Search from the Journals, Articles, and Headings
Advanced Search (Beta)
Home > Journal of Islamic and Religious Studies > Volume 2 Issue 2 of Journal of Islamic and Religious Studies

منهج الوسطية لإمام الأشعري في علم الكلام |
Journal of Islamic and Religious Studies
Journal of Islamic and Religious Studies

Article Info
Authors

Volume

2

Issue

2

Year

2017

ARI Id

1682060030498_1197

Pages

37-49

DOI

10.36476/JIRS.2:2.12.2017.12

PDF URL

https://jirs.uoh.edu.pk/index.php/JIRS/article/download/295/126

Chapter URL

https://jirs.uoh.edu.pk/index.php/JIRS/article/view/295

Subjects

Ash’Ari ‘Ilm Kalam Theology M’Utazilah Ash’ari ‘ilm Kalam Theology M’utazilah

Asian Research Index Whatsapp Chanel
Asian Research Index Whatsapp Chanel

Join our Whatsapp Channel to get regular updates.

فاتحة:

الحمدلله رب العالمين و الصلاة و السلام علي أشرف المرسلين محمد و آله وأصحابه أجمعين وبعد فكانت المعتزلة[1] و جماعة تدعي الحشوية[2] علي طرفي نقيض في تقرير مسائل العقيدة في علم الكلام،فبينما تفسح المعتزلة للعقل مجالا و تعطيه دورا كبيرا في تقرير العقائد و فهمها، تذهب طائفة الحشوية إلي التقليل من شأنه وتقف مع النص عند حدود ألفاظه و حروفه لا تتجاوزها حتي جعلوا لله جسماً ذا أعضاء و أبعاض ووقعوا في التشبيه و التجسيم و زادوا في الأحاديث أخباراً كثيرة وضعوها و نسبوها إلي الرسول صلي الله عليه وسام.

وقد تمخض عن هذين الإتجاهين أو المذهبين اتجاه أو مذهب ثالث علي يد أبي الحسن الأشعري[3] لم يبالغ في العقل أو يغال غلو المعتزلة الذين جعلوه حاكما علي النصوص الدينية و أوّلوا بسبه كثيرا من آيات القرآن و أنكروا كثيرا من الأحاديث أو طعنوا فيها، ولم يقلل من قيمته كما ذهبت الحشوية وإنما اتخذ بين ذلك سبيلاً موقفا وسطا. وسطية تحترم العقل قلا تضعه في غيرموضعه ولا تكلفه فوق قدرته وتحترم النص فلا تجمد أمامه او تقف عند حدود حروفه.

أراد الإمام الأشعري أن يقوم بدور مماثل في الأصول في الصراع الدائر في عصره بين غلو المعتزلة في العقل ووقوف الحنابلة عند النقل.في عصرنا الحاضر وجدنا الظلم علي الأشاعرة و إمامهم ،لأجل هذا فكرت أن أكتب بعض الوريقات لكي يوضح منهج الشيخ و إنصافه في قضايا العقدية.و في هذا البحث استفدت من بعض أفكار أستاذي الدكتور عبد الفتاح الفاوي في اثناء محاضرته التي القاها علينا في جامعة القاهرة.

نقد الأشعري للمعتزلة

ظل الأشعري ردحًا طويلا على مذهب الاعتزال أربعين سنة أو زهاءها يتعلم ويدرس ويناظر ويجادل ثم تخلى عنه ونزعه عن نفسه لأسباب وظروف، وندم على كل ما قاله فيه أو كتبه عنه وأعلن- على الملأ -توبته ورجوعه إلى مذهب السلف الصالح الذي يدين به الإمام أحمد بن حنبل.ولم يكتف الأشعري بتقرير وتوضيح مذهبه الجديد وإنما ينتقد وينتقض مذهب المعتزلة ويبين ما فيه من زيغ وضلال. وجماع ما أخذه عليهم مغالاتهم في المنهج العقلي وما ترتب على هذه المغالاة من خطأ في المسائل والحكم عليها. فقد أدى غلوهم في التمسك بالعقل- في نظره –

  1. إلى نفيهم الصفات عن الله تعالى فليس لله علم ولاقدرة وذلك مخالف لما جاء به الإسلام وما عليه المسلمون من لدن الرسول - صلى الله عليه وسلم- لأن نفي العلم والقدرة يستلزم نفي كونه عالما إذ انتقاء الأصل والعلة يؤدي إلى انتقاء المعلول قطعًا وقد أداهم ذلك إلى" وضع الله في صورة مجردة"[4] لايستطيع العقل أن يتصور وجودها.

كما أداهم: إلى القول بأن الله لايريد الشر مع أنه موجود في العالم بل وغالب فيه، ومعنى ذلك أن الله لا يريد أغلب ما يقع في ملكه من الأفعال وهذا يستلزم أن يكون موصوفا إما بالضعف فلا يستطيع أن يحول بين الشر وبين الوجود والغلبة وإما بالغفلة فهو لايدري ما يقع في ملكه.[5]

وإذا كان الناس باسم العقل عند المعتزلة- الكلام للأشعري -هم الخالقون لأعمالهم خيرا كانت تلك الأعمال أم شرا فمعنى ذلك أن الله تعالى قد شاركه في أخص صفاته وهي الخلق ملايين الشركاء من البشر الذين يعتبرون في هذه الصفة أقدر منه لأنه لايخلق إلا الخيروهم يخلقون النوعين ولذلك كان مذهب المعتزلة في نظره شرا من مذهب المجوس[6] الذين جعلوا لله شريكا واحدا هو الشيطان.

