسراره,وأُقدّمُ محسّنات معنويّةً على لفطيّةٍ هنا لكثرتها, حسب التفصيل الآتي:

مباحث البيانالتشبيه المُجْمل المُرسل

التشبيه لغةً: التمثيل، يقال: هذا شبهُ هذا,واصطلاحًا: هوالدلالة على مشاركة أمر- مشبّه- لأمر-مشبّه به- في معنى من المعاني بأداةٍ لأيّ غرضٍ من الأغراضِ وهو إيضاح المعنى المقصود مع الإيجاز ,ويأتي التشبيه لإخراج الخفي إلى الجلي، وإدناءِ أمرٍ بعيد وهذا يزيد في المعاني رفعة ووضوحاً ويُكسِبُها جمالا وبهاءً([4]).وأمّا التشبيه -"المجمل المرسل"- فهو ما ذُكرت فيه أداة التشبيه،ولم يذكر وجه الشبه ([5])كماأن في آيتي سورة الرّحمن(خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ),(كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوْتُ وَالْمَرْجَانُ) ([6])شبّه " صَلْصَالٍ "ب" الْفَخَّارِ: وهو الخزف بيانا لغايةِ يُبس طينتِه وكزازته، والتراكيب يدل عليه، وكل يابس عرضة للتشقّقِ ومنه الخزف لغاية يبوسة مزاجه([7])فخلق آدم من صلصال وهو طينٌ يابسٌ,يُشبه الفخارَ في يَبوستهِ([8]) لكنّ الوجه غير مذكورٍ هناك.

وبعد هذه الآية جملة (كأنهن الياقوت والمرجان) نعت أو حال من قاصرات الطرف، ووجه الشبه بالياقوت والمرجان في لون الحمرة المحمودة، أي حمرة الخدود كما يشبه الخد بالورد، ويطلق الأحمر على الأبيض فمنه حديث :"بُعثِتُ إلى الأحمر والأسود"([9])ويجوز أن يكون التشبيه بهما في الصّفاء واللّمعان ([10]).وشبّه بهنّ صفاء الياقوت في بياض المرجان كما نُقل عن الطبري ([11])وذهب بعض المفسرين في هذا التشبيه أنّ تشبيهَهُنّ بهما فيما يحسن التشبيه به، فالياقوت في إملاسه وشفوفه والمرجان في إملاسه وجمال منظره([12]).

التشبيه المرسل

التشبيه المرسل : هو ما ذُكرت أداتُه- من أدوات التشبيه- ([13])كما في قوله تعالى هنا: (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلاَ مِ ) ([14])هي " الجوارِ – السُفنِ- و " المُنشئاتِ" المرفوعات الشُّرّعِ، وهي الرافعات أو اللاتي ينشئن الأمواجَ بجريهنّ([15]) والأعلام :جمع عَلَمٍ، وهو جبلٌ طويل([16]) فشبّه السفن في البحر بالجبلِ في البر([17]) فهناك تشبيه صورةٍ بصورة أي شبّه صورةَ الفلكِ بصورة الجبلِ([18]).

تشبيه المعقول بالمحسوس

تشبيه المعقول بالمحسوس هو يُعدّ من أقسام التشبيه الّتي تكون المشبّه فيها عقليّا,والمشبّه به حسيّا,مثل تشبيه العدل بالقِسطاس([19]),واستعمال الميزان للعدل عامٌ استعارةً على صورة تشبيه المعقول بالمحسوس,وأمّا الميزان في آية سورة الرّحمن(والسّماء رفعهاووضع الميزان)([20]) هنا فالمراد به العدل,كما في قوله تعالى:(وأنزلنا معهم الكتاب والميزان )([21])؛ لأن الميزان الذى وضعه الله، أي عيّنه لإقامة نظام الخلق، فالوضع هنا مستعار للجعل فهو كالإنزال في قوله( وأنزلنا معهم الكتاب والميزان)([22]) وكذلك نُقل عن أبي طلحة الصحابي الأنصاري :"وإن أحبّ أموالي إلّي بئرحاء، وأنها صدقةٌ لله، فضعها يارسول الله ! حيث أراك الله " أي اجعلها وعيّنها لما يدلُك اللهُ عليه ([23]).

التشبيه التمثيلي

التشبيه التمثيلي هو من أقسام التشبيه الّذي انتُزع وجهُ شبهه من أمورٍ متعدّدٍ([24]) كما ههنافي الآية، المشبه: (فإذًا انْشَقَّتِ السَّمآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً )([25]) والمشبه به: "كَالدِّهانِ" و الأداة: "الكاف" و ووجه الشبه في هذه الآية الهيئة المنتزعة من أمور متعدد، فأراد بالوردة الغرس، والوردة تكون في الربيع أميَلُ إلى الصُّفرَةِ، فإذا اشتد البردُ كانت وردةً حمراء، فإذا كان بعد ذلك كانت وردة أميل إلى الغَبْراء، فشبّه تلوّن السماء حال انشقاقها بالوردة وشبّهت الوردة في اختلاف ألوانها بالدُّهن , والمشبه والمشبّه به كلاهما حسيان، أي من قبيل تشبيه المحسوس بالمحسوس([26])-كالفرس الوردة-([27]) ورُوي عن الفراء :شبّه تلون السماء تلوّنَّ السّماء بتلوّن الوردةِ من الخيل، وشبّه الوردةَ في اختلاف ألوانها بالدُّهن ، وهذا قول الضحاك ومجاهد وقتادة والربيع وأبي العالية وأكثر أهل التفسير ([28]).