  1. كما أخذ عليهم قولهم بالصلاح والأصلح لأن القول بالإيجاب والوجوب قد يصح في مجال العقل البشري لكنه لا ينبغي أن يستدل إلي العقل الإلهي فمن "نحن" حتى نوجب على الله كذا أو نلزمه بكذا... وترى الأشاعرة وعلى رأسهم إمامهم أن المسائل الدينية ليس العقل هو الأول والأخير فيها وأن الخير والشر ليسا مطلقين، والعقل وإن كان وسيلة للمعرفة فليس مشرّعا للواجبات فهو يمكن أن يعرف ولكن ليس من حقه أن يوجب في مملكة الله. يقول الجويني: "العقل لا يدل على حسن شئ ولا قبحه في حكم التكليف".[7]

ومعنى ذلك أنه إذا جاءت المعتزلة وقررت أمور العقيدة أو بعض مسائلها عن طريق العقل فإنها تقحمه في مسائل هي فوق طاقته أو مسائل لا دخل له فيها.

  1. ومما نقده في مذهبهم قولهم في أفعال العباد وأنها مخلوقة لهم لأنه- والكلام للأشعري كذلك -إذا كان الإنسان هو الفاعل حقا لأفعاله لأتت على نحو ما يشتهي ويقصد- يريد الكافر أن يكون كفره حسنا صوابا ويريد المؤمن ألا يكون في إيمانه مجهدا -ولكن الأمور لا تسير على ما يشتهي المؤمن ويقصد الكافر.

ثم يبين رأيه فيها وأن أفعال العباد تنقسم إلى قسمين: أفعال اضطرارية تقع من العباد ولا يد لهم فيها وأفعال اختيارية يكسبها الإنسان بقدرة حادثة. فالله يخلق عند الفعل قدرة عليه مكتسبة من العبد مخلوقة من الرب فيكون الفعل خلقا وإبداعا وإحداثا من الله وكسبا من العبد لقدرته التي خلقها الله له وقت الفعل (وهو ما يعرف بنظرية الكسب عند الأشعري).[8]

  1. وقولهم بالوعد والوعيد وأنه تعالى لا يملك الخيار حتى في دائرة الخير بل من واجبه أن يضع الطائعين في الجنة وأن يقذف بالعصاة إلى النار من غير استثناء.

إلى غير ذلك من المسائل التي قرروها والتي ضاق الأشعري ذرعا بها وترك الاعتزال من أجلها.

ومن المسائل الكبرى التي أخذها عليهم وانتقدهم فيها ونص عليها في خطبة التحول قولهم بخلق القرآن وإنكارهم رؤية الله يوم القيامة.

فقد ذهبت المعتزلة يحدوها ذلك غلوها في استخدام العقل- في نظره - إلى القول بأن القرآن مخلوق فجعلوه مشابها في الخلق والحدوث لجميع الأشياء الحادثة التي تنقصها القداسة ونفوا أن يكون صفة لله تعالى. أخذ الأشعري عليهم ذلك وخالفهم فيه وقرر في كتاب الإبانة أن القرآن كلام الله غير مخلوق وهو رأي السلف الذي تمسك به الإمام أحمد بن حنبل غير أن الأشعري قدم بين يديه أدلة سمعية وأخرى عقلية وبذل جهده لإبطال رأي المعتزلة فيه.

وأنكرت المعتزلة الرؤية باسم العقل أيضا فسلبوا بذلك المؤمن أسمى ما يطمع فيه في الأخرة وهو رؤية خالقه وأولوا في سبيل ذلك الآيات وأنكروا السنة ففتحوا بذلك بابا للشكاك يدخلون منه للطعن في الدين وإنكار أحد أصليه.

خالف الأشعري المعتزلة في ذلك ورد عليهم وأثبت الرؤية ولكنه نفى أن تكون رؤية إحاطة لأن الله لا تدركه الأبصار كما نفى عن الرؤية ما يؤدي إلى الجسمية أو التحديد. وقد استند في إثباتها إلى ما يسمى بالنزعة الواقعية التي تتضح في قضية الأساسية "كل موجود يصح أن يرى" والله موجود فرؤيته إذن جائزة- كما زكاها عنده أن الفقهاء والمحدثين يقولون بها.

وهكذا تتبع الأشعري المعتزلة في معظم ما قرروه وذهبوا إليه مثل أفعال العباد، والشفاعة، ودوام الخلدين، وتقليلهم أو تنقصهم من الصحابة وغير هذا مما جره عليهم مغالاتهم في استخدام العقل في الأمور العقدية.

تتبعهم في كل هذا وخالفهم سواء في أصول مذهبهم أو ما يترتب عليها من مسائل وفروع وبلغ من مخالفته لهم أن ألف كتابا رد فيه على نفسه يوم أن كان معتزليا.[9]

وهكذا يستند منهجه الذي انتقد على أساسه المعتزلة إلى عاملين رئيسين:

أولهما: أن إعطاء قيمة مطلقة للعقل لا يؤدي إلى نصرة الدين لأنه عندئذ تكون قد استبدلنا الذي هو أدنى بالذي هو خير- العقل بالعقيدة. وكيف تكون معتقداتنا عن الله إذا كان العقل هو المرجح عند التعارض على النقل؟

و ثانيهما: أنه لا بد من الإيمان أن في الدين أحكاما توقيفية فذلك مبدأ جوهري في الاعتقاد لا يكون بدونه إيمان، وما عسى أن يكون الدين إذا استباح الإنسان لعقله أن يخوض في كل فعل أو أمر إلهي، إن ذلك يتنافي تماما مع مفهوم الإيمان وما يقتضيه من تصديق وتسليم.

وهذا لا يعني- كما قلنا -معارضة من الأشعري للعقل إذا انتقد الجمود والتقليد بقوله: إن طائفة من الناس جعلوا الجهل رأس مالهم وثقل عليهم النظر والبحث عن الدين ومالوا إلى التخفيف والتقليد وطعنوا على من فتش على أصول الدين ونسبوه إلى الضلال.[10] ويذهب في مكان آخر إلى أن حكم مسائل الشرع التي طريقها السمع أن تكون مردودة إلى أصول الشرع التي طريقها السمع، وحكم مسائل العقليات والمحسوسات أن يرد كل شيئ من ذلك إلى بابه ولانخلط العقليات بالسمعيات ولا السمعيات بالعقليات والمحسوسات.

وعموما فقد تلتمس الأشعري منهج الوسطية في حل المشكلات الكلامية التي عالجها فتمسك بالعقل كما تمسك بالنقل مما أثار عليه الحنابلة بأنه لم يتخلص تماما من مذهب الاعتزال[11] ومما جعل الأشعري ينتقد المحدثين أو المغالين منهم الذين أطلق عليهم لقب "الحشوية" كما انتقد المعتزلة.

نقد الأشعري للحشوية

الحشوية مصطلح عام له معان مختلفة وقد أدى فيما- يرى الشهرستاني -إلى التشبيه سواء في دوائر أهل السنة والجماعة أو في دوائر الشيعة. يقول: "إن جماعة من الشيعة الغالية وجماعة من أصحاب الحديث الحشوية صرحوا بالتشبيه... قالوا معبودهم صورة ذات أعضاء وأبعاض إما روحانية أو جسمية يجوز عليه الانتقال والنزول والصعود والاستقرار والتمكن".[12]

أما نشأة الحشو فيرجعه بعضهم إلى أحبار اليهود ورهبان النصارى وموابذة المجوس الذين أظهروا الإسلام في عهد الراشدين ثم أخذوا بعدهم في بث ما عندهم من الأساطير بين من تروج عليه من الأعراب والموالي فتلقفها منهم هؤلاء ورووها لآخرين بسلامة باطن يرفعونها افتراء أو خطأ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأخذ التشبيه يتسرب إلى معتقد الطوائف ويشيع شيوع الفاحشة.[13]

ومعلوم أن الأمويين لم يهتموا بمعتقد المسلمين إلا فيما يمس سياستهم فأثر الحشو في الشيعة وذهبوا إلى التشبيه والتجسيم لكن سرعان ما تخلوا عنه حين ناظرهم المعتزلة. ويرى الكوثري أن التشبيه النتاتج عن الحشو لم يدم لدى الشيعة المعتدلة دوامه بين حشوية الرواة. وكانت البصرة يندر الآراء والنحل فانتشر فيها وزاد حين أقبل رعاع الرواة على مجلس الحسن البصري وتكلموا في مجلسه بالسقط عنده وضاق صدر الرجل بهم فصاح ردوا هؤلاء إلى حشا الحلقة أي جانبها لأجل هذا سموا بالحشوية وإلى هؤلاء ينسب أصناف المشبهة والمجسمة.[14]

وفي هذه الأثناء ظهر مشبهة الحديث الأوائل وفي مقدمتهم مضر بن محمد الضبي الأسدي الكوفي [15]وكهمس بن الحسن أبو عبد الله البصري[16] وأحمد بن عطاء الهجيمي البصري[17].[18] وقد مثل هؤلاء الحشو في أحاديثهم الضعيفة فأجازوا على الله الملامسة والمصافحة والمزاورة والرؤية في الدنيا كما اثبتوا له ما ما ورد في القرآن من الاستواء والوجه واليدين والجنب والاتيان والمجيئ والفوقية إثباتا ماديا ثم قبلوا ما ورد من إسرائيليات في الأخبار من الصورة "خلق آدم على صورة الرحمن" "ويضع الجبار قدمه في النار" و "قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن" و "خمر طينة آدم بيده أربعين صباحا" و "وضع يده على كتفي حتى وجدت برد أنامله" ويرى الشهرستاني أنهم أجروا لفظ هذه الأحاديث على ما يتعارف من صفات الأجسام وزادوا في الأحاديث أخبارا كثيرة وضعوها ونسبوها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كما يرى أن مصدر- هذه الأحاديث هم اليهود، وأن التوراة مليئة بهذه التشبهات الغليظة ويرد إلى التوراة أطيط العرش "أن العرش ليئط من تحته كأطيط الرجل الجديد".[19]

كما تذهب هذه الطائفة إلى القول بقدم القرآن حروفه وأصواته ورقومه المكتوبة وأنها كلها قديمة أزلية ومن هؤلاء مقاتل بن سليمان[20] فهو وإن اختلف فيه إلا أنه كان يميل إلى التشبيه والتجسيم.

وقد احتفظ التاريخ بقطع من تفسيره تثبت عقيدة التشبيه والتجسيم عنده.[21] ولا شك أن مضر وكهمس وأحمد الهجيمي قد سبقوه أو عاصروه في اعتناق التشبيه لكن المذهب إليه يرد وبه يعرف.

فكانت مدرسته في التفسير تعبر عن الله تعبيرا ماديا ملموسا وتراه كائنا ماديا إنسانيا عاليا هذا يكفي لجذب العامة التي استهوتها فكرة إنسانية الله وهي على النقيض تماما من فكرة المعتزلة عن الله القائمة على السلب المحض والتي تجعله عدما أو وهما. وهذه وتلك لم ترق الأشعري والأشاعرة مما جعلهم يبغضون مقاتلا ويبغضون التشبيه والتجسيم بغضهم أو أكثر للمعتزلة.

انتقد الأشعري هذه الطائفة من الحنابلة ممن يسمون "الحشوية" كما يصفهم الأشعري "ممن ثقل عليه النظر" انتقدهم في رفضهم تأييد الدين بالكلام عامة وفي قولهم: إن الحديث مثل الحركة والسكون والجوهر والعرض والجزء والطفرة إلى غير ذلك من الأبحاث الكلامية بدعة وضلال مستدلين بأنه لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه شيئ من ذلك. وهذا يعني أنهم لم يعلموه أو علموه وسكتوا عنه وكلا الاحتمالين يدل على أن الحديث في ذلك شر أنه لو كان خيرا ما جاز للنبي وصحابته أن يجهلوه أو أن يسكتوا عنه مع علمهم به لأن الجهل بالنافع أو السكوت عنه لا يليق بالنبي وأصحابه وخاصة فيما يتعلق بأصول الدين والشريعة.