التشبيه البليغ

التشبيه البليغ هو يُعدّ من أعلى صُوَرِ التشبيه لعدم ذكر الأداة و وجه الشبه,وبذلك بلغ إلى درجة الأبلغيّة([29]) كما أن هناك في آيتي سورة الرّحمن( بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ) (ذَوَاتَا أفْنَانٍ )([30])ذكر البرزخُ بدون أداة التشبيه، و وجْه الشبه ,أي بينهما مثل البرزخ وهو معنى لا يبغيان، يعني لايبغي أحدهما على الآخر، أي لايغلب عليه فيفسد طعمه، فاستعير لهذه الغلبة لفظ البغي الذي حقيقته الاعتداء والتّظلم([31]) وفي (ذَوَاتَا أفْنَانٍ) "أفْنَانٍ"- الأغصان واحدها فَنَنٌ وهو الغصن المستقيم طولاً، ويقال لخصل الشعر أفنان تشبيها لها بالأغصان ([32])ورُوِي عن بعض الأئمّة :ظلّ الأغصان على الحيطان ([33])وهذا أيضا من قسم التشبيه البليغ .

المجاز العقلي

المجاز العقلي هو إسناد الفعل أو ما في معنى الفعل إلى غير ما هو له مع قرينةٍ صارفةٍ من الإسناد الحقيقي ([34])كما في إسناد القيام إلى ليل العابد لربّه، وإسنادُ الصيام إلى نهاره، مع أن الإسناد الحقيقي يقتضي أن يُسْنَد القيام والصيام إلى شخص العابد([35]) وهنا في آية(الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ)([36]) إسناد هذه الملابسة إلى الشمس والقمر مجازي عقلي؛ لأنّ الشمس والقمرَ سبب لتلبس الناس بحسابهما كما تقول : أنت بعناية مني، جعلت عنايتك ملابسة للمخاطب ملابسة اعتبارية ([37])وقوله تعالى( فإنّك بأعيُنِنا )([38]) .

الجمع بين الحقيقة والمجاز

الحقيقة هي استعمال اللفظ فيما وُضع له,والمجاز استعماله في غير ماوُضع له لعلاقةٍ بينهما,مع قرينةٍ مانعةٍ من المعنى الحقيقي الأصلي,والعلاقة بين الكلمتين فهي المناسبة الموجودة بين المعنى الحقيقي والمجازي,وإذا كان العلاقة غير المشابهة بينهما فهو مجاز مرسلٌ([39])فهناك في آية سورة الرحمن (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيْزَانَ ) ([40])أي خلقها مرفوعة ابتداء، لا أنها كانت مخفوضةً أوّلا ثم رفعها، المراد برفع السموات " الرفعِ الصِّوري الحسِّي "ويجوز أن يكون المراد به ما يشمل" الصوري والمعنوي" بطريق عموم المجاز أو الجمع بين الحقيقة والمجاز- كما أنّ المراد من الرفع، " الرفع الصوري الحسي" عند من يَرَى جوازه حقيقةً، ورفعها " المعنوي الرتبي" مجازا؛ لأنها منشأ أحكامه تعالى وقضاياه ومنـزل أوامره سبحانه ومحل ملائكته عزّوجلّ؛ فلذلك مراد كليهما " الرفع الصوري والمعنوي الرتبي" من الرفع هو الجمع بين الحقيقة والمجاز ([41])ويجوز في( وَوَضَعَ الْمِيْزَانَ ) أن يراد بالميزان العدل، والميزان الحسى جمعا بين الحقيقة والمجاز، وأن يراد عموم المجاز واللام مقدّرة، أي لئلاّ تطغوا ([42]).

وأمّا آية ( يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ ناَرٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنْتَصِرَانِ) ([43]) فمعنى (فلاتنتصران): فلا تجدان مخلصا من ذلك ولا تجدان ناصرا، فالناصر : هنا مراد منه حقيقته ومجازه، أي لا تجدان من يدفع عنكما ذلك ولا ملجأ تتقيان به ([44]).

المجاز المرسل

المجاز المرسل هو أن تكون العلاقة الموجودة بين المعنيين-الحقيقي والمجازي-غير المشابهة,فيُقال له مجازٌ مرسلٌ؛لإرساله عن التّقيّدات المشابهة بينهما,مثلاًاستعمال لفظ اليد للنعمة,وفي الحقيقة اليد لإعطى الإنعام دون أنّها نعمةٌ,فإطلاق النعمة عليها لمجازٍ مرسلٍ([45])وأمّا السّجود في آية( وَالنَّجْمُ وَالشَّجْرُ يَسْجُدَانِ)([46]) فإطلاقها على وضع الوجهة فوق الأرضِ تعظيماً,وأمّا إطلاق الوقوع على الأرض فهو مجاز مرسلٌ لعلاقة الإطلاق، ومنه قولهم : "نخلة ساجدة " إذا أما لها حملها، فسجود نجوم السماء نزولها إلى جهات غروبها، وسجود نجم الأرض التصاقه بالتراب كالساجد، وسجود الشجر تطأطؤه بهبوب الرّياح ودُنّو أغصانه للجانين لثماره والخابطين لورقه، ففعل " يسجدان " مستعمل في معنيين مجازيين، وهما الدنو للمتناول والدلالة على عظمة الله تعالى بان شبه ارتسام ظلالهما على الأرض بالسجود([47]). وفي آية( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُوالْجَلاَلِ وَالْإِكْرَامِ) أي ذاته عز وجل، "والمراد هو سبحانه وتعالى، فالإضافة بيانية، وحقيقة الوجه في الشاهد الجارحة، واستعماله في الذات مجازٌ مرسلٌ، كاستعمال الأيدي في الأنفس" ([48]) .