ولكن الأشعري يجيب عن ذلك فيسألهم: ولم قلتم إن البحث في ذلك بدعة وضلال مع أن النبي لم يقل إن من يبحث في مثل هذا فهو مبتدع وضال وإذن فقد قلتم ما لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمتم بشيئ لم يحكم به فيلزمكم تبعا لتعليلكم أن تكونوا مبتدعة ضلالا. وأيضا لم قلتم إن القرآن كلام الله غير مخلوق مع أن النبي لم يثبت عنه في السنة الصحيحة مثل هذا القول. وإذن فقد تكلمتم في شيئ من أصول الدين بما لم يثبت أن النبي قد تكلم به فهل أنتم مبتدعة ضلال؟

ثم يتساءل الأشعري قائلا: وهل صحيح أن كل بحث حول أمر لم يبحثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتبر بدعة وضلالا ولو كان الأمر كذلك للزم أن يكون الصحابة كلهم وكذلك التابعون على كثير من الضلال لأنهم قد بحثوا في أشياء لها تعلق بالدين من جهة التشريع ولم يرد فيها نص عن الرسول الكريم فقد بحثوا لفظ البائن والحرام في الطلاق مثلا كما بحثوا مسائل العول والجدات في علم الفرائض والدليل على عدم ورود نص فيها وقوع الخلاف بين الصحابة في الحكم عليها ولو كان هناك نص ما وقع الاختلاف.

وكذلك فعل التابعون أيضا مثل مالك والثوري وغيرهم ممن تجمعون على احترامهم في مسائل الدور والوصايا وغيرها من المسائل التي لم يرد فيها نصوص من الشريعة وكل ما فعلوه هو أنهم قاسوا ما يجهلون على ما يعرفون من الأصول ليستنبطوا أحكامها وقد تم لهم ما أرادوا وإذا كان الأمر كذلك فلما ذا تحرمون علينا أن ندرس المسائل التي تتعلق بأصول الدين أيضا كي نردها إلى الأصول المتفق عليها من العقل والحس والبديهة.[22]

ويفضي الأشعري بعد هذا فيقول: وهذا لا يعني أنني أسلم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكونوا على علم بهذه الأبحاث التي يعترضون عليها فإننا نستطيع أن نقول إن النبي كان يعلمها تفصيلا أو إجمالا ولكن لم تحدث في عهده وقائع معينة أو شبه مخصوصة مما أثاره خصوم الدين في عهدنا فلم يتحدث فيها مفصلة واكتفى بأصولها. وترك للعلماء فضل استنباط الردود المفصلة على المشكلات المعينة عند حصولها. والأمثلة على ذلك كثيرة.

فحينما قال الحبر السمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنزل الله على بشر من شيئ" ملوحا بذلك إلى إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم واتهامه بالكذب قال القرآن في الرد عليه: "قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى"[23] وهذا يعني أن القرآن قد ألزم الحبر ما يعترف بصحته وهذا هو أصلنا في إلزام الخصوم بما يسلمون به.

وحين جاء المشركون إلى النبي صلى الله عليه وسلم قائلين حين نزل عليهم قوله تعالى: ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم﴾[24] إذن يا محمد فعيسى وعزير والملائكة في النار لأنهم معبودون؟ قال النبي الكريم في إجابتهم إن الله تعالى قد قال: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون﴾ وهذا يعني أن النبي لم يسكن عن استدراك مغالطة الخصم والرد عليه وضرورة ملاحظة الأيات كلها قبل الاعتراض وهذا أصل من أصولنا.

ثم إن في قول إبراهيم عليه السلام حين رأى الكوكب ﴿هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين. فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين﴾[25] دليلا على جواز النظر والاستدلال الذي ينكره المنكرون وينحرف عنه المنحرفون.

ذلك لأن إبراهيم قد أعطى القمر حكم الكوكب في أنه لا يجوز أن يكون واحد منها إلها لاجتماعهما في الأفول والانتقال واستدل بالحركة والسكون وكذلك الانتقال والأفول على أن كلا من الكوكب والقمر والشمس لا يصح أن يكون إلها لأنه متغير والإله يجب أن يكون خاليا من التغيرات التي تدل على حدوثه. وهذا بعينه هو الدليل الذي يساق للبرهنة على حدوث العالم.

ثم إن من ينظر إلى قول الله تعالى: ﴿لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا﴾[26] للتدليل على وحدانيته ويراجع ما قرره المتكلمون في الاستدلال على هذه الحقيقة سيجد أن أغلب براهينهم من التمانع والتغالب راجع إلى هذه الآية وما يشبهها من آيات.

ويرد القرآن على من ينكر البعث بناء على أن الحياة حارة والتراب المتخلف عن الأجسام بارد يابس فكيف يجوز الجمع بين الحياة والتراب يرد القرآن فيقول: ﴿هو الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا﴾[27] فجعل خروج النار على حرها ويبسها من الشجر الأخضر على رطوبته ونداوته دليلا على جواز ما حكموا باستحالته.

فإذا لم يكن هذا قياسا ونظرا واستدلالا فأي شيئ هو؟

فالقرآن والسنة على ذلك لم يهملا العقل ولم يحرما النظر والاستدلال، واستعمال العقل في فهم الشرع وتأييده ليس بدعة وضلالة كما تذهب الحشوية. ولكنه واجب يجب أن يؤدى.

ولعل ما حدا بالأشعري أن يؤلف رسالته "استحسان الخوض في علم الكلام"[28] هو رده على متشددة الحنابلة ممن يذمون علم الكلام ويرفضونه عندما أخذوا عليه- بالرغم من تودده إليهم -أنه خاض كثيرا في مسائل الكلام في منازعاته الفكرية مع المخالفين سواء من أصحاب الديانات الأخرى أو من المعتزلة والشيعة - الأمر الذي جعله يؤلف رسالته هذه تبريرا لموقفه مستحسنا الخوض في علم الكلام.

ومما يورده ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة أن الأشعري لما دخل بغداد ذهب إلى البربهاري أحد علماء الحنابلة فجعل الأشعري يقول: رددت على الجبائي وعلى أبي هاشم ونقضت عليهم وعلى اليهود والنصارى والمجوس وأكثر الكلام فلما سكت قال البربهاري: ما أدري مما قلت لا قليلا ولا كثيرا ولا نعرف إلا ما قاله أبو عبد الله أحمد بن حنبل فخرج الأشعري من عنده وصنف كتاب الإبانة فلم يقبله البربهاري منه فألف بعده "استحسان الخوض في علم الكلام".

منهج الأشعري إذن ومذهبه في علم الكلام وسط لا هو مغرق في العقل وفي التأويل إغراق المعتزلة ولا هو واقف عند حدود النص وحروفه عازف عن علم الكلام جملة عزوف الحشوية.

ولذا نقد المعتزلة ونقد الحنابلة ووقف بمنهجه ومذهبه وسطا بين هؤلاء وهؤلاء وكما أن خصومته للمعتزلة لم تبعده عن الاعتزال تماما فإن خصومة الحنابلة له لم تقصه عنهم بل ظل قريبا منهم لدرجة أنه اتهم بأنه لم يلتزم الوسط بين النقل والعقل في بعض المسائل وأنه كان يميل إلى جانب النقل وأنه إذا تعارض العقل والنقل فإن النقل هو المقدم عنده.[29]

فالأشعري الذي حارب المعتزلة هادن الحنابلة وتودد إليهم ولكنه مع هذا ظل على وسطيته التي اختطها لنفسه.

معالم الوسطية وأهميتها

ظهر أبو الحسن الأشعري لا على أنه مؤسس مذهب في الكلام جديد ولا على أن له رأيا مستحدثا وإنما حرص كما حرص اتباعه من بعده على أن يظهروه أنه للصحابة والتابعين والفقهاء والمحدثين- أو بالأحرى لأهل السنة -تابع ليس له في كل ما قاله به رأي مستحدث. فاستطاع بذلك أن يمهد للاعتراف بعلم الكلام وأن يجعل منه أحد علوم الدين بل وأن يحسن للعلماء الخوض فيه.

حقيقة لقد حاولت كل فرقة أن تصل مذهبها بالمتقدمين من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن الأشاعرة كانوا في ذلك من أشدهم إصرارا كي يطمئن الناس أنهم بحق أهل السنة وأن غيرهم من الجماعة منشقون.

ربط الأشعري نفسه- كما جاء في خطبته -في علم الكلام بأحمد بن حنبل مع أن هذا الأخير أشد الفقهاء كراهة للكلام أكره إكراها على الخوض فيه إذا عاصر ذروة الاعتزال في القرن الثالث الهجري. ولهذا فقد كان أتباع أحمد بن حنبل من أوائل من رفضوا مذهب الأشعري وربطه بإمامهم.

ولكن الأشعري بمنهجه ومذهبه- سواء أكان جديدا أم متابعا فيه للسلف كما يقول -استطاع أن يرسخ قواعد المذهب وأن يجذب إليه الكثيرين وأن يحد من انتشار مذهب المعتزلة حتى حجرهم في أقماع السمسم- كما يقولون -وأن يضيق امتداد مذهب الحنابلة. وما ذلك إلا لوسطيته التر التزمها وانتهجها فيه.

والوسط غالبا ما يكون أقرب إلى الصحة والاعتدال فكلا طرفي الأمور ذميم-كما يقولون- فقد نفر الناس من المعتزلة بسبب تطرفهم وغلوهم في استخدام العقل وكان من المتوقع أن يسود الحنابلة ولكنهم بدورهم من بعد إمامهم أثاروا استياء الناس إذ كانوا شديدي التطرف على المخالفين من الفقهاء والمتكلمين- ولم يكن كذلك إمامهم -وكان الأمر يتعدى لدى عامتهم الحوار إلى إثارة الشغب والإخلال بالأمن مما أدى ببعض الخلفاء إلى تهديهم وتعقبهم يقول أحمد أمين: وقد أتعب الحنابلة الحكومات المتعاقبة أكثر من غيرهم من أهل المذاهب الأخرى لشدة عصبيتهم والميل إلى تنفيذ آرائهم بالقوة من إراقة الخمور ومحاربة المنكرات والتعدي على خصومهم من أهل المذاهب وصبرهم على ما يلقون من محن تقليدا لأستاذهم الأكبر أحمد بن حنبل.[30]

وهكذا ظهر الأشعري في أوائل القرن الرابع الهجري والناس في حاجة إلى فكر جديد تكون أول سماته الاعتدال والتوسط وذلك بعد أن لقي الفكر ما لقي من محن وفتن بسبب هذا الاستقطاب.

وقد تم ذلك للأشعري وتجاوز هذه المنحنى الخطير بتحوله العنيف من الاعتزال إلى مذهب قوامه ومنهجه التوسط بين العقل والنقل.

وليس الأشعري وحده هو الذي التمس طريق التوسط في هذا العصر بل ثمة ثلاثة مذاهب معاصرة كلها تنشد التوسط والقصد في الأفكار بين المعتزلة والحنابلة أو بين النقل والعقل وهي الطحاوية نسبة إلى أبي جعفر الطحاوي في مصر ت 321هـ والأشعرية نسبة إلى أبي الحسن الأشعري 323هـ في العراق والماتريدية نسبة إلى أبي المنصور الماتريدي 333هـ فيما وراء النهر.

وهكذا جاء الأشعري يلبي حاجة فكرية منذ القرن الرابع الهجري وذلك بعد الفراغ الذي أحدثه أفول نجم المعتزلة من جهة وعدم ملاءمة فكر الحنابلة. وأن يكون عقيدة للأغلبية بسبب تطرفهم من جهة أخرى.

هذا عن أهمية منهج الوسطية أما معالم تلك الوسطية في مذهبه فتتضح في تطبيقه لهذا المنهج على المسائل الكلامية فكم رأيناه ينتقد فيها غلو المعتزلة في استخدام العقل وغلو الحشوية في إهمالهم له وفي جمودهم وتقيدهم حتى ليقول: إن طائفة من الناس جعلوا الجهل رأس مالهم وثقل عليهم النظر والبحث عن الدين ومالوا إلى التخفيف والتقليد وطعنوا على من فتش عن أصول الدين ونسبوه إلى الضلال.[31]

طبق ذلك في المشكلات التي عالجها مثل صفات الله وما يتعلق بها من التنزيه والتشبيه ومسألة خلق القرآن والرؤية وغيرذلك من المسائل التي عالجها في علم الكلام.