وفي (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأنٍ ) ([49])" يوم" مستعمل مجازا في الوقت بعلاقة الإطلاق، -" هو كون الشيء مجردا من القيود- إذ المعنى : كل وقت من الأوقات ولو لحظةً، وليس المراد باليوم الوقت الخاص الذي يمتَدُّ من الفجر إلى الغروب، وإطلاق اليوم و نحوه على مطلق الزمان كثيرٌ في كلام العرب كقولهم : الدهر يومان : يوم نعم ويوم بؤس، والظرفية المستعملة فيها حرف في ظرفية مجازية مستعارة لشدة التّلبُّسِ"([50]).

والمقام في الآية :(وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) ([51]) في الأصل هو محل القيام " ومصدر ميمي للقيام وعلى الوجهين يستعمل "مجازا" في الحالة والتلبُّس كقولك لمن تستَجيرُه : هذا مقام العائذ بك، ويطلق على الشأن والعظمة،- يَهُمُّ بالمعصية فيذكر الله عزوجل فيتركها-([52]). فإضافة مقام إلى ربه هنا إن كانت على اعتبار المقام للخائف فهو بمعنى الحال، وإضافته إلى ربّه تشبه إضافة المصدر إلى المفعول، أي مقامه من ربه، يعني بين يديه([53]).

الاستعارة التصريحيّة التبعيّة

الاستعارة التصريحية التبعية هي استعمال الكلمة في غير ما وُضعت لها لعلاقة التشابه بين المعنى الأصلي والمستعمل فيها,مع قرينة مانعةٍ عن المعنى الأصلي,وإذا كان اللفظ المستعار فعلاً,أو اسم فعلٍ أو اسما مشتقا,أواسما مبهما,أوحرفا,فالاستعارة إذاً "تصريحيّة تبعيّة"([54])كمافي قوله تعالى:(وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) ([55])فالمراد بسجودهما انقيادهما له تعالى فيما يريد بهما طبعا، شبّه جريهما على مقتضى طبيعتهما بانقياد الساجد لخالقه وتعطيمه له، ثم استعمل اسم المشبه به في المشبه،([56]) أو إطلاقُه حاصلا ًعلى وجه الحقيقة لاعلى وجه المجاز، لأَنَّ الإدّعاءَ المشبَّهَ أدخل المشبَّه ضِمْنَ أفراد المشبه به([57]) فهناك استعارةٌ مصرّحة تبعيّة([58]). وأمّا استعارة (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلاَنِ) ([59]) فهي التصريحيّة التبعية في "سَنَفْرُغُ " بأن يكون المراد سنأخذ في جزائكم فقط الاشتراك -الأخذ في الجزاء فقط، والفراغ عن جميع المهام إلى واحدٍ,والمراد به ذلك الواحد,وقيل:معناه التّوفّر في الانتقام والنّكاية؛وذلك أنّ الفراغ للشي ء يُستعمل في التّهديد أكثرًا-يعني أنّه فرغ عن كلّ شيء لأجله فلم يَبقَ له شغلٌ سواه" ([60]).

الاستعارة الأصليّة التصريحيّة

الاستعارة الأصليّة التصريحيّة إذا كان اللفظ المستعمل اسمٌ جامدٌ,مثل البدر إذا استعير للجمل,أو اسما جامدا لمعنى كالقتل واستعماله في الضرب الشديد فتُسمّى الاستعارة إذًا أصليّة غير تبعيّة كما تقدّم,و في هذه الآية:( وَ وَضَعَ الْمِيْزَانَ) ([61]) شرع العدل من معنى قولهم : وضعت الشيء أى أثبته، والزيادة والنقص والمساواة فى الحس تتبيّن بالميزان الحسى فشبّه به العدل، فهو ميزان معنوي، فالميزان بمعنى العدل استعارةٌ أصليّة تصريحيّةٌ، وذلك بأن يُعطى كل ذى حقٍ حقّه،قال صلى الله عليه وسلم : "بالعدل قامت السمواتُ والأرضُ " أي بقيتاعلى حالهم([62]) وقال صاحب النظم : على هذا القول تأويله أُمِرَ بالعدل يدل هذا قوله تعالى : (أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيْزَانِ) أي لا تجاوزوا العدل([63]).

الاستعارةُ التمثيليّة

الاستعارةُ التمثيليّة هي استعملت في غير ما وضعت لها؛لعلاقة التشابه مع وجود قرينةٍ صارفةٍ من معناها الأصلي ([64])و في هذه الآية (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أيُّهَ الثَّقَلَانِ) يجوز أن تكون مفردةً بأن استعمل "سنفرغ " في أن نأخذ فى جزائكم فقط، فتكون إذًا تبعيّة- كما تقدّم تعريفه -بأن يشبه الأَخذ في الجزاء فقط بالتّفرغ إلى الشىء وحده،ويشتق منه تفرغ بمعنى نأخذ فيه وحده،([65]) وفضل هذه الاستعارة وما شاكلها على الحقيقة أنها تفعل فى نفس السامع ما لا تفعل الحقيقة؛ ومن غير هذا النوع قوله تعالى : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أيُّهَ الثَّقَلَانِ) معناه سنقصد([66])؛ "لأن القصد لايكون إلاّ مع الفراغ، ثم فى الفراغ هاهنا معنى ليس فى القصد وهو التوعّد والتهديد، ألا ترى قولك :سأفرغ لك، يتضمّن من الإيعاد ما لا يتضمّنه قولك : سأقصدلك"([67]).

المبالغة على طريقة الكناية

المبالغة على طريقة الكناية هي كلمةٌ أُريدت بها لازم معناه مع جواز إرادة ذلك المعنى([68])و في الآية هنالك(تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإكْرَامِ)([69])أُسند تبارك إلى " اسم" وهو ما يعرف به المسمى دون أن يقول : تبارك ربك، كما قال :(تبارك الذي نزل الفرقان) ([70]) لقصد المبالغة في وصفه تعالى بصفة البركة على طريقة الكناية؛ لأنها أبلغ من التصريح كما هو مقرر في علم المعاني، وأطبق عليه البلغاء؛ لأنه إذا كان اسمه قد تبارك فإن ذاته تباركت لامحالة ؛ لأن الاسم دال على المسمى، وهذا على طريقة قوله تعالى :(سبح اسم ربك الأعلى)([71]) فإنه إذا كان التنـزيه متعلقا باسمه فتعلق التنـزيه بذاته أولى، ومنه قوله تعالى :(وثيابك فطهّر) ([72]) على التأويل الشامل([73]).

ملامح البديع

نذكر أوّلا من ملامح البديع ومحسّناته القسم الأوّل وهو محسّنات معنويّة حسب التالي:

توريّة ظاهرة

توريّة ظاهرة:هي كلمة مفردة ذومعنتين,إحداهما قريبة غير مقصودة,والأخرى بعيدة مقصودة,ودلالة اللفظ عليها ظاهرة,ويظن السامع أنّه يريد المعنى القريب([74]),ونُقل عن بعض الأئمّة أنّ التوريّة : هي أن تكون الكلمة بمعنيين، فتُريد أحدهما، فتورّي عنه بالآخر ([75]).فهناك في آية سورة الرحمن (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) ([76]) إن كان تقدّمُ الشَّمسِ والقمر يتوهم منه أنه بمعناه المعروف ففيه توريّة ظاهرة، وإخلاء الجمل الثانية والثالثة والرابعة عن العاطف لورودها على نهج التعديد مع الإشارة إلى أن كلاَّ ممّا تضمنته نعمة مستقلة تقتضي الشكر، وقد قصروا في أدائه ولو عطفت مع شدّة اتصالها وتناسبها رُبما توهم أنّ الكل نعمةٌ واحدة ([77]).

فن الافتنان

الافتنان:هوإتيان الكلام الواحد بصورة الفنيين المختلفين,أوفيهما إتفاقٌ,أوتضادٌ مثل المدح,أوالهجاء والفخر والتحدّي، والتهنئة والتعزية ([78]) وقد جمع سبحانه تعالى في آية( كُلُّ مَنْ عليها فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَ الْإكْرَامِ) ([79]) بين التعزية والفخر، إذْ عزى جميع المخلوقات، وتمدّح بالانفراد بالبقاء بعد فناء الموجودات، مع وصفه ذاته بعد انفراده بالبقاء بالجلال والإكرام([80]).

الطباق

الطباق هو جمع اللفظين المتقابلين في عبارةٍ واحدة,وقد يكونان اسمين أوفعلين أو حرفين نحو:قوله تعالى هنا في سورة الرحمن( الشمسُ والقمرُ بحُسبانٍ) (والنجم والشجرُ يَسْجُدَانِ)([81])والطباق في الآيتين المذكورتين بين الشمس و القمر,وبين النّجم والشجر واضح, يعني تقابل معنيهما وتخالفهما,فهذا هو يزيد في الكلام حسنا وبهجةً ما لا يخفى([82]).وفي الحقيقة إن الشمس والقمر سماويان، والنجم والشجر أرضيان، فبين هذين تناسب التقابل، وأنّ السماء والأرض لاتزالان تذكران قرينتين وأن(جري الشمس والقمر بحسبانٍ) من جنس الانقياد لأمر الله ، فهو مناسب لسجود النجم والشجر([83]).ولما قضي الوطر من التعديد المحرك والتبكيت بذكر ما هو أصل النعم على نمط رد الكلام على منهاجه الأصلي من تعداد النعم واحدة بعد أخرى على التناسب والتقارب بحرف النسق، وفيه تنبيهٌ على أن النعمَ لا تُحصى فليكتف بتعديد أجلّها رتبةً للغرض المذكور ([84]).

مشاكلة ضديةٌ وإيهامُ طباقٍ

الطباق هو جمع المعنيين المتقابلين حقيقةً أومجازاً-ولوإيهاما- في عبارةٍ واحدةٍ كما سبق,والشرطُ التقابلُ في المعنيين,وأمّا التقابل بين المعاني فهو على وجوهٍ,منها"تقابل التضاد "، كالأسود والأبيض، والقيام والقعود، وكذلك الرفع والوضع([85]). فإطلاق الوضع في آية (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيْزَانَ) ([86]) هناك بعد ذكر رفع السماء إيهامُ طباقٍ أو مشاكلةٌ ضديّةٌ مع قوله:رفعها,ففيه محسّنانِ بديعيانِ ([87]).

المقابلة

المقابلة هي إتيان المعاني,أو معنيين متوافقة,ثمّ إتيان المقابل لها على الترتيب كما ههنا في آية (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيْزَانَ)(وَالأرض وضعها للأنام)([88])فجيء بذكر خلق السماء- وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا - وخلق الأرض -والأرض وضعها - ، وعاد الكلام إلى طريقة الإخبار عن المسند إليه المسند الفعلي كما في قوله:(الرحمن علم القرآن) وهذا معطوف على الخبر فهو في معناه، ورفع السماء يقتضي خلقها، كما يقال للخياط : وسّع جيب القميص، أي خطّه واسعا على أنّ في مجرّد الرفعِ إيذانا بسمو المنـزلة وشرفها ؛لأنّ فيها منشأَ أحكام الله ومصدر قضائه ؛ ولأنها مكان الملائكة، وهذا من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، والوضع يقابل الرفع، فحصل محسن الطباق مرتين، ومعنى وضعها خفضها لهم([89]) .

انظر إلى حسن المقابلة بين"خلق الإنسان من صلصالٍ كالفخّارِّ,وخلقَ الجانَّ من مارِجٍ من نارٍ"([90])، ويمنع الامتزاج مع هذا التباين ، ويستحيل التناسل مع هذا الاختلاف([91]).