ففي الصفات الإلهية يثبت لله صفات ليست هي ذاته ولا هي غيره. يخالف بقوله ليست هي ذاته تصور المعتزلة للصفات ويخالف بقوله ليست هي غيره الاعتقاد المسيحي وما يترتب عليه من تثليث فهو يتوسط الموقفين أو المذهبين موقف التعطيل الذي ذهبت إليه المعتزلة وموقف التعدد الذي اعتقده النصارى وجاء منهجه الوسطى دالا على التنزيه دون تعطيل أو تعدد.

وقد أخذ الأشعري على المعتزلة أنهم ضيقوا على أنفسهم حين التزموا بموقف الطرف المقابل للتصور المسيحي معتقدين أن التوحيد لا يكون إلا بإثبات صفات هي الذات غافلين عن أن الذات تتعلق بالوجود العيني وأن الصفات تتعلق بالوجود الذهني وأن الاعتقاد أن معنى الصفة غير الذات لا يعني إثبات ذات مجردة عن الصفات وإنما يعني فقط أن الصفة- أية صفة -ليست عن ذات الموصوف فالعلم غير العالم. وهي المشكلة التي ظلت تواجه المعتزلة إلى أن قال أبو هاشم بنظريته في الأحوال.

وإذا كانت وسطيته هنا بين المعتزلة والتصور المسيحي فإن وسطيته في الصفات الخبرية كانت بين المعتزلة والمشبهة. فبينما تذهب المعتزلة في النصوص الواردة بهذه الصفات التي وردت بها النصوص إثباتا حقيقيا جسميا لأننا لا نعرف منها إلا ما هو معروف عندنا فاليدان هما يدا جارحة والوجه هو الوجه الذي نعرف. بينما يذهب المعتزلة والمشبهة إلى ما ذهبا إليه يقف الأشعري وسطه في مذهبه بين هذين المذهبين. فلا يجيز التأويل حيث لا حجة ولا قرينة ولا دليل يبرره وينفي التجسيم حيث لا يليق بالله ولا يبقى إلا الوسطية وهي الإثبات بلا كيف وأن يكون معنى قوله تعالى: "بيدي" في الآية الكريمة مثلا إثبات يدين ليستا قدرتين ولا نعمتين من جهة كما ذهبت المعتزلة ولا جارحتين من جهة أخرى كما ذهبت المشبهة وإنما يدان ليستا كالأيدي (بلا كيف).

وبمثل هذا المنهج وهذه الوسطية عالج كل الصفات التي وردت بها نصوص الكتاب والسنة الصحيحة. إثبات دون تأويل بعيد أو تشبيه معيب. حتى إنه أنكر على المعتزلة تأويل الاستواء بالاستيلاء في قوله تعالى: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾[32] وأنما- عنده -الاستواء فعل أحدثه الله سماء استواء دون علم لنا بكيفيته.

وفي مسألة خلق القرآن حسم النزاع فيه بين القول بالقدم والقول بالحدوث بالتمييز بين الكلام النفسي والكلام اللفظي فهو يرى أن القرآن في اللوح المحفوظ لقوله تعالى: ﴿بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ﴾[33] وهو في صدور الذين أوتو العلم لقوله تعالى: ﴿بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم﴾[34] وهو متلو بالألسن لقوله تعالى: ﴿لا تحرك به لسانك﴾[35] فالقرآن مكتوب في مصاحفنا محفوظ في دورنا متلو بألسنتنا مسموع لنا في الحقيقة إذ يقول تعالى: ﴿فأجره حتى يسمع كلام الله﴾[36] وهو على هذا يطلق على نحوين: الكلام النفسي القديم المتعلق بالعلم وهو القائم بذات الله والكلام المكون من حروف وأصوات وهو الحادث. وبهذا جمع بين رأيي المعتزلة والحنابلة أو توسط بينهما فلم يذهب إلى أنه حادث جملة كما ذهبت المعتزلة أو أنه قديم جملة كما ذهبت طائفة من الحنابلة وأنما جانب منه قديم وهو الكلام النفسي المتعلق بالله وجانب منه حادث وهو المكون من حروف وأصوات والمتعلق بالإنسان. ولم يكن المعتزلة يميزون هذا التمييز.

وإذا كان الكلام يشير إلى معنيين: المعنى النفسي القائم بالله وهو قديم والتعبير اللفظي من الإنسان وهو محدث فلا شك أن جانب المعنى أو بالأحرى الكلام النفسي هو الأولى بأن يتصف باسم الكلام. لأن الكلام كما يقول الأشعري صفة لمن قام به الكلام لا من نطلق به، ولا يطلق الكلام على العبارات المشتملة على ألفاظ مكتوبة أو مسموعة إلى على سبيل المجاز أو الاشتراك اللفظي ومن ثم كان المقصود بالكلام هو الكلام النفسي قبل الكلام اللفظي. وهو معنى قائم بالله لا يتغير بتغير العبارات ولا يختلف باختلاف الألفاظ وهو المراد إن وصف كلام الله بالقدم.

أرايت كيف استطاع الأشعري بمنهج الوسطية أن يقضى على المشكلة أو يخفف من حدتها على الأقل وأن يقرب بين الرأيين وأن الأمر عند التحقيق لا يقتضي ما أثير حوله من ضجة وشغب.

ومن المسائل التي التزم فيها منهج الوسطية مسألة خلق أفعال العباد ونظرية الكسب التي قال بها فهي وسط بين قول الجبرية إن الإنسان ليس له شيئ في أفعاله فهو كريشة معلقة في الهواء وبين قول المعتزلة بالحرية المطلقة للإرادة الإنسانية.