مراعاة النظير

مراعاة النظير هو جمع المعاني المناسبة والمتلاؤمة في عبارةٍ واحدة,كما تُشاهَد هذا التناسب بين الشمس والقمر في آية(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ)(وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ)([92])فليس هناك تضاد بين الشمس والقمر ولا تناقض وتضائف,لكن إن وُجد التناسب في بداية الكلام ونهايته فيُقال له تشابه الأطراف ([93]).

إيهام التناسب

ويلحق بمراعاة النظير ما يسمى "إيهام التناسب"، وهو الجمع بين معنيين غير متناسبين بلفظٍ يكون لهما معنيان متناسبان، وإن لم يكونا مقصودين هنا، كقوله تعالى :( الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) فالنجم هنا النبات الذي لا ساقَ له كالبقول وهو إن لم يكن مناسبا للشمس والقمر ولكنّ لفظه يناسبهما، باعتبار دلالته على الكواكب([94]).

فن التوهيم

فن التوهيم :هوإتيان المتكلم بكلمةٍ تُوهم أخرى,ويُوهم السامع أنّ المتكلّمَ أراد اشتراك لغتها بلُغةٍ أُخرى,أوتصحيفَها وتحريفها,أواختلافَ إعرابها,أومعناها,والأمر يضدّ ذلك,فإنّ ذكر الشمس والقمرِ في آية(الشّمسُ والقمرُ بحُسْبانٍ)(والنّجمُ والشّجرُ يسجُدان) ([95])يوهم السامع أنّ النجم أحدُ نجوم السماءِ,وإنّما المراد النّبتُ الّذي لا ساقَ له([96]).

الجناس المطلق

الجناس في اصطلاح علماء البلاغة هو تشابه اللّفظان نطقا واختلافهما معنىً,والجناس تُوهم في البدء التكرير,لكنّها تفاجيءبالتأسيس واختلاف المعنى([97]).وأمّا الجناس المطلق فهو يُقال لاتفاق الركنين أوالكلمتين في الحروف مع ترتيبهما,أوجَمَعُهما مادةُ الاشتقاق أوفيما يشبه الاشتقاق,فهذه كلّها تُلحق بالجناس([98])ما نجد في آية:(وأقيموا الوزنَ بالقسطِ ولا تُخسِروُا الميزانَ)([99])فكلمة "الوزنَ" و "الميزانَ "مشتقان من مادةٍ لغويّةٍ واحدة.ويُلاحظ كذلك في آية(فنفذُوا لا تنفذُون إلاّ بسُلطانٍ) ([100])الجناس بين "فنفذُوا" و بين"لاتنفذُون",وهكذا الجناس في كلمتين بين –جنىَ و الجنّتينِ- في آية (وجنىَ الجنّتين دانٍ)([101]) من السورة المذكورة واضحٌ جدّا.

السَّجعُ المطرَّفُ

السجعُ المطرّفُ: هواختلاف الفاصلتين في الأوزان واتفاقهما في الأعجاز, ([102]) نحو قوله تعالى في سورة الرحمن:(مرجَ البحرينِ يلتقيانِ,بينهما برْزَخٌ لا يبغِيان)([103]) فتوُجد هناك اختلاف بين أوزان "يلتقيانِ و يبغِيان" لكنّ الكلمتين متفقتان في الحرف الأخير وصوته وهو "نِ" فهذا هو السجعُ المطرّفُ عند البيانيين.

السَّجْعُ المرصَّع

هو اتفاق الألفاظ في الأوزان والأعجاز,يعني في الحرف الأخير من الكلمتين المتقابلين([104]),كما نجد مثاله في السورة الكريمة وهو آية:(ربُّ المَشرِقَين وربُّ المغرِبينِ)([105])فلاحظ الاتفاق بين كلمتين,وهوتركيب كلّ كلمةٍ من الحروف الثمانيّة- المَشرِقَينِ, المغرِبينِ- ثُمّ انظر إلي حرفه الأخير وهو "نِ"وكليهما متفقان في نفس حرف الكلمة بل في الصوت أيضاً.

ملاحظة

أطلق بعض العلماء على الأسجاع القرآنيّة اسم الفواصل؛وذلك لعظمة كتاب الله وتوقيره كما أنّ السجعَ يُقال لهدير الحمام,وهو لا يُناسب أن تُسمّى آيات الله وفواصلها بالأسجاعِ([106]),وخالف فيه أخرون وعلى رأسهم ابن سنان الخفاحي,إذْ يقول:إنّ الفواصل القرآنية من السجع المحمود,لعلوّه في الفصاحة وهو واضح جدا لا نحتاج إلى تفصيله([107]).

الموازنة

هي تساوي فاصلتي الجملتين المقترنتين,أو الآيتين وزنا وتقفيّةً بل تختلفان أخيرا([108])كما نُلاحظ هذه الموازنة بين آيتي سورة الرحمن:(الشمسُ والقمرُ بحُسبانٍ)(والنّجمُ والشّجرُ يَسجُدانِ)([109])فكلمة "بحُسبانٍ" و كلمة" يَسجُدانِ" قرينتان متوازيتان في الحركة والسّكونِ- في الوزن والقافيّةِ-([110]).

فن الاتساع

فن الاتساع هو أصلاً يُقال لبيت الشاعر الّذي يُمكن له فيه التأويل,فيأتي كلّ واحدٍ بمعنىً,ووقوعه لاحتمال اللفظ وقوّته واتساع المعنى([111]),وفي آية كتاب الله من السورة المذكورة فن الاتساع في:(يَخرُجُ منهما اللُّولُوُوالمَرجانُ)([112])فقال هنا "يخرج منهما"ولم يَقل من أحدهما؛لأنّهما لما التقيا وصارا كالشيء الواحد,جاز أن يُقال يخرجان منهما,كما يقال يخرجان من البحر,ولا يخرجان من جميع البحر,ولكن من بعضه,كما تقول خرجتُ من البلد, وفي الحقيقة إنّما أنت خرجت من إحدى محلّة البلد ودُوَره([113]).

مراعاة الفواصل

وفي السورة المذكورة ذُكرت صيغة التثنيّة في مواضعٍ كثيرةٍ لمراعاة الفواصل-السابقة واللاحقة-كماننظرفي الآيات التاليّة:(وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) (ذَوَاتَا أَفْنَانٍ ) (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) (فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ)(فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)(فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ) (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) ([114])."

فذكر صِيَغِ التثنيّةِ هناك للجمع وإيثار صيغة التثنيّة فقط للفواصل,وإليه يميل الإمام الفراء"([115]).

التفنن

والتفنّن في السورة الكريمة ما وُجد في بعض الآيات مثل ما ذكر وصف العينين في الآية:(وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ) ثُمّ أورد بوصف العينين في آية(فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ) فوصف العينان هنا غير ما وُصف العينان في الآية المذكورة قبلها في آيةٍ (فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ) فهذا هو تفنّنٌ يُشير إلى أنّ ذكر "عينان"متأخر (فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ) دون ما ذُكر أوّلاً وهو(فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ) ويُوجد هذا التفنّن في بين(فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ) وبين آية(فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ)أيضاّ وذكر الأوّل ليس كذكر المتأخر([116]).

براعة استهلال

براعة استهلال: هي الدلالة على المقصود بالإشارة اللطيفة في ابتداء كلامه دون التصريح ([117]),وهناك في سورة الرحمن ابتدأ اللهُ سبحانه بكلمة مباركةٍ وهي (الرّحمن)-اسمه جلّ وعلى-وافتتح به هذه السورة العظيمة,فهذه هي براعة استهلالٍ؛لأنّ معظم هذه السورة الكريمة في الحقيقة تعدادٌ لنعَمِه وآلائِه على جميع الخلق-من الجِنّ والإنسِ- ([118]).

النتائج

حاولنا في هذه الدِّراسة الوجيزة أن نُقدّم للقراء والمولعين بالدّراسات البلاغيّة بعض النّتائج التي توصّلت إليها الدّراسة والتي نرجو أن تكون ذات قيمةٍ وفائدةٍ لطلّاب العلم: * قد عرفنا خلال البحث أنّ السورة الكريمة قد امتازت بأنغامها وألحانِها حُلوَةٌ عذبَةٌ ومصبّغةٌ بصبغِ الفواصل والأسجاع والقوافي-وزناً ونغما نسجاًونسقاً وعندما يبتدئها القاري فلا يجد بُدّاً من أن يتلوها إلى نهايتها لميزتها الصّوتيّة الجذّابة وكلماتها الأنيقة .

  • و يَتمتّعُ القاريء بأنغامها العذبة و ألحانها الحلوة وفي مطلعها اسمه العظيم المبارك-الرّحمن- كما في نهايتها اسمه-جلّ وعلى-الآخروهو "تبارك اسمُ ربّك ذِي الجلالِ والإكرام" فيُلاحظ القاريء شدّة الارتباط بين الآيات والكلمات مثل سمط اللأليء ربطًامتواصلاً،من بدايتها إلى نهايتها فيَا لحسنها وجمالها!!
  • أوردنا في دراستنا المذكورة من ملامح البيان التشبيهِ -المُجْمل والمُرسلِ-, وتشبيهِ المعقول بالمحسوس و التشبيهِ التمثيلي و التشبيه البليغِ والمجازِ العقلي و الجمعِ بين الحقيقةِ والمجاز و المجازِ المرسل و الاستعارةِ التصريحيّةِ التبعيِّة و الاستعارةِ الأصليّة التصريحيّةِ و الاستعارةِ التمثيليّةِ و المبالغةِ على طريقة الكناية.
  • و وجدنا أثناء التحقيق من محسّناتٍ بديعيّةٍ معنويّةٍ ,توريةً ظاهرةً و فنَ الافتنان و الطباقَ و مشاكلةً ضديّةً وإيهامَ طباقٍ و المقابلةَ و مراعاةَ النظير و إيهامَ التناسب و فنَ التوهيم.
  • كما أوردنا من محسّناتٍ بديعيّةٍ لفظيّةٍ الجناسَ المطلق والسجعَ المطرّف ,والسَّجْعَ المرصَّع و الموازنةَ و فن الاتساع و مراعاةَ الفواصل و التفننَ و براعةَ الاستهلال.
  • و يُدرك القاري في غضون الإشارات وتلميحاتِ المفسّرين ما يُدرك من التقديروالاعجاب فسيفوز بأفكاره المتتابعة علما ورسوخا دِقّةً وإمعاناً على تلميحاتِ بلاغةٍ وتفسيرٍ في آنٍ واحدٍ. بعد هذا الجُهد والمثابرةِ فيجد إذاً من طرائفٍ بلاغيّةٍ ونِكاتٍ بين نكات ونتائج بعدنتائجٍ.
  • قد احتوت السورة الكريمة على مزايا كثيرةٍ متنوّعةٍ من أبواب البلاغة وحسن أساليبها-من ملامح البيان وحسن البديع- لكن لقلّة اعتناء العلماء بها مازالت في أغطية الخفاء عنّا فدراستنا محاوِلةٌ إلى إبراز تلك المحاسن أمام القراء و الباحثين.

وقدّمنا في هذه الدّراسة الوجيزة المتواضعة لمحاتٍ خاطفةً من محاسن تلك السورة البيانيّة ومميزاتها البديعيّة حسب المستطاع رَغْمَ أنّها زاخرةٌ ممثّلةٌ بلطائف التعابير وتلميحات المعاني والبيان إلى حدٍّ ما لا تنقضي عجائبها.