فقسم الأفعال الإنسانية نوعين: اضطرارية واختيارية. الأولى تقع من العباد وقد عجزوا عن ردها والثانية يقدر عليه العباد غير أنها مسبوقة باستطاعة يخلقها الله في العبد عند مباشرته للفعل ثم هي بإرادة الله واختياره. بهذه المقدرة الحادثة يكتسب الإنسان أفعاله بأن يخلق الله في لحظة الفعل قدرة عليه مكتسبة من العبد مخلوقة من الرب فيكون الفعل خلقا وإبداعا وإحداثا من الله وكسبا من العبد[37] لقدرته التي خلقها الله له وقت الفعل لا قبله.

وذهب في الرؤية إلى إثبات الله تعالى في الآخرة مخالفا بذلك المعتزلة واستدل على ذلك بالأدلة السمعية والعقلية ولكنه نزه الرؤية عن أن تكون رؤية إحاطة لأن الله لا تدركه الأبصار ولا تحيط به القوى كذلك عن الرؤية ما يؤدي إلى الجسمية أو التحديد و خالف بذلك المشبهة والمجسمة الذين قالوا بذلك وقالوا بجواز وقوعها في الدنيا. وهكذا جاء مذهبه فيها وسطا بين المعتزلة النافين لها على الأطلاق والمشبهة الذين ذهبوا فيها مذهب التجسيم.

وعلى هذا النحو وبذلك المنهج الوسطى عالج الأشعري مسائل علم الكلام وكتب لمذهبه بسبب منهجه من الذيوع والانتشار ما لم يكتب لغيره من المذاهب.

خلاصة البحث:

  1. المنهج الوسطى عند الأشعري لا يعني "الحلول الوسط" أو "أنصاف الحلول" كما قد يفهم البعض ولكنه الاعتدال والقصد البعيد عن الغلو في أحد الطرفين.
  2. استطاع الأشعري بمنهج الوسطية أن يقضى على المشكلة أو يخفف من حدتها على الأقل وأن يقرب بين الرأيين وأن الأمر عند التحقيق لا يقتضي ما أثير حوله من ضجة وشغب.
  3. والوسط غالبا ما يكون أقرب إلى الصحة والاعتدال فكلا طرفي الأمور ذميم-كما يقولون- فقد نفر الناس من المعتزلة بسبب تطرفهم وغلوهم في استخدام العقل وغلو الحشوية في إهمالهم له وفي جمودهم وتقيدهم، لأن الوسطية تحترم العقل قلا تضعه في غيرموضعه ولا تكلفه فوق قدرته وتحترم النص فلا تجمد أمامه او تقف عند حدود حروفه.
  4. عالج كل الصفات التي وردت بها نصوص الكتاب والسنة الصحيحة. إثبات دون تأويل بعيد أو تشبيه معيب.

ومن المسائل التي التزم فيها منهج الوسطية مسألة خلق أفعال العباد ونظرية الكسب التي قال بها فهي وسط بين قول الجبرية إن الإنسان ليس له شيئ في أفعاله فهو كريشة معلقة في الهواء وبين قول المعتزلة بالحرية المطلقة للإرادة الإنسانية.


This work is licensed under a Creative Commons Attribution 4.0 International License.

 

حوالہ جات

  1. References المعتزلة فرقة كلامية إسلامية تنتسب إلى واصل بن عطاء الغزال، ظهرت في بداية القرن الثاني الهجري(80-130ه في البصرة( في أواخر العصر الأموي) وقد ازدهرت في العصر العباسي، تميزت بتقديم العقل على النقل، سموا معتزلة لاعتزال مؤسسها مجلس الحسن البصري بعد خلافه معه حول حكم الفاسق.ا(نظر: الملل والنحل للشهرستاني، دار الكتب العلمية،1992م،ص :1/61) Al Shahristany, Al Milal wa al Niḥal, (Beirut: Dar al kutub al ‘elmiyah, 1992), 1:61
  2. أنها مأخوذة من الحشو والإدخال بمعنى أن بعض السذج أوالمغرضين من الرواة كانوا يحشون الأحاديث التي لا أصل له في الأحاديث المروية عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فيدخلونها فيها وليست منها، و قيل مَنْ جَسَّمَ وشَّبَهَ وتصَوَّرَ إلهه في حشو العالم، أي داخله.( انظر: في الفلسفة الاسلامية للدكتور ابراهيم مدكور،ص:2/37) Dr. Ibrahym Madkowr, Al Falsafah al ʼslamiyah, 2:37
  3. أيو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري ناصر السنة ،من سلالة أبو موسي الأشعري 260 – 320 هـ ( انظر: الطبقات الشافعية للسبكي ،ص: 2/245، وفي وفيات الأعيان لإبن خلكان،ص:1/328) Al Subky, Al Ṭabqat al Shafi‘yyah, 2:245 Ibn e Khallykan, Wafayat al A‘yan, 1:328
  4. : راجع تلك الصورة من مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين للامام الأشعري،ص 115و 157 دار إحياء التراث العربي بيروت الطبعة الثالثة تصحيح هلموت ريتر.'''Al Ash‘ary, Maqalat al ʼislamiyyeyn wa ʼekhtilaf al muṣalleyyeyn, (Beirut: Dar ʼeḥya al turath al ‘araby , 3rd Edition), 115, 157
  5. : اللمع في الرد أهل الزيغ والبدع للامام الأشعري، .ص:34تحقيق :د.حمودة غرابة،الخانجي القاهرة 1995م Al Ash‘ary, Al Lam‘u fy al rad ʼahl al zugh wa al bida‘ , (Cairo: Khanji, 1995), 34
  6. : الإبانة عن أصول الديانة للامام الأشعري،.ص:8،المطبعة السلفية 1937م ، وانظر أيضا الملل والنحل للشهرستاني ص: 1/ 128تحقييق محمد فتخ الله بدران Al Ash‘ary, Al ʼebanat ‘an ʼuṣool al diyanat, (Maktabah Salfiyyah, 1937), 8 Al Shahristany, Al Milal wa al Niḥal, 1:128
  7. ': الإرشاد الي قواطع الأدلة في أصول الإعتقاد لإمام الحرمين الجويني ص: 258 تحقيق د.محمد يوسف موسي القاهرة.1950م'Al Juwainy, Al ʼershad ʼela qawaṭe‘ al ʼadillat fy ʼuṣool al ʼe‘tiqad, (Cairo: 1950), 258
  8. : مقالات الإسلاميين ص539 Maqalat al ʼislamiyyeyn, 539
  9. : ألف كتبا عديدة في الرد على الجبائي والبلخي والإسكافي وأبي هذيل وأبي هاشم والوراق وغيرهم. راجع تبيين كذب المفتري ص 128 ومابعدها وراجع أيضا د/ عبد الرحمن بدوي: مذاهب الإسلاميين1/505 وما بعدها. وتصل مجموعة مؤلفات الأشعري إلى أكثر من تسعين كتابا كان أغلبها في الرد على المعتزلة ومنها ما هو في الرد على الفلاسفة وعلى الطبيعيين والدهريين وعلى البراهمة والمجوس واليهود والنصارى وعلى الشيعة. ويضاف إلى ذلك كتب تنطوي على أجوبة على مسائل في علم الكلام كانت ترد عليه من شتى البلدان. Tabyeyn Kidhb al muftary, 128 Dr. ‘abd al Raḥman Badwy, Madhahib al ʼislamiyyeyn, 1:505
  10. : استحسان الخوض في علم الكلام للأشعري ص87 حيدر أباد دكن 1234هـ Al ʼash‘ary, ʼestiḥsan al Khwḍ fy ‘elm al kalam, (India: Hydar ābad, Dakan, 1234), 87
  11. : موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول ،ابن تيمية 2/ 10، دار النوادر،1988م Ibn e Tymiyyah, Mawafaqat Ṣaryḥ al ma‘quol le ṣaḥyḥ al manquol (Dar al Nawadir, 1988), 2:10
  12. : الملل والنحل 1/ 148 Al Milal wa al Niḥal, 1:148
  13. : تبيين كذب المفتري قيما نسب للامام الأشعري، لإبن عساكر ص 10 من المقدمة تحقيق محمد زاهد الكوثري ، سوريا،المكتية الأزهرية للتراث. Ibn e ‘sakir, Tabyeyn Kidhb al muftary, (Egypt: Al Maktabah al Azhariyyah le al turath), 10
  14. : السابق 10، 11 Ibid., 10-11
  15. قال عنه العلماء بان فيه جهالة و حديثه لم يحفظ ولم يذكر تاريخ وفاته
  16. ت149هـ
  17. الزاهد قال الأزدي: كان داعية إلى القدر متعبدا مغفلا يحدث بما لم يسمع. توفي الهجيمي هذا سنة مائتين.
  18. : مقالات الإسلاميين 1/ 124 الملل 1/ 148 Maqalat al ʼislamiyyeyn, 1:124 Al Milal wa al Niḥal, 1:148
  19. : الملل والنحل 1/ 152- 154 و الأسماء والصفات للبيهقي 417،مكتبة السوادي ، جدة،1413هـ Al Milal wa al Niḥal, 1:52-154 Al Byhaqy, Al ʼasmaʼ wa al Ṣifat, (Jeddah: Maktabah al Swady, 1413), 417
  20. : المقالات 1/ 151 Al Maqalat, 1:151
  21. : كشاف اصطلحات الفنون و العلوم للتهانوي: 1/ 261، مكتبة لبنان ناشرون،بيرروت،1996م Al Thanwy, Kshshaf ʼeṣṭelaḥat al funoon wa al ʼuloom, (Beirut: Maktabah Labnan Nashiron, 1996), 1:261
  22. : استحسان الخوض في علم الكلام للامام الأشعري،ص 4 Al ʼash‘ary, ʼestiḥsan al Khwḍ fy ‘elm al kalam, 4
  23. : سورة الأنعام: 91 Surah al ʼan‘am, Verse No. 91
  24. : سورة الأنبياء: الآية 98 Surah al ʼanbiyaʼ , Verse No. 98
  25. : سورة الأنعام: الآية 77 Surah al ʼan‘am, Verse No. 77
  26. : سورة الأنبياء: الآية 22 Surah al ʼanbiyaʼ , Verse No. 22
  27. : سورة يس: الآية 80 Surah Yasyn, Verse No. 80
  28. : يلاحظ هنا أن الأشعري وإن كان في الفقه على مذهب الشافعي وفي العقائد على مذهب أحمد بن حنبل كما أعلن في خطبته وكلاهما ذم علم الكلام ونهى عنه فإنه خالفهما في ذلك واشتغل به وألغ غيه وبين ضرورة الاشتغال به ووجهه في هذه الرسالة- مما يدل على وسطية منهجه واستقلال شخصيته.
  29. : انظر في علم الكلام 2/ 10 علما بأن فكرة تعارض العقل والنقل غير واردة في مذهب السلف. ‘elm al Kalam, 2:10
  30. : ظهر الإسلام ،أحمد أمين:ص 126 مكتبة النهضة1962 Aḥmad ʼamin, Ẓahr al ʼislam, (Maktabah al Nahḍa, 1962)
  31. : استحسان الخوض في علم الكلام 87 ʼestiḥsan al Khwḍ fy ‘ilm al kalam, 78
  32. : سورة طه: الآية 5 Surah Ṭaha, Verse No. 5
  33. : سورة البروج: الآية 22 Surah al Burooj, Verse No. 22
  34. : سورة العنكبوت: الآية 49 Surah al ‘ankaboot, Verse No. 49
  35. : سورة القيامة: الآية 16 Surah al Qiyamah, Verse No. 16
  36. : سورة التوبة: الآية 6 Surah al Tawbah, Verse No. 6
  37. : الفرق بين الخلق والكسب أن الخلق يستلزم إحاطة الخالق بالمخلوقات من كل وجه والكسب لا يستلزم ذلك في نظر الأشعري.
Loading...
Issue Details
Id Article Title Authors Vol Info Year
Id Article Title Authors Vol Info Year
Similar Articles
Loading...
Similar Article Headings
Loading...
Similar Books
Loading...
Similar Chapters
Loading...
Similar Thesis
Loading...

Similar News

Loading...