 

حوالہ جات

  1. الحواشي والمصادر (References) ()الميداني (عبدالرحمن بن حسن حَبَنَّكَة) ، البلاغة العربية، دار القلم، بيروت، الطبعة الأولى، - 1999م، 2/ 124,123 .
  2. ()الحسيني (يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم)، الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز المكتبة العنصرية ـ بيروت، 2/32.
  3. ()عبد القاهرالجرجاني )المحقق محمود محمد شاكر أبو فهر(دلائل الإعجاز في علم المعاني,مطبعة المدني بالقاهرة, دار المدني بجدة, الثالثة 1413هـ - 1992م ص16.
  4. ()السكاكي (يوسف بن أبي بكر بن محمد السكاكي الحنفي أبو يعقوب)، مفتاح العلوم، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، ص 148, و البيان، المعاني، البديع لأحمد بن مصطفى المراغي ص 213.
  5. () البلاغة العربية للحَبَنَّكَة الميداني 2 / 162 .
  6. () سورة الرّحمن رقم الآية: 14و58.
  7. ()النيسابوري) نظام الدين الحسن بن محمد(, غرائب القرآن ورغائب الفرقان ,دار الكتب العلميه بيروت ,6/229.
  8. ()طنطاوي) محمد سيد(, التفسير الوسيط للقرآن الكريم ,دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة: الأولى, 14/135
  9. ()و يُنظر لتخريج الحديث: البُستي )محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم(, الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان,مؤسسة الرسالة، بيروت,الطبعة: الأولى، 1408 هـ - 1988 , 14/ 375.و الشيباني) أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل( , مسند الإمام أحمد بن حنبل, مؤسسة الرسالة الطبعة: الأولى، 1421 هـ - 2001 م , 32/ 512
  10. ()ابن عاشور (محمد الطاهر التونسي) , التحرير والتنوير,الدار التونسية للنشر – تونس, 27 /270.
  11. ()الطبري )تفسير محمد بن جرير بن يزيد أبو جعفر( ،تفسير الطبري,مؤسسة الرسالة,الطبعة: الأولى ، 1420 هـ - 2000 م ,23/67.
  12. ()البقاعي (إبراهيم بن عمر بن حسن)، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، 19/185.
  13. () القزويني (محمد بن عبد الرحمن بن عمر ، جلال الدين الشافعي), الإيضاح في علوم البلاغة, دار الجيل – بيروت,ص201
  14. () سورة الرّحمن رقم الآية: 24 .
  15. ()صافي (محمود بن عبدالرحيم)، الجدول في إعراب القرآن الكريم، دار الرشيد، دمشق بيروت، 27/93.
  16. () الزمخشري ( أبو القاسم محمود بن عمر) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل , دار الكتاب العربي – بيروت, 6/466 .
  17. ()أبو السعود (العمادي محمد بن محمد)، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، دار إحياء التراث العربي بيروت، 6/85,و بديع القرآن لابن أبي الإصبع 2 / 59.
  18. () الإكسير في علم الفسير ص172.
  19. () البيان، المعاني، البديع لأحمد بن مصطفى المراغي ص216.
  20. ()سورة الرّحمن رقم الآية: 7 .
  21. ()سورة الحديد: رقم الآية: 25.
  22. ()التحرير والتنوير 27/ 237و 238.
  23. ()و يُنظر لتخريج الحديث: النسائي، السنن الكبرى,مؤسسة الرسالة بيروت,الطبعة: الأولى، 2001 م, 10/ 46 ,
  24. () البيان، المعاني، البديع لأحمد بن مصطفى المراغي ص216.
  25. ()سورة الرّحمن رقم الآية: 37 .
  26. () الجدول27/100.
  27. () سعيد بن منصور, سنن سعيد بن منصور ,دار الكتب العلمية – بيروت,الطبعة: الأولى، 1985 م ,7 / 509.
  28. ()الواحدي )علي بن أحمد(، النيسابوري، التَّفْسِيرُ البَسِيْط, , جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, 21/176.
  29. ()ابن أبي الإصبع (عبدالعظيم بن الواحد)، تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر إعجاز القرآن، الجمهورية العربية المتحدة ـ لجنة إحياء التراث الإسلامي، ص 159.
  30. ()سورة الرّحمن رقم الآية: 20 ,48.
  31. () التحرير والتنوير 27/249 , و وسيط لطنطاوي 14/137.
  32. () التَّفْسِيرُ البَسِيْط 21/183.
  33. ()الثعلبي )أحمد بن محمد بن إبراهيم( ، الكشف والبيان عن تفسير القرآن, دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان , 9/ 189.
  34. () مفتاح العلوم ص159.
  35. () البلاغة العربية للحَبَنَّكَة الميداني 2 / 222 .
  36. ()سورة الرّحمن رقم الآية: 5 .
  37. () التحرير والتنوير 27/ 234
  38. ()الطور رقم الآية: 48.
  39. ()مفتاح العلوم ص,160159.
  40. ()سورة الرّحمن رقم الآية: 7 .
  41. () روح المعاني 14/101.
  42. () أطفيش1/11.
  43. ()سورة الرّحمن رقم الآية: 35.
  44. () التحرير والتنوير 27/236.
  45. () البلاغة العربية للحَبَنَّكَة الميداني 2/ 272 .
  46. ()سورة الرّحمن رقم الآية:6.
  47. () التحرير والتنوير 27/ 236و237
  48. () الجدول 27/94, و روح المعاني 14 /107.
  49. ()سورة الرّحمن رقم الآية: 29.
  50. () التحرير والتنوير 72 255 /.
  51. ()سورة الرّحمن رقم الآية: 46.
  52. ()البخاري) محمد بن إسماعيل( , صحيح البخاري,دار طوق النجاة ,6 /144.
  53. () التحرير والتنوير /27265.
  54. () نفس المصدر /27265 .
  55. ()سورة الرّحمن رقم الآية: 6.
  56. () الجدول27/ 88 .
  57. () البلاغة العربية للحَبَنَّكَة الميداني 2 / 233.
  58. () روح المعاني 14/100.
  59. ()سورة الرّحمن رقم الآية: 31.
  60. ()روح المعاني 14/110 .
  61. ()سورة الرّحمن رقم الآية: 7.
  62. () اطفيش1/11.
  63. () التَّفْسِيرُ البَسِيْط للواحدي21/138.
  64. ()دلائل الإعجاز في علم المعاني ص68,69.
  65. () أطفيش11/16
  66. ()سورة الرّحمن رقم الآية: 31.
  67. ()العسكري) أبو هلال الحسن بن عبد الله(,الصناعتين,المكتبة العنصرية –بيروت عام النشر: 1419 هـ, ص269
  68. () القزويني (محمد بن عبد الرحمن) الإيضاح في علوم البلاغة ,الناشر: دار الجيل – بيروت, ص241 .
  69. ()سورة الرّحمن رقم الآية: 78.
  70. ()الفرقان رقم الآية: 1.
  71. ()الأعلى رقم الآية: 1.
  72. ()المدثر رقم الآية: 40.
  73. () التحرير والتنوير 27/276
  74. ()الحموي) ابن حجة ، تقي الدين(,خزانة الأدب وغاية الأرب, دار ومكتبة الهلال-بيروت، دار البحار-بيروت,الطبعة: الطبعة الأخيرة 2004م، 2/ 243و أنوار الربيع في أنواع البديع لابن معصوم ص358.
  75. ()الشيزري )أبو المظفر مؤيد الدولة مجد الدين أسامة بن مرشد بن علي الكلبي(, البديع في نقد الشعر,الجمهورية العربية المتحدة - وزارة الثقافة والإرشاد القومي - الإقليم الجنوبي - الإدارة العامة للثقافة,ص60.
  76. ()سورة الرّحمن رقم الآية: 5.
  77. () روح المعاني 14/100
  78. () البلاغة العربية للحَبَنَّكَة الميداني 2/ 475
  79. ()سورة الرّحمن رقم الآية: 78.
  80. () بديع القرآن لابن أبي الإصبع 2 / 299,و الجدول 27 /94و95.
  81. ()سورة الرّحمن رقم الآية: 5, 6 .
  82. () جواهر البلاغة ص303
  83. () كشاف 6/461
  84. () روح المعاني 14/100
  85. () البلاغة العربية للحَبَنَّكَة الميداني 2/ 38
  86. ()سورة الرّحمن رقم الآية: 5, 6 .
  87. () التحرير والتنوير 27/238
  88. () سورة الرّحمن رقم الآية: 7, 10 .
  89. ()التحرير والتنوير 27/ 237.
  90. () الزحيلي(د. وهبة بن مصطفى) التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج, دار الفكر المعاصر – دمشق 202/ 27.
  91. () القرطبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين) الجامع لأحكام القرآن,دار عالم الكتب، الرياض، المملكة العربية السعودية,الطبعة : 1423 هـ/ 2003 م , 13/ 213.
  92. ()سورة الرّحمن رقم الآية: 5.
  93. ()الصعيدى ، بغية الايضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة، مكتبة الآداب الطبعة السابعة عشر : ـ 2005، 4/584.
  94. () الإيضاح في علوم البلاغة ص201.
  95. ()سورة الرّحمن رقم الآية: 5, 6 .
  96. () الجدول27/88.
  97. () البلاغة العربية للحَبَنَّكَة الميداني 2 / 485.
  98. ()نفس المصدر 2 / 498 .
  99. ()سورة الرّحمن رقم الآية:9.
  100. ()سورة الرّحمن رقم الآية:33.
  101. ()سورة الرّحمن رقم الآية:54.
  102. ()بغية الايضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة،ص474.
  103. ()سورة الرّحمن رقم الآية:19,20.
  104. () البلاغة العربية للحَبَنَّكَة الميداني 2/ 505.
  105. ()سورة الرّحمن رقم الآية:17.
  106. () تفتازاني(سعد الدين) مختصرالمعاني, مكتبة البشرى كراتشي,باكستان 2 / 291.
  107. ()الخفاجي(أبو محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الحلبي) سر الفصاحة ص 172 ، دار الكتب العلمية ،الطبعة الأولى 1402هـ_1982م.
  108. () البلاغة العربية للحَبَنَّكَة الميداني 2 / 512.
  109. ()سورة الرّحمن رقم الآية:5,6.
  110. () التحرير والتنوير27 / 236 .
  111. () العمدة لابن رَشيق 2 / 93.
  112. ()سورة الرّحمن رقم الآية:22.
  113. () الجدول27/9 .
  114. ()سورة الرّحمن رقم الآية:46-53.
  115. ()التحرير والتنوير /27 266 .
  116. () نفس المصدر 27 272/.
  117. ())السيوطي(عبد الرحمن بن أبي بكر)عُقُودُ الجُمَانْ في عِلْمِ الْمَعَانِي وَالْبَيَانْ, دار الإمام مسلم ، القاهرة الطبعة: الأولى، 2012 م,ص 124.
  118. () التحرير والتنوير27 /231.
Loading...
Issue Details
Id Article Title Authors Vol Info Year
Id Article Title Authors Vol Info Year
Similar Articles
Loading...
Similar Article Headings
Loading...
Similar Books
Loading...
Similar Chapters
Loading...
Similar Thesis
Loading...

Similar News

Loading...